- خاص ملتقى جحاف
بقلم الدكتور/ مثنى المحلي
تباينت ردود الأحزاب السياسية على ما جاء في خطاب الرئيس علي عبدالله صالح عشية الذكرى العشرين للوحدة, الذي سمي بالمبادرة , والذي تعهد في خطاب سابق له بان يتضمن خطابه بذكرى الوحدة مفاجأة تنهي الأزمات المتصاعدة في اليمن وتطوي ملفات الماضي، وبالرغم من سقف التوقعات العالي التي سبقت المبادرة, من قبل بعض الأحزاب السياسية، ومن ثم الإحباط الذي شعرت به تلك الأحزاب بعد الإعلان عن المبادرة, فقد رحبت أحزاب المعارضة مبدئيا بالمبادرة معتبره ذلك استجابة للحالة الراهنة والملحة, إلا أنها أشارت إلى أن المشاركة في حكومة وحدة وطنية رهناً لمسار الحوار ونتائجه وطالب البيان الصادر عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بإقامة حوار وطني شامل لا يستثني احد وبرعاية عربية ودولية، وجدد حزب الرابطة الدعوة لإعادة هيكلة الدولة اليمنية على نحو يلبي الحاجة لإقامة فيدرالية على أساس إقليمين شمالي وجنوبي .
وفي سياق الردود على ما تضمنته مبادرة الرئيس صالح, جاء أول رد من الرئيس حيدر العطاس عبر فضائية ا لـ (بي بي سي), حيث أكد أن الخطاب كان باهتا وان الهدف منه كان إيجاد بلبلة في الصف الوطني وليس الحوار, بدليل انه لم يعترف بالقضية الجنوبية ولا بوجود أزمة في الوحدة وأزمة سياسية وأمنية طاحنة، ودعى الرئيس العطاس, الجنوبيين إلى تعزيز وحدتهم وتكثيف نضالهم السلمي, لأن السلطة تريد دفعهم إلى منحى آخر، وكان الرئيس العطاس قد اصدر بياناً مشتركاً مع الرئيس علي ناصر محمد قبل يومين من مبادرة الرئيس صالح اتهما فيه السلطة بالتصعيد العسكري والأمني في المحافظات الجنوبية، وبتكرار ما حدث في حرب عام 94م، وحذرا من سياسة سفك الدماء والاعتقالات والتشريد والحصار الاقتصادي على المحافظات الجنوبية وسياسة العنف والتي لن تولد إلا العنف، حد قولهما.
وكان الرئيس علي سالم البيض قد اصدر بيانا بمناسبة الذكرى الـ(16) لفك الارتباط قبل يوم واحد من خطاب الرئيس صالح, طالب فيه المجتمع الدولي وخاصة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التحرك على نحو جاد وفعال من اجل إيجاد حل عادل وعاجل للقضية الجنوبية يقوم على أساس احترام إرادة الجنوبيين وحقهم في استعادة دولتهم كاملة السيادة, وطالب أيضا بإرسال لجنة تقصي حقائق أمميه للوقوف على الحقيقة كما هي وليس كما يروج لها نظام صنعاء وإعلامه الكاذب، ودعى الرئيس البيض قادة دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر وسوريا إلى النظر بمسؤولية تاريخية إلى عمق قضية شعب الجنوب وما يمكن أن ينتج عن تجاهلها من نتائج كارثية على مستوى استقرار المنطقة العربية برمتها، واتهم البيض نظام صنعاء بمحاولة تصفية الحراك الجنوبي عبر تكتيكات سياسية وتسويات ومشاريع مشبوهة تهدف إلى شق وحدة الصف الجنوبي, وأضاف أن السنة الماضية كانت سنة البناء الميداني وتنامي قوة الحراك وان السنة القادمة ستكون سنة الاستقلال، ومن جانبها أكدت قوى الحراك الجنوبي في الداخل أن مبادرة نظام صنعاء لا تعنيها وان هدفها واضح وهو التحرر والاستقلال واستعادة دولة الجنوب .
وفي مقابل تصريحات بعض المسئولين في حزب المؤتمر وما تناولته صحف الحكومة والحزب, من أن مبادرة النظام حملت مفاجآت كثيرة في اتجاه حلحلة الأزمة السياسية في اليمن ككل, والأزمة الجنوبية تحديدا, إلا أن معظم المراقبين المحليين والعرب والأجانب اعتبروا أن مبادرة الرئيس صالح لم تتضمن أي جديد, حيث سبق وان دعى للحوار عدة مرات دون وصول تلك الدعوات إلى مرحلة التنفيذ , واجمع المراقبين أن تلك المبادرة هي الأخرى غير قابلة للتنفيذ, لأنها لم تحتوي على أية ضمانات أو آليات لإنجاح الحوار, الأمر الذي قد يدفع بالأزمة السياسية إلى مزيد من التعقيد مع تواصل زخم الاحتجاجات في المناطق الجنوبية , رغم التعزيزات العسكرية والأمنية الكبيرة في تلك المناطق.
ولكي نقرا مبادرة الرئيس صالح قراءه سياسية ينبغي أن نستعرض أهم ما تضمنته وذلك على النحو التالي :
_ الدعوة إلى إجراء حوار وطني تشارك فيه كل أطياف العمل السياسي وكل أبناء الوطن في الداخل والخارج تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل .
_يرتكز الحوار على اتفاق فبراير الموقع بين حزب المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب
_ الابتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية والتعصب الفردي والمناطقي, وحيث لا يجوز بأي حال من الأحوال لأي شخص ينتمي إلى هذا الوطن أن يسعى إلى التخريب والإضرار بمصالح الوطن والمواطنين.
_ الترحيب بالشراكة الوطنية مع كل القوى السياسية في ظل الدستور والقانون وما يتفق عليه الجميع .
_ في ضوء نتائج الحوار فانه يمكن تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الرئيسي في صنع الوحدة والشركاء في الدفاع عنها.
_ التحضير لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ظل الشرعية الدستورية والتعددية السياسية.
_ طي صفحة الماضي وإزالة ما أفرزته أزمة 93م وحرب صيف 1994م .
_ إطلاق سراح جميع المحتجزين على ذمة الفتنة التي أشعلتها عناصر التمرد في صعده وكذا المحتجزين الخارجين عن القانون في بعض مديريات لحج وأبين والضالع .
ومن خلال النقاط أعلاه يمكن القول أن المبادرة تشتمل على ثلاثة محاور رئيسية هي : - الدعوة للحوار, وموضوعات الحوار, وأهداف الحوار .
أولا : الدعوة للحوار :
على الرغم من أن الدعوة الحالية للحوار والتي وجهت لكل أطياف العمل السياسي, لم تختلف عن سابقاتها من الدعوات وآخرها التي أطلقها الرئيس قبل أشهر, إلا أن الجديد في هذه الدعوة هو إضافة " كافة ابناءالوطن في الداخل والخارج " الأمر الذي قلل من أهميتها وزاد من غموضها وجعلها تحتمل عدة تفسيرات, خاصة وان الدعوة السابقة والتحضيرات التي جرت لانعقادها تحت قبة مجلس الشورى, تحولت إلى ما يشبه الدعوة إلى مهرجان تضامني وصل عدد المشاركين فيه إلى عدة آلاف، ويبدو من خلال إبقاء الدعوة مفتوحة وغامضة على هذا النحو وعقدها تحت قبة المؤسسات الدستورية ( النواب والشورى ) ومشاركة ( أبناء الوطن في الخارج ) ربما المقصود اتحادات الطلاب والمغتربين, ما يجعل منها دعوة غير جادة ولا صادقه كسابقاتها, والغرض من ذلك الدخول في مساومات على المدعوين لحضور الحوار ومواضيعه وعدم المطالبة بإشراف عربي أو دولي عليه أو نقله إلى خارج اليمن.
ثانيا :موضوعات الحوار
خلافا لما تضمنته الدعوة لإجراء حوار وطني مسئول دون شروط أو عراقيل, اشترطت المبادرة أن يرتكز الحوار على اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب، كذلك اشترطت المبادرة الابتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية والتعصب المناطقي، فالشرط الأول حدد بوضوح إن اتفاق فبراير هو الوثيقة الرئيسية للحوار ,علما أن ذلك الاتفاق يتعلق بالانتخابات القادمة وبالذات موضوع القائمة النسبية وقوام اللجنة العليا للانتخابات وإلغاء الموطن الانتخابي الثالث وكذلك بعض التعديلات الدستورية ذات الصلة . أما الشرط الثاني فهو عدم السماح بطرح ما سمته المبادرة بالمشاريع الصغيرة والابتعاد عن المكايدات السياسية والمقصود هنا ما تضمنته وثيقة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني من بدائل لإعادة هيكلة الدولة من بسيطة إلى مركبه , دون ذكر الفيدرالية بوضوح مثلما تبناها حزب الرابطة ( رأي ) وعدد من الشخصيات السياسية, ومؤخرا الحزب الاشتراكي اليمني في الدورة الثامنة للجنة المركزية, وكذلك ما تضمنته وثيقة اللجنة التحضيرية من اتهامات للرئيس وتحميله مسؤولية خلق الأزمات المتلاحقة وتحويل النظام إلى نظام اُسري يرفض مشاركة الآخرين في إدارة الدولة .
ويبدو من خلال طرح المبادرة لاتفاق فبراير كمرجعية للحوار, بان النظام يحاول حصر مواضيع الحوار وتوجيهها بما يخدم مصالحه, كاستخدام الاتفاق وسيلة للمساومة كتقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بقوام اللجنة العليا للانتخابات والموافقة على القائمة النسبية لعدد محدود من الدوائر, في مقابل عدم طرح المشترك لموضوع الفيدرالية والاستعاضة عن ذلك بحكم واسع الصلاحيات كما نصت عله وثيقة العهد والاتفاق وتقسيم البلد إلى مخاليف اومقاطعات ليبقى النظام على ما هو عليه دون تغيير . وقد مهد النظام لذلك التوجه بزيارة الأردن مؤخرا وبهدف إحياء الدور الأردني لإقناع بقية الأطراف بقبولها , بعد أن رفض النظام تطبيقها لأكثر من 16 عاما . ومن ناحية أخرى , يبدو الإصرار على مرجعية اتفاق فبراير هو ايضآ لإرسال رسالة إلى عدد من الدول الأوربية المانحة والولايات المتحدة الأمريكية والتي كان لها دورا مهما في الوصول إلى ذلك الاتفاق , بان النظام حريص على ذلك الاتفاق ومستعد لبحثه مع أحزاب المعارضة , ولذلك شاهدنا وقرأنا لأول مرة ترجمه باللغة الانجليزية لخطاب الرئيس الذي تضمن المبادرة .
والى جانب هذين الشرطين وكرد على الاتهامات التي تضمنتها وثيقة الحوار الوطني للرئيس, احتوت المبادرة شرطين اعتبرها المراقبين تحفيزيين للمعارضة, أولهما, الترحيب بالشراكة الوطنية مع كافة القوى السياسية والثاني, النظر في إمكانية تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة ( الحزب الاشتراكي ) والشركاء في الدفاع عنها ( الإصلاح ) إذا ابتعدوا عن ما سمته المبادرة المشاريع الصغيرة ( الفيدرالية ) لأنها كما أشارت المبادرة تندرج في إطار المساعي إلى التخريب والإضرار بمصالح الوطن والمواطنين, والمقصود هنا الإضرار بالمصالح التي تحققت بعد الحرب للنظام ومواطني الجمهورية العربية اليمنية على حساب مواطني الجنوب.
ثالثاً : أهداف الحوار
حددت المبادرة بوضوح هدفين معلنين للحوار, الأول : التحضير لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها, والثاني : طي صفحة الماضي وإزالة آثار أزمة 93م, وحرب 94م, فبالنسبة للهدف الأول, فان شرعية النظام أمام المجتمع الدولي هي الآن على المحك وأمام اختبار حقيقي , بعد أن فضل النظام الهروب إلى الأمام بتأجيل الانتخابات لمدة عامين , متجاهلا تعهداته والتزاماته للمجتمع الدولي للقيام بإصلاح النظام الانتخابي كاعتماد القائمة النسبية وإلغاء الموطن الانتخابي الثالث وإجراء تعديلات دستوريه ينتقل بموجبها اليمن إلى النظام البرلماني بدلا من النظام الرئاسي الحالي .
وبسبب قرب الاستحقاق الانتخابي في بداية العام القادم 2011م, فأن النظام يتعامل بكل وسائل الترهيب والترغيب مع المعارضة الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك , للوصول إلى مخرج للمأزق الذي يواجهه من خلال الاتفاق الذي وقعه مع تلك الأحزاب, والمعروف باتفاق فبراير 2009م, ولأنه أي النظام يرفض القيام بتعديلات جوهريه في قانون الانتخابات, وبالذات اعتماد القائمة النسبية وإلغاء الموطن الانتخابي الثالث وإجراء تغييرات أساسيه في قوام اللجنة العليا للانتخابات, خوفا من فقدانه الأغلبية في مجلس النواب القادم , فأنه من خلال المبادرة قد رمى بطعم الشراكة الوطنية وإمكانية تشكيل حكومة مشتركه مع من وصفتهم المبادرة بالشركاء في صنع الوحدة والدفاع عنها ( الاشتراكي والإصلاح ), في محاوله من النظام الالتفاف على اتفاق فبراير, وان حدث ذلك فأن أحزاب اللقاء المشترك ستخسر أنصارها وبالذات الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية, وربما يؤدي ذلك إلى انشقاق داخل الحزب, وحتى في حزب الإصلاح, إذ أن أعضاءه وأنصاره من الجنوبيين الذين يتعاطفون مع الحراك الجنوبي لن يقبلوا أن يساوم قادة هذا الحزب على القضية الجنوبية. وإذا رفضت تلك الأحزاب الدخول في مساومات مع النظام , فقد يدفع ذلك النظام إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي منفردا, الأمر الذي يعتبر مرة أخرى هروبا إلى الأمام, مما يساهم ذلك في وصول الأزمة السياسية إلى اخطر مراحلها, حيث أن تلك الانتخابات مهما حاول تجميلها ببعض أحزاب التحالف الوطني الصورية لن تعطيه الشرعية المطلوبة لا في الداخل ولا أمام المجتمع الدولي ناهيك أن خطوة من هذا النوع غير محسوبة النتائج ستكون عواقبها وخيمة على النظام لسبب رئيسي وهو إن الجنوبيين سيقاطعونها وسيعتبرون ذلك استفتاءا لمطالبتهم بفك الارتباط عن الجمهورية العربية اليمنية . ولذلك فأن النظام وأحزاب اللقاء المشترك في مأزق حقيقي يصعب تجاوزه أو الخروج منه, على أن أكثر المراقبين متابعة للشأن اليمني يرون أن الطرفين أصبحا في حالة عدم المقدرة من تلبية شروط الآخر لبدء حوار بينهما , وان تم الحوار ولأسباب وضغوط خارجية فأنه محكوم بالتوقف في وقت قصير، وأسباب ذلك واضحة وتتلخص في عدم قدرة النظام السيطرة على الأوضاع بأساليبه ووسائله المختلفة وبالذات العسكرية, وعدم مقدرة المشترك على التماشي معه أحيانا بداعي المصالح الخاصة, وأحيانا أخرى بدواعي التهديدات, و لبروز قوى جديدة هي قوى الحراك الجنوبي التي استطاعت خلال السنوات الثلاث الماضية من تغيير قواعد اللعبة على المستوى الداخلي وبالذات بين النظام وأحزاب اللقاء المشترك وأيضا على المستوى الخارجي من خلال التفهم المتزايد للقضية الجنوبية . وبحيث أصبحت القضية الجنوبية وحاملها السياسي الحراك رقما صعبا لا يمكن تجاوزه.
وفيما يتعلق بطي صفحة الماضي وإزالة آثار أزمة 93م وحرب صيف 94م, فان النظام ومن خلال مبادرته يريد نظريا فقط طي تلك الصفحة كما هي عادته عندما يواجه أزمات كبيرة, وكأن جريمة الحرب عام 94م والجرائم اللاحقة خلال الـ 16 عاما الماضية وحتى يومنا هذا ليست من صنعه وإنما أراد أن يحمل مسؤوليتها الجميع حلفاء وخصوم, وبالتالي فانه من خلال مبادرته يحث نفسه والآخرين على بدء صفحه جديدة وتناسي ما حدث، بغرض الإبقاء على الأوضاع كما هي وتحديدا , في الجنوب, من خلال رفضه الاعتراف بالقضية الجنوبية وحاملها السياسي الحراك الجنوبي, ولذلك فا ن النظام يسعى من دعوته لطي صفحة الماضي إلى إزالة النتائج السياسية التي ترتبت على تلك الأزمة والحرب والتي تؤكد مشروعية الجنوبيين بالمطالبة بفك الارتباط. لقد أنتجت أزمة 93م وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في الأردن ويروج لها النظام من خلال الدعوة إلى حكم واسع الصلاحيات, والتي تعهد النظام في صنعاء بعد حرب 94م بتنفيذها في رسالته الشهيرة المعروفة (برسالة الضمانات) والموجهة للامين العام للأمم المتحدة, كذلك أنتجت حرب 94م قرارين لمجلس الأمن الدولي رقم (924) ورقم (931), الذين دعا الطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار, ورفضا بشكل قاطع فرض الوحدة بالقوة وألزم الطرفين ( الشمال والجنوب ) بحل خلافاتهما من خلال المفاوضات والحوار، وتبين من خلال المداولات في مجلس الأمن وتقارير المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة أن نظام صنعاء هو من فجر تلك الحرب وانه هو من رفض الدعوات المتكررة ومناشدات الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار باعتباره الطرف الأقوى , ولذلك فان وقف إطلاق النار جاء تحصيل حاصل بعد أن استكمل نظام صنعاء احتلال أراضي الجنوب, وبمعنى أدق لقد رفض نظام صنعاء القرارين وكذلك تنفيذ التزاماته في رسالة الضمانات التي وقعها القائم بأعمال رئيس الحكومة آنذاك محمد سعيد العطار وأصر على فرض الوحدة بالقوة وتجاهل بتعمد بقية بنود القرارين بما في ذلك المفاوضات بين الطرفين ( الشمال والجنوب ) لحل الخلافات بينهما بالطرق السلمية, وبالتالي فان القرارين لا يزالان مفتوحين خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تتعاظم فيها الاحتجاجات الشعبية والرفض الشعبي الواسع والكبير لاحتلال أراضي الجنوب، ولان النظام تعامل مع القرارين بعد احتلاله للجنوب بأسلوب اللامبالاة المصحوبة بنشوة الانتصار فانه واصل تجاهل القرارين الدوليين إلى يومنا هذا, كما تجاهلته وسائل إعلامه المختلفة ولم تتطرق إليهما أو حتى الرد على المطالبين بتنفيذهما, لمعرفته هو ووسائل إعلامه بأهمية القرارين واستمرار صلاحيتهما ومسئولية النظام الكاملة عن عدم تنفيذهما, ولذلك فان ما يهدف إليه بعد المطالبات بتنفيذهما من قبل قادة الحراك الجنوبي, هو الالتفاف على القرارين من خلال دعواته الأخيرة للحوار, بغرض خلط الأوراق ولكي يتوصل الحوار الأخير الذي دعى إليه إلى قرار بطي صفحة الماضي وكأن الحوار والتفاوض قد تم فعلا بالاستناد إلى القرارين الدوليين .
والى جانب محاولاته اليائسة الالتفاف على القرارين الدوليين, 924 و931, فان مبادرة النظام الأخيرة غير جادة وتفتقر إلى المصداقية حتى في إطار حواره مع أحزاب اللقاء المشترك, لان ما يركز عليه خلال الفترة القادمة لن يكون بأي حال من الأحوال القيام بإصلاحات سياسيه, وإنما الحفاظ على تركيبة النظام كما هو, من خلال تجديد شرعيته عبر الانتخابات التي سوف يعمل بكل الوسائل على تزويرها كسابقاتها من الانتخابات, ومحاولة احتواء أحزاب اللقاء المشترك عبر مشاريع وهميه, كالحكم واسع الصلاحيات مع السماح لهم بالمشاركة السياسية وإمكانية تشكيل حكومة مشتركة كما جاء في المبادرة وتلبية بعض مطالبهم الانتخابية .
وفي الوقت الذي تجاوبت فيه أحزاب المعارضة بحذر مع المبادرة لأسباب داخلية وخارجية, فأن دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر وسوريا والأردن, أدركت مبكرا أن مبادرة النظام غير جادة, ولذلك رفضت المشاركة في احتفالات الذكرى العشرين للوحدة, عدا الأردن وعمان, اللتان أحرجهما النظام, وبحسب مصادر دبلوماسيه مطلعه في أكثر من عاصمة خليجيه وعربيه , فأن تصريح الرئيس صالح قبل أسبوع من الذكرى العشرين للوحدة, عن اعتزامه الإعلان عن مفاجأة تنهي الأزمات المتصاعدة وتطوي ملفات الماضي ( أزمة 93 م وحرب 94م ), كان موجها بصفة خاصة إلى الدول المذكورة لدفعها إلى المشاركة في الاحتفالات, وبرفض النظام الإفصاح عن تلك المفاجأة, ردا على استفسارات تلك الدول بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها , اعتذرت تلك الدول عن تلبية الدعوة للمشاركة في الاحتفالات حتى لا يفسر موقفها إذا حضرت وكأنه موجه ضد شعب الجنوب, على أن المراقبين يعتقدون أن هذا الموقف المتوازن لهذه الدول جاء من ناحية استجابة لمواقف شعوب هذه الدول المؤيدة للقضية الجنوبية, ومن ناحية أخرى, للحفاظ على علاقات طيبة مع الطرفين لكي يكون لها دور في حل القضية الجنوبية، ويذهب بعض المراقبين إلى الإشارة بوضوح بان موافقة الاتحادات الرياضية على إقامة خليجي 20 في عدن, قبل الاحتفالات بذكرى الوحدة, كان حافزاً من قبل دول الخليج للرئيس صالح لكي يعلن عن مبادرة لحل القضية الجنوبية, ولان ذلك لم يحصل, فأن هذه الدول قد تعيد النظر في إقامة تلك البطولة في عدن في المستقبل
وفي توقيت مقصود ومثير فأن ما حدث ويحدث لمدينة الضالع والحبيلين وعزان وسائر المدن الجنوبية من حصار عسكري وقصف بالمدافع والدبابات يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام يبحث عن مخرج عسكري للقضية الجنوبية, وان الدعوة للحوار هي مجرد مناورة لتضليل دول الخليج والدول العربية والمجتمع الدولي, ولا يستبعد المراقبون أن يقدم النظام في تنفيذ المرحلة الثالثة من مخططه باقتحام المدن الجنوبية لقتل واعتقال قادة ونشطا الحراك بعد فشل المرحلتين الأولى والثانية أي الحصار وقصف المدن , والتي يرى المراقبون أن مصيرها ( أي اقتحام المدن ) سيكون الفشل أيضا .
وعلى الرغم من ذلك التصعيد العسكري في المناطق الجنوبية , يجمع المراقبين بان مأزق النظام يزداد اتساعا وان خياراته تتقلص تدريجيا , فمن جهة يرفض الاعتراف بالقضية الجنوبية وفي نفس الوقت يفشل في كسر الحراك الجنوبي, رغم الحملات العسكرية غير المسبوقة ضد الجنوبيين, ومن جهة أخرى يرفض إجراء حوار جاد ومفتوح وبإشراف عربي ودولي مع أحزاب المعارضة في صنعاء. وفيما تزداد الضغوط العربية والدولية على النظام للقيام بإصلاحات سياسية شاملة وحل مشاكله وأزماته بالحوار, تزداد مواقفه تشددا وتجاهلا لها, الأمر الذي يجعل الأوضاع برمتها في اليمن تسير نحو المجهول, لان تلك المواقف العدمية للنظام ليست نابعة عن قوة النظام, لأنه اضعف من أي وقت مضى, ولكنها نابعة عن سؤ تقدير تلا وضاع والتطورات الراهنة محليا وإقليميا ودوليا ومبنية على فرضيات لم تعد قائمة على ارض الواقع , كفرضية أن الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لازالت قائمة سلميا وطوعيا , وانه أي النظام لازال يحضى بدعم دول الجوار الإقليمي والدول العربية والمجتمع الدولي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك فأن لدى النظام خيارين الأول : الاعتراف بالقضية الجنوبية والتفاوض حولها مع قادة الحراك في الداخل والخارج وعلى أساس حق تقرير المصير لشعب الجنوب وبإشراف خليجي وعربي ودولي قبل الحوار الذي تضمنته المبادرة, والثاني : مواصلة سؤ التقدير للأوضاع والمتغيرات التي حدثت محليا وإقليميا ودوليا مع ما يحدثه ذلك من زعزعه للاستقرار في المنطقة وما يمثله ذلك من خطورة على المصالح الحيوية للدول المجاورة والمجتمع الدولي, وبالتالي فأن النظام يقترب شيئا فشيئا من نقطة اللا عودة في أن يصبح عبئا على المجتمع الدولي, وهو ما لم تسمح به الدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية, و لذلك فأن النظام سوف يكون الضحية الأولى للتغيير بفعل التسارع المتوقع للأحداث التطورات وأبرزها تنامي وتعاظم الحراك السلمي الجنوبي, والاستحقاقات السياسية القادمة التي يطالب بها المجتمع الدولي والتي يجب على النظام القيام بها خلال الأشهر القليلة القادمة .