على غرار "طرائف الشعر والشعراء" ، تزخر مراجعنا التراثية بطرائف لغويـة ، تجمع بين
المتعة والفائدة . فإليكم مجموعة من تلك الطرائف اللغوية , أرجو أن تنال رضاكم
1- الأعرابي والمؤذن
يُروى أنّ أعرابيّا سمع مؤذناً يقول : " أشهد أن محمداً رسولَ الله " ، بنَصْب كلمة "رسول" .
فقال الأعرابي : " وَيْحَك ! فَعَلَ ماذا ؟ ".
[ يعني : أنه يتوقع منه إتمام الجملة ؛ بأن يقول : " أشهد أن محمداً رسولَ الله فعَلَ كذا وكذا " . وذلك لأن نَصْبَ "رسول"
يجعل المعنى ناقصاً ؛ إذْ تصبح "رسول" نعتاً لاسم محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وتبقى "أنَّ" بلا خبر ] .
2- الفتحةُ أنقذَتْه
يُروى أن أحدُ شعراء الخوارج قال ، يُعَرِّضُ بعبد الملك بن مروان :
ومِنّا يَزيدٌ والبُطَيْنُ وقَعْنَـبٌومِنّا أميرُ المؤمنين شَبِيبُ
فسمع عبد الملك بالبيت ، فأمر بإحضار قائله .
فلما أُتِيَ به ، قال له : " أنتَ القائل : ( ومِنّا أميرُ المؤمنين شَبِيبُ ؟ ) "
قال : " لم أقل هذا ، يا أمير المؤمنين " .
قال : " كيف قُلتَ ؟ " .
قال : " قُلْتُ : ( ومِنّا أميرَ المؤمنين شَبِيبُ ) ؛ أي : يا أميرَ المؤمنين ".
فضحك عبد الملك ، وخلّى سبيله .
[ نُلاحظ أنّ المعنى تَغيَّر بتغيير حركة الراء ، من الضمة إلى الفتحة ] .
3- ما أحسن السماء
يُروى أنّ أبا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيّ قالت له ابنتُه يوماً : " يا أَبَتِ ، ما أحْسَنُ السَّماءِ " ( برفْع "أحسن" ، وجرّ "السماء" ) .
فقال : " أيْ بُنَيّةُ ، نُجُومُها " [ يعني : أحْسَنُ السّماءِ نُجومُها ] .
فقالت : " يا أبَتِ ، إنّي لَمْ أُرِدْ : ( أيُّ شَيْءٍ مِنْها أحْسَنُ ؟ ) ؛ وإنّما أردْتُ أن أتعجَّبَ " .
فقال لها : " فقولي : ما أحْسَنَ السَّماءَ ! " [ بنصب "أحسن" ، ونصب "السماء" ] .
[ ملاحظة : العُمْدة في النطق على بيان حركة "أحسن" . أما "السماء" ، فلا تظهر حركتُها ، بسبب الوقف عليها
بالسكون ] .
4- أبو الأسود وضبط المصحف الشريف
كتَب معاوية إلى زِيَاد ابن أبيه ، يطلُب عُبَيْدَ الله ابنَه [ أي: ابن زياد ] . فلمّا قَدِمَ عليه ، كلَّمه فوجده يَلْحَن . فردَّه إلى زياد
، وكتَب إليه كتابا يلُومُه فيه ، ويقول : " أَمِثْلُ عُبَيْدِ اللهِ يُضَيَّعُ ؟ ".
فبعَثَ زيادٌ إلى أبي الأَسْوَدِ الدُّؤليّ ، فقال : " إنّ هذه الحَمْراءَ [ أيِ: الأعاجِمَ ] قد كثُرَتْ ، وأفسَدَتْ مِن أَلْسُنِ العرَب .
فلَوْ وضَعْتَ شيئاً يُصْلِحُ به الناسُ كلامَهم ، ويُعْرِبُون به كِتابَ الله تعالى ؟ " .
فأبَى ذٰلك أبو الأَسْوَدِ ، وكَرِهَ إجابةَ زيادٍ إلى ما سَأل .
فوَجَّه زيادٌ رجُلاً ، فقال له : " اُقْعُدْ في طريق أبي الأَسْوَدِ . فإذا مَرَّ بك ، فاقرَأْ شيئاً من القرآن ، وتَعمَّدِ اللَّحْنَ فيه ".
ففعَل ذلك ؛ فلمّا مَرَّ به أبو الأَسْوَدِ ، رفَع الرجُلُ صوْتَه ، فقال : ” ... أنّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ “ . فاستَعْظمَ
ذٰلك أبو الأَسْوَدِ ، وقال : ” عَزَّ وَجْهُ اللهِ أنْ يَبْرَأَ مِن رَسُولِه صلى الله عليه وسلم “ .
فتَمَامُ العبارةِ القرآنيّة الكريمة ، كما ورَدتْ في سورة التَّوبة : ( وَأَذانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ
بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسولُهُ) (بالرَّفْع) ؛ أيْ : " ورسُولُه أيضاً بَرِيءٌ من المشركين » . ولكنّ الرجُلَ قرَأها : ” وَرَسُولِهِ “
(بالجَرِّ) ؛ فصارَ المعنَى ، والعِيَاذُ بالله : « أنّ اللهَ يَبْرَأُ مِن المشركين، ويَبْرَأُ مِن رسُولِه أيضاً " .
فكان هذا الخطأ الفاحش حافزا لأبي الأسود على الاستجابة لطلب زياد ، ووضْع طريقة لضبط أواخر الكلمات القرآنية .