الجنوبيون لا يمكن أن يكونوا شماليون.. والحزب الإشتراكي قادنا ليس
للوحدة، وإنما قادنا للجحيم
د/ محمد حيدرة مسدوس
1- في هذه الظروف الصعبة
والمعقدة، لا يحتاج الامر الى عناء كبير للعودة للتاريخ، والتذكير
بالدماء التي سالت على أرض الجنوب منذ 14 أكتوبر 1963م لغاية اليوم - بالحق أو
بالباطل- كي يدرك المرء أن الجنوب العربي سقط فريسة سهلة تحت سنابك خيل
الرئيس اليمني، المشير علي عبدالله صالح، في 7 يوليو 1994م،
وهذا يعني وفق حسابات العقل والمنطق الواقعي، أن الجنوب وقع هذا اليوم
تحت إحتلال الجمهورية العربية اليمنية، ويعد بمثابة
وصمة عار في جبين كل إنسان جنوبي حر، لم يفرط في وطنه
أو كرامته أو دينه. كما سقطت أيضاً كل النظريات والمنظرين للوحدة في أول إمتحان عملي على أرض
الجنوب
في 7 يوليو 2007م، أولئك المنظرين الذين كانوا يحاصرون ( العقل
الجنوبي
) منذ 30 نوفمبر 1967م. وعوّدنا طويلاً رؤية الأشياء كما صوّروها
لنا،
أي كما أريد لها أن تبدو لنا. ولم تتح لنا فرصة لنراها كما يجب أن
نراها
بعيوننا وبالوان طبيعية، نحكم عليها بعقولنا وليس بعقول الحكماء والموجهين
والمرشدين من خارج إطارنا.
لذلك،
لم يعد ثمة حبل يتعلقون به سوى الخطابات الممجوجة ذات الطابع الإنفعالي المتشنج، ومحاولة
تجديد تنظيرات بائسة، تنطوي على مبررات واهية لا تعدو كونها أقرب الى
شهادات براءة ذمة لفشل الوحدة وتحويلها الى إحتلال بفعل حرب 1994م. فمن يدعي أو يرى عكس ذلك من أبناء الجنوب، فهو وحدوي
حتي إشعاراً آخر… وحدوي من طراز جديد، لا يرى ولا يسمع ما يدور في الجنوب حتى آخر سيارة
يابانية فارهة، وآخر بيت جديد، وآخر قطعة أرض ( فائضة ) على الجماعة!!. وعندما يتوقف المدد الوحدوي المقرر،
بالضروة سيتوقف عزف لمن كل هذا ( القناديل )، وساعتها سوف يعود
كل جنوبي الى رشده وأهله ووطنه سالم غانم على أنغام صبوحه خطبها نصيب.
فمنذ
ذلك التاريخ الأسود، ونحن معشر الجنوبيين، نعيش أسوأ إحتلال عرفه القرن العشرين وبداية القرن
الواحد والعشرين بعد نكسة فلسطين في 1948م وعربستان.. وما من بلد تعرض
للقهر والتنكيل بعد فلسطين، كمثل ما تعرض له الشعب والوطن في الجنوب..
هذا الشعب الطامح للحرية والحياة الكريمة والأمن والإستقرار.
2- لا يحتاج المرء الى عناء
كبير كي يدرك عن مدى عبث وإستخفاف الرئيس اليمني وقيادته العسكرية
والأمنية الشمالية ضد الجنوب وأهله، بحيث إختزلوا الجنوب خلال (15) عام
كما لو كان عبارة عن عقار، نقلت ملكيته عبر الشهر العقاري (الأطقم
العسكرية) من عائلة الى أخرى، أو في أحسن الأحوال كأرض مشاع لم يكن لها مالك من
قبل، مما جعل الرئيس وقواته الشمالية تنزل من الجو بـ (البراشوت) على أرض
غير مأهولة بالسكان. ليصبح الرئيس اليمني هو المالك الشرعي والوحيد حسب
مفهومه، مما دفعه يتصرف بطريقة رعناء. عكست مواقفه وسياساته العملية تصرقات
غير مسؤولة خلافاً للمنطق والقانون والتاريخ والطبيعة، خصوصاً تأكيده
المستمر بان الجنوب ليس ملك لاحد.. والذي ما اعجبه الوضع يشرب من البحر.. والجنوبيين
مصابون
بمرض انفلونزا الخنازير.. وهم مجرد بقايا هنود وصومال.
لم
نقراء او نسمع، ممن يتباكون اليوم على ما جرى ويجري في اليمن بصورة عامة وفي الجنوب العربي
(جمهورية اليمن الديمقراطية سابقا) وعلى وجه الخصوص، من بني يعرب صوت
واحد يستنكر تلك الجرائم،
التي ترتكبها الاجهزه الامنية والعسكرية في الجنوب، حتى بعض القيادات الجنوبية في الخارج هي الاخرى لاذت بالصمت
وكان الامر لا يعنيها.. ويبدو أن تلك
القيادات ما تزال أسرى حسابات احداث تاريخ الماضي في الجنوب، ولو
لم تكن كذلك في الاسر لما كانوا مختلفين.. ومن يدري ربما هذه المرة
خلافهم صار حول الإمام علي كرم الله وجهه والصحابي معاويه بن ابي سفيان. قس على ذلك الخلافات
الذاتية الطاغية، فحدث ولا حرج، ولو اشرنا لبعضها لما سامحنا ( الحبايب) الذين كنا نحبهم وهم
يحبونا بالامس على حسن نيتنا، واننا لا نقصد الاساءة لاحد.. ولكن هذا
هو حال قيادتنا في الحكم وخارجه وربنا يكون في عون الجنوبيين.
3- لم يكتف او يقتنع نظام
صنعاء بمصادرة ونهب ارض الجنوب ماتحتها وما فوقها فحسب، بل
استهدف خلع الجنوب من صلب التاريخ ومحو معالمه واثاره من على الخارطة
كجغرافيا وكشعب، له هوية وجذور تاريخية وحضارية اصيلة، اختزنت في ذاكرة الزمن. حيث
عمل على تطبيق نفس الاساليب والممارسات العنصرية القمعية، التي تمارسها إسرائيل ضد
الفلسطينيين.. طبق سياسية ممنهجة مدروسة لاصلة لها بوطن او دين او قانون او
اخلاق، وهي ( الفوضى الهدامة ) طيلة (15) سنة، وفق الفتوى العنصرية الدينية،
التي اطلقها الشيخ عبدالوهاب الديلمي عام 1994. تلك الفتوى التي
اجاز فيها شرعيةالحرب، وجعل الارض والانسان في الجنوب كغنيمة حرب،
ولازالت سارية المفعول. واعتبرت تلك الفتوى امتداداً تاريخياً للفتوى التي
اصدرها الامام إسماعيل بن القاسم عام 1855 وعنوانها (ارشاد السامع في جواز
اخذ مال الشوافع). (انظر كتاب حضرموت تاريخ الدولة الكثيرية ص 100: تاليف
الشيخ محمد بن هاشم الطبعة الاولى تريم).
4- اذن- لقد وصلت الامور الى
ذروتها في الاستهتار والاحتقار بالحياة والناس في الجنوب، الى درجة
كما يردد البعض من القيادات العسكرية الشمالية، بأن ما جرى ويجري من قتل/
اعتقالات
/ مطاردة
/ حصار عسكري/ تجويع / قطع مرتبات لابناء الجنوب، مجرد بروفة
إعداد
وتنظيم القوات العسكرية الشمالية المرابطة في الجنوب، وإجراء أعمال
ومناوشات
وتمرين كتهيئة الظروف المناسبة لتوجيه الضربة القاضية لكل
القيادات
في الحراك، وهدم المعبد على من فيه.
لذلك،
فان الخطر الداهم يتطلب العمل الجدي ورص الصفوف وتوحيد الكلمة، لمواجهة الامواج العاتية
بالعمل والتنسيق وليس بالبيانات والتصريحات، بل بالارتفاع والارتقاء في التعامل
الى مستوى المسؤولية الوطنية لمواجهة التحديات، سيما والرئيس اليمني لن
يتورع في إستخدام أبغض الوسائل ضد الجنوب والجنوبيين، وهذا ما شاهدناه
ونشاهدة في الغارات الجوية المختلفة والمتكررة على محافظتي شبوة وأبين،
ومن سينسى أو لا يذكر مجزرة المعجلة على وقرى ال عتبور وال حيدرة وال لشعر
معوان باكازم، التي أسفرت عن إستشهاد أكثر من (62) من المدنيين
الأبرياء من اطفال ونساء وشيوخ ورجال، تحت دعوى محاربة الارهاب في هاتين
المحافظتين، ونرى مشهد آخر على محافظة لحج، على شكل حصار عسكري للمديريات
الصامدة الضالع وردفان والصبيحة والعاصمة الحوطة.. والسؤال الكبير الذي
يؤرقنا موجة الى الرئيس علي سالم البيض، لماذا المصائب الكبيرة موجودة
في محافظتي شبوة وأبين أكثر من بقية المحافظات؟ ولم تحضى هاتين المحافظتين
بالإهتمام والتغطية الإعلامية المستحقة مثل غيرها من المحافظات.
وما
تعرض له شعبنا من قهر وظلم ولازال، لا يصدقه عقل او منطق، ولا أظن انه حدث في اي قطر عربي
اخر، مثلما حدث للجنوب - الا في فلسطين - ورغم ذلك لازال شعبنا صابر.. ويتسأل
عن اسباب ما جرى ويجري؟ وما اختلط من امورنا والتبس في وعينا
ونظرتنا ونظرياتنا من خلال بحثه الدؤوب عن ذلك الخيط الرفيع بين ظلمة
الليل وضياء الفجر، مما جعل الكثير في الداخل والخارج يحسدون الجنوب وشعبة
على هذا التحمل في تعاطيه حبوب الصبر، حتى يفرجها ربنا ومن ثم الرجال
الاوفياء المخلصين، والصبر طيب ياجنوب.
5- لعله يكون ضروريا ومفيدا
لنا جميعا ان نتوقف للعمل على ضرورة حماية التاريخية التي تتطلب أقصى درجات الحذر
والصدق مع النفس، من اجل تسمية الاشياء
بمسمياتها الصحيحة، وبالتالي العمل على كسر حاجز إنعدام الثقة في
النفوس، التي ارهقتها شعارات مضللة في ماضينا ولا زالت تلقي بظلالها
علينا لغاية اليوم، إنطلاقاً من الاصوات والصراخات المتشنجة التي تخلط الحابل
بالنابل ولا تميز بين الحق والباطل والامور الاساسية والامور الثانوية.
فلا
يحتاج المرء الى عناء كبير لمعرفة السبب والمسبب في هزيمتنا في 7 يوليو1994م. تلك الهزيمة
التي حولت شعب كامل الى رهينة لدى نظام صنعاء. ( نازل فيه) الرئيس اليمني
وجيشه قتل وإعتقال وحصار ومطاردة ومحاولة الصاق نضالنا الوطني بالقاعدة
ورغم ذلك لازال بعضنا نجده في اطارنا ممنوع اعلان الفطام. وعليه ان
يواصل الرضاعة والامتثال حتى اخر نفس، وقديماً قيل ان طباخ السم يتذوقه، لذلك
وجد اعرابي حية على قارعة الطريق ملتفة على بعضها نتيجة البرد والمطر،
فعطف عليها واخذها تحت معطفه فلما احست بالدفء ردت الجميل بلدغة.
الولايات
المتحدة الإمريكية
16 مارس 2010