الظلم وعواقبه الوخيمة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلى على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وقائد الغزّ الميامين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}،وقال صلى الله عليه وسلم {اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة}
إن الظلم سبب لخراب الديار، وسبب لهلاك الأمم والشعوب، وهو سبب لحياة الضنك التي يشكو منها الناس، والظلم سبب للعذاب الأليم في الآخرة، فهو ظلمات بعضها فوق بعض، يبدأ مع الظالم في الدنيا، ثم يعذبّه في قبره، وبعدها يفسد عليه آخرته فيوبقه في النار والعياذ بالله.
ومن هنا، جاء الإسلام محذّراًَ من الظلم آمراً بالعدل في كل الأمور، وفي جميع نواحي الحياة، وهدّد الظالمين وتوعدهم، وأمر بالوقوف إلى جانب المظلوم والدفاع عنه حتى ينكشف الظلم عنه ويرتفع .
والظلم عباد الله بفروعه الكثيرة يكاد ينحصر في نوعين رئيسين، ألا وهما:
وضع الشيء في غير مكانه .
والتصرف في ملك الغير دون رضاه.
لذلك جاء الإسلم دبن عدل محّرماً للظلم بكل صوره وفروعه، حتى إن الله سبحانه وتعالى قال في الحديث القدسي : ((يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا))، وقال الله سبحانه وتعالى {ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً} .
فمن الظلم الذي هو وضع الشيء في غير مكانه، ألاّ يكون الكفؤ المناسب في المكان الذي يليق به ويستحقه، لأنه ليس من نسب معيّن، أو من جماعة معيّنة، أو من عشيرة معيّنة، فيوضع الرجل غير المناسب في المكان الذي لا يناسبه ظلماً وزوراً، فيتصرّف بقوت الناس ومصيرهم وفق هواه، فيكون عندها ضالاً مضلاً. ولا يقتصر هذا على الدول فقط، بل إن بعض المؤسسات، والحركات غالباً ما يكون فيها رجلاً غير مناسب وفي غير مكانه.
وإن هذا الظلم لما يتحقق ينتج عنه النوع الآخر من الظلم، وهو التصرّف في ملك الغير، لأن الأول أصلاً ليس بالكفاءه التي تؤهله أن يكون في مكانه، فيتصرّف في ملك وحقوق الآخرين ظلماً أو جهلاً أو تسلّطاً .
وهذا الذي عدّه النبي صلى الله عليه وسلم علامة من علامات الساعة، فقد سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله متى الساعة ... فقال إذا ضيّعت الأمانة، فانتظر الساعة، فقال الأعرابي: وكيف إضاعتها؟ فقال صلى الله عليه وسلم إذا وسُّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة))، ومن هنا بتنا نجد في الأمة من يتصّرف بمقدراتها وشعوبها وحياتها وهو أصلاً ليس أهلاً لذلك ولا يمثّل الأمة في شيء.
عباد الله: لما كان الظلم حتمي الوقوع لأن طبائع الناس وتكوينهم تدعو لذلك، حذّر النبي صلى الله عليه وسلم منه أشد تحذير وفي أكثر من موضع، حتى لا يصبح الظلم خلقاً عاماً وعنواناً للأمة فيحق عليها الهلاك والعذاب، فقال صلى الله عليه وسلم: (( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))، وهدد الله تعالى الظالمين فقال: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)).
وقال الله تعالى {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً}، وهدا كله في الدنيا أما في الآخرة فالنار بانتظار الظالمين، يقول الله تعالى: {إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاًَ}.
عباد الله: إن الإسلام يأمر المسلم أن يكون صاحب موقف واضح لا لبس فيه من الظالمين ومن نصرة المظلوم، وحث على الدفاع عن المظلومين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما أرسله إلى اليمن: (( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
وقال صلى الله عليه وسلم، ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً وفجوره على نفسه))، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد من الحذر من الظلم، وأن نقف مع أنفسنا وقفة مراجعة ونسأل أنفسنا، هل نحن من الظالمين أم المظلومين؟ ما هو حالنا في بيتنا؟ وفي وظيفتنا؟ وفي الموقع الذي نكون فيه.
أيها المسلمون هل سمعتم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله سبحانه عز وجل: وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين)). فبالله عليكم ماذا سنجيب الله تعالى حينما نسأل عن دمار أهلنا في فلسطين، وما تراه من ظلم على إخواننا في العراق، وما نشاهده عن أفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها من الجروح النازفة للمسلمين دون أدنى مسؤولية من الكثيرين منا تجاه الظلم الواقع على إخواننا أولئك؟!
فلا يحسبن البعض أنه إذا لم يكن ظالماً بيده فقد نجا، بل إن الساكت على الظلم الذي لا يأخذ على يد الظالم يشاركه في ظلمه، بل إن عذاب الله نازل معه، فقد قال الله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وكل منا يعلم أنه لما نزل جبريل بالعذاب على القرية وكان فيها عبد صالح قال الله تعالى له به فابدأ .
قال صلى الله عليه وسلم ((أُمر بعبد من عباد الله يضرب في قبره مئة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع وأفاق قال على ما جلدتموني؟ قال إنك صليب صلاة بغير طهور وحررت على مظلوم فلم تنصره)).
أيها المسلمون: هلاّ نظرنا إلى حال أمتنا الإسلامية من أدناها إلى أقصاها ومن مشرقها إلى مغربها، فبالله عليكم هل هذا الحال يرضي منصفاً؟! ... وهل الهوان الذي تعيشه الأمة إلاّ بسبب الظلم والظالمين، الذين باتوا يتصرفون في كل صغيرة وكبيرة ويتحدثون باسم الأمة وهم الذين يحاربونها في قوتها وعملها ودينها، حتى تصبح الأمة قطيعاً من الأغنام يقاد دون نقاش أو إبداء رأي أو جدال فلماذا شرع الله تعالى الجهاد في سبيله ؟!... أليس لإزالة العوائق من وجه الدعوة؟.. وحتى لا يقف بين الناس ودينهم وخالقهم حائل؟!.. وهل الجهاد أصلاً إلاّ لإزالة الظالمين الصادين عن دين الله المرهبين لعباد الله؟! وهؤلاء هم الذين لعنهم الله تعالى في كتابه فقال {ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً}.
أخوة الإسلام: إذا زيّن الشيطان للمرء ظلمه لغيره، وحسب أنه في منأئً عن الحساب، فإنه جاهل بسنن الله تعالى وبحقيقة الأمر، لأن الله تعالى بمهل ولا يهمل، فقد قال صلى الله عليه وسلم ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم تلا قول الله تعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد}، فالعدل العدل إخواني في الله، وعليكم بالجهر بالحق ونصرة المظلوم ولو كان الأمر مّراً، وبالهجمة الهمجية التي ترون في أيامنا هذه من العصابة المجرمة الظالمة الحاقدة على الجهاد والمجاهدين ومحاولة التضييق عليهم بأيد عميلة ومأجورة عوضاً عن إمكاناتهم الكبيرة، التي نعتقد أن الله تعالى أكبر منها ومنهم. فما هذه الهجمة إلا عنواناً للظلم والظالمين وعليك أخي التبرؤ منها بكل وسيلة متاحة، وألا تنجرّ وراء الذين هانت عليهم أنفسهم فتقازموا وصغروا حتى أصبحوا عصاة لينة في يد أعداء الأمة .
فلا بد لهؤلاء المنافقين المتخاذلين ومن خلفهم أن يسمعوا الصوت الحقيقي للأمة الرافض للظلم والذل والهوان، وإن تنازل المتنازلون وطأطأ رؤوسهم المنهزمون، وليعلم كل مسلم منا أن لك جولات مع الحق وإن كان للباطل جولته في هذه الأيام، فالأيام دول والله تعالى يبتلي العباد حتى يميز الخبيث من الطيب .
فيا أخي في الله :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
عباد الله : النبي صلى الله عليه وسلم أوصى ألا يظلم المسلم أخاه ولا يتركه للظالم ويسمله له كما أنه لا يخدله بالدفاع عنه وتبني حقه، فقال صلى الله عليه وسلم ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله))، فإن ابتعد المسلمون عن هذا النهج وحادوا عن الطريق الذي رسمه الله تعالى لهم فإن الله تعالى يذهب هؤلاء الناس ويأتي بالقوم الذي يحبهم ويحبونه.
{وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}
ولنأخذ من فرعون وقومه العبرة، فإن فرعون لما سار قومه على هواه وتابعوه على ظلمه وصفهم الله تعالى بالفسق وأصبح يستعبدهم فقال الله تعالى {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم} .
ولكن لما ظهر رجل مؤمن منهم ودافع عن المظلومين من أتباع موسى ودعوته ودافع عن حق موسى وكان يكتم إيمانه كانت العاقبة للمتقين .
فلا نسلم إخواننا الظالمين، ولا بد من العمل بالمتاح لرفع الظلم عنهم حتى ولو بالدعاء في جوف الليل إن لم يمكن سواه وعندها فقد قد يتبرأ المرء من الظلم والظالمين.
عباد الله لا بد من رجعة حقيقة لديننا، وهبة نصرة للمستضعفين من إخواننا المجاهدين في فلسطين خاصة وغيرها عامة، علّ الله تعالى يرفع عنا الذل والهوان الذي نعيشه، فاللهم إنا نبرأ إليك من الظلم والظالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
منقول عن خطيب المسجد الاقصى