كان، صلى الله عليه وسلم، شديد الزهد فى الدنيا، عظيم الرغبة فيما عند الله تعالى والدار الآخرة، وكان يتهيأ لاستقبال رمضان ويقبل على الخير، وينشط فى الطاعات، ويغتنم الفرصة كاملة.
وكان نبى الهدى، عليه الصلاة والسلام، أعرف الخلق بربه سبحانه، وأعظمهم قياماً بحقه.. تدرج فى سلم الكمال البشرى فبلغ مبلغاً يعجز عن فهمه أكثر العالمين، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ثم هو يقوم من الليل حتى تنتفخ وتتفطر قدماه. هكذا كان هدى سيد الورى، صلى الله عليه وسلم، مع رمضان.
فأين نحن من التهيؤ لرمضان؟! فهو ضيف عزيز لهذه الأمة، ينزل عليهم، فيذكر غافلهم، ويعين ذاكرهم، وينشّط عالمهم، ويشحذ همهم للطاعات، فتمتلئ مساجدهم، وتجود نفوسهم، وينتصر مجاهدهم.
ومن هديه، صلى الله عليه وسلم، فى رمضان: تأخيره للسحور، حيث كان، صلى الله عليه وسلم، يتناوله قبل أذان الفجر الثانى بقليل، وكذا إفطاره، وتعجيله للإفطار، حيث كان، صلى الله عليه وسلم، يفطر قبل أن يصلى المغرب، وكان يفطر على رطب أو تمر أو ماء، مع تواضع إفطاره وسحوره، صلى الله عليه وسلم. وكان يقول عند الإفطار: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»، وكان يُكثر من أنواع العبادة، ويكثر الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر والاعتكاف، وكان يخصّه من العبادات بما لا يخصّ به غيره، وكان يرغب الناس فى ثواب الشهر، ويخبرهم بفضائله، وفى الليل يحلو له القيام والمناجاة، فيكثر الصلاة فيه، وينتهى بوتر، وكان إذا قام للصلاة من جوف الليل دعا فقال:
«اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهى لا إله إلا أنت» وكان، صلى الله عليه وسلم، يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل.
ولم تكن تلك العبادات وذلك الاتصال الروحى العميق بالخالق ليقف عائقاً أمام العمل للحياة، ولا أمام الجهاد وخوض أصعب المشقات، لقد قاتل، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى تسع من غزوات المسلمين أيام حياته، وقد كانت اثنتان منهما فى رمضان، وكانت لهما مكانة كبيرة وخطر جسيم وهما غزوة بدر، وفتح مكة، ونتائجهما عظيمة الأثر فى تاريخ الاسلام.
فما أحوجنا فى هذا الشهر الكريم أن نسير على هديه، صلى الله عليه وسلم، فى الاجتهاد فى الطاعات والتقرب إلى الله، والعمل من أجل نهضة وطننا ورفعة أهلنا.
عاطف البرديسى
اعلامى وكاتب صحفى
A_elbardesi@hotmail.com