لم يدر بخلدي أن أرثي يوما الأستاذ هشام باشراحيل مع أن الموت حق علينا "كل نفس ذائقة الموت"، ولأن الرثاء والمراثي لا أجيد كتابتها ولو كان المصاب جللا وأليما وأقرب الناس إلى القلب، كما هو الحال اليوم مع (أبو باشا) أو عندما سقطت الحجر الملعونة من فوق جبل صيرة على رأس ابنتي (10 سنوات) ورفعتها إلى السماء شفيعة بإذن الله تعالى.
وجدت لزاما عليَّ أن أكتب شيئا ربما لن يكتبه الآخرون بل وأشياء يمليها الضمير الإنساني أن أتناولها من وحي العشرة الحلوة والمرة في السنوات التي قضيتها على مقربة من الأخوين هشام وتمام وفي مدرسة "الأيام" وتعلم مهنية الرسالة والعمل الصحفي بعيدا عن ذلك الإعلام الرتيب الموجه البليد الذي عملنا فيه للحاجة.
هشام باشراحيل ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ دفع ضريبة المهنية مبكرا منذ إصدار "الأيام".. دفعها عندما كان بكامل صحته وحتى آخر يوم من حياته.
هشام.. لم يكن ذلك الناشر ورئيس التحرير المعهود وغيرها من المظاهر الديكورية الزائفة، نسفها هشام وجعل كل محرر مسؤولا عن النشر.. عزز روح المسئولية في الأسرة الصحفية التي كانت تجلس في دهليز محدود المساحة طولا وعرضا منه تصل "الأيام" إلى القارئ.. أتذكر أن مسئولا كبيرا زار يوما ما الدار ودخل الدهليز، وقال :"ياساتر..تربشوا الدنيا من هذا المكان!!"، فجاء الرد منه: "لاربشة ولا حاجة بس الحقيقة دائما تربش اللي برأسه قشاشة".
مالم يعرفه الكثيرون أن هشام حتى آخر يوم من صدور "الأيام" كان عنصرا فاعلا في العملية التحريرية، بل محرر استماع وصف على اللابتوب في آن واحد.. ومعظم الحوارات التي كانت تبثها قنوات فضائية عربية عن الجنوب وقضيته حرص شخصيا على نشرها والاشتراك في تحرير المادة.
كان هشام يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا أبلغه شاك أو مظلوم أن قضيته سلمت ولم تنشر ولا يهدأ له بال إلا بمعرفة مصيرها، كما أنه مرن في التعامل مع الشاكي ومعالجة قضيته ليس في النشر ولكن بمتابعتها على أعلى المستويات.
الخبر هاجسه اليومي صباحا ومساء.. يبحث عنه ومن مصادره.. وامتاز بفتح القنوات مع كل الأطراف، ومد جسور التواصل معها حتى الخبر الرسمي الذي يلوكه الإعلام الحكومي يتعامل معه بالبحث عن مزيد من التفاصيل التي تهم القارئ.
لقد استشعروا خطورة "الأيام" والنجاحات التي تحققها والمشروع الإعلامي الكبير الذي كان يعد العدة له هشام باشراحيل فسارعوا بالانقضاض على ذلك المشروع وصاحبه.
حق لم يكن هشام مصاب وطن بل مصاب أمة.