أفادت مصادر أن الحكومة المصرية استعانت بعدد من الخبراء الأجانب المختصين في القانون الدولي لفحص الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة مع دول حوض النيل، سواء خلال فترة الاحتلال البريطاني أو بعد ثورة يوليو 1952.
وأكدت مصادر حكومية رفيعة المستوى أن مصر بصدد إعداد ملف فني عن الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل لعرضه أمام التحكيم الدولي في حالة قيام دول المنابع بتوقيع اتفاق منفرد لمياه النهر بدون مصر والسودان.
وأكدت نتائج الفحص للجنة الخبراء الأجانب طبقا لتقرير سري تم عرضه على الحكومة المصرية وإحدى الجهات السيادية أنه طبقا للقانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، فإن جميع الاتفاقيات القديمة لا يمكن إلغاؤها ولها شرعية دولية، وأن محكمة العدل الدولية أقرت عام 1989 أن اتفاقيات المياه تماثل اتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها إلا باتفاق جماعي من الأطراف المعنية بهذه الاتفاقيات.
واقترح خبراء في المياه أن يصدر الرئيس المصري حسني مبارك تكليفا للحكومة بتخصيص وزارة دولة تكون مهمتها التعاون مع دول حوض النيل، وحل مشاكل الاستثمار المشترك مع هذه الدول من ناحية، والتنسيق من ناحية أخرى مع مختلف الوزارات لتحقيق تفعيل أكبر للمشروعات المشتركة في إطار التعاون الشامل مع دول الحوض للاستفادة من موارد النهر لصالح جميع دول المنبع والمصب.
وتقوم الحكومة المصرية حاليا بإعداد ملف كامل عن مفاوضات حوض النيل وأسباب فشل هذه المفاوضات، ودراسة تداعيات الأزمة مستقبلا من الناحية القانونية، مع تشكيل لجنة من الخبراء المصريين المعنيين بموضوعات اتفاقيات المياه، والاستعانة بخبراء من الحكومة البريطانية للحصول علي مستندات أخرى من بريطانيا تعزز الموقف المصري، حيث تحتفظ لندن بنسخ من كل ما يخص ملف اتفاقيات حوض النيل إبان احتلالها للمنطقة.
وأعدت الحكومة ردا على دعاوي بعض الجهات الإثيوبية بأنه لا توجد أية اتفاقيات موقعة بين القاهرة وأديس أبابا لتنظيم موارد النهر أو إقامة سدود عليه دون الرجوع إلى مصر.
وتستند الحكومة إلى خطاب النوايا الذي أصدره رئيسا مصر وإثيوبيا عام 1993، واعتمدته الأمم المتحدة باعتباره يدخل ضمن الاتفاقيات الدولية المعنية بالموارد المائية، خاصة أنه تضمن تعهد الجانب الإثيوبي بعدم إقامة مشروعات من شأنها التأثير على تدفق مياه النهر إلى مصر، ويكفل حصول مصر على حصتها من مياه النيل بشكل دوري في إطار التعاون المشترك بين البلدين. وقال الدكتور محمود أبوزيد وزير الري السابق لـ"العرب" إن خطاب حسن النوايا يندرج ضمن الاتفاقيات الدولية، وله شرعية دولية، ويعترف به المجتمع الدولي. وتعكف جهة سيادية مصرية حاليا "في إشارة إلى جهاز المخابرات العامة" على مراجعة جولات المفاوضات بين مصر ودول حوض النيل، بحثا عن أسباب فشل المفاوضات الأخيرة التي عقدت في مدينة شرم الشيخ الأسبوع الماضي، وفحص جميع محاضر الاجتماعات لتحديد أسباب الوضع الحالي للمفاوضات وأسباب حدوث الانتكاسة الأخيرة، بالإضافة إلى تحديد مسؤولية كل من وزير الري الحالي الدكتور محمد نصر الدين علام أو سلفه الدكتور محمود أبوزيد عن نتائج المفاوضات التي جرت خلال العقد الأخير مع دول حوض النيل تمهيدا لعرضه على الرئيس مبارك لاتخاذ القرار المناسب.
وأشارت مصادر حكومية رفيعة المستوى إلى أن الرئيس مبارك شدد على الحكومة بضرورة تفعيل التعاون مع دول حوض النيل في جميع المجالات، وأن يحتل هذا الملف أولوية قصوى في السياسة الخارجية لمصر.
ومن جانبه قال الدكتور مغاوري شحاتة دياب خبير المياه، رئيس جامعة المنوفية الأسبق، إنه لا يجب الدعوة لعقد قمة لرؤساء دول حوض النيل في الوقت الحالي لأنها ستكون انعكاسا لآراء وزراء المياه، مما سيؤدي إلى فشل القمة في التوصل إلى حلول للأزمة، مشيرا إلى أهمية أن يتميز الموقف المصري بالهدوء. وكشف دياب عن عدم وجود قانون دولي ينظم الأنهار العابرة للحدود، موضحا أن الاتفاقيات القديمة يتم إدراجها ضمن اتفاقيات الحدود، مما يعني أنه تتوارثها الأجيال ولا يجوز المساس بها، مشيرا إلى أنه يوجد إطار توافقي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة حول تنظيم المياه العابرة للحدود ومنها مياه الأنهار المشتركة.
وشدد المتحدث على أنه في حالة قيام دول المنابع بعقد اتفاقية منفردة بعيدا عن مشاركة مصر والسودان فيها، وفشل التوصل إلى حلول أو مشروعات تحافظ على الحقوق التاريخية لمصر من مياه النيل، فإن على مصر أن تكون مستعدة للجوء للتحكيم الدولي للتأكيد على هذه الحقوق حفاظا على الأمن المائي المصري.[i]