ياسين النقيبنائب المدير اللهم أرني الحق حقاً وأرزقني اتباعه,وأرني الباطل باطلاً ورزقني اجتنابه
عدد المساهمات : 1740
تاريخ التسجيل : 16/02/2009
| موضوع: الصهيونية حركة سياسية فكرية .. إلى الزوال السبت 27 مارس - 3:57 | |
|
تعد الحركة الصهيونية واحدة من أخطر وأهم الحركات السياسية والفكرية في التاريخ البشري التي استطاعت أن تضع لنفسها برنامجاً عمليا ً وجدولاً زمنياً محدد لتحقيق هدفها الذي أنشئت من أجله واستطاعت تحقيقه في مدة زمنية وجيزة.واليوم وبعد ستين عاماً من قيام دولة إسرائيل عشية 14مايو 1948كهدف سعت إليه الحركة الصهيونية العالمية التي تأسست على يد الصحفي المجري النمساوي اليهودي تيودر هرتزل (1860- 1904) وذلك في مؤتمر بال الصهيوني الأول سنة 1879م, نلاحظ عدد من الإشكاليات التي تقف اليوم بالصهيونية على مفترق الطرق.
صحيح أن الصهيونية قد نجحت في إقامة الدولة اليهودية والهدف الذي قامت من أجله قد تحقق ومن ثم فإن بقائها لم يعد ذي قيمة, وذلك أن الصهيونية كغيرها من الحركات في شقها الفكري لا يصلح أن يكون فكراً سرمدياً دائماً بل هي أيديولوجيا كغيرها تعد بمثابة نسق من الأفكار والسياسات والرؤى التي تنتهي بعد تحقق الهدف وتستمر ما لم يتحقق الهدف لذا فإن قيام واستمرار إسرائيل إنما يؤكد نهاية الصهيونية مثل ما يؤيد نجاحها.وقبل الخوض في مسار فرضية نهاية الصهيونية فإن هناك العديد من الإشكاليات التي تعاني منها اليوم الحركة الصهيونية الفكرية والحركية, ولكي نتمكن من استقراء مثل هذه الفرضية التي أفرد لها الأستاذ أحمد المسلماني كتاباً كاملاً بعنوان "ما بعد إسرائيل بداية التوراة ونهاية الصهيونية" ليثبت من خلال هذا الكتاب أن الحركة الصهيونية العالمية في نزعها الأخير.
ومن هذه الإشكاليات التي دار حولها الكثير من النقاش والجدال حتى اليوم بين عدد من المفكرين والكُتاب والباحثين في هذا الشأن البعد الأيديولوجي لقيام الصهيونية كحركة سياسية تسعى لحل المشكلة اليهودية عن طريق ما يُسمى إعادة توطين اليهود في فلسطين "أرض الميعاد" وإنشاء الدولة اليهودية فيها بحسب التعريف الصهيوني للحركة.ومن خلال هذا التعريف نلاحظ بجلاء البعد الأيدلوجي الديني الذي يعمد إلى حشر المصطلحات اليهودية الدينية "كأرض الميعاد" في أدبيات الحركة ويظهر جليا أيضا من خلال تسميةالحركة بالصهيونية "The Zionism" الذي يعد دليل كافي على البعد الديني في تأسيس الحركة وهو البعد الذي أغفله المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري بقوله: " إن الهدف الرئيسي من قيام المشروع الصهيوني هو الدور الوظيفي المتمثل في حماية المصالح الحيوية والإستراتيجية للقوى الاستعمارية الغربية الكبرى في المنطقة العربية، وأن المشروع الصهيوني جزءٌ لا يتجزأ من التشكيل الاستعماري الاستيطاني في الغرب". وبالرغم من هذا التوصيف الدقيق والواقعي من قبل الدكتور المسيري إلا أنه لا يعني أنه الهدف الرئيسي والأوحد هنا وذلك لعدة أسباب ليس مجال إيرادها هنا وذلك لأننا بصدد مناقشة أهم التحديات والإشكاليات التي غدت تهدد الصهيونية كحركة وفكر وتنظيم وخاصة بعد تحقيق الهدف من وجودها بقيام إسرائيل.إشكاليات الصهيونية
لا شك أن الحركة الصهيونية استطاعت تأسيس "الدولة العبرية" من العدم واستطاعت أن تجعل من خليط الأجناس اليهودية المختلفة شعباً واحداً وقومية واحدة وإن بثقافات مختلفة حملها المهاجر اليهودي من بلده التي نشأ فيها, إلا أن هذه التركيبة السكانية المتباينة لما بات يطلق عليه بالشعب اليهودي هي التي تخالف الموجود اليوم في الواقع الاجتماعي الإسرائيلي خاصة إذا عرفنا أن هذه الحركة الصهيونية هي الأخرى لا تخرج عن كونها حركة لا تتوافق فكرياً مع ما تحمله من شعارات دينية لا يؤمن بها كبار قادتها كهرتزل ونوردو وليوبنسكر وجابوتنسكي إلا من قبيل "التقية السياسية" إذ صح التعبير، نزولاً عند مبدأ الانتهازية الميكيافلية الشهيرة بالغاية تبرر الوسيلة.ومن خلال هذا المبدأ الذي اعتنقه قادة الحركة الصهيونية للوصول إلى غايتهم وهي بناء وإيجاد وطنٍ قوميٍ لليهود يلمهم بعد الشتات الذي يراه حكماؤهم أنه بمثابة عقاب إلهي حتى يعودوا إلى رشدهم وإيمانهم وذلك من خلال مسيحهم المنتظر( المشيح أو المشيا ) الذي سيخلصهم مما هم فيه وهذا ما تقوله توراتهم ويرى هؤلاء الحكماء أن أي عمل بشري يهودي من أجل إعادتهم إلى أرض الميعاد بفلسطين هو عمل يعد بمثابة التدخل في حكم الله وهذا يعني استمرارهم في الغي الذي هم فيه ومخالفتهم لأمر الله.
مثل هذا الفكر الديني التقليدي كان يراه قادة الحركة الصهيونية بأنه عقبة كبرى أمام مشروعهم السياسي لبناء دولة لليهود مما جعلهم يضيقون ذرعاً بهذا الفكر وبالرغم من هذا كله ولما لم يكن هناك أساس ثقافي مشترك غير هذه التوراة تبنته الحركة الصهيونية رغم أنها حركة علمانية – كما عرفها زعمائها - تسعى إلى بناء شعب يهودي علماني ومن هنا نشأت تناقض اليهودية في بيئتها الأساسية فكرياً وثقافياً مما أوجد الكثير من الإشكاليات الفكرية والثقافية والاجتماعية التي باتت تمثل تحدياً كبير للمجتمع الإسرائيلي اليوم وهو ما انعكس في أداء هذا الكيان مؤخراً والتي لن يكون آخرها الهزائم المتتالية لجيش هذا الكيان الذي كان أسطورة الجيوش في المنطقة جميعها حتى قيل عنه أنه الجيش الذي لا يقهر.
ولما كانت هذه الهزائم العسكرية للجيش الإسرائيلي ابتداء بالانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 والانسحاب من غزة 2005 وقبل هذا وذلك بناء الجدار العازل الذي سيكون بمثابة جيتو للشعب اليهودي بعد حلم التوسع والامتداد من النيل إلى الفرات حسب المقولات التلمودية وأخيراً وليس آخراً الهزيمة الأليمة التي مني بها صيف 2006م على يد رجال المقاومة الوطنية اللبنانية.واليوم هزيمته في معركة غزة من قبل المقاومة الإسلامية ،لما كانت كل هذه إحدى مظاهر الإشكال الفكري والتناقض في المجتمع الإسرائيلي فإن هناك العديد من المظاهر الأخرى التي باتت تهدد حقيقة وحدود هذا الكيان.إشكالية الهوية
وعلى رأس هذه الإشكاليات هي مشكلة الهوية اليهودية الخرافية حيث أن الحديث عن قومية يهودية واحدة أو شخصية يهودية واحدة هي ضرب من الخيال.وهذا ما يؤكده في المقابل مناهضي الصهيونية الذين يحتقرون مفاهيم اليهودية القومية ومن أهم خصوم هذه الفكرة الحاخام (إسرائيل دومب) الذي فقد قسماً من عائلته في المحرقة وقد هاجر إلى إسرائيل عام 1950م.ويؤكد هذا الحاخام على أن اليهود ليسوا جماعة عرقية وأن ما يربطهم هو العهد المقدس وليس العوامل السياسية أو العسكرية ومن ثم فليس هناك أمة يهودية وبالتالي فإنه يدعو اليهود إلى المساهمة في تطوير الإنسانية والاندماج في الأمم التي هم من مواطنيها وعليهم أن يوجهوا نضالهم من أجل الجميع والعيش الإنساني المشترك.
وتتفاقم هذه الإشكالية من إشكالية هوية الشعب والأمة إلى إشكالية الدولة والوجود حيث يرى الأستاذ أحمد المسلماني صاحب كتاب "ما بعد إسرائيل ونهاية الصهيونية" أن مشروع الشرق الأوسط الجديد إنما يمثل إجابة مفادها أن إسرائيل دولة شرق أوسطية وهي رد على إجابة سابقة تقول بأن إسرائيل دولة أوروبية في الشرق الأوسط وكثيراً ما توازى الجدل حول كون إسرائيل دولة اليهود أو دولة يهودية مع الجدل الدائر حول كونها جزءاً من الغرب الحضاري أو جزء من الشرق الأوسط المحيط.أما الرأي الأول فقد عبرعنه وزير الخارجية الإسرائيلي "موشيه شاريت" في خطاب له أمام الأمم المتحدة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بقوله أن إسرائيل دولة غربية وامتداد للحضارة الغربية في صحراء التخلف العربي الإسلامي.
إلا أن هذا الرأي قد حاول الرد عليه مبكراً بل قبل شاريت نفسه المفكر والزعيم الصهيوني جابوتننسكي (1880- 1940) أحد رموز ما يسمى بالصهيونية التنقيحية حيث قال أن جوهر التاريخ الأوروبي هذا هو استئصال اليهود وأن استئصالهم من قبل النازية كان بتواطؤ كل النظم الأوروبية وهو لا يستبعد أن يستمر هذا النهج الاستئصالي الأوروبي للسامية إلى ما لا نهاية وبهذا فإن جابوتنيسكي انتصر لفكرة أن الدولة اليهودية هي دولة شرق أوسطية لا أوروبية ومن هنا جاءت فكرة أن الصراع ليس عربياً إسرائيلياً وإنما هو إسلامي –صهيوني وأنه حتمي لا مفر منه.إشكالية الديني والعلماني
ويعد هذا الإشكال وأحد من العوامل التي تنخر في صلب المجتمع الإسرائيلي الصهيوني وذلك للخلط الواضح بن المفهومين فمثلاً في الوقت الذي يقال فيه أن الحركة الصهيونية حركة علمانية نجد أن ما قامت عليه من أفكار ورؤى هي من صميم الفكر اليهودي الديني ومن هنا جاء التناقض حيث أنه مع بداية القرن التاسع عشر بدأت تظهر حركات يهودية متحررة من التوراة دون التخلي طبعاً عن اليهودية بمعنى أنك تستطيع أن تكون يهودياً من دون التوراة وتعاليمها.
وليس معنى هذا أننا نسلب الحركة جانبها الديني بقد ما يدلنا هذا إلى حقيقة غابت كثرا في فكرنا العربي بنخبه الإسلامية والقومية واليسارية وغيرها وهي ذلك التوافق الفكري العجيب الذي امتاز به قياديي الحركة الصهيونية الذي كان عبارة عن مزيج من الأفكار والرؤى والتصورات التي تصل أحياناً إلى درجة التقاطع والافتراق ومع هذا استمر قادة هذه الحركة في العمل من أجل هدف واحد وهو دولتهم التي ينشدون.
ولا نستطيع أن نتفهم مثل هذا التصرف من قبل اليهود بتكويناتهم الفكرية المختلفة من المتدين إلى الاشتراكي فالعلماني فاليهودي فكل هذا لا يعد دليلا علي يهودية فرد عن أخر وإنما الأساس في هذا هو أن الذي يفصل بين إيمان اليهودي وكفره ليس مرتبطا بالإيمان برب أو بتوراة وإنما بالولاء لليهود وعدم خيانتهم وانطلاقا من فكرة القداسة الإلهية التي يضفيها علي أنفسهم بقولهم أنهم شعب الله المختار.
وهذا ما ذهب إليه كبير أول حاخامات إسرائيل في فلسطين إبراهم إسحاق كوك (1886م – 1935م ) وهو الذي كان يعد أكبر قوة روحية موجهة للشعب اليهودي حيث " يقول أن الحركة القومية ( أو الصهيونية ) على الرغم من اتجاهاتها العلمانية البادية على أتباعها فإنها في التحليل النهائي والأخير ليست إلا حركة دينية في جوهرها وحقيقتها وأنها تصدر أصلا من نزعة دينية هي بمثابة الصفة الراسخة لليهود والتي اختصوا بها من بين سائر الأمم الأخرى " . والسر في هذا كله أن الحركة الصهيونية فرضت نفسها على أنها امتداد لليهودية وليست نقيضا لها واستخدم الصهاينة وحتى الملاحدة منهم مقولات دينية وتعاملوا مع دينيهم بطريقة أكثر إيجابية وانفتاحا من غيرهم من ملاحدة المسيحيين والمسلمين.
إلا أن هذا الانسجام بين الديني والعلماني لم يكن ليعني أنه لا يوجد هناك تنازع و خلاف حول تفاصيل المشروع الصهيوني بل هناك خلاف كبير ولكنه لا يؤدي إلى مرحلة الإضرار بالمشروع النهائي وهو الدولة الإسرائيلية ويتضح هذا أكثر إذا عرفنا أن الخلاف بين التيارين الديني والعلماني أدى حتى هذا الوقت إلى تأجيل كتابة الدستور الإسرائيلي للدولة وذلك لكي لا يؤدي إلى اشتداد النزاع بين هذين التيارين فيؤثر على مشروع الدولة القائم.الصهيونية والمناهضة اليهودية
يرى الدكتور ياكوف رابكن أستاذ التأريخ في جامعة منتريال في كتابة "المناهضة اليهودية للصهيونية " أن الصهيونية ودولة إسرائيل مشروعان يشكلان تمزقا في التأريخ اليهودي لأن الصهيونية حركة سياسية كانت تهدف إلى تحويل الهوية اليهودية العابرة للقوميات إلي هوية سياسية أي (أمة ) واليوم وبعد ستين عاما من الوجود اليهودي كدولة يشعر الكثير من اليهود أن هذه الفكرة الصهيونية أضحت مناقضة لليهودية بل وتخلق الأذى باليهود ويشير المؤلف أنه في إحدى المظاهرات اليهودية في مدينة مونتريال الكندية كان يرفع المتظاهرون شعارات كتب عليها "أوقفوا المغامرة الصهيونية الدموية" "انقلب الحلم اليهودي إلى كابوس" و"الصهيونية هي نقيض اليهودية".
مثل هذه المناهضة للمشروع الصهيوني قيلت من قبل بعض الجماعات اليهودية الأرثوذكسية التي جعلت يوم قيام إسرائيل يوم حداد وحزن وصيام.ويمضي هؤلاء المناهضون للصهيونية بقولهم أن العداء العربي والإسلامي لليهود يمكن عكسه لو تخلى اليهود عن الصهيونية وحولت إسرائيل إلى دولة مزدوجة الجنسية مستدلين على هذا بقولهم أن العلاقة بين العرب واليهود كانت جيدة قبل وصول الصهاينة.هذه المناهضة اليهودية للصهيونية لم تقتصر على الجناح اليهودي المتدين الذي يستمد مواقفه المناهضة للصهيونية من التوراة التي لا تخطئ في رأيهم بل على العكس من هذا فإن هناك مناهضة يهودية للبرالية الصهيونية مستندة إلى القيم الثقافية والسياسية وهي أفكار لم تفقد حيويتها وعصريتها حتى اليوم .
إذا يقول أحد مفكري هذا الاتجاه وهو المفكر توماس كولسكي "لم تصبح إسرائيل دولة طبيعية ولم تصبح نوراً للأمم لقد تأسست وياللسخرية بتحرير اليهود من معاداة السامية ومن عزلهم في جيتو وتوفير ملجأ آمن لهم لكن إسرائيل أصبحت دولة محمية عسكرية وأمة تشبه "جيتو إقليمية" محاطة بجيران عدائيين، إن التنبؤات المشؤومة تتابع ملاحقة الصهيونية".ويرى المؤرخ الإسرائيلي (بواز آفرون) استناداً إلى الطابع المؤقت لكل منظمة سياسية أن إسرائيل مثل أي دولة في العالم تظهر وتزول.
ويضيف قائلاً ستزول دولة إسرائيل بكل تأكيد خلال مائة أو ثلاثمائة أو خمسمائة سنة لكن الشعب اليهودي سيبقى آلاف السنين بعد ذلك ولا يمثل وجود هذه الدولة أية أهمية لبقاء الشعب اليهودي لأن يهود العالم يستطيعون أن يعيشوا جيداً من دونها.
|
|