وقفة مع صلاح الدين الايوبي
تاقت واشتاقت نفسي الى شيء من كرامة في زمنٍ الذل فيه شائع والهزائم فيه متخمة كمثل سجينٍ يُقلب بفكره الماضي حين كان الملك؛ فقلت اقلب صفحات من كتب التاريخ علي أجد ما يشفي الغليل ويبرئ العليل، فوقع في يدي كتابٌ في التاريخ فقلبته وقد علاه غبار فقلت في نفسي وابتسامة غلبت محياي عنوة، لعل الغبار الذي على الكتاب أخف وطأة وثقلاً من الغبار الذي على الكرامة في ارض العرب. وتعجبت من الابتسامة التي لم تفارق وجهي ولم أعرفها منذ زمن لكثرة مشاهدتي - أعاذكم الله - أخبار بلادنا وأمتنا العربية والاسلامية.
فوجدت رسالة للناصر صلاح الدين يرد بها على ريتشارد قلب الأسد بعد أن بعث له قلب الأسد رسالة يقول له فيها: 'من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنكليز إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب.
أيها المَولى.. حامل خطابي هذا بطل باسل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن، وقد وقعت اخته أسيرة، فقد كانت تدعى 'ماري' وصار اسمها 'ثريا'.
وإن لملك الإنكليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب وهو: إما أن تعيدوا إلى الأخ اخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرِّقوا بينهما ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه. وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكِّركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب ـ وقد سمعته من صديقي الأمير حارث ـ وهو: 'متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟'.
فرد عليه الناصر صلاح الدين: 'من السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ريكاردوس ملك الإنكليز.
أيها الملك: صافحتُ البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إليّ، فليحمل إليكم المصافحة مما عرف قدركم في ميادين الكفاح. وإني لأحب أن تعلموا بأنني لم أحتفظ بالأخ أسيراً مع اخته؛ لأننا لا نُبقي في بيوتنا سوى أسلاب المعارك، لقد أعدنا للأخ اخته. وإذا ما عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقولٍ عندكم: ' أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله'. فرُدَّ أيها الملك الأرضَ التي اغتصبتَها إلى أصحابها، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام'.
ثم أمعنت في قراءة الكتاب حتى وصلت الى عهد الصالح أيوب وهو حفيد السلطان العادل أخ صلاح الدين فوقعت عيني على رسالة له الى لويس التاسع يقول له فيها: 'أما بعد فإنه وصل كتابك، وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك'.
فنحن أرباب السيوف، وما قتل منا قرن إلا جددناه، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه. فلو رأت عيناك - أيها المغرور - حد سيوفنا وعظم حروبنا، وفتحنا منكم الحصون والسواحل، وإخرابنا منكم ديار الأواخر والأوائل، لكان لك أن تعض على أناملك بالندم، ولابد ان تزل بك القدم، في يوم أوله لنا وآخره عليك. فهناك تسيء بك الظنون، 'وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون'. فإذا قرأت كتابي هذا، فكن فيه على أول سورة النحل: 'أتى أمر الله فلا تستعجلوه'، وكن على آخر سورة ص: 'ولتعلمن نبأه بعد حين'.
ونعود إلى قول الله تبارك وتعالى، وهو أصدق القائلين: 'كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين'. وإلى قول الحكماء: 'إن الباغي له مصرع' وبغيك يصرعك، وإلى البلاء يقلبك، والسلام'.
فجاسني خاطر راودتني نفسي به فيما اشبه ما يكون بحلم اليقظة فقلت في نفسي ماذا لو كانت قنوات الاخبار والتلفاز في عهد الصالح أيوب لكان الخبر أعجل خبر ستراه عيناي وتسمعه أذناي ثم أقفلت الكتاب وغادرتني الابتسامة مسرعة وتلفت يمنة ويسرة أتأكد أنه لم يرني أحد وأنا أقول عسى الله أن يجعل الرؤيا من 'إنهم يرونه بعيداً ونراه قريبا'.
د. طارق المشهراوي