تتصاعد الإنتفاضة الشعبية العارمة في مدن الجنوب اليمني في حضرموت وشبوة والضالع وأبين وعدن ، ويتنادى أهل الجنوب للدفاع عن تاريخهم وإرثهم الحضاري والنضالي ، ويهبون هبة رجل واحد لتصحيح التاريخ والمسيرة وخطأ العمل السياسي السابق الذي أدى لتسليم جنوب اليمن لزمرة من القتلة والمتخلفين والمداعبين لثعابين الإرهاب الديني والأصولي والطائفي المتخلف البعيد كل البعد عن ثقافة التسامح الجنوبية وعن قيم الحق والخير والبناء والعطاء والتشييد التي عرف بها الجنوبيون وتميزوا على مر التاريخ.
وهاهي عطاءات أبناء الجنوب اليمني المكافح منتشرة طوليا وعرضيا في جنوب القارة الآسيوية ونشاطهم التجاري والحضاري الكبير الذي أهلهم بكل أمانة لحمل رسالة الإسلام النقي الحضاري البعيد عن الدماء والأشلاء والتكفير والتخلف ، لا شك في أن نهضة شعب الجنوب العربي وإنتفاضته السلمية الشعبية العارمة التي زلزلت الأرض من تحت الطغاة من ذوي الرتب العسكرية المزيفة والعقليات الفاشية الخاوية قد شكلت إنعطافة هامة و متميزة في مسيرة التاريخ السياسي المعاصر لجنوب الجزيرة العربية .
ولاشك أيضا بأن إنخراط الأجيال الشابة والجديدة التي لم تعايش مرحلة النضال الشعبي للتخلص من الإستعمار الأجنبي في ستينيات القرن الماضي بات يشكل اليوم تحديا مضافا لجميع العاملين في قضية رفع الحيف والظلم والإستغلال والقهر والتهميش عن أبناء الجنوب وصولا لهدف إستعادة الحرية المقدسة و فك الإرتباط مع نظام التخلف في الشمال وإعادة صياغة هدف الوحدة اليمنية المقدسة وفق أطر حضارية ومنهجية مبرمجة لا تحول الوحدة لمطية ولإستعمار همجي متخلف يسحق المحرومين تحت ضجيج الشعارات الوحدوية الفارغة من أية مضامين حقيقية .
لقد نشط الحراك الجنوبي السلمي اليوم بشكل واضح ووفق أسلوب متدرج لا تخطئ العين الخبيرة قراءة دلالاته ، و تنادى المخلصون في الجنوب اليمني لتشكيل القيادات الميدانية الشعبية التي ستواجه خبث المتآمرين الذين يسعون للفساد في ألأرض ويبثون ثعابين الإرهاب القاعدي المدعوم جليا من رموز سلطة القهر والقمع والإحتلال وفي أساليب تعبوية خبيثة ومدروسة يتحرك خلالها ارهابيون في معارك وصولات متنقلة ليبثوا الفوضى ، ويرهبوا الآمنين و يزينون وجه السلطة القمعية البشع التي آن لها تاريخيا أن تعلن إفلاسها وترحل عن الجنوب وتتركه لأهله الذين عقدوا العزم على المقارعة والكفاح حتى نهاية الشوط وإستعادة دولة الجنوب العزيزة التي تم التفريط بها بسبب النوايا الحسنة وبطريقة إستعجالية لم يكن لها ما يبررها ، ولكن في جميع الأحوال فإن التجربة النضالية المرة منذ حرب عام 1994 التي أريد لها أن تسدل الستار على تلك الوحدة الفاشلة العجفاء التي تحولت لعبئ ستراتيجي كبير بدلا من أن تكون فتحا تاريخيا جليلا ، فالفاشيون لا يصنعون التاريخ بل يدمرون كل التضحيات الشعبية .
منذ تلك الحرب جرت مياه عديدة تحت كل الجسور ، وتغيرت معادلات دولية كبيرة ، وفرض التغيير نفسه على المستوى الكوني ، وعاش شعب الجنوب العربي أبشع سنوات المعاناة والقهر بصمت قاتل وبتجاهل إقليمي و دولي فظيع للغاية كان مؤشرا على جريمة الصمت الرهيبة ، وكان لا بد لليل من آخر ، فحمل شعب الجنوب معاناته على كفيه وعرض صدور أبنائه لرصاص القمع والإرهاب وأنطلق صوته مدويا في الآفاق يبشر بفجر جنوبي جديد وبإستعادة مؤكدة لدولته العزيزة التي أضحى النضال من أجل عودتها فرض عين على كل جنوبي و جنوبية بعد أن أفرغ الفاشيون الفاشلون الوحدة من كل مضامينها الإنسانية وحولوا البلاد والعباد لمزرعة ابقار ولمختبر فظيع لتجارب أهل الإرهاب القاعدي الغريب عن ثقافة أهل الجنوب المتسامحة والحضارية عبر التاريخ .
ويقف الشعب في جنوب اليمن اليوم أمام تحدي حقيقي وهدف مركزي يتمثل في ضرورة توحد جميع قوى الحراك الجنوبي و تياراته المختلفة في جبهة نضالية شعبية واحدة بقيادة قيادات الداخل من الشباب الذين يصيغون اليوم عقد التاريخ الذهبي المستقبلي بكل ثقة ، وقيادات الخارج و بعضها يحمل تجربة ثرية جدا من أمثال الرئيس علي سالم البيض والسادة أبو بكر العطاس أو علي ناصر محمد أو غيرهم من قادة مسيرة الماضي النضالية القريبة بكل أخطائها و نجاحاتها و أتراحها و أفراحها .
كما أن هنالك مهمة مقدسة تتمثل في ضرورة إتاحة الفرصة للأجيال الشابة الجديدة التي تخوض معترك المواجهة اليومية في الشوارع أو في مقرات التعذيب لسلطة القمع لكي تشترك في التعبير عن رؤاها و تطلعاتها ولإفهام العالم بأسره من أن هنالك شعبا عربيا جنوبيا حرا قد قرر الأخذ بزمام المبادرة والإنطلاق لتعبيد الطريق نحو يمن جنوبي جديد يكون نقطة إشعاع حضارية شامخة تبدد ليل الدكتاتورية والإرهاب والتخلف ومناورات أهل الفكر القاعدي التافه.
وقد بات من عزم الأمور أن يتنادى الجنوبيون جميعا لعقد مؤتمر عام وشامل في الداخل والخارج يكون عنوانا رسميا واضحا يؤشر على عودة الروح لجمهورية جنوب اليمن وليكون أيضا مظلة سياسية جامعة مانعة لجميع قوى الحراك الجنوبي وشخصياته للمساهمة في كتابة وصناعة التاريخ من جديد.
لن يقهر الأحرار أبدا فشعب الجنوب العربي يظل مصنعا للرجال الذين لا تلين قناتهم بل تمدهم التحديات بطاقات هائلة ستغير المعادلة بالكامل ، الفاشيون إلى إندثار واضح و نهائي ، وبسواعد وطاقات وإرادات شباب الجنوب العربي ستتكرس كل المعاني و القيم النضالية و سيعود الجنوب لأهله الأحرار ( وقل إعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون )... فمرحى بشعب الجنوب العربي وهو يرسم لوحة نضالية شامخة بدماء و تضحيات شبابه... جنوب اليمن على موعد تاريخي مقدس مع التاريخ.
dawoodalbasri@hotmail.com