يدخل عرس الوحدة اليمنية في عقده الثاني والتي لم يظهر عليها أثر الحمل التنموي بعد، فضلا عن استحالة ولادة أمل كان يحلم به اليمنيون بعد مرحلة التخبط والتفرق والدموية التي عاشها منذ اندلاع ثورتي الـ'26' من ايلول/سبتمبر التي قضت على الإمامة في الشمال، وثورة الـ'14' منتشرين الاول/أكتوبر التي أجلت الاحتلال البريطاني عن جنوب اليمن وحتى تحقيق هذه الوحدة، حيث لبست الإمامة ثوب الديمقراطية وتحول الاحتلال الخارجي إلى احتلال داخلي لا يقل في سطوته عن الأول في كافة مجالات الحياة المختلفة في هذا البلد القبلي البدائي المتخلف حاكمه ومحكومه!!
تأتي أفراح الوحدة التي سيبتهج بها أصحاب الجلالة والفخامة والذين سيقيمون خلالها الحفلات والعروض والمهرجانات والألعاب النارية الصينية والأمريكية وينفقون المليارات من الدولارات عليها، في حين هناك ما يزيد عن سبعة ملايين جائع وعاطل عن العمل ومتسول متخمة بهم هذه البلد، أي ما يعادل ثلث السكان، وما يزيد عن 75' من عدد السكان جهلة وأميين، واقتصاد مهدد بالانهيار في أية لحظة، حيث تبلغ نسبة الديون على كل مواطن حسب تقرير لإحدى المنظمات الدولية ما يزيد عن '400' دولار للدول المانحة وصندوق النقد والبنك الدوليين، وحروب دموية في صعدة لم تنته بعد، وحراك جنوبي حقوقي يطالب بفك الارتباط تزداد وتيرته يوما بعد يوم، وأجهزة أمنية وعسكرية مسخرة لحماية الملوك والأمراء الجدد ولتكميم أفواه الصحافيين والتي ثبت عجزها أمام تنظيم القاعدة الذي ظهر مؤخرا وسدد ضربات كافية لاستقالة الحكومة بكاملها، كما أن هناك انسداد للأفق السياسي بين أحزاب المعارضة والسلطة، وفساد ممنهج وروتيني ومعتاد ينخر في كل إدارة ومؤسسة حكومية، ومشاريع فصلية وهمية تخديرية تتفضل بها السلطة لتمويه آمال وتسكين آلام الشعب على مدى العشرين سنة الماضية، ولا تدرك الحكومة أولوياتها في ظل هذه الظروف التي توشك - كحد أقصى - بانفجار ثورة شعبية ستحرق الأخضر واليابس كما حصل في قرغيزيا مؤخرا، ففي تقرير لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أكدت المتحدثة باسم البرنامج ايميليا كاسيلا' انه لم يبق للناس في هذه البلد إلا واحد من ثلاثة خيارات، الثورة أو الهجرة أو الموت!
إن ظاهرة البهرجة الإعلامية والإعلانية والشعارات البالونية البالية والمطاطية التي يتفنن بها الحزب الحاكم هذه الأيام لن تعيد اهتزاز الثقة بوحدة لم تفرز - في الواقع - إلا المزيد من الظلم والقهر والاستفراد بالحكم والتسلط والفساد الممنهج والجهل والحروب وتكميم ومحاربة وسجن الصحافيين وإغلاق ومصادرة الصحف الحرة وإصدار تشريعات إعلامية تعجيزية وديون هائلة تجر البلد ومستقبلها إلى نفق مجهول المسار، لذالك أصبح من الطبيعي إن لم يكن ضرورة قصوى أن بدأت ترتفع الأصوات التي تنادي بإعادة تصحيح مسار الوحدة الذي أوصلها الحزب اليمني الحاكم إلى هذه المرحلة المحرجة من تاريخها، والذي لا زال يضلل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي ويدعي أنه صانع الوحدة ومرسخها رغم تكذيب التاريخ لذلك، فمنذ أن أنقلب عليها في صيف 94 لم يعمل على إعادة الاعتبار العام لما خلفته تلك الحرب الهمجية التي ظهرت آثار تجاهلها الآن في المطالبات الشاذة بالانفصال وفك الارتباط عن دولتين كانتا معترف بهما دوليا حسب ما تؤكده تقارير مجلس الأمن الدولي غداة إعلان الوحدة الاندماجية لتلك الدولتين! والذي تتحمل سلطة هذا الحزب مسؤولية هذه الأحداث باعتبارها السبب الأساس في ظهورها وطبيعة حلها!
الحلول المؤقتة والترقيعية منهاج استاتيكي اعتادت عليه السلطة لا تنوي تغييره ولو شكليا حيث لازالت تعتقد أن مستوى الوعي المتكلس الذي تغذيه بمناهج تعليمية أسطورية خرافية تجاوزها الزمن ولفظها العصر الحديث سواء أكانت أساسية أو جامعية، أو شراء واستمالة الكتل البشرية المثقفة التي تمشي في مبادئها مع الريح بمناصب وإغراءات لا تقوى شهواتهم على تفويتها كما حصل مع الكثير من الأساتذة الجامعيين أو الصحافيين والمثقفين، لكن أقول كأعلامي ومتابع الأحداث الداخلية للبلد أن هناك وعي زاحف بدأت وتيرته تتسارع يوما فيوم، كان آخر أشكالها بالنسبة للطبقة الأولى ثقافيا وفكريا إضراب أساتذة جامعة صنعاء حتى رضخت السلطة لمطالبها وسياسيا رفض الأحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في ظل عدم استجابة السلطة لاشتراطات المعارضة والتي لازالت على موقفها حتى اللحظة، وشعبيا المطالبة الجنوبية بالانفصال في ظل التهميش والتجاهل لحقوقهم ومطالبهم ومظاهر أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
أحذر من أن تنتشر ظاهرة مقايضة المنصـــب الرئاسي للحكام العرب بوحدة الأرض والشعوب العربية كما حصل في الســــودان مؤخرا، وبكل صراحة أقول كما بيعت دول بكاملها، كالعراق وفلســطين والصومال وإيران حاليا، لا أستبعد وصولهم إلى بيع أوطانهم بما يحفظ منصبهم الوراثي!
المصدر القدس العربي