بقلم
د. سوزان فهمي
أياً كان السبب الذي دفعك للمجيء إلى فلسطين، يجب أن تفهم حقيقة وجودك، فأنت مستعمر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
ورغم قناعتنا بأن المستعمر لا يناقش عقلياً، لأنه لا يمتلك المنطق، وبالتالي ليس أمامه سوى اللف والدوران والكذب والخداع، ليهرب من مواجهة الحقائق.. نقول بالرغم من تلك القناعة لابد من النقاش، عسى أن يكون هناك بعض المغرر بهم من اليهود والذين جاءوا مخدوعين بالفكر الصهيوني.
1- اليهودية دين وليست بقومية. وأنت كيهودي جنسيتك البلد الذي جئت منه. فأنت قوميتك روسية أو أوكرانية أو ألمانية أو بريطانية أو أمريكية... ومثلك في هذا، مثل المسيحي، فقد يكون روسياً أو أوكرانياً أو ألمانياً أو بريطانياً أو أمريكياً... وكذلك المسلم أو البوذي...
فالديانة لا تعني القومية، ولا تعني الشعب أو العرق مطلقاً. وكل من يقول غير ذلك يخالف العلم والعقل والمنطق والتاريخ. ويخدع نفسه والسذج فقط.
2- وأنت كيهودي أوروبي أو أمريكي من الأشكنازيم وتمثلون من 80 - 85 % من اليهود في العالم، وأصولكم التاريخية تعود إلى الخزر تلك القبيلة التي تهودت بالكامل بدءاً من القرن الثامن الميلادي، ثم بدأت هجرتكم إلى أوروبا مع القرن الثاني عشر .
ثم في الدرجة الثانية يأتي السفارديم وهم من أصول إسبانية. وتبقى نسبة ضئيلة جداً من عروق مختلفة.
3- و بما أنك انتميت إلى الديانة اليهودية سواء عن طريق والديك أم أمك، أم عن طريق تهودك أم دخولك الديانة اليهودية طوعاً أو كرهاً، حتماً ستؤمن بالعهد القديم ولا سيما التوراة و ستقدس أنبياءه. وكونك تحترمهم وتؤمن بهم، فهذا شأنك. ولكن أن تزرع الصهيونية في دماغك بأن أولئك الآباء هم أجدادك فذاك هو الدجل والزيف! فكيف أنت اليهودي ديناً ومن عرق أصوله أوروبية/ خزرية/ إسبانية... / يكون جدك الأكبر إبراهيم آرامياً وباعتراف النص؟!
تصور أن الصهيونية تتحدث عن سلالتك النقية الصافية وأنها تعود لأكثر من أربعة آلاف سنة، وفي الوقت نفسه يذكر العهد القديم، تهود الكثيرين من أهل الأرض في بابل، ثم في فلسطين. ثم فيما بعد يذكر التاريخ تهود قبيلة الخزر!! فهل هؤلاء الذي تهودوا وهم من جنسيات مختلفة - وأنت منهم - لحقهم النسب العرقي والجنسي؟!
إن أولاد يعقوب/ إسرائيل/ انقرضوا بعد ذهابهم إلى مصر. والتوراة الحريصة جداً على قضية الأنساب تغيب السلالة أربعة قرون، لتقول فجأة: هذا موسى من سلالة أسباط يعقوب/ إسرائيل/. فكيف تصدق ذلك؟!
وعلى كل، سواء أصدقت ذلك الكلام أم لم تصدقه، ثق تماماً بأنه لا علاقة لك أنت بأولئك لا من قريب ولا من بعيد!
وسنتجاوز العلم والتاريخ والآثار، لنتابع مع العهد القديم، فداود كما يدعي العهد القديم أقام مملكة استمرت ما يقارب السبعين سنة في عهده وعهد ابنه سليمان. ثم انشقت المملكة كما تعلم إلى مملكة السامرة ويهوذا، وبدأت الصراعات بين المملكتين حتى انتهت الأولى على يد الآشوريين والثانية على يد البابليين.
والأولى والتي ينتمي إليها عشرة أسباط، انقرضت نهائياً. والثانية وفيها سبط يهوذا، قسم منه انقرض في بابل، وقسم اندمج في شعوب بابل بالتزاوج المتبادل. وقد تهودت جنسيات مختلفة رعباً وخوفاً كما يذكر سفر أستير" وصار كثير من أمم تلك الأرض يهوداً لأن خوف اليهود حل عليهم" (أستير فصل8/17). والآن فكر بيهوديتك أهي دين، أم عرق وجنس وشعب؟!
وهذا السبط الخليط المتبقي - استناداً إلى العهد القديم - عاد منه أقل من خمسين ألفاً إلى أورشليم وما حولها كما تعلم، والبقية انقرضوا أو اندمجوا في شعوب المناطق.
وهؤلاء الخمسون ألفاً تسموا باليهودية وهي كما ترى ديانة وليست شعباً أو عرقاً!
فما علاقتك أنت أو قرابتك بهؤلاء!!
وهؤلاء ما علاقتهم أو قرابتهم بيعقوب/إسرائيل /؟!
ألا ترى أن نسل يعقوب انقرض ولم يعد له وجود، وهؤلاء رابطتهم فقط الدين، وبالتالي: الدين ليس برابطة جنسية / إثنية / عرقية!!
إن وعي التاريخ والحقائق يجعلك تسخر من أطروحات الصهاينة حول جعل اليهودية قومية!! أو ليست خزعبلات فارغة يستخفون بها بعقل السذج؟!
تصور معي أن يأتي مسيحي من روسيا أو أندونيسيا أو أمريكا أو فرنسا، ليدعي بأنه من سلالة حواريي المسيح أو أقربائه، لمجرد كونه صار مسيحياً.
أو أن يدعي المسلم من أفغانستان أو الصين أو فرنسا أو أمريكا بأنه ينتمي إلى سلالة النبي محمد، لأنه دخل الإسلام!!
وكذلك أن يدعي البوذيون من الصين أو الهند أو اليابان أو تايلاند... النسبة/الجنسية أو القومية/ إلى سلالة بوذا!!
وتصور أن نقول الشعب المسيحي أو الأمة المسيحية، أو الأمة البوذية!! ألا ترى معي أن ذلك تهريج وخزعبلات لا أكثر!
إذا وصلت إلى هكذا مستوى من النضج في التفكير تحل المشكلة، لأنك ستؤمن تماماً بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب اليهودي، وبأنه لا علاقة لك بوعود يهوه لإبراهيم ويعقوب وسلالته، لأنك لست حتماً من تلك السلالة، وبأن تلك السلالة قد طواها الزمن وانتهى أمرها، وبأن يهوديتك انتماء ديني لا علاقة له بالجنس والعرق! وبالتالي لا علاقة لك بفلسطين مطلقاً لا قديماً ولا حديثاً.
4- ما سمي بالمشكلة اليهودية، هو الزيف والدجل لا غير، وهو النظر إلى اليهودية كدين وعرق.. بينما لو أعدنا الأمر إلى طبيعته، الديانة يهودية، والجنسية القومية فرنسية، روسية، إيطالية، بريطانية، أمريكية... لانتهت المشكلة حتماً ولصار الأمر مثل بقية شعوب العالم:
أوروبي أو أمريكي ديانته المسيحية أو اليهودية أو الإسلام..
روسي ديانته اليهودية أو المسيحية..
أوكراني ديانته اليهودية أو المسيحية..
هندي ديانته اليهودية أو المسيحية أو البوذية أو الإسلامية...
لقد حلت حركة التنوير اليهودية مشكلتك في أوروبا وقالت لك: كن يهودياً في بيتك أما خارجه فكن كأي مواطن عادي، أي اندمج في المجتمع الذي تعيش فيه تنته مشكلتك، فالديانة شيء والقومية شيء آخر. ولكن الصهاينة قالوا: لا، لأن لهم أطماعهم الاستعمارية!
ولما تعرضت للهولوكست وهي مؤامرة ضدك بين الحركة الصهيونية والنازية لدفعك للهجرة إلى فلسطين، تصرفت ضد الشعب الفلسطيني بأكثر مما فعلته النازية والفاشستية! فهل من يدعي الهروب من الاضطهاد الأوروبي ثم من النازية، يفعل ذلك!؟ إننا نشك في تلك المسرحية، ونطالبك بفتح ملفات التحقيق التي تطمسها الصهيونية لإخفاء الحقائق! لأن الذي يعاني حقاً لا يمكن- إذا كان إنساناً حقيقياً- أن يعتدي على الآخرين ويضطهدهم!!
5- اليهودي العاقل إذا فكر، وناقش، سيصل إلى تلك الحقائق، وبالتالي سيسأل نفسه عن سبب وجوده الحقيقي في فلسطين!
ومن البديهي أنه سيدرك بأن وجوده استعماري محض خططت له الإمبرياليات مع المستعمر الصهيوني العنصري، وبالتالي سيرجع إلى وطنه الحقيقي الذي جاء منه، ويندمج فيه كأي مواطن، فدينه لنفسه، والوطن للجميع.
سيعود إذا كان يحترم نفسه، لأنه كان مجرد أداة لحماية مصالح الاستعمار، ولأن وجوده إنما كان على حساب أهل فلسطين الشرعيين/الكنعانيين/ والذين يعود تاريخهم إلى أكثر من خمسة آلاف سنة!
6- الحقيقة الأخيرة التي يجب أن يستوعبها كل مستعمر صهيوني، هي أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن أرضهم مهما طال الزمن. ولن يكون الاستعمار آمناً مطمئناً طوال الوقت مهما امتلك من عتاد وقوة. فالفلسطيني صاحب الحق ستجده في كل درب، وزاوية، وفي النهار، وفي الليل، وفي أحلامك!
فلم تعيشون في قلق ورعب، وأنتم تعرفون بأن النهاية لن تكون لكم. صحيح القوة ومساندة الإمبرياليات لكم وعلى رأسها الولايات المتحدة، تمنحكم الاستمرار المؤقت في الضلال والاستعمار، ولكن لن تمنح قلوبكم الراحة والهناء.. فالموت سيفاجئكم في أية لحظة. فلم المراهنة بحياتكم من أجل فكر استعماري يسيطر عليكم من خلاله مهووسون ومجانين عنصريون وإرهابيون، ويقودونكم كالقطعان إلى حتفكم؟!
خذوا من التاريخ العبر، ما مصير الاستعمار في أية بقعة من العالم؟!
بريطانيا الإمبريالية الأولى التي كانت لا تغيب عنها الشمس، أين هي؟
مجرد عجوز شمطاء تلهث ككلب وراء الإمبريالية الأمريكية!!
أين مستعمرات فرنسا؟! كم بقيت في الجزائر، ومن ثم ماذا حدث؟!
ولا تظن أن وجودك صار شرعياً، لأن الأمم المتحدة اعترفت بك، فأنت تعلم تماماً بأن الذي صنع دولتك إنما هو الإمبرياليات وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، وهؤلاء لا شرعية لهم فهم لصوص ومجرمون وإرهابيون، وليس من حقهم التبرع لك بأرض ليست لك ولا لهم.. فلم لم يتبرعوا لك بوطن في أرضهم هم، وعلى حساب شعوبهم هم؟!
فهم اختلقوا لك الوطن ليكون قاعدة عسكرية لحماية مصالحهم، وما أنت سوى أداة. أو لم تدرك هذه الحقيقة بعد؟!
انظر إلى المجازر التي ارتكبتموها منذ دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقانا وجنين... ومئات كثيرة، داخل فلسطين وخارجها... فإلى متى ستستمر في وحشيتك، وما النهاية؟! أهكذا حياتك: إرهابي وعنصري ولص ومجرم وقاتل محترف! ألم تسأل نفسك: ثم ماذا بعد، طالما الشعب الفلسطيني لن يعترف بك ولن يهدأ ولن يكف عن المطالبة بحقوقه، حتى يحرر أرضه ويطردك منها...
فاكسبوا حياتكم، واحفظوا ما تبقى لكم من حياة ولأطفالكم وأسركم، وعودوا إلى أوطانكم لتنعموا بالحياة الحقيقية. لسنا ضد أي يهودي في العالم، ولكننا نعد كل يهودي على أرض فلسطين مستعمراً، ولا ننظر إلى دينه فهو مستعمر سواء أكان يهودياً أم وثنياً، ألم نقاتل في فلسطين الصليبيين والمغول والأتراك والإنكليز وأنت... ألم يُقاتل شعب الكويت المسلم احتلال العراق وهو مسلم مثله .؟
فنحن ضدك كمستعمر، ولا نحترمك ولا نقيم لك وزناً، لأن المستعمر بلا شرف ولا ضمير ولا أخلاق ولا... ومن حقنا محاربتك والقضاء عليك حتى نحرر وطننا كله. فنحن نحارب من يستعمر أرضنا دون النظر إلى دينه أو أصله.
والغبي والمجنون من يدرك هذه الحقائق ولا يرحل!!