ثورة (المعلومات) ونهاية الكذب السياسي
2010/11/26 الساعة 17:10:05
عبد الله ناجي علي
مايميز الثورة (المعلوماتية) عن غيرها من الثورات السابقة الزراعية ثم الصناعية، أنها جعلت هذا العالم الفسيح يتعايش عن قرب وكأنه قرية صغيرة. وهذا التقارب جعل البشرية تحصل على جميع المعلومات بكل سهولة ويسر، وأهم ثمرة جنتها الشعوب من هذه الثورة من الناحية السياسية هي عدم استمرار الأنظمة السياسية التي جعلت من (الكذب السياسي) وسيلة لبقائها في سدة الحكم. وفي عصر هذه الثورة سيكون من الصعوبة بمكان التعامل مع الشعوب بلغة الخطابات الحماسية التي كانت سمة ملازمة في أيام الحرب الباردة والتي كانت تشكل جزءاً من الانجازات الخطابية للزعامات الكرتونية آنذاك، أما اليوم فإن طابع الصراع صار اقتصادياً بالدرجة الأولى ولغة التخاطب بين شعوب المعمورة هي لغة الأرقام الاقتصادية وليست لغة الشعارات الجوفاء التي عفى عليها الزمن. وهذا التغيير الجوهري الذي أحدثته هذه الثورة بفضح الخطابات السياسية الزائفة، وبفضل هذه الثورة أيضاً بات من المؤكد أن العالم سينقسم إلى قسمين: قسم يمثل البلدان (الفاعلة) وقسم آخر يمثل البلدان (المفعول بها) فالبلدان الفاعلة هي تلك التي هيأت نفسها منذ زمن طويل من خلال قيامها بتحقيق تنمية شاملة مثلث انجازاتها الاقتصادية كمقدمات لدخول القرن الحالي، أما البلدان (المفعول بها) فهي تلك البلدان النائمة في نوم العسل والتي لم تفكر بقيام تنمية حقيقية...!! وستظل هذه البلدان كما هي سوقاً استهلاكية فقط ومصدر نهب لثرواتها من قبل الشركات متعددة الجنسيات وإذا ما نظرنا إلى واقعنا العربي المفكك...!! سنجد أن بعض الحكومات فيه قد هيأت نفسها منذ وقت مبكر لدخول القرن الحالي حتى ولو بحده الأدنى كبلدان فاعلة من خلال قيامها بوضع الاستراتيجيات طويلة المدى حتى عام 2030م. وما يؤسف له أن في بلادنا المعطاءة بخيراتها والتي أنهكتها الصراعات الداخلية..! لم نجد للأسف حتى هذه اللحظة أية مؤشرات أو بوادر من هذا القبيل..! والمأساة الكبرى التي نعيشها نحن اليمنيون ليست مرتبطة فقط بعدم التفكير بالمستقبل بل إننا مازلنا مصرين إصراراً عجيباً وغريباً بأن نظل أسيري الماضي ننبش مآسيه فقط!!؟؟ وهذا ما يجعلنا للأسف في موقع ضعيف لا يؤهلنا لأن نتعايش مع القرن الحالي إلا كبلد مفعول به..!! وطرحنا لمثل هذه الإشكالية التي نعيشها بمرارة لا يعني أننا من الذين ينظرون إلى مستقبل بلادنا من زاوية تشاؤمية بل على العكس أن طرحنا هذا يهدف إلى التنبيه من وقوع المحذور... فغياب الاستراتيجيات على كافة الجوانب يعني غياب الرؤية للمستقبل..! وإذا أردنا بالفعل أن نعوض ما فاتنا من الزمن الذي أهدرتاه في القلاقل السياسية، عن طريق إحراق المسافات حتى نلحق بركب التطور ولو حده الأدنى، فيجب على حكامنا اتخاذ جملة من الإجراءات المهمة والضرورية والتي تتمثل في: أولاً: القيام بإصلاح وحدوي يعيد للجنوب شراكته الحقيقة في السلطة والثروة من خلال قيام نظام فيدرالي ثنائي بين الشمال والجنوب ، ثانياً: إعطاء الريادة للعقول الاقتصادية ولرجال المال والأعمال في رسم السياسات الاقتصادية ووضع الاستراتيجيات التنموية التي ستمكن اليمن الاتحادي من دخول مرحلة التنمية الشاملة، ثالثاً: استبدال هواة السياسة بمحترفي السياسة بعقليات سياسية ويفضل أن يكونوا من ذوي الكفاءات العلمية والعملية، رابعاً: تحديث التعليم بما يتناسب ومتطلبات التنمية، خامساً: الأخذ بمعيار الكفاءة عند اختيار الكوادر القيادية في أجهزة الدولة بدلاً عن المعايير الأسرية القبلية، والطائفية والمناطقية...! سادساً: تفعيل دور الصحافة باعتبارها سلطة رابعة وتمكينها من القيام بالدور المناط بها في كشف مواطن الخلل في جهاز الدولة، وتعرية الفساد والمفسدين.. وقيامها بدورها التنويري تجاه المجتمع، سابعاً: تحديث جهاز الدولة على طريق بناء الدولة اليمنية الفيدرالية الحديثة، ثامناً: تجسيد النهج الديمقراطي على الواقع الملموس وليس في الخطاب السياسي فقط. ولنجاح هذه الإجراءات لابد وأن تسبقها حوارات وطنية شاملة لكي توفر الأرضية المناسبة لنجاح ذلك. فكل هذه الإجراءات يتطلب القيام بها بأسرع وقت ممكن إذا كنا فعلاً نريد أن نلحق بالبلدان المجاورة ونواكب روح العصر ونحقق على الأقل شيء بسيط من مقوماته المطلوبة التي نفتقدها نحن اليمنيون كثيراً.. أما إذا ظل القائمون على هذا الشعب مصرين على بقاء الحال على ماهو عليه من تخبط وعشوائية وعدم تخطيط للمستقبل...!! فإن الكارثة قادمة لا محالة... وربنا يستر. ويا مخارج خارجنا....
A_nagi44@yahoo.com