قاسم المنصوب عضـــو جــديـد
عدد المساهمات : 14
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
| موضوع: وداعاً فقيد الوطن المردعـــــــــــــــــــــــــــــي الأحد 21 مارس - 2:03 | |
| وداعا فقيد الوطن "المردعي
"
19 March, 2010 02:12:00 الهيئة الإعلامية تاج حجم الخط: /a>
*عبده النقيب
لم نكن مستعدون لأن يغادرنا هكذا فجأة ودون مقدمات, لكنها سنة الخالق وناموس الحياة.. وبفاجعة كهذه أجد نفسي عاجزا عن التعبير عن حجم الخسارة وعن هول المصاب الجلل. عرفت الفقيد والمناضل الراحل محمد عبادي المردعي لعشر سنوات مضت هي كل ما قضيته من عمري هنا في مملكة الإنكليز كان فيها الراحل المردعي رمزا للوطن الغائب فيخفف عنا الآلام الغربة وهواجس التشرد. كان بالنسبة لنا بمثابة الأب والأخ والقدوة والمرجع الذي نعتمد عليه. لم أكن أتصور وجود كل هذه الصفات مجتمعة في شخصية واحدة فقد كان مخضرما يختزن في ذاكرته سفر شعب ترك كسفينة تتلاطمها الأمواج وسط المحيط وتجده مفعما بالحيوية والشباب يتقد أملا وحبور وثقة بمستقبل مشرق للوطن لا يعتريه اليأس والقنوط.
هكذا ودعنا الفقيد المردعي حيث أخذه الموت على غرة منا.. كيف سيرحل ونحن أحوج ما نكون لشخص بحجم المردعي فقد ترك فراغا يصعب ملؤه. أهو قدر الجنوب وشعبه أن يخسر هؤلاء الذين لا يعوضون.. لم يكن عبادي غائبا ولو للحظة فقد كانت حياته مسكونة بهموم الجنوب وثورته المظفرة.. كنت كلما اقتربت من الراحل المردعي أحس باني أبحر في عقود من التاريخ وفي نفس الوقت كانت تداهمني الحسرة والألم فكيف لوطن يترنح تحت ضربات الجهل والتطرف لعقود من الزمن أن يحرم من أن يغيثه أبناءه العظام كالمردعي.
الراحل المردعي خبّر الجنوب بسهوله ووديانه صال فيه وجال.. هناك بين الصخور ترعرع الفدائي الجنوبي المردعي وكقائد حفر اسمه في ذاكرة الوطن ورغم أني أشعر أنه مثل هؤلاء الأبطال جاءوا في زمن ليس زمانهم فقد كان الجنوب مهيأ لسوق الشعارات والتطرف والجهل. كيف يمكن لمناضل يتعرض للجحود والنكران لعقود ومازال كيانه شعلة تتقد بالولاء والوفاء للوطن.. كيف لذلك الإخلاص والتسامح المشحون بالحب للجميع.. لابد أننا أمام رجل عظيم مشبع بالثقافة الإنسانية الرفيعة في زمن تتهاوى فيه القيم وينحدر فيه السلوك الإنساني إلى الحضيض.
هي كذلك صفات الوطنية والإنسانية في رجل ظل يعمل ليل ونهار من أجل شعب الجنوب ودون كلل بصمت ونكران للذات.. لقد كان الراحل المردعي قليل الكلام والظهور لكنه كان رجل ميدان من الطراز الرفيع حاضرا في كل منعطف وفي كل حدث.. لم تثنه الغربة ولن تنسه ما يتعرض له الجنوب من ويل وقسوة من الزمان حيث ظل يعمل كخلية نحل من أجل الثورة والاستقلال.كان يمتلك علاقة نوعية وواسعة تؤكد مكانته بين مختلف الناس فهو كثير العطاء في المجال الخيري وواسع الأفق في التعامل مع التنوع الثقافي والعرقي.
كانت جنازته المهيبة تأكيدا على هذه المكانة التي تبوأها في قلوب المسلمين والمسيحيين والسياسيين من مختلف مشاربهم فقد حضرتها الجموع الغفيرة رغم بعد المكان في أقصى الجنوب من المملكة..بكاه أصدقائه ومحبيه مثل أهله وذويه. لقد تمكن من الوصول بقضية الجنوب التي كانت تسكن في حشاياه إلى أماكن رفيعة فهو صاحب علاقات هامة تربطه بعدد من المخضرمين السياسيين والبرلمانيين البريطانيين والعرب على حد سواء. كان بحق سفيرا للثورة وللجنوب وشعبه الذي يصارع من أجل الحرية والبقاء.
هناك بين الأشجار الباسقات والثلوج الكثيفة في ضواحي ميناء كادريف تجمعنا وجمعني الحدث بأناس لم التقيهم لأكثر من ثلاثين عاما كانت اللحظة ممزوجة بشتى الأحاسيس. نودع فيها واحدا من جيل العمالقة في الجنوب ونتجاذب الأحاديث في لحظات نلتقي فيها بأصدقاء غابوا عنا ردحا من الزمن..حزنا ممزوج بالفرح.. وروود وملابس سوداء.. كاميرات وألوان شتى من البشر النساء والرجال المسيحيين والمسلمين الجنوبيين واليمنيين والعرب والإنكليز.. أبحرت بي الذاكرة من هناك في هذا الميناء العتيق الذي استقبل طلائع المهاجرين الجنوبيين على البواخر القادمة من عدن في ثلاثينيات القرن الماضي..وجال بي الطيف شمالا وجنوبا وشرقا ودنيا وآخرة في كل الأرض وتحتها.هذا الفدائي والفارس الناصري العروبي يترجل.. ذرفنا الدموع حزنا على الثرى الذي غيب جسده المسجى بوشاح النضال والفداء.. هكذا يودع الأبطال إنهم يموتون كالأشجار واقفة.
كم حزنت لرحيل المناضل المردعي فقد كنت اقرأ في جبينه سفر النضال والمقاومة.. كلما اقتربت منه كلما ذهبت بي الذاكرة إلى رفاقه الذين سجلوا بأحرف من نور مآثر البطولة والتضحية في سبيل الوطن..
حدثته عن ذاكرته ومذكراته فقد كنت أشعر بالحسرة أني لم أقابل زميل دربه العملاق الراحل المناضل علي بن علي هادي فكم تمنيت وأنا أتجول في شوارع القاهرة- حيث عاش بعيدا عن الوطن- أنه لم يرحل.. كم تملكني الخوف على ضياع ذاكرة الوطن. حدثته عن القلق والهواجس التي تنتابني حول مذكراته خاصة وأنه شديد الارتباط بالراحل علي بن علي وتاريخ جبهة الضالع خاصة والجنوب عامة في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني.. إنها دعوة للمناضلين الذي يحملون في أمانتهم ذاكرة الوطن.. وليكن عزاؤنا في رحيل المناضل المردعي في توثيق مذكراته والوثائق الهامة التي يحتفظ بها.. وسيظل الراحل المردعي شامخا في ذاكرتنا جميعا منتصبا مثل جبل (قرنه )الشامخ الذي يحرس بوابة جحاف.. هناك ولد المناضل المردعي وفي أقصى شمال الأرض في مدينة كاردييف ووري الثرى.. وبين شموخ جبل جحاف ومدينة المهاجرين الجنوبيين الأولى "كارديف" نسجل " هنا يرقد فقيد الوطن المردعي".
*عضو اللجنة التنفيذية سكرتير دائرة الإعلام
التجمع الديمقراطي الجنوبي "تاج"
|
|