لقنبلة التي فجرها علي ناصر والعطاس ( وشلّتهما ) في طريق الحراك السلمي الجنوبي لتشتيته وتقديم الخدمة للقوى السياسية النافذة ، التي تـشكل فعلياً الأركان الأساسية لنظام صنعاء سواء في جانب السياسة أو رأس المال أو البنية القبلية التقليدية أو الطائفية المهيمنة على كل مجالات الحياة تصرف غير مسئول لا نستطيع السكوت عنه . فلم يكن في حسبان ذلك النظام الذي يعاني من الأزمة السياسية بسب غرقه في مستنقع (الوحدة بالقوة) بالإضافة إلى تلك التعددية السياسية التي فاجأهم بها الرئيسان علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض مع إعلان الوحدة عام 1990م ، لن يكون بمقدوره الخروج منه وإحتواء الثورة وتهديداتها ، إلا بضرب ثورة الجنوب ، والحفاظ على المكسب الغير شرعي في ثروة الجنوب .
لا يوجد شك أن نظام صنعاء يدرك تماماً أن وجود الساسة الجنوبيون ضمن الطيف السياسي سيضل يشكل خطراً متزايداً على ذلك النظام التقليدي الذي جعلهم يرددون بأن اليمن ليست تونس أو .. ، وهذا هو الوضع الذي لا يزال يعول عليه النظام حتى الآن وتكونت على أساسه المعادلات السياسية وموازين القوى العسكرية التي تحكم اليمن عدة عقود - وقبل ذلك قرون - من قبل إعلان الوحدة اليمنية وبعدها . وبالرغم من أن الشعب الجنوبي يقع خارج تلك المعادلات والموازين ، إلا إن أرض الجنوب تشكل بالنسبة لنظام صنعاء وللثورة معاً خط أحمر من الناحية الاقتصادية والإستراتيجية .
وعلى هذا الأساس فإن من مصلحة نظام صنعاء أن يبقى الجنوبيون في الجنوب لأنها لا لهم أي مصالح في الشمال ، بينما يحتفظ الشماليون بما (كسبوه) في الجنوب سابقاً كحق في إطار (دولة إتحادية) التي ستحتفظ لهم بدورها الاستمرار فيه ، وكذلك الحق بالاستيطان ، وبالتالي إذابة الشعب الجنوبي بالشعب الشمالي كهدف استراتيجي .. والمعطيات الموجودة على الواقع كثيرة ولا تسمح هذه السطور بالإطالة في الشرح .
لقد كشف الجنرال علي محسن الأحمر عن الرؤية التي حاول الإخوة الجنوبيون أن ينسبونها إليهم ، فصدقهم كثير من البسطاء بأنهم لا زالوا يفكرون بالقضية الجنوبية خلال فترة وجودهم خارج الوطن وبعيداً عن معانات أهلهم .. حيث جاء في التصريح الصحفي للجنرال في ليلة عيد الأضحى :
" ومن باب المساهمة في تحصين الثورة قد اعددنا رؤية عملية واضحة لم نتحيز فيها لفئة أو جهة أو حزبا ، فاليمن كلها بلادنا ، واليمنيون هم عشيرة واحدة وجميعهم سيجدون أنفسهم إنشاء الله في هذه الرؤية بما في ذلك المرأة والمهمشون ، ونطالب كل مكونات الثورة الشبابية السلمية الشعبية المساهمة في إنضاج هذه الثورة ، فاليمن بيتنا جميعا " ..
أستطيع القول أنه إذا وجد من لا يتوقع أي سوء نية من الإخوة " دعاة الفدرالية " ، أو من يعتقد بأنهم ذو خبرة سياسية أو يعتقد أن وجودهم في الخارج بعيداً عن الضغط النفسي وقساوة الحياة التي نعاني منها في الداخل خليق بأن يجعلهم يفكرون بعمق في القضايا الوطنية ، فعليه أن يطلع بدقة على مفردات مشروع تلك الرؤية (الفدرالية) التي تعمدت بوضوح تشويه التاريخ الجنوبي وضياع هويته وكذلك تعميق صراعات الماضي من خلال الدعوة لمحاسبة الماضي بتأكيد تلك الوثيقة على تعويض المتضررين منذ 1967م .. هذا الذي لم يفلح به نظام صنعاء حتى اليوم ! .. وإذا كل هذا قد جعلني سابقاً أجزم بأن الوثيقة تم كتابتها في صنعاء ، فهل هناك ما يؤكد على صنعانيتها أكثر من تصريح الجنرال بأنه (قد أعد رؤية عملية) تنتظر مساهمة مكونات الثورة ، لإنضاج (الثورة !!) .
