واشنطن تعتبر العملية اليمنية ضربة موجعة لـ«القاعدة».. وقدمت دعما رغم أن أميركيا كان بين المستهدفين صنعاء - واشنطن: سودارسان راغافان ومايكل دي شير *
قال مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إن واشنطن تعتقد أن رجل الدين، أنور العولقي، الذي يحمل جنسية أميركية وهو من أصل يمني وكان على صلة بالمشتبه فيه في حادث إطلاق النار بقاعدة «فورت هود»، من المحتمل أن يكون قد قتل خلال الغارة الجوية التي شنها اليمن أول من أمس على «القاعدة» في شبوة، وكذلك اثنان من قيادات التنظيم.
وأكد مسؤولون يمنيون وأميركيون أن الهجوم الذي نفذته قوات يمنية، مدعومة من الولايات المتحدة، كان ضد اجتماع لكبار عملاء تنظيم «القاعدة».
كان أحد هذه القيادات زعيم عمليات التنظيم الإرهابي في شبه الجزيرة العربية، وعمل في وقت من الأوقات سكرتيرا شخصيا لأسامة بن لادن، والآخر كان مواطنا سعوديا ومحتجزا سابقا في سجن غوانتانامو بكوبا.
وقال مسؤولون يمنيون وزعماء قبليون وشهود عيان إنه ليست هناك دلائل واضحة تشير لمقتل أو إصابة العولقي واثنين من قيادات «القاعدة» في الهجوم. وحذروا من أن الأمر سيستغرق أياما حتى تتمكن السلطات من تحديد هوية القتلى.
من ناحية أخرى، تعكس المشاركة الأميركية في الضربة التي تم شنها بجنوب شرقي اليمن -بجانب ضربة أخرى مشابهة في البلاد الأسبوع الماضي- استعدادا أكبر من قبل إدارة أوباما لاستخدام القوة العسكرية في المواجهات ضد الإرهابيين خارج مناطق الحرب التقليدية في العراق وأفغانستان. وجرى النظر إلى الضربة التي شنها الأسبوع الماضي باعتبارها أهم الأمثلة على التوجه الجديد، طبقا لما ذكره مسؤول أميركي بارز على علم بجهود تخطيط وتنفيذ الهجوم.
ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان جرى استخدام قوة نيران أميركية في أي من الهجومين أم لا. وصرح مسؤول أميركي بأن بلاده قدمت معلومات استخباراتية وصورا أخرى للدعم في الهجومين.
جدير بالذكر أن الهجوم الذي وقع الخميس أسفر عن مقتل 30 مسلحا مشتبها فيهم على الأقل، طبقا لما ذكرته مصادر أمنية وحكومية يمنية. وفي بيان لها، أعلنت السفارة اليمنية في واشنطن أنه من المعتقد مشاركة العولقي في الاجتماع المستهدف، وكذلك ناصر الوحيشي، الزعيم الإقليمي لـ«القاعدة»، ونائبه، سعيد علي الشهري.
وأشار مسؤول أميركي إلى قياديي «القاعدة» باعتبارهما «أكبر رأسين يجري اصطيادهما من أعنف أذرع (القاعدة) على مستوى العالم».
وقال المسؤول الذي، مثلما الحال مع الآخرين، رفض الإفصاح عن هويته لافتقاره إلى حق مناقشة الأمر مع وسائل الإعلام: «إنها ضربة موجعة لـ(القاعدة) في شبه الجزيرة العربية».
المعروف أن الحكومة اليمنية، بدعم متزايد من الولايات المتحدة، عمدت إلى تكثيف هجماتها ضد المخابئ المزعومة لـ«القاعدة»، التي وسعت في السنوات الأخيرة من وجودها في هذه الدولة الشرق أوسطية الفقيرة التي تحتل موقعا استراتيجيا، والتي ولد بها والد أسامة بن لادن. والملاحظ أن واشنطن يساورها قلقل متنام حيال إمكانية بناء «القاعدة» ملاذا آمنا لها في اليمن، التي تصارع حكومتها المركزية في وجه حرب أهلية في الشمال وحركة انفصالية في الجنوب واقتصاد متهاو.
كان العولقي من بين أحدث الأسباب التي أثارت القلق الأميركي إزاء الأوضاع في اليمن، حسبما ذكر مسؤولون. كان لرجل الدين الراديكالي، الذي ينتمي إلى نيو مكسيكو وعمل سابقا إماما لمسجد «دار الهجرة» في فولز تشرتش، اتصال بثلاثة من المختطفين المتورطين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011، وألقى باستمرار خطبا تحرض على الجهاد العنيف، الأمر الذي اجتذب الكثير من الأتباع إليه، خاصة في أوساط المسلمين الراديكاليين بالغرب.
إضافة إلى ذلك، تبادل العولقي رسائل مع الميجور نضال حسن، الذي فتح النار على أقرانه من الجنود داخل قاعدة «فورت هود» في تكساس في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، مما خلف 13 قتيلا. وقد أثنى العولقي على حسن في لقاءات أجريت معه وعبر موقعه على شبكة الإنترنت، واصفا إياه بـ«البطل» لقتله أفرادا عسكريين أميركيين.
من ناحيتهم، قال مسؤولون أميركيون إن العولقي كان عضوا في «القاعدة»، وتنقل عبر مستويات القيادة بالتنظيم، حتى وصل مؤخرا إلى رتبة قائد إقليمي. إلا أن المسؤولين وصفوه بأنه كان زعيما يعمل كمصدر للإلهام أكثر من كونه قائد عمليات فعلية، منوهين بأن الاتصالات بينه وبين الأعضاء الآخرين جرت في معظمها عبر شبكة الإنترنت. من ناحية أخرى، أشارت «يمن أوبزرفر»، وهي صحيفة على صلة بالحكومة، إلى أن منزل العولقي «أغير عليه ودمر» في هجوم الخميس الماضي. وفي إطار لقاءات أجريت معهم، قال أقارب العولقي إنهم لم يتلقوا أي معلومات من مصادر رسمية عنه. وأضافوا أنهم تحدثوا إلى أقارب وأصدقاء في إقليم شبوة اليمني، مقر الهجوم، ولا يعتقدون أنه قتل في الهجوم.
وقال والد رجل الدين، وهو وزير زراعة يمني سابق، ناصر العولقي، إن نجله كان يعيش في منزل أحد أعمامه، وإنه غادر، حسب اعتقاد الأب، المنزل منذ شهرين. يذكر أن منزل هذا العم يقع على بعد أكثر من 40 ميلا من موقع الهجوم، حسبما أوضح العولقي الأب في مقابلة نادرة أجريت معه.
وأكد الأب أنه «حال مساعدة الحكومة الأميركية في مهاجمة أحد رعاياها، فإن هذا أمر غير قانوني. نضال حسن قتل 13 شخصا، وسيمثل أمام المحكمة، أما ابني فلم يقتل أحدا، وإذا كان اقترف خطأ، فينبغي محاكمته».
وقال «إذا أراد أوباما قتل ابني، فهذا خطأ»، مضيفا أنه رغم الآيديولوجية التي يعتنقها نجله، فإنه لا صلة له بـ«القاعدة».
جدير بالذكر أنه من غير المعتاد على نحو بالغ أن تدعم واشنطن ضربة جوية لقتل مواطن أميركي، وإن كان هذا الأمر له سوابق. على سبيل المثال، تسبب هجوم شنته طائرة من دون طيار تتبع وكالة الاستخبارات المركزية في مقتل أحمد حجازي، مواطن أميركي، في اليمن عام 2002، في هجوم ضد أفراد مشتبه في انتمائهم إلى «القاعدة».
من جانبهم، عمد المسؤولون اليمنيون إلى ترك أنور العولقي لحاله منذ جذبه اهتماما دوليا بسبب هجوم «فورت هود». وخلال مقابلات أجريت هذا الأسبوع قبل هجوم الخميس، قال مسؤولون إن الولايات المتحدة لم تقدم سوى القليل من الأدلة التي تقضي باحتجاز رجل الدين، إلا أنهم اعترفوا بأنهم أبقوه تحت مراقبة وثيقة.
وصرح أبو بكر القربي، وزير الخارجية اليمني،، بأن العولقي «يخضع لمراقبة قواتنا الأمنية. إننا ننظر إلى هذا الأمر من وجهة نظر قانونية. بالنظر إلى البيانات الموجودة على موقعه على شبكة الإنترنت، هناك تساؤلات حول إمكانية محاكمته بناء عليها».
تعد شبوة واحدة من الملاذات المعروفة لمسلحي «القاعدة». وذكرت مصادر أمنية وحكومية يمنية أن القتلى الذين خلفهم هجوم الخميس يتضمنون أعضاء في «القاعدة» مشتبها بهم، من يمنيين وجنسيات أخرى، لكنهم لم يذكروا مزيدا من التفاصيل. ويعتقد محللون أن «القاعدة» في اليمن تتألف في معظمها من يمنيين وسعوديين.
وقال زعماء قبليون وشهود عيان إنهم دفنوا خمسة عملاء يتبعون «القاعدة» بعد الهجوم. وقال زعيم قبلي يدعى الأحمر بن سلفوه إن الخمسة ينتمون إلى قبيلة العولقي المهيمنة على شبوة.
في «منتدى الفالوجة»، وهو منتدى للنقاش على شبكة الإنترنت للمتعاطفين مع «القاعدة» في اليمن، قال مشاركون إن المقيمين في شبوة لاحظوا بالونات تحمل ألوان الجيش تطير فوق المنطقة قبل ثلاثة أيام من وقوع الهجوم، حسبما أشار إيفان إف. كولمان، خبير شؤون الإرهاب والباحث لدى «ناين إليفين فايندينغ أنسرز فاونديشن». وربما رأى العولقي وقيادات «القاعدة» الأخرى في هذه البالونات إنذارا. وقال كولمان «ربما أعطى ذلك لهؤلاء الأفراد شعورا بأن أمرا ما يجري الإعداد له».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»