حق الشعوب في تقرير مصيرها ، هو المبدأ الذي تم ابـتداعه كأساس لسياسة إزالة الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى واتخذته الدول الكبرى المنتصرة في الحرب احتراماً لحق الشعوب التي انفـصلت عن الإمبراطوريات المهزومة في اختيار مصيرها . ذلك المبدأ الذي سبــق بكثير وضع القوانين الدولية التي تحتـكم لها الدول حالياً ، حيث يشير في مفـهومه إلى حق الشعوب في تحديد طموحاتها السياسية وحقها في اتخاذ الأساليب والأشكال السياسية لتحقيق طموحاتها دون تدخل خارجي من قبل شعوب أو منظمات أجنبية . فهو بذلك حق أي شعب في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب بالعيش في ظلـّه والسيادة التي يريد الانتماء إليها . قال الرئيس الأمريكي (ويلسون) بعد الحرب العالمية الأولى : " ليس من الجائز مقايضة الناس بين سيادة وأخرى كما لو كانوا أموالاً منقولة أو حجارة لعب ، وأن الشعوب لا يُسيطر عليها ، ولا تحكم إلا بناءاً على موافقتها ، وأي تـسوية إقليمية تنتج من هذه الحرب يجب أن تكون لمصلحة الشعوب ذات العلاقة " .
لقد انعقد مؤتمر الفيدراليين في القاهرة تحت شعار " معاً من اجل تحقيق حق تقرير المصير لشعب الجنوب" ، لتنفيذ أجندات خارجية حسب تصريح سعيد سعدان رئيس اللجنة الإعلامية للمؤتمر للجزيرة نت قبل انعقاد المؤتمر ، حيث أشار : " يعتقد منظمو المؤتمر أن الوضع الإقليمي والدولي حاليا لا يسمح بتحقيق استقلال الجنوب مباشرة ، ويبقى الحل - في نظرهم - هو الدخول في وحدة فدرالية مع شمال اليمن "... وبذلك فالمؤتمر كان لتمرير مؤامرة الانتـقاص من الحق الشرعي المحدد الواضح للشعب الجنوبي ، كمحاولة خبيثة لجعل القضية الجنوبية كقضية أي شعب يبحث عن حق تقرير المصير ، ليصبح بذلك شأن الشعب الجنوبي في قضيته كشأن الشعب الكردي أو شعب الصحراء الغربية أو غيرهما من الشعوب التي تتنازع قضاياها المصيرية عدة دول إقليمية أو دولية ؟! .
إن الشعب الجنوبي ، الثابت بأقدام راسخة على أرضه التي عاش عليها دون أي تمييز طائفي أو مذهبي أو عرقي ، هو شعب عريق بتاريخه وبهويته وبثـقافــته الوطنية والإسلامية .. وهو الشعب الذي يشهد له التاريخ عن دوره الفريد - دون غيره في المنطقة - في نشر دين الإسلام والثـقافـة الإسلامية إلى أقصى شرق الأرض وغربها ، ويتطلع اليوم إلى إعادة بناء المجتمع الجنوبي بما يتناسب مع صيانة مختلف الحريات السياسية والفكرية ، لن يسمح لكائن من كان أن يشوش على حقيقة أن الشعب الجنوبي قد تحقق له سابقاً كامل الحق في تقرير مصيره على أرض دولته الجنوبية السابقة بإرادته الثورية ووفقاً للقوانين والمواثيق الدولية ، وكذلك لاحقاً - بعد إعلان فك الارتباط عام 94م - وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي .. إنه شعب ثائـر على كل من ساهم في مصادرة دولته المعروفة على الصعيد الدولي ، ولا يزال يرفع اليوم علمها عالياً في وجه قوات الاحتلال ، ولن يسمح بالأساليب اللئـيمة التي تتعامل مع قضيته كما لو كانت قضية طائفـة أو جماعة إثـنية أو مذهبــية تحتاج إلى من يحدد لها حدود الأرض التي تقرر مصيرها عليها .. والله المستعان .