«الإسلاموفوبيا في أوروبا وأميركا
بكل بساطة، إنها الإسلاموفوبيا على امتداد العواصم الأوروبية والأميركية، تتمظهر بأشكال متعدّدة في المرحلة الأخيرة. وأبرز المظاهر المعادية للإسلام في أوروبا منع ارتداء الحجاب، ومنع إنشاء المآذن، والحملات الاعلامية الصريحة ضد بناء المساجد. ولأن الفعل يولّد رد الفعل، فإن الممارسات الإسلامية في الغرب، وحتى في عدد من البلدان العربية والإسلامية، معادية هي الأخرى للأقلّيّات المسيحية، فضلاً عن أنها تعبير عن حالة لا انتماء الى المجتمعات الغربية. كيف يمكن تغيير هذا المسار؟
«المشاهد السياسي» ـ لندن
> قبل أيام صوّتت لجنة في مجلس النواب البلجيكي على مشروع قانون ينص على الحظر التام لارتداء الحجاب في المرافق والأماكن العامة، بما فيها الشارع. التصويت جاء بالاجماع على مستوى الكتل السياسية، والتصويت في البرلمان كهيئة موسّعة سوف يتم في 22 نيسان (أبريل) الجاري. في الأسبوع نفسه أشعل متطرّفون النار عمداً في مركز إسلامي في جزيرة كريت اليونانية، في حادث ذي طابع عنصري ضد المسلمين في الجزيرة، بعد حادث مماثل في العام الماضي استهدف مصلّى إسلامياً في العاصمة أثينا.
وكما في اليونان كذلك في إسبانيا، حيث اعتقلت الشرطة اثنين من المسلمين بعد مواجهة مع مجموعة سيّاح أرادت الصلاة في مسجد قرطبة الكبير الذي جرى تحويله الى كاتدرائية في القرن الثالث عشر. في الوقت نفسه أعلن برلماني إيطالي أنه قدّم مشروع قانون يحظّر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، أو استخدام قماش أو أي رمز آخر يدل على الانتماء العقائدي. وفي الأسبوع ذاته تظاهر العشرات في ضاحية وارسو البولندية احتجاجاً على بناء مسجد ومركز ثقافي إسلامي، في مؤشّر آخر الى مخاوف في شأن انتشار الإسلام في الدولة الكاثوليكية العضو في الاتحاد الأوروبي. هذا في أوروبا، وفي أميركا الشمالية كشف أحدث تقرير لمركز «غالوب» حول موقف الأميركيين من الإسلام، أن 36 في المئة منهم لا يعرفون عن الدين الإسلامي شيئاً، وأن 43 في المئة منحازون ضده، بسبب فشل المسلمين في إيصال الصورة الحقيقية عن دينهم الى المواطنين الغربيين بدءاً بالأميركيين. وفي كل أسبوع تقريباً تتخذ السلطات العامة تدابير ذات طابع أمني في حق إمام مسجد هنا وإمام مسجد هناك، بحجّة تعاونه مع فئات متطرّفة، وتتمثّل هذه التدابير عادة بسحب بطاقة الاقامة أو إلغاء تأشيرة الدخول.
ماذا يعني هذا كلّه؟
إنه يعني، بكل بساطة، أن هناك مشكلة حقيقية في التعامل مع المسلمين في المجتمعات الأوروبية والأميركية، تفاقمت بعد أحداث 11/9/2001، وهناك من يستهدف مواطنين أوروبيين وأميركيين من منطلق انتمائهم الى الإسلام، كل هذا باسم الحرب على الارهاب. والفصل الأكثر إثارة في هذا الاستهداف، هو القرار الذي اتّخذته سويسرا بحظر المآذن في الكونفيديرالية، رغم العاصفة التي أحدثها القرار في العالمين العربي والإسلامي. الحظر الذي أعلن في أواخر العام الفائت (بنسبة 57.7 في المئة من الناخبين)، لا يعني بالطبع إلغاء مئتي مركز ديني يؤدّي فيها المسلمون السويسريون شعائرهم الدينية، ولا يستهدف المسلمين والإسلام كدين، بل يعبّر عن المخاوف المتنامية من التيارات الإسلامية المتطرّفة. نفتح هنا قوسين لنشير الى أن نسبة المشاركة التي سجّلتها عمليات التصويت على مناهضة بناء المآذن كانت الأعلى على المستوى الفيديرالي في العام 2009، ما يعني أن السويسريين راغبون فعلاً في تقييد النشاط الإسلامي في بلادهم، في حين أن المباني ذات الطابع الديني لجميع الديانات الأخرى لن تتعرّض لأي قيود.
ولماذا يخاف الغرب المسلمين، أو الإسلام في شكله الظاهر وكما يعرفونه على الأقلّ؟
ظاهرة الخوف يمكن أن تجد تفسيراً في الحروب الصليبية على الشرق قبل أكثر من تسعة قرون، كما في هجمات 11/9/2001، وهي حصيلة مقدّمات وأحداث متراكمة جعلت من يدين بالإسلام ـ في نظر شريحة واسعة من الغربيين ـ مجرماً وإرهابياً ينبغي الحذر منه أو الابتعاد عنه. والأوروبيون والأميركيون بصورة عامة مصابون بلوثة كراهية العرب والمسلمين، ويعتبرونهم أقواماً من الفوضويين الذين يمارسون العنف ولا يحترمون حقوق الإنسان. في كتابه «الإسلاموفوبيا» (الصادر في العام 2006) يقول سعيد اللاوندي، إن عرب أوروبا وعرب أميركا والجاليات الإسلامية بشكل عام، متّهمون وهم يتعرّضون لحملات عنصرية لافتة في أكثر من بلد أوروبي، بحجّة أن مبادئ الإسلام تتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ويضرب المؤلّف بعض الأمثلة مستعيناً بأحداث وقعت أخيراً في بلدان أوروبية مثل فرنسا، إسبانيا وبريطانيا، خصوصاً تلك المتعلقة منها بالارهاب، حيث بدأ الجدل يثور قويّاً حول الإسلام في المجتمعات الغربية، خصوصاً وأن النظرة إليه (في دولة مثل فرنسا) تستند الى اقتناع بأنه دين مختلف، باعتبار أن فرنسا، في تقاليد العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة، والتي حثّت أبناء الديانات المختلفة على ممارسة شعائر دينهم (بوصفه أمراً يرتبط بالحياة الخاصة)، قد يصدمها تعدّي بعض الممارسات الإسلامية على الحياة العامة، أو تدخّل الإسلام في السياسة، أو مساسه بالمبادئ الجوهرية للجمهورية، وعلى رأسها العلمانية. ولذلك، طغت جملة من الأسئلة ـ الصعبة ـ على السطح مثل: هل قيم الإسلام تتّفق مع الجمهورية الفرنسية ومع العلمانية؟ وهل يمكن لفرنسا أن تتعايش مع الدين الإسلامي كما تفعل مع الديانات الأخرى؟ وهل يمكن للدين الإسلامي أن يرضى بالاطار الجمهوري الذي اختارته فرنسا لنفسها؟ أعداء الإسلام في أوروبا يؤكدون أنه يتعارض مع العقل والفكر خصوصاً فكر الجمهورية، فإعلان حقوق المواطن الذي انبثق عن الثورة الفرنسية لا يتفق مع الواجبات الملقاة على عاتق المسلم، ومن ناحية أخرى، فإن الممارسات الإسلامية المتشدّدة تتعارض مع مبدأ احترام الآخر، واحترام الحرّيّات الفرديّة التي تشكّل أساساً للحياة الاجتماعية في دولة مثل فرنسا. وليس من شك في أن هذه الاتّهامات (التي تنطوي عليها الأسئلة) تشي بجملة من الاتّهامات الباطلة الموجّهة للإسلام، كما تخلط بين جوهر رسالة الإسلام والتطرّف الديني ومظاهره المقيتة، فالإسلام ليس هو التطرّف الديني، وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الاتّهامات تشكّك أيضاً في قيم الأمّة الفرنسية وتقاليدها العريقة في استقبال الآخرين في مجتمعها ودمجهم.
ويذهب المؤلّف الى أن وسائل الاعلام لها اليد الطولى في تشويه صورة المسلمين في الغرب، وهي تعمد دائماً الى الخلط بين الإسلام وبعض التصرّفات الخاطئة، فهذا الشخص الذي دخل الى البنك وقال: «باسم الله معي قنبلة ولا أبخل على نفسي بالموت في سبيل قضية الإسلام، ضعوا كل الأموال في حقيبتي»، لا يمتّ للإسلام بصلة، فعمله هذا هو عمل إجرامي بكل المقاييس، إلا أنه لا يعني أن الإسلام هو الذي قام بسرقة البنك! وإمعاناً في التشويه تسعى الميديا الغربية الى إلصاق الرذائل بالإسلام والمسلمين وتصوّر المسلم على أنه سفّاح في كلّ الأوقات.
ويروي مدير المجلس الإسلامي في لوس أنجلوس، ويدعى سالم المراياتي، أن الجميع يعجبون من كونه مسلماً، ويتساءلون كيف لا يقطر الدم من بين يدي هذا المسلم. وبسبب هذه الدعاية السوداء ضد الإسلام نسي العالم أو تناسى أن محمد علي كلاي من معجزات لعبة الملاكمة الذي ملأت شهرته كلّ أنحاء العالم، قد اعتنق الإسلام وتحوّل الى مسلم معتدل. وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» عنه يوماً، إنه بأخلاقه الرياضية قد غيّر وجه الرياضة في العالم بفضل تسامحه ودعوته الى نبذ العنصرية. وكان محمد علي كلاي أعلن ـ بعد فوزه ببطولة العالم للوزن الثقيل في الملاكمة في العام 1964 ـ اعتناقه الإسلام. وفي العام 1967، رفض دخول الجيش في الحرب الفيتنامية، ولم يخف من وقع ذلك على رجال السياسة، وأكد قائلاً: لن أكون مذنباً مثل هؤلاء الذين يقتلون!
وعندما استمر في الدفاع عن آرائه ورفضه دخول الجيش، استمرّت محاكمته 4 سنوات أكد خلالها أن أفكاره ومعتقداته أهم من المال. وبعدها سحبت السلطات الأميركية منه لقب بطل الولايات المتحدة، لكنه كسب القضية واستردّ لقبه الرياضي، ويومها صاح قائلاً: لقد كنت أعلم أنني على حق، وكان عليّ أن أتمسّك بذلك الحق. ثم قال في حديث آخر: لو لم أكن مسلماً لكنت أسلمت على الفور، لأن الإسلام دين تسامح، ولا يفرّق بين إنسان وآخر... فالكلّ متساوون بين يدي الله.
2005 ـ 2006
وليس سرّاً أن التمييز العنصري ضد المسلمين قد تزايد بصورة لافتة في الولايات المتحدة بعد أحداث 11/9/2001، وبلغ ذروة حقيقية بين عامي 2005 و2006. وقد بلغت الحملة ضد مسلمي أميركا حدّ الهجوم الوقح على الإسلام والقرآن الكريم في تلك الفترة. وقد نقل عن المذيع الأميركي المتطرّف مايكل سافدج، صاحب برنامج «سافدج نيشن» قوله على الهواء: إنني لن أضع زوجتي في حجاب، ولن أضع إبنتي في البرقع (النقاب)، ولن أهبط على أربع وأصلّي لمكّة، ويمكنكم أن تموتوا إن لم يكن هذا يعجبكم... لا أريد أن أسمع بعد الآن عن الإسلام، لا أريد أن أسمع كلمة واحدة عن الإسلام، لقد سئمت منكم.
ورغم تعرّض المسلمين في أميركا للكثير من التحريض والانتقاد، إلا أن هذه العبارات تعدّ غير مسبوقة من حيث تدنّي مستواها، وإذاعتها على مسامع الملايين من الأميركيين، وبثّها على برنامج رائج ومن قبل مذيع مشهور. وأكمل هذا المتعصّب هجومه القذر على الإسلام قائلاً: «أي نوع من الدين هذا، أي نوع من العالم تعيشون فيه حينما تسمحون لهم بالدخول الى هنا ومعهم وثيقتهم المتخلّفة (في إشارة الى القرآن الكريم) في أيديهم، إنه كتاب للكراهية. لا تقولوا لي إنني في حاجة الى إعادة تعليمي. إنهم في حاجة لترحيلهم. أنا لا أحتاج الى إعادة تعليمي، إنه الترحيل لا إعادة التعليم».
وانتقد سافدج الحكومة الأميركية لسماحها بدخول المسلمين الى أميركا وقال: «أي أمّة عاقلة تعبد الدستور الأميركي، وهو أعظم وثيقة للحرّيّة كُتبت على الاطلاق، تجلب أناساً يعبدون كتاباً يأمرهم بالعكس تماماً. لا تخطئوا في هذا الشأن، إن القرآن ليس وثيقة للحرّيّة، إنه وثيقة للعبودية والرقّ، إنه يعلّمك أنك عبد».
ورأى مراقبون أن سافدج ليس الوحيد الذي يقوم بالتحريض على المسلمين، بل هناك العشرات إن لم يكن المئات من وسائل الاعلام التي تتفنن وتبدع في التحريض ضد العرب والدول الإسلامية، وكأن المذيع إذا لم يبدأ برنامجه بقصيدة من الاهانات للإسلام والعرب، لا يعدّ وطنياً وربما أحياناً لا يعدّ أميركياً.
وكانت الجامعات الأميركية قد شهدت فعاليات معادية للعرب والمسلمين، أطلقها ناشط إسرائيلي متشدّد مناهض للعرب تحت اسم «التوعية بالفاشيّة الإسلامية». ونظّم هذه الفعاليات رئيس منظّمة «مركز الحرّيّة» اليهودي المتشدّد ديفيد هورويتز، زاعماً أنها «دعوة لإيقاظ الأميركيين في مئتي حرم جامعة وكلّيّة». وزعم هورويتز أن الحملة ستواجه أكبر «قضيتين تثاران من اليسار السياسي» وهما «أن جورج بوش خلق الحرب على الارهاب، وأن ارتفاع حرارة الأرض أكثر خطراً على الأميركيين من تهديد الارهاب»، حيث يرى أن الفاشية الإسلامية هي «أكبر خطر يواجه الأميركيين على الاطلاق». ودعا هورويتز عدداً من أبرز الكتّاب والاعلاميين المعادين للإسلام في الولايات المتحدة وأكثرهم تطرّفاً، ومن بينهم الكاتب دانيل بايبس، والمعلّق دينيس براجر، وشون هانيتي، وروبرت سبنسر والذي يعتبر واحداً من أسوأ المعادين للإسلام في أميركا، السيناتور الجمهوري السابق ريك سانتورم، ووفاء سلطان. ويحمل سبنسر كراهية مقيتة للدين الإسلامي، ففي كتابه «دليل للكاثوليك» يقول: «الإسلام يعارض في كثير من الأحيان ما أوحاه الرب من خلال رسل العهد القديم، ومن خلال إبنه يسوع المسيح... ولعدد من الأسباب... يمثّل الإسلام تهديداً للعالم أجمع». وقد اعتمد منظّمو الفعاليات ملصقات خاصة، تعبّر عما يعتبره المناهضون للإسلام ظلماً للمرأة في العالم العربي والإسلامي، يظهر فيها ما وُصف بأنه عملية رجم فتاة مسلمة في إيران.
وكان تقرير للمجلس الأميركي للعلاقات الإسلامية «كير» صدر أخيراً، قد أكد ارتفاع نسبة التمييز العنصري ضد المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 52٪ بين العامين 2005 و2006. وأشار التقرير الى 7642 حادثاً أو قضية شملت العنف والتمييز والمضايقات ضد المسلمين، مع تسجيل زيادة ملحوظة في القضايا المرتبطة بالأجهزة الحكومية، حيث ذكر المجلس عدداً من حالات تأخير منح الجنسية، والنظر في طلبات الحصول على الجنسية للمسلمين. وسبق أن كشفت تقارير لهيئات دولية غير حكومية التجاوزات الخطرة والاعتداءات المتكرّرة في حق الجالية المسلمة في أميركا، حيث حملت منظّمة «هيومان رايتس ووتش» السلطات الأميركية، سبّب تفاقم مشكلة التمييز العنصري ضد المسلمين، وذلك لعدم اتّخاذ الشرطة الأميركية الاجراءات اللازمة للتصدّي لمثل هذه الاعتداءات. وربط بعض الخبراء الأميركيين تزايد حدّة التمييز العنصري ضد المسلمين، بتزايد العنف في الشرق الأوسط، خصوصاً في عدد من الولايات الأميركية التي تقيم فيها نسبة عالية من الأميركيين من أصول يهودية، كرد فعل على المواجهات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وسبق أن تعرّض عدد من المساجد لحرق من قبل مجموعات متطرّفة، واعتداءات على مسلمين ومسلمات يرتدين الزيّ الإسلامي في عدد من الولايات بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001.
في السياق نفسه، يمكن فهم الرسوم المسيئة للإسلام التي نشرت في العام 2006، والتي أسفت لها الكنائس الدانماركية، كما كنائس الشرق والغرب، واعتبرت المسّ بالنبي إهانة للمسيحية، لأنها محاولة لتصوير المسيحية وكأنها في صراع مع الإسلام، في حين أن الصراع الحقيقي هو بين أهل الأديان واللادينية المتطرّفة. وقد شهدت البلدان العربية والإسلامية احتجاجات واسعة، ظلّت في حدود الغضب العاقل، على هذه الرسوم، في الوقت الذي أعلن الكثير من ممثّلي الكنائس في شتى أنحاء العالم رفضهم المساس بالمقدّسات الدينية والاساءة الى الرموز الدينية بوجه عام.
نعود الى السؤال: كيف السبيل الى تغيير المسار؟
كثيرون هم المسيحيون، بدءاً بمسيحيي الشرق الأوسط، وكثيرون هم المسلمون بدءاً بمسلمي الشرق الأوسط، الذين يرون أن الحوار هو الحل، ويعتبرون كلّ تعصّب ديني تشويهاً للإسلام بقدر ما هو تشويه للمسيحية. في الوقت نفسه يسجّل العارفون أن ليس هناك علمانية واحدة في الغرب، لأن بعض التيارات العلمانية الغربية تحوّلت الى تيارات أصولية علمانية، كما يتجلّى الأمر في منع الحجاب الإسلامي مثلاً، ومنع إنشاء المآذن، وهذا يعني أن شريحة واسعة من الغربيين مصابة بمرض الرهاب (فوبيا)، من الإسلام والمسلمين، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، الأمر الذي يدفع بها الى مطابقة الإسلام مع الارهاب، وهذا أمر شديد الخطورة، فضلاً عن أنه تشويه مقصود للإسلام.
وقد بات واضحاً أن التعدّي على المقدّسات الإسلامية والحضّ على كراهية المسلمين في الغرب، بدأ يترك آثاره على المسيحيين العرب الذين لن تكون حمايتهم سهلة، رغم أن العيش المشترك كان ولا يزال سمة شرق أوسطية دائمة منذ ظهور الإسلام، والتحدّيات التي تواجه المنطقة مشتركة، والقضايا التي يعيشها المسلمون والمسيحيون معاً مشتركة.
على أن الوثيقة الأكثر أهميّة ربما في التاريخ الأميركي المعاصر، تتمثّل في تقرير المجموعة القيادية حول العمل المشترك بين الولايات المتحدة والمسلمين، التي تعكس اتجاهاً جديداً لعلاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي ومشروع تشارك حقيقياً، وهي تحمل تاريخ أيلول (سبتمبر) 2008. المجموعة القيادية أعدّت استراتيجية عمل واضحة تبنّاها باراك أوباما منذ بدء ولايته، وهي تؤكد النقاط الآتية:
< أن يدرك الأهميّة الحاسمة لتحسين العلاقات مع المسلمين عالمياً.
< أن يتّخذ إجراءات أساسية فوراً لإظهار التزامه تحسين العلاقات، بما فيها:
< تنظيم جهد لكامل الحكومة، وبشكل فوري، وبقيادة رئاسية، لتحديد استراتيجية لتحسين العلاقات مع الدول والمجتمعات الإسلامية الكبرى وتطبيقها.
< إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة فوراً منع أشكال التعذيب كافة.
< المبادرة الى جهد ديبلوماسي رئيسي ومستدام لحلّ النزاعات الإقليمية، وتشجيع التعاون الأمني في الشرق الأوسط، وإعطاء الأولوية الكبرى للمشاركة مع إيران وحلّ دائم للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
< العمل على عقد مؤتمر قمّة تشاركي، بين رجال الأعمال والحكومة حول الاصلاح الاقتصادي والنموّ، وإيجاد فرص عمل في الشرق الأوسط بهدف تسريع الاصلاح القائم والمبادرات الاستثمارية.
< العمل مع زعماء الكونغرس والمؤسّسات التعليمية والثقافية والخيرية في الولايات المتحدة، ونظراء في الدول الإسلامية، لإيجاد مبادرة عالمية للتعليم والتعلّم وتمويلها، والتبادل بين المواطنين في الولايات المتحدة والدول الإسلامية.
< التشارك في عقد منتديات حول العلاقات الأميركية ـ الإسلامية مع قادة الأعمال والأديان والمؤسّسات الخيرية والقادة الاعلاميين، من الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وإيجاد منابر جديدة للعمل، وبذل جهود لإشراك زعماء المسلمين الأميركيين. وليس صعباً أن نلاحظ أن باراك أوباما التزم حتى الآن، رغم التعثّر الذي حصل، هذه التوجّهات، وهو لا يزال مقتنعاً بأن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين حاسم على أكثر من صعيد، بالنسبة الى اقتصادات الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.
إنه الاستثمار المطلوب على مختلف الصُّعد الديبلوماسية والاعلامية والفكرية والانمائية والاقتصادية، من أجل تجاوز التراكمات التاريخية وعمرها أكثر من ألف عام، وإزالة رواسب الأحداث الأخيرة منذ 11/9/2001 حتى الآن >