في عودة جمهورية جنوب اليمن هزيمة للقاعدة
بقلم:داود البصري*
من بين بقايا الديكتاتورية المهزومة في اليمن تبرز عصابة جماعة "القاعدة" بإعتبارها من أبرز النفايات المتخلفة عن سطوة نظام علي عبد الله صالح والتي حولت أراضي جمهورية جنوب اليمن لمستوطنة جاهلية متخلفة وإرهابية إمعانا في إذلال الجنوبيين, ورغبة في بث الرعب و التخريب في أرض ماعرفت سوى المقاومة والفداء والتضحية وما أختطت غير التقدم والحضارة سبيلا لحياتها , ولعل تمركز عصابات إرهابية متخلفة في جنوب اليمن يمثل اليوم التحدي الأكبر أمام إعادة تسوية الأوضاع وترتيب أولويات البيت اليمني الداخلي بعد هزيمة الفاشية العسكرية و إنسحابها الذليل من مسرح الأحداث , لقد كان لشعب جنوب اليمن, ومنذ مرحلة مبكرة, شرف المساهمة في تنبيه عموم اليمنيين و العالم لخطورة المشروع الإرهابي والسلطوي لنظام علي عبد الله صالح الذي كان نظاما ذرائعيا يتلاعب بالملفات الخطرة و يجيرها لصالحه و اعلن شعب الجنوب العربي في إنتفاضته التاريخية الكبرى في صيف عام 1994 والتي أرادها النظام المتسلط حرب إبادة حقيقية عن هويته التحررية الحقيقية التي جابهها النظام البائد بالحديد والنار عبر الإستعانة ببقايا الفاشية العربية ممثلة في النظام البعثي العراقي البائد الذي أرسل طياريه وهيئاته الإستشارية من الضباط لقمع إنتفاضة شعب الجنوب العربي, وإطالة امد الإحتلال و بما كرس صفة التخلف و الإهمال واللصوصية في الجنوب , ولم يستكن الشعب الجنوبي أو يخنع بل حرص على إستمرارية المقاومة و النضال بمختلف الوسائل الممكنة لحق تقرير المصير ولمحاربة التخلف والجهالة والمفاهيم الخرافية التي تستوطن عقلية جهابذة الإحتلال السلطوي المتخلف , ومنذ أن فجر شعب الجنوب إحتجاجه السلمي عبر الحراك الجنوبي كانت السلطة تتوسل الغرب عبر الإبتزاز الفج والوقح عبر الإيحاء بتمركز جماعة "القاعدة" في جنوب اليمن و الإستعداد بالتالي للإنخراط في الجهد الغربي لمحاربة تلك العصابة لتجميل وجه الإحتلال ولتشويه وجه المقاومة الشعبية في الجنوب العربي و للحصول على الدعم المادي و المعنوي من الغرب عبر إختراع "فزاعة القاعدة" , الحقيقة الميدانية لكفاح و إنتماء فكر أهل الجنوب العربي تتمثل في الإنفتاح الحضاري و التسامح الفكري, والسمو الأخلاقي, والبعد التام عن السياسات العنصرية و العقليات التكفيرية السخيفة , فأهل الجنوب كانوا عبر التاريخ و على الدوام عنوانا للسمو الحضاري و الرقي الفكري, ولقد نشروا الإسلام الحنيف في جنوب شرق آسيا بالحكمة و الموعظة الحسنة, وليس بالغزو و الدم و تكفير الآخرين.
لقد إنهار الوضع العام في الجنوب العربي بعد تلك الوحدة الفخ السقيمة التي آن اوان تصفيتها و إيداعها متحف التاريخ , و تصحيح العقليات و المفاهيم وتنظيف الجنوب العربي و جميع أرجاء اليمن من مخلفات الديكتاتورية والإستبداد و حكم العشيرة الذهبية و الإنطلاق في بناء برنامج فكري للإنسان الجديد , و عودة جمهورية الجنوب للحياة هي الحل الأمثل و الأكثر رسوخا لبداية البناء الفكري و لحرب الرجعية و التخلف , فأهل الجنوب بشبابهم الناهض و بشيوخهم الذين قاتلوا الإستعمار البريطاني ورسموا حدود الوطن المقدسة لن يرضوا بأقل من الإستقلال الكامل و الناجز , فالدماء الجنوبية العبيطة التي عمدت الإستقلال و ناضلت من أجل الوحدة الحقيقية و ليس الإستغلالية و سقت شجرة الثورة و الإنتفاضة الوطنية في حرب عام 1994 لا يمكن أبدا أن تتحول لماء ثقيل , و بالتالي فإنه لا خلاص حقيقي من إشكاليات مرحلة التسلط و الإستبداد و من تواجد الجماعات التكفيرية و الرجعية المتخلفة بمفاهيمها الدموية الزاعقة إلا بعودة جمهورية الجنوب بحدودها الموثقة و المعروفة دوليا و التحلل من جميع إتفاقيات وحدة عام 1990 الإستعجالية الفاشلة و العودة للبناء الوطني الحضاري الجديد برؤية وطنية ثقافية و فكرية متناسبة مع حالة التطور التاريخية للشعب الجنوبي , لابديل عن عودة الاستقلال , و لا مفر من إقرار جميع الفرقاء في اليمن بالمسؤولية التاريخية الكبيرة الناجمة عن فشل الوحدة و تفكيك الخراب من أجل إعادة البناء وهو تحد حضاري كبير يتطلع اليه الجنوبيون اليوم بشغف و إصرار لا يعرف التراجع نكرر لا بديل عن عودة جمهورية جنوب اليمن كجزء من حالة الانبعاث الحضاري في جنوب الجزيرة العربية.
*كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com
http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/175465/reftab/36/Default.aspx