فيما يخص موضوع مقالنا الذي نحن بصدده , و هو معاناتنا مع خطباء اليوم ، شدتني بعض كلمات قرأتها في كتاب ممتع ، هو كتاب ( استمتع بحياتك ) للشيخ الداعية محمد عبد الرحمن العريفي حيث يقول : ( لماذا يخطب اثنان الخطبة نفسها ، بألفاظها نفسها ، فترى الحاضرين عند الأول ما بين متثائب و نائم ، أو عابث بسجاد المسجد , أو مغير لجلسته مراراً .. بينما الحاضرون عند الثاني منشدّون متفاعلون , لا تكاد ترمش لهم عين , أو يغفل لهم قلب .. إنها مهارات الإلقاء ) ، بالفعل إنها مهارات الإلقاء و فنون الكلام التي أصبحنا نفتقدها عند خطباء اليوم ـ إلا من رحم الله و قليل ما هم ـ حيث أصبح الخطيب منهم يخطب و كأنما يقرأ تقريراً أو فرماناً ، أو تستشعر أنك في حصة قراءة لا خطبة جمعة جدير بها أن تكون معدة إعداداً صحيحاً من ناحية الإلقاء و الحبكة و الموضوع المتناسب مع مستجدات العصر و قضايا الأمة ، لا كلاماً مكرراً بنغمة و نبرة واحدة كل أسبوع .
روى المؤرخون أن أحد قضاة مصر و خطبائها كان إذا صعد المنبر و بدأ يعظ الناس ، ضجوا بالبكاء و التوبة و التأثر ، رغم قلة كلامه ، و لمّا خطبهم غيره لم يتأثروا ذلك التأثر رغم بلاغة الخطيب الثاني ، فسأل ابن الخطيب الأول أباه قائلاً : يا أبتِ مالك إذا خطبت الناس تأثروا و بكوا و تابوا ، و إذا خطبهم غيرك كأنهم لم يسمعوا شيئاً ؟
فأجاب الأب الحكيم : يا ولدي ! ( ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة ) ، أي ليس الخطيب المحترق من الألم و المعاناة الذي يلفظ كلامه من قلبه ، و تخرج حرارته من كبده ، كمن يقوم على المنبر ليؤدي عملاً يأخذ عليه أجراً ، و لن يستوي هذا و هذا أبداً .
نحن في حاجة إلى خطباء يكتبون و يقولون الكلام من أعماق قلوبهم ، و يحترمون عقل المنصت بما يأتون به من توجيهات و مواعظ ، و يكونون قدوة للناس فيما يأمرون به من معروف و ما ينهون عنه من منكر ، نحن في حاجة إلى من يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يخطب الناس ، فكان يخطب فيهم كأنه نذير حرب ، و الخطبة إذا لم يغب فيها عدد من الأشخاص عن الوعي من شدة التأثر و الخوف لم تكن خطبة كما قال ذلك الشيخ عائض بن عبد الله القرني في إحدى محاضراته .
نحن نعلم أن فن الإلقاء مواهب و عطايا من الله تعالى ، و لكن ذلك لا يمنع من أن يكتسب الخطباء شيئاً من تلك المهارات حتى يؤدون رسالتهم على الوجه المطلوب .