د/ محمد حيدره مسدوس
1- ان مؤتمر لندن من حيث المبدأ هو دليل على فشل النظام في مواجهة التحديات ، و دليل على عجز المعارضه في ان تكون البديل ، و هو ايضاً دليل على ان المجتمع الدولي لن يسمح بصوملة اليمن . فلو لم يكن النظام فاشلاً في مواجهة التحديات لما عقد مؤتمر لندن اصلاً ، و لو كانت المعارضه فاعله لكان أقر المؤتمر الحوار معها كما فعل تجاه (( طالبان أفغانستان )) ، و لو كان المجتمع الدولي سيسمح بصوملة اليمن لما عُقد المؤتمر ايضاً . و لهذا وطالما و الأمور على هذا النحو ، فان الوصايه الدوليه على اليمن تصبح تحصيل حاصل . و في تقديري بانه سيتم التغيير في اليمن وفقاً للإراده الدوليه و عبر السلطه ذاته كتحصيل حاصل أيضا لغياب البديل . أمّا التغيير المطلوب فعلينا ان نتصوره من خلال : رفض صنعاء لحل القضيه الجنوبيه ، و عجزها عن معالجة حرب صعده التي حولتها الى حرب اهليه بزج القبائل فيها ، و فشلها في بناء دولة النظام و القانون ، و رفضها لحكم غيرها ، اضافه الى تصاعد الفساد و تدهور الاقتصاد ، و إضافه الى مقايضة حربها على الارهاب بدفن القضيه الجنوبيه . و هذا يعني بإن الارهاب في اليمن لن ينتهي الاّ بدفن القضيه الجنوبيه . و في سبيل دفنها ليس هناك تحسس من التدخل الدولي و ليست هناك سياده وطنيه الاّ عندما يتعلق الامر بحلها . فلو كان لدى علماء دين صنعاء و مشايخ قبائلها تحسس من التدخل الدولي و لديهم فعلاً سياده وطنيه لرفضوا تواجد القوات الاجنبيه في المياه اليمنيه و في المطارات اليمنيه التي تلاحق عناصر تنظيم القاعده و تقتل المواطنين الابرياء . حيث وصل الامر الى دخولها اليمن بدون إذن من حكومته و بدون علمها .
2- ان خلفية الازمه ليست في اصرار النظام على التمسّك بالسلطه كما تقول المعارضه و كما رسخت ذلك لدى بعض الاطراف الدوليه و بعض الجنوبيين في الخارج ، و انما خلفية الازمه هي في اصرار صنعاء كسلطه و معارضه و علماء دين و مشائخ قبائل على شرعية حرب 94م و نتائجها التي حولت مشروع الوحده السياسيه بين الشمال و الجنوب الى أسوأ من الاحتلال . فعلي عبدالله صالح يدرك بان الجنوبيين قبلوا برئاسته و هم مازالوا دوله في الجنوب ، و هو ذاته من قال لأصحابه اسمحوا لي باعلان الوحده مع الجنوبيين لإبتلاعهم ، و اذا ما فشلت افعلوا انقلاب ضدي و الغوا ما تم بيني و بينهم . فلو كانت السلطه لدى علي عبدالله صالح أغلى من نهب أرض الجنوب و ثروته لما قال ذلك . صحيح ان السلطه غاليه لديه و مستعد ان يقاتل عليها ، و لكنها ليست أغلى من نهب أرض الجنوب و ثروته بكل تأكيد . و بالتالي فان قضية الجنوب ليست فقط مع علي عبدالله صالح كشخص أو كنظام ، و انما هي مع صنعاء كدوله ، و أرجو ان تحتفظوا بهذه الكلمات للتاريخ .
3- ان المحور السياسي للازمه هو في القضيه الجنوبيه دون سواها . فلو كانت قد حلت قبل مؤتمر لندن لما عقد مؤتمر لندن ، لانها لو كانت قد حلت لكانت حلت مشكلة صعده تلقائياً ، و لكان تم الاصلاح السياسي الديمقراطي المؤدي الى التبادل السلمي للسلطه تلقائيا ايضا ، و لكانت أزيلت ارضية الارهاب والفساد و انتهى تنظيم القاعده في اليمن وقضي على الفساد . حيث ان حل القضيه الجنوبيه سيأتي بنظام سياسي جديد يلبي مطالب الحوثيين و يحقق الاصلاح السياسي الديمقراطي المؤدي الى التبادل السلمي للسلطه كنتيجه للحل ، و من ثم ستزول ارضية الفساد و ارضيه الارهاب و ينتهي تنظيم القاعده في اليمن بكل تأكيد . أمّا بدون حل القضيه الجنوبيه فلن تحل مشكلة صعده و لن يتحقق الاصلاح السياسي المؤدي الى التبادل السلمي للسلطه و لن ينتهي تنظيم القاعده في اليمن بالضروره ، و أرجو ان تحتفظوا بهده الكلمات للتاريخ أيضا . حيث ان عدم حل القضيه الجنوبيه يخلق الارضيه المناسبه للفاسدين و الحوثيين و تنظيم القاعده بالضروره كذلك .
4- ان القلق الجوهري لدى صنعاء كسلطه و معارضه و علماء دين و مشائخ قبائل ليس من حرب صعده و ليس من تنظيم القاعده و ليس من الفساد... الخ ، و انما هو الآن من القضيه الجنوبيه و حدها . فقد أدركوا الآن بان الحرب ألغت الوحده و أسقطت شرعية اتفاقياتها و دستورها ، و عرفوا الان بان القضيه الجنوبيه هي أم القضايا كلها ، و انه لو كانت الوحده موجوده بعد الحرب لما ظهر الحراك الوطني الجنوبي اصلاً ، و لكنهم جميعهم يكابرون و يخفون ذلك و لا يظهرونه . و لهذا فانه يجب ان يكون حاضراً في البال بان المعارضه هي بحاجه لنا اكثر من حاجتنا أليها . و بالتالي فان أي علاقه معها يجب ان تكون بشروط الواقع و ليست بشروطها ، و شروط الواقع التي يمكن اقناع شعب الجنوب بها ، هي :
أ) الاعتراف الرسمي بالقضيه الجنوبيه كقضية وحده سياسيه بين دولتين اسقطتها الحرب و جعلت العلاقه بين الشمال و الجنوب علاقة احتلال و ليست علاقة وحده .
ب) الاعتراف الرسمي بأن الحراك الوطني السلمي الجنوبي في الداخل و الخارج هو الاطار السياسي الشرعي لهذه القضيه و الحامل السياسي لها .
ج) الاتفاق على الحل الواقعي لها وفقاً للشرعيه الدوليه بموجب قراري مجلس الامن الدولي ، او الشرعيه الشعبيه بموجب استفتاء شعب الجنوب على قبول هذا الوضع او رفضه تحت اشراف دولي ، لانها لا توجد شرعيه لأية وحده الاَّ بذلك ، و لا توجد شرعيه لفك الارتباط الاَّ بذلك ايضا . حيث ان مجلس الامن الدولي يقول لا وحده بالقوه ولا انفصال بالقوه . و هذا هو طريق الشرعيه لنضال شعب الجنوب .
5- إن كل قضيه سياسيه لها جوانب ثلاثه ، أولها الجانب الفكري الذي يبرهن على وجودها و على شرعية وجودها ، و ثانيها الجانب السياسي الذي يقنع الرأي العام بضرورة حلها ، و ثالثها الجانب الميداني ( العملي ) الذي يفرض حلها . فلا يمكن للجانب السياسي بان يكون مجديا الا بالجانب الفكري ، و لا يمكن للجانب الميداني ( العملي ) بان يكون مجديا الا بالجانب السياسي . و في ظل المفاهيم الخاطئه التي خلفتها لنا الحركه الوطنيه تجاه الوحده اليمنيه ، فان الجانب الفكري و السياسي للقضيه الجنوبيه سيظل الاهم حتى تحل ، لان فكرة اليمن الواحد و الثوره الواحده و التاريخ الواحد ... الخ ، الخاطئه و الخارجه عن الواقع الموضوعي الملموس التي أبتدعتها الحركه الوطنيه تسقط شرعية قيام الدولتين السابقتين في كل من صنعاء و عدن و تدين اصحابهما و تجعل إتفاقيات الوحده و دستورها عبثا ، و بالتالي تجعل حرب 1994م و نتائجها مشروعه . وهذه مسائل فكريه و سياسيه خطره لابد من دحضها . و في هذا الاتجاه فإنه يمكن القول بإن الحرب في حد ذاتها قد اسقطت مفاهيم الواحديه ، و برهنت على ان مفاهيم الحركه الوطنيه تجاه الوحده اليمنيه كانت خاطئه ، و انه يجب الانقلاب عليها و ادانتها بموجب حكم التاريخ . فلا يمكن فهم القضيه الجنوبيه و فهم حلها على اساس اليمن الواحد ، و إنما على اساس اليمن الجنوبيه و اليمن الشماليه كما كان في الواقع و كما هو مثبّت في المنظمات الدوليه . و بالتالي فان مفاهيم الواحديه التي ابتدعتها الحركه الوطنيه خارج الواقع الموضوعي الملموس لابد من إسقاطها فكريا و سياسيا حتى تذهب الى مزبلة التاريخ ، لانه يستحيل حل القضيه الجنوبيه في ظل وجودها . فاذا ما هُزمت المفاهيم الواحديه ، فإن صنعاء ستهزم ميدانيا بالضروره . كما ان على الحراك الوطني السلمي الجنوبي ان يدرك بان السياسه تعني اثبات ظلم الظالم و ليست اثبات فروسية المظلوم كما يعتقد العرب . هذا و في الختام اود القول بانني لست كاتبا و ليست مواضيعي مقالات سياسيه عابره كما يعتقد البعض ، و انما هي مواضيع فكريه و سياسيه تبرهن على وجود القضيه و على شرعية وجودها و تقنع الرأي العام الداخلي و الخارجي بضرورة حلها و تضعف صنعاء في موقفها من حلها .
9/2/2010م