بسم الله الرحمن الرحيم
الأوضاع السياسية الراهنة
تشهد الأوضاع السياسية سوءاً في الشمال أو الجنوب تدهوراً متسارعاً منذ أكثر من ثلاثة أعوام بسبب إصرار نظام صنعاء على فرض أجندته القديمة الجديدة ، بغرض تجديد شرعيته، ولو من خلال انتخابات مزورة ، كسابقاتها من الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، كونها بالنسبة إليه انتخابات مفصلية ، لتهيئة الأجواء لواقع يسمح بتوريث الحكم ، في ظل وجود مؤشرات ومعطيات إقليمية ودولية تعتبر أن ترشيح الرئيس علي عبد الله صالح لفترة رئاسية جديدة، لم يعد مجدياً للاستقرار في اليمن وفي المنطقة برمتها. بعد أن ادخل اليمن في أزمات خطيرة، سياسية واقتصادية وأمنية، وفي حروب واجتياحات عسكرية منذ حرب عام 94 م وحتى ألان، وبالتالي أوصلها إلى حافة الدولة الفاشلة. الأمر الذي استوجب من المجتمع الدولي سرعة التحرك من خلال المؤتمر الدولي الذي انعقد في لندن أواخر شهر يناير الماضي لإلزام نظام صنعاء، بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية وشاملة، لتلافي الانهيار المتوقع لليمن، وانزلاقه نحو الفوضى وعدم الاستقرار، وما قد يترتب عن ذلك من تأثيرات خطيرة على الاستقرار في المنطقة، وعلى المصالح الحيوية لدول المنطقة والمجتمع الدولي وبالذات مصالح الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية . وبعبارة أخرى فإن النظام الحالي الذي أوهم الجيران والمجتمع الدولي ، على مدى أكثر من عقد ونصف، بقدرته على ضمان الاستقرار في بلده ، والمساهمة في استقرار المنطقة وتأمين المصالح الحيوية للمجتمع الدولي ، غير قادر في الوقت الراهن على حماية مصالحه ، بل وأكثر من ذلك خلق وضعاً كارثياً سياسياً واقتصاديا ًومالياً وأمنياً واجتماعياً ، يحتاج إلى عقود من الزمن لإصلاحه .
ولقراءة تلك الأوضاع، قراءة سياسية متأنية، لابد من الإشارة في البداية، إلى أنها نتاج وامتداد للأزمة السياسية عام 93م، والتي افتعلها نظام صنعاء بغرض تهميش وإقصاء الجنوب تدريجياً من الشراكة المتساوية في الوحدة من خلال تصعيد الخلافات السياسية مع قادة الجنوب، وتوتير الأجواء الأمنية بالإغتيالات لعدد من قادة وكوادر الحزب الاشتراكي، الذي وقع اتفاق الوحدة. وبوصول الأزمة إلى أعلى درجات التوتر ولصرف الأنظار عن الخطط العسكرية التي كان يعدها نظام صنعاء مع حلفاءه لشن الحرب على الجنوب، أوهم، النظام الحزب الأشتراكي وبقية الأحزاب السياسية الأخرى بقبوله بوثيقة العهد والاتفاق التي توافقت عليها جميع الأحزاب بما فيها حزب النظام، المؤتمر الشعبي وحليفه آنذاك حزب الإصلاح، والتي وقعت في الأردن برعاية العاهل الأردني الراحل الملك حسين، والتي تجاهلها بعد حرب عام 94م، رغم تعهده للمجتمع الدولي بتطبيقها في رسالته الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة اثر احتلاله للجنوب عام 94م.
وبما أن الهدف من افتعال أزمة 93م، كان إقصاء الجنوب من الشراكة في الوحدة، فإن الهدف من وراء تفجير حرب 94م، كان احتلال الجنوب وفق مخطط كان قد أعده نظام صنعاء منذ الأشهر الأولى للوحدة، لضمه وإلحاقه بالجمهورية العربية اليمنية، وتحويل أرضه وثرواته ومواطنيه وممتلكات دولته قبل الوحدة وقطاعه العام إلى غنيمة للأسرة وحلفائها من زعماء الحرب في مقدمتهم متنفذين عسكريين وشيوخ قبائل. وقد شرع نظام صنعاء منذ الساعات الأولى لإنتهاء الحرب، وعلى امتداد السنوات الماضية بتنفيذ ذلك المخطط . وفي سبيل تسريعه أقدم على مجموعة من الإجراءات التي مست بشكل مباشر حياة الجنوبيين وحقوقهم ومعيشتهم وأمنهم، منها مايلي:
أولاً: نعت الجنوبيين بالإنفصاليين الخونة لفترة عدة سنوات، بغرض تجريدهم من حقوقهم ولضمان عدم مقاومتهم لمخططه، بضم وإلحاق الجنوب واستباحة أرضه وثرواته. وتهديدهم بأبشع اساليب التعذيب النفسي والجسدي بما في ذلك الاختطاف والقتل.
ثانياً: قيام نظام صنعاء بضخ مئات الألوف من مواطنين الشمال مدنيين وعسكريين ورجال أمن وتجار وغيرهم إلى مدن الجنوب، وقدم لهم الأموال والأراضي والتسهيلات المختلفة، بغرض إحداث تغيير ديمغرافي في تلك المدن وفي الجنوب بشكل عام.
ثالثاً: إحالة أكثر من 200 ألف من موظفي الجنوب من مدنيين وعسكري إلى التقاعد القسري، واستبدالهم بآخرين من الشمال، الأمر الذي جعل الجنوبيين وأسرهم يرزحون تحت وطأة ظروف اقتصادية ومعيشية واجتماعية صعبة للغاية.
وبالتزامن مع تلك الممارسات العنصرية واللأاخلاقية وغيرها، ضد الجنوبيين، من قبل النظام، والتي لا يمكن حصرها لكثرتها وأهوالها، تسارعت وتيرة تغيير هوية وتاريخ وثقافة وذاكرة الجنوبيين، وكأنهم نزلوا فجأة من كوكب أخر، قُبيل احتلال نظام صنعاء للجنوب، ولكي يغطي مخططه وممارساته بصبغة قانونية، غير الدستور المتفق عليه لدولة الوحدة، ولم يعدله كما يدعي، لأن أكثر من 90% من مواده قد استحدثت، كذلك عدل واستحدث الكثير من القوانين، لكي يضفي صفة الشرعية على مخططه المذكور. ووصل الأمر بالنظام مؤخراً إلى التوقف عن استخدام كلمة "الوحدة" عند الحديث عنها ،ولا سيما في خطب رأس هرم النظام واركانه، واستبدلها بكلمة "الوحدة الوطنية "، في مؤشر على أن النظام أصبح يجاهر علناً بضم وإلحاق الجنوب والالتفاف على اتفاقيات الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية، وبالتالي يعترف علناً، بكل ما قام به من إجراءات وخطوات، في سياق ترجمته العملية على أرض الواقع لذلك المخطط، وتحويل كل الجنوب، أرض وثروات وسكان إلى غنيمة ،معتبراً أن الوحدة التي تمت بين دولتين لشعبين قد انتهت تدريجياً بفعل حرب عام 94م وان شعار المرحلة الراهنة هو "الوحدة الوطنية" وان اتفاقيات الوحدة قد انتهى مفعولها ،ليحل محلها الدستور والقانون ،الذي دائماً ما يؤكد عليه ،في خطاباته ووسائل إعلامه ،رغم أن دستور دولة الوحدة لم يعد هو الدستور الذي وافقت عليه قيادة البلدين، ولا هو الدستور المستفتى عليه، والذي دائماً ما يوظفه النظام دعائياً وإعلامياً، وكأنه استفتاء على الوحدة. مع العلم أن مصطلح "الوحدة الوطنية" دائماً ما يستخدم في بلدان يوجد فيها تعدد اثني وعرقي وديني، يكون الوطن هو القاسم المشترك الذي يجمع ذلك التعدد، على أن استخدام هذا المصطلح من قبل النظام بوعي وإصرار يعيدنا إلى فتاوى النظام ومقولاته، بأن الجنوبيين كفره، وبقايا هنود وصومال.إلاّ أن الهدف الحقيقي من استعمال مصطلح "الوحدة الوطنية "هو للتهرب من الاعتراف بالقضية الجنوبية واستحقاقات حلها وفقاً للاعراف والمواثيق والقرارات الدولية ،كالاستفتاء ،والقراريين الدوليين924 و931، بعد انتفض شعب الجنوب في ثورة سلمية للمطالبة بإستعادة دولته ،من وحدة لم يعد لها وجود، إلاّ كشعار، لدى نظام صنعاء، لمواصلة نهب أراضي وثروات الجنوب وسحق مواطنيه واذلالهم وامتهان كرامتهم.
وفي الوقت الذي تخلص فيه نظام صنعاء من شريكة في الوحدة ،الحزب الاشتراكي بعد الحرب مباشرة ،تخلص أيضاً من حزب الإصلاح حليفه وشريكه في أزمة 93م وحرب 94م، بعد ذلك بثلاث سنوات بهدف الاستئثار بالثروة والسلطة ومن ثم توريثهما، الأمر الذي شجع الحزبين الاشتراكي والإصلاح على التقارب وتشكيل تكتل معارض مع احزاب اخرى ،سميت باحزاب اللقاء المشترك. وفيما كان نشاط تلك الاحزاب محدوداً وغيرمؤثر في العملية السياسية آنذاك ،فأن ظهور الحراك السلمي الجنوبي وتواصل نشاطاته الاحتجاجية وإتساعها في جميع المحافظات الجنوبية خلال السنوات الثلاث الماضية، كان له الأثر البارز في تصاعد نشاط تلك الاحزاب والذي توَج بعقد مؤتمر للتشاور الوطني، انبثق عنه تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني برئاسة الأخ/محمد سالم باسندوة، ووثيقة الحوار الوطني، التي حملت، النظام، والرئيس تحديداً مسؤولية تدهور الأوضاع على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، مقترحة عدد من الحلول لها، منها استبدال النظام الرئاسي الحالي للدولة بنظام برلماني ونقل صلاحيات الرئيس إلى رئيس الحكومة، وإعادة الاعتبار لشراكة الجنوب في الوحدة، دون تحديد نوعية تلك الشراكة. وفيما اعتبر نظام صنعاء، ذلك النشاط ولاسيما المهرجانات، التي اقامتها احزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية في بعض المحافظات الشمالية تأييداً للحراك السلمي الجنوبي ورفضاً للحرب في صعدة ،بأنه تجاوزاً للخطوط الحمر، عاد مجدداً إلى مواقفه المتشددة، فرفض نقل الحوار. إلى أي بلد في الخارج ورفض أيضاً الرعاية العربية والدولية لذلك الحوار، وهدد بالذهاب إلى الانتخابات البرلمانية القادمة منفرداً ،وبحسب بعض المصادر المطلعة، فقد وافق النظام على تلبية شرط المعارضة بالافراج عن المعتقلين السياسيين، على ذمة الحراك والحرب في صعدة، مقابل ان تتخلى احزاب اللقاء المشترك عن مطالبها في نقل الحوار إلى الخارج وبرعايته عربياً ودولياً، اثر وساطة وضغوط أوربية وأمريكية بين الجانبين وعلى الجانبين. ويبدو أن الوساطة والضغوط الأوروبية والأمريكية قد أفضت إلى توقيع الجانبين على اتفاق 17يوليو التي تضمن بندين، الانتخابات وتطوير النظام السياسي والذي ،بحسب بعض المراقبين قد يؤدي في الحد الأدنى، إلى شكوك وعدم ثقة بين احزاب اللقاء المتشرك ،وإلى انسحابات كبيرة لرموز وشخصيات لها ثقل وتأثير سياسي واجتماعي من اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وإلى زيادة شكوك قوى الحراك الجنوبي وقيادة الجنوب في الخارج، وفي الحد الأعلى ربما يؤدي ذلك الاتفاق إلى تفكك اللقاء المشترك وخروج بعض الأحزاب منه، إذا قدم النظام لبعضها وعوداً ومغريات كإشراكها في السلطة بعد الانتخابات، وإلى تفكك اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وأخيراً إلى انقسامات سياسية داخل بعض الاحزاب والذي من الممكن أن يقود إلى اصطفافات شمالية وجنوبية بداخلها، ومن ثم إلى انشقاقات. وانطلاقاً من ذلك يرى نفس المراقبين أن المستفيد مما قد يحدث داخل تكتل اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار هو النظام، حيث ستمكنه من تجاوز الأزمة السياسية مع أحزاب اللقاء المشترك بأقل الخسائر، وسوف تدفعه إلى التصلب في مواقفه تجاه أي مطالبات داخلية وخارجية للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية، والترتيب لإنتخابات برلمانية غير نزيهه ومزورة كسابقاتها لتجديد شرعيته وسيوظف كل ذلك لإخماد الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية ولدفن القضية الجنوبية. وكمؤشر على أن نظام صنعاء قد بدأ بتوظيف اتفاق 17 يوليو لمصلحته، أكدت بعض التقارير السياسية، أن الرئيس، أثناء لقاءه برئيس الوزراء البريطاني مؤخراً، "ديفيد كميرون"، أشار إلى أن النظام قد بدأ بتطبيق الإصلاحات السياسية التي طالب بها المجتمع الدولي، من خلال الحوار الوطني بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، مطالباً بريطانيا بدعم ذلك الحوار ودعم اليمن في مؤتمر "أصدقاء اليمن" الذي سينعقد في نيويورك شهر سبتمبر المقبل، على مستوى وزراء الخارجية وبرئاسة بريطانيا وذلك على هامش الاجتماع الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة، وحث مؤتمر أصدقاء اليمن على تنفيذ التزاماتهم المالية في مؤتمر لندن عام 2006م، والبالغة حوالي 5 مليار دولار. وفيما أكد أن الحزب الحاكم سيعمل على إنجاح الحوار، أشار إلى العراقيل التي بدأت تضعها أحزاب المعارضة وما يسمى بالحراك ومعارضة الخارج أمام الحوار.
ويرى عدد أخر من المراقبين، إن تكتل احزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني قد تجاوز معاً حالة التململ التي حدثت بداخلهما اثر التوقيع على اتفاق 17 يوليو، مؤكدين على تمسكهم بمناقشة كافة الازمات التي تعصف باليمن وبالذات القضية الجنوبية، وفقاً لإتفاق القاهرة بين اللجنة التحضيرية والمشترك من جهة ووفد المعارضة الجنوبية في الخارج برئاسة الرئيس علي ناصر محمد، من جهة أخرى، والتزامهم بعدم الوصول إلى أي تفاهمات مع النظام حول أي من الموضوعات دون مناقشة القضية الجنوبية والاتفاق على رؤية لحلها، حتى وإن ادى ذلك إلى فشل الحوار. واستناداً إلى ذلك، يتوقع نفس المراقبين فشل الحوار، لأن الرئيس ونائبه أيضا أكدا على أن مؤتمر الحوار سيناقش بندين فقط هما، الانتخابات القادمة وتطوير النظام السياسي، وفقاً لإتفاق 17 يوليو واتفاق فبراير 2009م، فيما اضاف نائب الرئيس، بأن المهمة الرئيسية للحوار هو حماية الوحدة، وهذا يعني إن النظام سيرفض مناقشة القضية الجنوبية حتى في إطار رؤية المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني.
وبغض النظر عن توقعات المراقبين، لما سيؤول إليه الحوار في صنعاء، فإن الشيء الثابت، استناداً إلى مؤتمرات وحوارات سابقة، هو أن النظام، سوف يستخدم في هذا الحوار، كل الوسائل للوصول إلى اتفاق مع المعارضة بشأن الانتخابات حتى وإن وصلت به الامور إلى الاعتراف اللفظي بالقضية الجنوبية ... لكنه من ناحية أخرى سيطالب بتأجيل بحثها إلى ما بعد الانتخابات، تحت مبرر ضيق الوقت. وبمجرد الانتهاء من الانتخابات، سينقلب على ذلك الاتفاق مثلما حدث مع وثيقة العهد والاتفاق، ومع تعهده للمجتمع الدولي بعد حرب عام 94م بتطبيقها. ولأن نظام صنعاء ينوي التنصل من أي اتفاق يصل إليه الحوار، فإنه يرفض بشدة نقل الحوار إلى الخارج أو الاشراف عليه ورعايته من قبل أية جهات اقليمية أو دولية، لأنه، أي النظام لن يستطيع التنصل عن التعهدات والاتفاقيات أمام الجهات الراعية سواء كانت دولية أو اقليمية أو مشتركة.
وبالعودة إلى أزمة 93 م ، فكما اشرنا سابقاً، فإن هدف النظام من افتعالها أنذاك، هو الالتفاف على اتفاقيات الوحدة، والاستئثار بالسلطة والثروة لمصلحته أولاً، ولمصلحة الشمال ومواطنيه، على حساب الجنوب ومواطنيه. وقد تتطلب منه الأمر تجاهل وثيقة العهد والاتفاق وتفجير حرب 94م، واحتلال الجنوب ليتمكن من تنفيذ ذلك الهدف. وعلى اعتبار أن تلك الجريمة بحق الجنوب والجنوبيين والتي حاول النظام تغطيتها بشعارات الديمقراطية والتعددية "والوطن ملكنا جميعاً ويتسع للجميع" وأيضاً من خلال شراء ضمائر بعض ضعاف النفوس من الجنوبيين الذين لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يرون شيئاً مما يحدث على أرض الواقع من نهب للأرض والثروة والاستئثار بالسلطة، والذين يستخدمهم نظام صنعاء لشرعنة جرائمه في الجنوب، فإن الجنوبيين الذين تنبهوا لذلك المخطط منذ وقت مبكر وقاوموه بأساليب مختلفة، قد نظموا أنفسهم مؤ خراً في انتفاضة شعبية سلمية من أقصى الجنوب إلى اقصاه للمطالبة برحيل الاحتلال واستعادة دولتهم، واحدثت مطالبهم تلك صدىً واسعاً عربياً ودولياً، الامر الذي جعل نظام صنعاء يشعر بالخطر ويتجه نحو تأزيم الأوضاع مجدداً، لخلط الأوراق وتظليل الرأي العام العربي والدولي، وكأن ما يحدث في الجنوب، ليس إلاَ خروجاً عن النظام والقانون.
وانطلاقاً من ذلك، فإن المشهد الحالي للأزمة والحوار، هو في حقيقة الأمر نفس المشهد لأزمة 93م، والحوار آنذاك. ومثلما جسدت أزمة 93م بوضوح بداية التآمر على الجنوب، فإن الأزمة الراهنة، هي المؤامرة الأخطر على الجنوب لأنها تستهدف دفن قضيته نهائياً وتذويبها في متاهات الخلافات على المصالح بين السلطة والمعارضة، من خلال مشاريع قديمة جديدة، كوثيقة العهد والاتفاق وما يسمى بتطوير النظام السياسي. ولذلك فإن المسؤولية تقتضي أن يواجه كل الجنوبيين وفي مقدمتهم المشاركون في مؤتمر الحوار في صنعاء، تلك المؤامرة ومشاريعها، وأن لا يكونوا شهود زور لما يطبخ لوطنهم وقضيتهم داخل الغرف السوداء، وأن يبادروا إلى الانسحاب من الحوار، وأن يدركوا ومعهم نظام صنعاء، أن القضية الجنوبية ليست أقل أهمية من قضية جنوب السودان، التي استطاع أبنائها انتزاع حقهم في تقرير المصير قبل 6سنوات وحقهم في تقاسم السلطة والثروة، إلى حين الاستفتاء في يناير القادم، وليقرروا، إما البقاء في إطار السودان أو الانفصال. وبحسب معظم المراقبين فإن مواطني جنوب السودان سيختارون الانفصال لأسباب عديدة أهمها، أن نظام السودان اعتمد في تعامله مع الجنوب، على تهميش وإقصاء مواطني جنوب السودان، من المشاركة في ادارة الدولة، وعلى التمييز بين الشماليين والجنوبيين وعلى الاستئثار بالسلطة والثروة. وتجريد الوحدة الوطنية في السودان من مضامين العدل والمساواة، واستخدمها كشعار فقط، لشن الحروب على جنوب السودان لسنوات طويلة، بهدف اخضاعه لسلطة الشمال. وعلى الرغم من تشابه ممارسات نظام السودان في جنوب السودان وممارسات نظام صنعاء في الجنوب، إلا أنها اقل بكثير مما قام ويقوم به نظام صنعاء ومنها على سبيل المثال، احتلال الجنوب واستباحة أراضيه وثرواته وامتهان كرامة الجنوبيين واذلالهم وقهرهم وافقارهم، مع أن الجنوب، الذي توحد مع الشمال على أساس طوعي وسلمي، كان قبل الوحدة، دولة ذات سيادة اسمها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وعضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجميع الهيئات والمنظمات الدولية الأخرى، بالإضافة إلى عضويته غير الدائمة لمجلس الأمن ورئاسته للمجلس، حيث ساهم مع بقية الأعضاء، في مناقشة أهم القضايا والأزمات الدولية في فترة عضويته واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها. بينما كان ولا يزال حتى الآن جنوب السودان جزء من جمهورية السودان الديمقراطية، أي أنه لم يكن في أي فترة من الفترات دولة ذات سيادة.
وفي ظل هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة، والتي يقوم فيها نظام صنعاء بنشاط محموم، لتصفية القضية الجنوبية، تنتصب أمام قيادات قوى الحراك السلمي الجنوبي مهام كبيرة، لإفشال تلك المؤامرة غير المسبوقة في التاريخ الحديث،وأبرزتلك المهام مايلي:-
أولاً: تصعيد ميداني لنشاطات الحراك السلمي الجنوبي في جميع محافظات الجنوب وبالذات في المدن الرئيسية ولاسيما العاصمة عدن.
ثانياً: إعلان وحدة قوى الحراك السلمي الجنوبي في اقرب فرصة ممكنة وتحت أي مسمى يتفق عليه قادة قوى الحراك، لما لهذا الإعلان من أهمية قصوى في مواجهة خطط نظام صنعاء لوأد الحراك السلمي وتصفية القضية الجنوبية نهائياً، ومن جهة أخرى، فإن إعلان وحدة قوى الحراك في حامل سياسي واحد، بعد أكثر من ثلاث سنوات على انطلاقته، سيعطي القضية الجنوبية بعداً سياسياً وازناً محلياً في الجنوب بإعتباره الممثل الوحيد لشعب الجنوب، وسوف يكون هو الجهة الوحيدة المعنية بأي تفاوض أو حوار بشأن القضية الجنوبية . وبالإضافة إلى ذلك سيجعل للقضية الجنوبية حضوراً فاعلاً عربياً ودولياً، وأيضاً في المحافل العربية والاقليمية والدولية. ولذلك فإن وحدة قوى الحراك الجنوبي وفي أقرب فرصة ممكنة، تمثل أولوية قصوى لقوى الحراك، بعد أن تأخر كثيراً جداً بسبب كما قيل عدم الانتهاء من إعداد الوثائق الخاصة بمؤتمر التوحيد. وفي هذا الصدد وتقديراً لدقة المرحلة وخطورتها، ولتجاوز ذلك السبب وتداركاً للوقت، نضع بعض الملاحظات والافكار استناداً إلى عدد من المفكرين العرب كما يلي:
أولاً: إن المؤتمر التأسيسي الاشهاري، لأي جبهة تناضل سلمياً لتحقيق اهداف محددة متفق حولها، أو تأخذ بالأشكال الأخرى للنضال، لا يتطلب إعداد وثائق عديدة مطولة كالتقرير السياسي والبرنامج ولائحة النظام الداخلي، والتي تقدم إلى مؤتمرات لأحزاب حاكمة، أو في المعارضة، أو جبهات في هذا الموقع أو ذاك، أو أنه قد مضى على تأسيسها سنوات طويلة دون أن تحقق أهدافها. ففي هذه الحالات يهتم التقرير السياسي بتشخيص الواقع السياسي الداخلي تشخيصاً دقيقاً، والتأثيرات الخارجية سلباً وإيجاباً. وبالإضافة إلى ذلك يتنبأ التقرير السياسي، استناداً إلى معطيات محلية واقليمية ودولية بالاتجاهات الرئيسية لمنحى التطورات في المستقبل وتأثيرها على القضية التي تتبناها تلك الجهة، أو ذلك الحزب. ولأن مثل ذلك التقرير هو بمثابة تحليل نظري للأوضاع وتقييم موضوعي لمستوى نشاط أي جبهة، ومدى فاعليته في تحقيق الأهداف التي تناضل تلك الجبهة من أجل تنفيذها على أرض الواقع، فأنه، أي التقرير السياسي الموسع ليس مطلوباً لمؤتمر تأسيسي اشهاري، وفي السياق نفسه فإن المؤتمر التأسيسي لا يتطلب برنامجاً سياسياً موسعاً وتفصيلياً، وإنما برنامجاً يتكون من خطوط عامة، على أن يترك لمنفذي تلك المهام إعداد ما يناسبهم من برامج ميدانية وسياسية وإعلامية في الداخل والخارج. وبالنسبة للأئحة النظام الداخلي التي تحدد المهام لقادة الجبهة ومختلف تشكيلاتها الفرعية، فإن الظروف والاعتبارات السياسية والأمنية تستدعي بقاءها سرية إلى حين انتهاء تلك الاعتبارات. على أن يحدد موعد مناسباً لعقد المؤتمر الأول للحراك السلمي الموحد في موعد مناسب أي بعد سنة أو أكثر يتم خلالها إعداد الوثائق المطلوبة.
ثانياً: وبما أن ما ذكر أعلاه، يمكن اسقاطه على المؤتمر التوحيدي المنتظر لقوى الحراك السلمي الجنوبي، فإنه أي المؤتمر لا يتطلب إعداد وثائق مطولة، وما يتطلبه بشكل أساسي بإعتباره مؤتمراً تأسيسياً اشهارياً، هو بيان علني في ختام المؤتمر موجه إلى الداخل والخارج يتضمن بتركيز ما يلي :
• عرض للقضية الجنوبية منذ الوحدة السلمية الطوعيةً ومروراً بحرب صيف 94م، واحتلال أراضي الجنوب واستبدال الوحدة السلمية بضم وإلحاق الجنوب، ونهب أراضيه وثرواته وممتلكات دولته قبل الوحدة، وتسريح معظم أبناء الجنوب، مدنيين وعسكريين من الوظيفة العامة، وعدم استيعاب أبناء الجنوب في الوظيفة العامة خلال ما يقارب العشرين عاماً الماضية. وعدم ابتعاث الطلاب الجنوبيين للدراسات الجامعية والعليا اُسوةً بطلاب الشمال بهدف افقار الجنوبيين وعدم تأهيلهم علمياً لكي تبقى الوظيفة العامة وفي مفاصلها العليا والرئيسية لأبناء الشمال.
• التأكيد على أن الوحدة السلمية الطوعية قد انتهت بفعل الحرب وما يحدث حالياً هو فرض سلطة الشمال على الجنوب بالاحتلال. والإشارة إلى قراري مجلس الأمن اللذان نصا على رفض الوحدة بالقوة، والتفاوض والحوار بين الطرفين الشمال والجنوب لحل الخلافات بينهما. وأيضاً الإشارة إلى رفض نظام صنعاء تطبيق القرارين إلى يومنا هذا.
• استعراض أشكال مقاومة الجنوبيين للإحتلال بإيجاز وصولاً إلى الحراك السلمي الجنوبي في جميع المحافظات الجنوبية.
• التأكيد على مواصلة أبناء الجنوب لنضالهم السلمي حتى تحقيق هدفهم بفك الارتباط واستعادة دولتهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. رغم الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها نظام صنعاء بحقهم، كالقتل المتعمد للمتظاهرين والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين والموثقة جميعها لدى منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، ولاسيما منظمة هيومان رايتس ووتش.
• مناشدة شعوب ودول مجلس التعاون والأمانة العامة لمجلس التعاون للوقوف مع شعب الجنوب وقضيته العادلة. وكذلك مناشدة الشعوب والدول العربية والجامعة العربية للتدخل لوقف مسلسل فرض الوحدة بالقوة.
• مناشدة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته، وإجبار نظام صنعاء على التفاوض مع ممثلي الجنوب استناداً إلى قرارات مجلس الأمن 924 و 931. ومناشدة الدول التي تزود نظام صنعاء بالأسلحة لقتل أبناء الجنوب، التوقف عن ذلك ما لم فأنها تتحمل مع نظام صنعاء مسؤولية المجازر التي يرتكبها النظام بحق الجنوبيين علماً بأن قراري مجلس الأمن الدولي تضمنا وقف تزويد الطرفين بالأسلحة.
• توجيه تحية للشهداء والجرحى والمعتقلين وعوائلهم والتعهد برعاية أسرهم.
• وأخيراً إعلان القرارات والتوصيات التي خرج بها المؤتمر التأسيسي للحراك السلمي الجنوبي.