القصة الكاملة لـ»الحراك الجنوبي« في اليمن )1( ـ لقاء »التسامح والتصالح« للفرقاء الجنوبيين الذي تحول إلى »الحراك« »الشرق اﻷوسط« تزور الضالع »البؤرة الملتهبة« للمشاكل في جنوب اليمن
جريدة الشرق اﻻوسط الصفحة: أخبــــــار صنعاء: عرفات مدابش بعد توحد شطري اليمن، الشمالي والجنوبي، في 22 مايو )أيار( عام 0991، شهد البلد الموحد ازدهارا ونهضة وحركة تنقﻼت بين ضفتي الوطن، أوﻻ عبر البطاقة الشخصية، ثم من دونها، ولم يستمر »شهر العسل الوحدوي«، سوى عام أو ربما عامين، قبل أن تدخل البﻼد في أزمة سياسية عاصفة، تخللتها موجة اغتياﻻت لقيادات في الطرف الجنوبي أو الحزب اﻻشتراكي اليمني، خلفت حينها أكثر من 051 شخصية سياسية وعسكرية وأمنية وحزبية وغيرها، وما لبثت الحرب اﻷهلية أن اندلعت في 72 ابريل )نيسان( عام 4991، بين شريكي الوحدة؛ المؤتمر الشعبي العام )الشمالي( والحزب اﻻشتراكي اليمني )الجنوبي(، اﻷول بزعامة الرئيس علي عبد ﷲ صالح، والثاني بزعامة نائبه، بعد الوحدة، علي سالم البيض، واﻷول تحالف معه واصطف إلى جانبه حزب التجمع اليمني اﻹسﻼمي، المعارض حاليا، المشارك، حينها، في حكومة ائتﻼفية تتكون من اﻷحزاب الثﻼثة، آنفة الذكر.
حرب »اﻹخوة - اﻷعداء«، مالت كفتها لصالح الطرف الشمالي الذي ناصره اﻹسﻼميون من مختلف اﻻتجاهات، في ظل العداء، حينها، لﻼشتراكية أو بقاياها، ليس في اليمن فحسب، بل في كل بلدان العالم. انتهت الحرب، وفرﱠ الكثير من قادة الحزب اﻻشتراكي إلى الخارج، وبسطت الحكومة اليمنية السيطرة على الجنوب، غير أنه، وبعد نحو 11 عاما على تلك الحرب، ظهرت حركة سياسية وشعبية، هي - ما يسمى اليوم- بالحراك الجنوبي، وجغرافيتها، من حيث التسمية، المحافظات اليمنية الجنوبية السبع بعد الوحدة، الست قبلها.
هذا الحراك، بدأ فعليا في يناير )كانون الثاني( 7002 بعقد لقاء أو اجتماع ضم شخصيات من تلك المحافظات )عدن، لحج، أبين، الضالع، شبوة، حضرموت، المهرة(، وعقد ذلك اللقاء في جمعية ردفان اﻷهلية في مقرها بمدينة عدن، العاصمة السابقة لدولة الجنوب التي كانت تعرف باسم »جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية«، في حين كانت دولة الشمال أو الشطر الشمالي يعرف بـ»الجمهورية العربية اليمنية«، قبل أن يطلق على الدولة الموحدة اسم »الجمهورية اليمنية«.
تلك الشخصيات التي ضمها اﻻجتماع، كانت مناطقها، في السابق، مختصمة في ما بينها، وتقاتلت في عدة حروب أهلية، كان آخرها في يناير )كانون الثاني( عام 6891، وقد أطلق على ذلك اﻻجتماع تسمية »لقاء التصالح والتسامح«، ثم تلته عدة لقاءات مماثلة في مناطق كثيرة، هدفت إلى تصفية النفوس لدى الجنوبيين اليمنيين، مما يجيش بها من آثار الحروب والنزاعات السابقة.
لكن الخطوة لم تتوقف عند هذا الحد، بل بدأ الحراك الجنوبي في التشكل عبر خطوات متتالية، فبعد لقاءات التصالح والتسامح، بدأت الشخصيات والقوى التي تقف وراءه، بابتكار الكثير من اﻷساليب من أجل الوصول
إلى المبتغى، فقد شكلت، في البدء، جمعيات للمتقاعدين العسكريين والمدنيين الذين كانوا يشكلون حجر الزاوية في الدولة اليمنية الجنوبية، ثم جمعيات العاطلين عن العمل، وجمعيات للشباب العاطلين، وهلم جرا..
وفي مارس )آذار( عام 7002، تشكل الحراك الجنوبي في صورته الحالية، ومطالبته بما يسميه »فك اﻻرتباط« بين الشطرين الموحدين في مايو )أيار( 0991، وهو مطلب تصفه صنعاء بأنه »مطلب انفصال«، وهذا الحراك بدأ بسيطا ثم تطور وكبر ونما حتى وصل إلى صورته الحالية، وهي: اﻻشتباكات المسلحة المتقطعة، التظاهرات اﻷسبوعية، فكل يوم خميس يتظاهر أنصار الحراك بمناسبة ما سموه »يوم اﻷسير الجنوبي«، وأيضا للمطالبة مجددا بـ»فك اﻻرتباط«، وبعد عدة محاوﻻت ﻻختبار مدى التجاوب الشعبي، في جنوب اليمن، مع اﻹضراب العام والعصيان المدني، جرت تسمية يوم اﻻثنين من كل أسبوع بـ»يوم للعصيان المدني« من أجل »رفع الحصار عن محافظة الضالع«، المحاصرة أمنيا حاليا. ويتكون »الحراك الجنوبي« في اليمن، من عدة قوى وفصائل رئيسية، هي: المجلس اﻷعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب، ويضم عدة فصائل بداخله.
الهيئة الوطنية العليا ﻻستقﻼل الجنوب.
المجلس الوطني اﻷعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب.
التجمع الديمقراطي الجنوبي )تاج(.. في الخارج.
اتحاد شباب وطﻼب الجنوب.
وتعد محافظة الضالع التي تبعد عن العاصمة صنعاء بنحو 042 كلم جنوبا، من أكثر البؤر الساخنة في الصراع الدائر في جنوب اليمن، وللحراك الجنوبي تواجد، وهذا ما لمسته »الشرق اﻷوسط« خﻼل زيارتها إلى المحافظة أخيرا، كأول وسيلة إعﻼمية عربية دولية تدخل إلى المحافظة التي تشهد اضطرابات، منذ عدة أشهر.
فعندما اتجهنا بسيارة اﻷجرة، نحو المحافظة، كان الطريق الذي يمتد من العاصمة صنعاء حتى مدينة يريم في محافظة إب، وهو نصف المسافة إلى الضالع تقريبا، كما هو عليه دائما، مكتظا بالسيارات والشاحنات المغادرة من صنعاء والمتجهة إليها، إلى حد الزحام. غير أنه، وبمجرد أن تنعطف يسارا من مدينة يريم باتجاه الضالع، يتغير المشهد تماما، تبدأ حركة مرور السيارات تقل بصورة تدريجية وغير معتادة في هذا الطريق الذي ينتهي في مدينة عدن، كبرى مدن جنوب البﻼد، فعلى الرغم من أن عدن هي الميناء اﻷكبر في البﻼد، والمنطقة الحرة والعاصمة اﻻقتصادية، فإن حركة مرور السيارات وشاحنات نقل البضائع وغيرها نحو صنعاء، أصبحت شبه مشلولة في هذه الطريق بعد أن تزايدت اﻷوضاع سخونة في الجنوب، وخﻼل الساعتين من السفر من يريم نحو الضالع، لم نشاهد، ربما، سوى سيارة »بيجو« واحدة، ومثل هذه السيارات الشائع استخدامها في اليمن لنقل الركاب، ﻻ تقر وﻻ تتوقف، وهي تتنقل بين المحافظات ليل نهار، وعلى جميع الطرق، ومنها هذا الطريق.
ومع التصعيد الحاصل في الجنوب، وتحديدا في محافظة لحج التي تعرض فيها الكثير من المسافرين من أبناء المحافظات الشمالية تحديدا، ﻷعمال قتل ونهب، وكذا طرد تجار وعمال »شماليين« من مدن المحافظة وإحراق محﻼت بعضهم، فضل معظم المسافرين وسائقو وسائل النقل العامة والخاصة التجار، السفر من صنعاء إلى عدن والعكس، عبر طريق »سمارة«، أي عن طريق محافظة تعز، رغم المسافة المضاعفة.
هاجس الخوف من السفر شمل محافظة الضالع أيضا، رغم أن أبناء الضالع ينفون قطعيا أن يكون أي مواطن »شمالي«، قد طرد من المحافظة أو تمت مضايقته من قبل عناصر الحراك، وخﻼل جولة في المدينة في معية عدد من الصحافيين من أبناء المحافظة، أكد الصحافي علي ناجي سعيد لـ»الشرق اﻷوسط« أن التجار
والعمال من أبناء الشمال، ما زالوا يمارسون أعمالهم بصورة طبيعية، مرجعا أي تصرفات قد تحدث إلى عناصر ربما تنتمي إلى »هيئات الحفاظ على الوحدة اليمنية« التي شكلتها السلطات قبل نحو عام في جميع المحافظات اليمنية.
في مدينة الضالع، ورغم الوضع اﻻعتيادي، وهو عدم وجود مظاهرات أو عصيانات مدنية للحراك، تشعر بالتوتر اﻷمني باديا على الجميع، ويفاجأ المسافر إلى هناك بحجم اﻻنتشار اﻷمني، فبعد تجاوز منطقة سناح، وهي النقطة الحدودية بين شطري اليمن قبيل قيام الوحدة، واليوم تضم المجمع الحكومي وبه مكتب المحافظ، وسوقا كبيرة لبيع القات بالجملة والتجزئة، تجاه الضالع غير البعيدة، تبدأ في مواجهة مسلسل النقاط العسكرية، خﻼل بضعة كيلومترات فقط، وكي تصل إلى وسط المدينة، تصادف أربع نقاط، وكل واحدة منها يتواجد فيها بضعة جنود وأطقم عسكرية مزودة بسﻼح ثقيل، هذا عوضا عن الحواجز اﻷمنية و»المطبات«.
في اليوم التالي وجدنا أن الشارع الرئيسي للمدينة يتضمن ثماني نقاط، بخﻼف اﻻنتشار اﻷمني الملحوظ بسيارات ومﻼبس مدنية، وخﻼل التجوال في المدينة وأطرافها، أبرز ما يﻼحظ هو تلك الدبابات المنتشرة على سفوح التبات الجبلية المحيطة بالمدينة من كل اﻻتجاهات، وهنا يشكو أبناء المنطقة من هذا اﻻنتشار اﻷمني والعسكري، الذي بدأ بعد حرب صيف عام 4991 اﻷهلية المشار إليها، لكن المواطنين يقولون إن نصب الدبابات وإظهارها بالصورة التي هي عليها اليوم، وكذا اﻹجراءات اﻷمنية المشددة، لم تكن كذلك في السابق، وأنها كانت محدودة، وليس كما هو الحال اليوم، وينتقد بعضهم هذه الخطوات التي أقدمت عليها السلطات.
وتصنف الحكومة اليمنية الحراك الجنوبي على أنه »حركة انفصالية« تريد أن »ترجع بعجلة التاريخ إلى الوراء«، أي العودة عن الوحدة اﻻندماجية والفورية التي جمعت الشطرين في دولة واحدة، وتتهم قادة الحراك في الداخل والخارج بـ»العمالة« لجهات ودول، عادة ﻻ يتم ذكرها باﻻسم، وذلك في إطار »مؤامرة« على الوحدة اليمنية.
وتنسب السلطات لقوى الحراك الكثير من أعمال القتل وقطع الطريق التي يتعرض لها مواطنون شماليون في المحافظات الجنوبية والشرقية، على يد مسلحين لم تتضح، حتى اللحظة، انتماءاتهم أو أهدافهم، في ظل جدل في الشارع اليمني بين من يزعم دعم أجهزة أمنية رسمية للمسلحين، وبين من يعتقد أنهم الجناح المسلح للحراك الجنوبي.
* غدا »الشرق اﻷوسط« في وسط العصيان المدني
http://aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11526&article=574597&feature=