عندما قامت الدويلات في منتصف الخلافة العباسية ، لم يقم العلماء بالتأصيل الشرعي للخلافة العباسية ، وأن من اعلن دولة مستقلة عن الخلافة فهو كافر ، كالسلاجقة والاموية في الاندلس والفاطمية والايوبية .. الخ . والدول التي جاءت بعد الخلافة العباسية كالخلافة العثمانية العظيمة التي حكمت العالم ، لم تكفر من خرج عليها وأعلن دولة مستقلة ، ودولة محمد علي باشا في مصر والسودان وبلاد الشام وكل الدول التي قامت في الجزيرة العربية ، ودولة الموحدين والمرابطين في الاندلس وغرب افريقيا ... الخ ، وفي العصر الحديث لم يتهم عبدالناصر السودانيين بالردة والكفر عندما طالبوا بفك الارتباط , ولم يتهم ضباط الجيش السوري بالردة والكفر عندما طالبوا بفك الارتباط , وجميع هذه الدول لم تعمد إلى التأصيل الشرعي الديني الذي يكفر الآخرين .
يعني ياعلماء الشمال شيئاً من الأخلاق في التعامل مع الدين ، ولو قلدكم الجنوبيون في الانحراف الفكري ، لحق لهم القول أن تكفير من يدعو إلى عودة دولة الجنوب هو الكفر بعينه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما يروى في صحيح مسلم ( إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما ) ، يعني أما تثبتوا كفر الجنوبيين وإلاَّ فأنتم الكفرة ، ولذلك نقول كل واحد يحترم نفسه افضل ، وباب الاجتهاد السياسي مفتوح للجميع ، والاجتهاد فيما ينفع الناس مفتوح للجميع ، ولا داعي لإقحام الدين في سوق السياسة المتغيرة.
وللتوضيح فاستخدامي الاستفزازي لكلمة كافر في العنوان ( الوحدوي كافر ) هو استخدام لغوي فقط وليس بمعناها المصطلحي ، فكلمة كفر بالعربية تعني غطى الحقيقة وأخفاها ، ونفس المعنى نجده في الانجليزية لكلمة كفر ، والوحدويون في الواقع غطوا الحقائق بالكثير من الاكاذيب والتدليس على الناس في الجانب الديني والتاريخي والسياسي ، و أصبح تناولهم القضية الجنوبية عدائي مع دعاة استعادة الدولة بكل المقاييس .
والقضية الجنوبية لم تعد قضية مجهولة بل هي قضية تهم العالم ، وليست قضية نخبة مرتبطة بهذه الدولة أو تلك ، ولم تعد قضية حزب انتهازي يرفع شعاراً شعبيا ويخفي ورائه المصالح الذاتية ، وليست كرت تستخدمه هذه الدولة أو تلك للضغط على نظام صنعاء . القضية الجنوبية اليوم هي قضية شعب يريد الحياة ، وكره التلاعب بالدين والاحتيال عليه لسرقة ماله وأرضه باسم الدين ، واكتشف الحقيقة المرة أنه كان ضحية لخديعة مجموعة من الأغبياء العلمانيين في الجنوب ومجموعة من المرتزقة اللصوص باسم الدين في الشمال ، وهو اليوم يصارع ويناضل سلمياً لحل مشاكله ولم يجد طريقاً يحل مشاكله حلاً جذرياً إلاَّ باستعادة دولته المستقلة ، ولا داعي لاستفزازه باسم الدين والجهاد حتى لايخرج من سلميته إلى البندقية .
إن استخدام الدين في العمل السياسي لفرض توجهات أو حلول لاتحمي مصالح الناس ليس من الدين ، أو استخدامه لتسلط فئة أو شعب أو قبيلة أو مذهب أو قومية على أخرى يسيء إلى الدين ولا ينفعه ، والشعب الجنوبي تعلم وتفقه في الدين ولن يقع في الخديعة مرةً أخرى ، وعلى الأخوة الجنوبيين في التجمع اليمني للإصلاح أن يفيقوا مما هم فيه ، ولايكونوا أداة بيد الغير لقهر أخوتهم كما كان الاشتراكيون الجنوبيون يوماً من الأيام ، فالإسلام جاء ليكمل مكارم الأخلاق وحمل كل ماينفع الناس في دنياهم وآخرتهم وليس العكس.