وثائق تاريخية مهمة عن الجنوب للاطلاع وحركة التحرر الوطني
الجنوب العربي وحركة التحرر الوطني.
يتميز الجنوب العربي بموقع جغرافي فريد يمتد من باب المندب غرباً وجبل الشيخ سعيد من على امتداد المداخل الجنوبية للبحر الأحمر ومداخل المحيط الهندي مما جعله يكسب أهمية إستراتيجية جعلته نقطة صراع منذ الحقب التاريخية للتنافس والحماية للمصالح الإستراتيجية والتجارية في المحيط الهندي وباب المندب ليجعل منه جسر دولياً في وسط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. وبهذه المكانة الإستراتيجية للجنوب العربي وجد نفسه هذا الشعب داخل حلقة الصراع الدولي للسياسة التي أفرزتها الحربين العالميتين من بروز سمه جديدة للعصر في الصراع السياسي في ذلك الوقت (المعسكر الاشتراكي - المعسكر الرأسمالي) وهذا الصراع أدى إلى بروز حركة التحرر الوطني من الاستعمار في حق تقرير المصير للشعوب والتي أقرتها الأمم المتحدة لتصفية مخلفات الاستعمار لنيل الاستقلال لهذه الشعوب. وباندلاع ثورة 23 يوليو في مصر 1952م لعبة دوراً بارزاً في التأثير على مجريات الأمور في الوطن العربي والشرق الأوسط عموماً سواء من حيث المفاهيم والمنطلقات الفكرية التي طرحتها كمنهاج وخطة عمل على الصعيد الداخلي أو بالنسبة لمجمل تحالفاتها وعلاقاتها مع القوى والأنظمة القائمة ونظرتها لطبيعة التحالف مع القوى الخارجية. والواقع أن تأثير الثورة على الحركة القومية العربية كان كبيراً لدرجة أنه ما من حزب قومي إلا وطلب ربط مصيره بمصير ثورة مصر التي قادها عبدالناصر وكانت حركة القوميين العرب الأكثر تأثراً بالثورة المصرية. ودخل الجنوب العربي ضمن هذا الصراع القومي لمفهوم الوحدة العربية ويمننة الجنوب على طريق قيام الدولة العربية الموحدة من خلال إنشاء الحركة الوطنية والمتمثلة في مجموعة من التنظيمات السياسية للعمل الوطني وتفعيل دورها مع كافة الشرائح في المجتمع المدني المتمثل في النقابات العمالية والمهنية وغيرها من التحالفات الشعبية لكي تلعب دوراً كبيراً في توعية الشعب نحو حركة التحرر الوطني ودعوة إلى دمج إمارات الجنوب العربي مع اليمن على طريق الوحدة العربية وبانتصار ثورة يوليو ودعمها للقوميين قُدر لهذا الشعب أن يسجل صفحة من صفحات الدمج ألقسري لهوية وتاريخ وثقافة شعب الجنوب العربي المتأصل في جذور التاريخ الإنساني والحضاري في مملكاته الأولى مثل مملكة حضرموت التي سادة قبل ثمانية عشر قرناً قبل الميلاد ومملكة قتبان التي تعتبر أول دولة أسست نظام برلماني في العصر القديم والذي يعتبر بمثابة نظام البرلمانات الحديث. أًسس مبدأ القرار الجامعي وكان ذلك بداية العصر الميلادي وكذلك شق الطرقات وترصيصها بالأحجار وحفر الأنفاق لتسهيل طرق القوافل التجارية. وبهذه الدعوة القومية وبحسن النوايا لشعب الجنوب التواق لوحدة الأمة تخلا عن كل هذا التاريخ ليقدم للأمة أروع صور التضحية والحب قوبلت بالجحدان والنكران وطمس الإنسان.
الحرب العالمية الأولى وسلطنات الجنوب العربي.
عاشت الدول العربية والإسلامية قبل عام 1918م تحت دار الخلافة العثمانية وبهزيمة العثمانيين منحت بعض الدول استقلالها مثل مناطق أقاليم شبة الجزيرة العربية التي منحت فيها تهامة وزبيد استقلالها عن الخلافة العثمانية وذلك بحسب الاتفاقية التي أبرمة في 25 ذي الحجة سنة 1336هـ الموافق 31 ديسمبر 1918م عقدت الهدنة بين دولة تركيا والمملكة البريطانية وحلفائهما وقد قبلت تركيا بلا قيد أو شرط بعد هزيمتها هذه الاتفاقية وقد حددت الاتفاقية بين الأتراك والبريطانيين على مسالة الحدود وتسليم الحكم في اليمن إلى الإمام يحيى بعد أن تكبدوا خسائر في حربهم إلى جانب ألمانيا وقد هاجم قائد الجيوش التركية علي سعيد باشا سلطنة لحج العبدلية في 22 شعبان من عام 1333هـ وفي الساعة الحادية عشر ظهراً بدأت تتجمع القوات العثمانية حول لحج وفي الساعة الرابعة عشراً هاجم الأتراك مدينة الحوطة وأطلقوا عليها المدافع وفي صباح يوم الاثنين الساعة العاشرة أبيحت المدينة للناهبين ثلاثة أيام وأصبحت المدينة خراباً وأهلها فقراء ففشت المجاعة في البلاد وضجت العباد حتى فتحت الطريق إلى عدن وفي ليلة غرة شهر رمضان توفي السلطان علي بن أحمد بن علي سلطان لحج وخلفه ابن عمه السلطان عبدالكريم فضل بن علي وقد شنت الحرب تحت فتوى شيخ الإسلام في الأستانة صرح لهم إباحة أموال المسلمين المهاجرين لأنهم فروا من بلاد المسلمين للنصارى والمراد بها عدن وهو الميناء الرئيسي لسلطنة لحج التي سقطت تحت يد الانجليز في ذلك الوقت وتركيا تحارب لصالح ألمانيا وهي حرب ليس للمسلمين فيها لا ناقة ولا جمل على ما ذكرت في المصادر.
وقد سعى السلطان عبدالكريم بدوراً كبيراً في جعل من اليمن دولة موحدة مستقلة تضم كل من الشوافع والزيود في اليمن تحت سيادة الإمام يحيى معارضاً قيام دولتين أحدهما في صنعاء وأخرى في تعز وفي مارس 1919م انسحبت كافة القوات التركية وبهذا تم تعين الإمام يحيى بن حميد الدين ملكاً على المملكة المتوكلية وذهب في توسعة ناقضاً كل الاتفاقيات والمساندة في دعمه من أشقاءه في الجنوب والسلطان عبدالكريم في لحج وبدأ يفرض سياسة أمر الواقع من أجل احتلال سلطنة لحج العبدلية وهي إحدى سلطنات الجنوب الهامة. وفي عامي 1925-1926م بدأت مسألة مناقشة اتفاقيات الحدود مع الإمام يحيى فرفض الاعتراف بهذه الاتفاقيات وأدخل إمارات الجنوب العربي والملكة المتوكلية في دوامة الصراع السياسي المدعوم لصالح قوى أخرى.
لقد تعرض سلاطين إمارات الجنوب العربي إلى هجوم كبير بوصفهم دعاة للانفصال والفرقة وبالخيانة لأوطانهم وأن هذه القوى المدعية متناسية الحقائق التاريخية لهذا الشعب الذي يشكل مجموعة إمارات ومشيخات ووجودها وجود تاريخي يؤكده العصر الإسلامي الذي نشأت فيه أكبر دول في الجنوب العربي اشتهرت بتراثها التاريخي العظيم وللحقيقة. نستعرض بعض هذه الملاحظات لتوضيح الأمر للقارئ:
وفي عام 1948م وبعد قيام جامعة الدول العربية تقدمت السلطنة العبدلية بمذكرة إلى هذه المنظمة العربية طالبة قبولها عضواً أو تمثيلها في اللجنة الثقافية أسوةً ببلاد المغرب فاعترضت حكومة اليمن على ذلك الطلب بحجة أن لحج محمية بريطانيا وجزء مقتطع من اليمن وألا يمكن بأي حال يكون لها ممثلون في الجامعة العربية وعلى هذا الأساس فليس لحضرموت أو لحج أن تعتبر نفسها سلطة قائمة بذاتها وأن تثبت وجودها في الخارج كهيئة أو حكومة ذات سيادة مستقلة.
وقد اثأروا ممثلو اليمن زوبعة كبيرة ضد سلطنة لحج على الرسالة التي قدمها السيد محمد علي الجفري مستشار عظمة سلطان لحج لصاحب الدولة رئيس الوزارة المصرية بتاريخ 8 ربيع الثاني سنة 1367هـ الموافق 18 فبراير عام 1948م وضح فيها مزاعم المعارضين لتمثيل لحج في الجامعة العربي بحجج قاطعة لا تدع مجالاً لأولئك الذين يحلمون بضم إمارات الجنوب العربي إلى اليمن.
وهذا نص المذكرة السياسية التي أرسلتها سلطنة لحج إلى الجامعة العربية والوفود التي حضرت جلسات الجامعة في شهر فبراير 1948م:
حضرة صاحب الدولة:
بعد الإجلال والاحترام اطلعنا اليوم على اعتراضات أبداها حضرة مندوب حكومة اليمن على انضمام سلطنة لحج إلى بعض لجان جامعة الدول العربية عامةً كما اطلعنا على نشريات أخرى غير صحيحة نشرتها جريدة المصري حول هذا الطلب وإني بصفتي مستشار عظمة السلطان وقد انتدبني لتمثيله في الجامعة أتشرف بأن أقدم لدولتكم المذكرة الآتية:
- أولا: أن سلطنة لحج مستقلة منذ مائتين وثلاثين عاماً وقبل أن يكون للانجليز أي تدخل في السياسة العربية وقبل أن تستقل اليمن بمائتي سنة.
- ثانياً: أن سلطنة لحج ليست محمية بريطانية ومعاهدتها مع الانجليز معاهدة صداقة وود وقد سلمنا الصورة الرسمية عنها إلى معالي الأمين العام.
- ثالثاً: أن عظمة السلطان لا يتقاضى مرتباً من الانجليز ولكن بريطانيا في مقابل استثمار ملاحات بلدة الشيخ عثمان ومقابل المياه الحلوة المستغلة منها تدفع نحو أربعين ألف روبية.
- رابعاً: أن سلطنة لحج مستقلة استقلالاً داخلياً كاملاً ولا يوجد فيها مستشارون إنجليز ولا أي موظف إنجليزي ولا أي مندوب من قبل بريطانيا في أي دائرة ولا المحاكم الشرعية.
- خامساً: أن سلطنة لحج مستعدة لتنفيذ الرغبات العربية القومية ولكنها لا تقبل الانضمام إلى حكومة لا تقوم على أساس نظامي من دستور أو قانون وتطلب من جامعة الدول العربية انتداب لجنة تكون ضيفة عليها لتحقيق الأوضاع الحاضرة في لحج واليمن وترى الفرق الشاسع بينهما في النظام وحكم الشورى والحرية الشخصية وحالة التعليم والصحة وغير ذلك من المرافق العامة.
فمن هذا يتضح ما في تلك الأقوال من مغالطات غير صحيحة، كما أننا نطلب سماع ردنا عليها والوقوف على وجهة نظرنا في مواجهة حضرة مندوب حكومة اليمن الذي لم يراع الأصول السياسية المتعارف عليها بين الحكومات وبعضها.
وفي الختام أرجوا أن تتفضلوا بقبول فائق الاحترام