في يوم السابع عشر من يوليو المنصرم الذي يوافق مناسبة الذكرى الثانية والثلاثين لجلوس علي عبدالله صالح على كرسى الحكم في الجمهورية العربية اليمنية، وقع المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في البرلمان اتفاقا جـديدا بشـأن الحوار بين الطرفين حول إصلاح نظام الانتخابات والنظام السياسي.
وقد حمل ابرام هذا الإتفاق دلالات سياسية سلبية خطيرة حيث مثل الإتفاق طوق نجاة للحزب الحاكم في خضم الأزمة السياسية التي تعصف به، كما مثل خيانة من طرف المشترك إزاء الشركاء والحلفاء في العملية السياسية، وفوق هذا كان الإتفاق طعنة غادرة جديدة لمشروع الوحدة اليمنية التي سبق لها أن دخلت غرفة العناية المركـّزة منذ أن أعلن شعبنا الجنوبي رفضه المطلق هيمنة النظام الشمالي وسلبه حقه في الشراكة في السلطة والثروة وتحويله الى مجرد تابع لذلك النظام.
نجاح الحراك الجنوبي في إفشال مسرحية الحوار الوطني
سنوات مضت وقيادة حزب الإصلاح تعمد الى خداع الشعب وتجميد الحراك السياسي في اليمن تحت يافظة الحوار الوطني واللجنة التحضيرية التي جـرّت اليها نخبة من الشخصيات الاجتماعية وجندت من أجلها أموال الشيخ حميد الأحمر وحماسه للنيل من سلطات صالح وحرص القيادات الجنوبية في الخارج على الوحدة. وقد كشف الباحث البريطاني المتخصص في الشئون اليمنية باتريك كريجرفي بحثه الأخير " زلزال الجنوب"، أن هذه المسرحية التي تديرها قيادة الإصلاح تكتب فصولها في المطبح الرئاسي لغرض خدمة أجندة السلطة. فما الذي فرض على تحالف المؤتمر– الإصلاح التوقف عن الإستمرار في تلك المسرحية؟
إن السبب الرئيسي يعود الى نجاح شعبنا الجنوبي في إيصال قضيته الى أسماع العالم، حيث كان لتضحياته الجسيمة دورها في تحريك ضغط دولي على النظام يقضي بضرورة الحوار مع الجنوب جرى التعبيرعنه على لسان مدير دائرة الشرق الأوسط لدى الإتحاد الأوروبي أولا ثم من خلال مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو ما اعترف به عبد الكريم الإرياني في حديثه للقناة الأمريكية (بي بي إس) في وقت لاحق. وهنا جـن جنون نظام صنعاء وأدرك أن استمرار تلك المسرحية لم يعد مجديا وبات غير مقبول لدى العالم الخارجي مادفعه الى ايقاف فصولها اللاحقة.
وهكذا وأمام صمود الحراك الجنوبي اضطر النظام لأن يكشف عن الوجه القبيح لتحالفه غير المقدس مع تجمع الإصلاح فأمره بجلب شركائه في المشترك لتوقيع اتفاق 17 يوليو. وقد مُـنـيـَت قيادة الإصلاح بخسارة سياسية ومعنوية كبيرة حيث افتضح دورها التآمري القبيح ليس فقط ضد شعبنا في الجنوب بل وحتى ضد الشعب اليمني في الشمال من خلال محاولتها مساعدة النظام الديكتاتوري المتهالك للخروج من ورطته.
ويمكن تلخيص أهم المضامين التي حملها اتفاق يوم الجلوس في النقاط التالية:
1- تقديم طوق نجاة للنظام
يستطيع المراقب أن يلاحظ بسهولة أن توقيع هذا الإتفاق قد جاء في وقت اشتـدت فيه الضغـوط الخارجيـة على النظام بضرورة إجراء حوارليس فقط مع الأحزاب الممثلة في البرلمان كما نص عليه اتفاق فبراير 2009 بل وأن يشمل الحواركذلك الحراك الجنوبي والحوثيين. ومعروف أن مجرد ذكـر الحـراك الجنوبي يحدث قلقا عظيما لدى النظام. وكان تصريح مدير دائرة الشرق الأوسط لدى الإتحاد الأوروبي جليّـا بهذا الشأن حين ذكر ضرورة إشراك الحراك الجنوبي في الحوار بكل وضوح ( 14 يوليو 2010 ). ثم تلا تصريح مدير دائرة الشرق الأوسط لدى الإتحاد الأوروبي مكالمة هاتفية من جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما (15 يوليو2010 ) لتعزيزالطلب الأوروبي.
أمام هذه الضغوط لم يجـد علي عبدالله صالح منقـذا له سوى التشاور مع حلفائه في التجمع اليمني للإصلاح على كيفية مواجهـة هذه الضغوط وإحباطها، فتفتـقـت أذهانهم عن مؤامرة جـديدة يجـرّون بها اللقاء المشترك للتوقيع على اتفاق صوري لاقيمة له ولا وزن لعلهم بهذا يقنعون العالم الخارجي أن ثمة حوارا وطنيا وأن الأمور تسير على مايرام حرصا على تهدئة الموقف الى حين الوصول الى مرحلة الإنتخابات وإعادة إنتاج سلطة الديكتاتور. وبهذا فإن إتفاق يوم الجلوس كان الغرض منه مساعدة النظام وتقـديم طوق نجاة له أمام الضغوط الخارجية.
2- خيانة الشركاء في الحـوار
مثــّـل توقيع هذا الإتفاق خيانة بشعـة وغادرة للقيادات الجنوبية التي انخرطت في الحوارمع مايسمى باللجنة التحضيرية للحوار الوطني. وعلى الرغم من أن هذه القيادات قد صمدت أمام ضغوط شعبها الجنوبي المطالب لها بالانسحاب من هذا الحوار، واستمرت على وفائها للقيادات الشمالية حرصا منها على الوحـدة وتجنيب البلاد مخاطر العودة الى ماقبل 1990، وظنـّا ً منها أن القيادات الشمالية ستبادلها الوفاء وتلتزم بما يتفـق عليه، فإنها قـد ووجهـت بهذا الموقف الخياني من جانب قيادات الإصلاح الذين انقلبوا على شركائهم الجنوبيـين وضربوا عرض الحائط بكل ما تم الإتفاق عليه.
3- الإجهاز الكلي على مشروع الوحـدة السلمية الديمقراطية
اتفاق 17 يوليو 2010 بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك كان آخر طعنة غادرة أجهـزت على الوحـدة. قبل هذا الإتفاق بذل قادة جنوبيون في الخارج جهودا دؤوبة وصادقة للحفاظ على صيغة موحدة للعيش المشترك بين الشمال والجنوب، وتعرضوا من أجل ذلك لكثيرمن النقـد والضغوط بل وحتى التجريح من أبناء شعبهم الجنوبي المطالب بفك الإرتباط مع النظام في الشمال. بيـد أن اتفاق 17 يوليو الأسود قـد أثبـت بما لايـدع مجالا للشـك أن الطرف الجنوبي ليس له شريك فاعل على الساحة الشمالية للعمل معا من أجل التغيير، فالسلطة في يـد علي عبدالله صالح، والمعارضة يمسك بها تجمع الإصلاح حليف علي عبدالله صالح في التآمر على الجنوب وفي ذبح الوحـدة. أما ماعـدا ذلك من حوانيت سياسية فهي عبارة عن ظواهر صوتية لا حـول لها ولا طول .
وهكذا فإذا كانت حرب 1994 قـد ذبحـت الوحـدة بالقضاء على اتفاقها المبرم مع علي سالم البيض فإن اتفاق 17 يوليو المشئوم والإنقلاب على الاتفاقات الموقعة مع آخر طرف جنوبي ظل متمسكا بأهداب الوحـدة ممثلا بعلي ناصر محمد ورفاقه، كان بمثابة الذبح الثاني والاجهازالنهائي على ماتبقى من أمل في وحـدة سلمية ديمقراطية متكافئة تصون المصالح المشتركة بين الشمال والجنوب. إن الإتفاق قضى قضاء مبرما على أي احتمال في نجاح شعار التغيـير بدلا عن التشـطير، كما وجه رسالة قصيرة واضحة من جانب النظام وحلفائه في قيادة حزب الإصلاح مضمونها: لاوحدة إلا وحدة الفيـد والضمّ والإلحاق.
4- الردّ المدروس على اتفاق عيد الجلوس
لما كان نظام صنعاء يهدف من وراء اتفاق 17 يوليو الى احتواء الضغوط الخارجية المطالبة بالتفاوض مع الحراك الجنوبي، وإظهار الحوارمع اللقاء المشترك بأنه حوارمع كافة أطياف العملية السياسية بما فيهم الجنوبيون باعتبارهم ممثلين في قوائم الحوار، فإن الرد العملي الكفيل بنسف هذا الزعم والإدعاء إنما يكون في إعلان الشخصيات الجنوبية براءتها من هذا الإتفاق وانسحابها من اللجنة المشتركة للحوارأسـوة بما فعله رئيسهم الأستاذ محمد سالم باسندوه.
وقد جاء أول الردود وأسرعها على لسان الرئيس علي ناصر محمد الذي أعلن أن لاشيء يربطه باتفاق 17 يوليو، تلاه رد وزير الداخلية الجنوبي الأسبق محمد علي أحمد الذي أكد أن شعب الجنوب غير معني بالانتخابات التي يسعى النظام لتجديد شرعيته من خلالها. ثم جاء الصوت الشجاع لرئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الأستاذ محمد سالم باسندوه الذي رفض اتفاق عيد الجلوس ورفض الجلوس على طاولة الحوار مع المؤتمر الشعبي العام معلنا أن جُـلّ مايسعى اليه المؤتمر هو تمرير انتخابات الأغلبية الساحقة بغرض إعادة انتاج السلطة الديكتاتورية.
توالي هذه الردود أصابت قيادة النظام بدوار لم تتمالك معه نفسها من توجيه دعوة عاجلة لعقد أول اجتماع للجنة المشتركة لكن حجم الضغط السياسي والشعبي اضطر قيادة المشترك التي تعاني من صراع عميق داخلها، اضطرها أن تعمل للحفاظ على شيء من ماء وجهها حتى لاتظهر وكأنها تسير وفق أوامر الأفندم مادفعها الى تأجيل موعد الإجتماع من يوم الأربعاء المنصرم الى يوم السبت الذي يليه.
إن الصراع الآن على أشـدّه والنظام الديكتاتوري يمر بمرحلة دقيقة وحرجة جـدا، وشعبنا الجنوبي مطالب بأن يواصل ضغطـه في اتجاهين:
الأول هو دفع العناصر التي زجّ بأسمائها في قوائم الحوار الى إعلان انسحابها من الحواركما دعاها لذلك الرئيس حيدر العطاس تلبية لمصالح شعبها الجنوبي.
هذه الخطوة العملية المهمة من شأنها أن تجعل الحوار شماليا – شماليا وبذلك تصيب في مقتل غرض الاتفاق المشئوم وتجعله أثرا بعد عين. كما أن من آثار هذه الخطوة أن تعزز من مكانة القضية الجنوبية في العملية السياسية الداخلية وتقوي طرحها على الساحة الدولية.
أما الإتجاه الآخر فهو تعزيز وترسيخ مفهـوم أن أي حوار يشارك فيه قادة شعبنا في الجنوب يجب أن يكون حوارا شماليا – جنوبيا وبإشراف دولي وفقا لقراري مجلس الأمن الدولي المتعلق بعدوان عام 1994 ضد شعبنا الجنوبي.
والله من وراء القصـد.
الدكتور فارس سالم الشقاع
الإمارت العربية المتحدة
14 أغسطس 2010