لم يستبعد رجل الدين الجنوبي "أنور سليم الصبيحي" إمام وخطيب الجامع الكبير بمدينة جعار كبرى مدن محافظة أبين أن تطلب الحكومة اليمنية من متشددين إسلاميين تنفيذ تصفيات جسدية لقيادات الحراك في حوار قصير أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط عبر مراسلها في اليمن "عرفات مدابش" في الحلقة الخامسة من تقرير حمل عنوان "مناطق الاضطرابات في جنوب اليمن".
وقال الشيخ الصبيحي: "حقيقة نحن في جعار لا نعرف لماذا يتم ارتكاب أعمال القتل بحق الجنود والمواطنين وتدمير المنازل وحرق السيارات؟ ومشكلة الدولة أنها كانت تربي بعض الأشخاص لكنها مع المدى يبدو أنها فقدت السيطرة عليهم وهم أنفسهم أصبحوا فاقدين للسيطرة على الأشخاص الذين جندوهم بأنفسهم".
وأضاف: "هذه الجماعات الموجودة في جعار ليست بالمستوى الذي يتم تصويره، بإمكان طاقم عسكري أن يجلبهم إذا وجد ضبطا وربطا، لكن الطاقم العسكري «يحتكر حق التخزينة، حق القات والماء والغذاء»، ولقد قلنا لهؤلاء الشباب إن الدولة يمكن أن تستخدمكم ثم تصبحون مثل «الكروت المحروقة»، وقد صدرت أحكام غيابية بحق البعض من هؤلاء الشباب وأنا أعتقد في قرارة نفسي أن الدولة يمكن أن تقول لهؤلاء إنه إذا أردتم أن نسقط هذه الأحكام فعليكم تصفية بعض نشطاء الحراك".
وقال الصبيحي "جعار تعرف منذ القدم بأنها منطقة هادئة يتعايش فيها الجميع سواء من حضرموت، ومن أبين، ومن لحج، ومن شبوة وأيضا إخواننا من الشمال الذين عاشوا لدينا من قبل الوحدة، لم تكن لدينا أي مشكلات ولا يوجد أي صراع وأي إنسان عاش في جعار يعرف أنها مدينة آمنة وتتقبل الجميع، أنا والدي صبيحي، أتى في وقت من الأوقات، في الخمسينات وعشنا هنا وأنا ولدت في جعار لكن أصلي صبيحي من لحج، حتى هذه الأفكار لم تكن موجودة حتى قبل عام 1990..
أنا تربيت داخل المسجد، كان والدي إماما للمسجد منذ سنة 1979، تربيت في المسجد ولا توجد لدينا هذه الأفكار".
ورداً على سؤال "ما هي هذه الأفكار؟" قال الصبيحي: "تعرفون أن النظام الاشتراكي كان متشددا في الكثير من الأشياء، حتى الكتب كانت إذا دخلت، لا تدخل إلا بعد تفتيش وتذهب أولا إلى أمن الدولة (المخابرات) وبعد ذلك تعطى إليك، ولم تكن توجد لدينا الأفكار التي تدعو إلى الإرهاب وما ينشر اليوم عن جعار، اليوم أصبح اسم جعار اسما مفرغا، أنت من جعار؟ كأنها إمارة إسلامية أو قندهار لا أحد يدخلها, لقد عشنا وتربينا داخل الجوامع والمساجد رغم أنه كانت تمارس علينا أو بحقنا الرقابة الشديدة، أنت تراقب داخل المسجد، ما هي الدروس التي تدرسها، هم في جهاز الأمن والاستخبارات، يعرفون يوميا ماذا درست، لكنهم لا يؤذونك أنت في حالك، طالما لا تتدخل في النظام.
لكن بعد عام 1990 مباشرة بدأ الناس يعون وهم يحبون الدين بالفطرة وبدأت تشترى الكتب تقرأ وظهرت بعض التيارات مثل التيار السلفي، لكنهم شباب من إخواننا درسوا ويريدون دينا، والدولة قد تكون لها أغراض معينة حيث جندت بعض الأشخاص وهم معروفون وموجودون حتى اليوم في جعار، وقام هؤلاء ببعض التصرفات التي أدت إلى حدوث إطلاق نار وقصف جوي في حطاط، لكن المسؤولين عن تجميع هؤلاء الشباب لم يدخلوا السجن إطلاقا، وسجن أشخاص مساكين ولا دخل لهم ومغرر بهم، وأولئك الأشخاص ما زالوا موجودين ويستولون على مبان خاصة بالدولة ويقومون ببيعها وأحد هؤلاء باع مؤخرا مبنى التربية والتعليم وهذه الأيام يبسط يده على سجن البحرين وهو عقيد أيضا، في المخابرات، وهذا الشخص يدعي أنه زعيم تنظيم «عدن - أبين الإسلامي» وهو جالس في بيته".
ونفى الصبيحي أي وجود "حقيقي" لتنظيم القاعدة وقال "هناك أشخاص يدعون أنهم زعماء لتنظيمات وهؤلاء موجودون وليسوا مختفين ولا يتطلب البحث عنهم وهذا لا يحتاج إلى حملات عسكرية ترعب الناس وتدمر خلالها البيوت وفي النهاية لا يتم إلقاء القبض على أي أحد، لقد أحرقوا 12 بيتا في منطقة المشروع وهم يبحثون عن شخص واحد، وهذه الأفعال قد تدفع بعض الناس إلى التحالف مع الشيطان ضد الدولة".
وقال الصبيحي أن أنشطة هذه الجماعات "كانت في البداية سياسية أصلا واستخدم هؤلاء الأشخاص سياسيا لضرب الحزب الاشتراكي مطلع تسعينات القرن الماضي ومنهم من نفذ عمليات اغتيال وظل النظام اليمني يلعب بهذه الورقة، لكن السحر انقلب على الساحر وباتوا اليوم لا يلتزمون بأوامره لأنه لم يفِ بوعوده لهم".
ورداً على سؤال حول "من يقف وراء عملية الاغتيالات التي تستهدف ضباط الأمن السياسي (المخابرات)؟" قال الصبيحي "نحن لا نتهم سوى الدولة سواء كانت هي من تقف وراءها بصورة مباشرة أو أن هناك جهات أخرى، لأنها هي من يجب عليها أن تفرض الأمن والنظام في البلد، ونحن كمواطنين يجب أن تحمينا الدولة فإذا كانت غير قادرة على حماية مواطنيها فعليها أن ترحل.
في رمضان الماضي قتل 12 جنديا أثناء إفطارهم ومن قاموا بقتلهم كانوا يهللون ويكبرون، فإذا كانت الدولة لا تحمي جنودها، فهل يمكن أن تحمي المواطنين؟".
وعن "الحل من وجهة نظره" أكد "لقد باتت لدينا قناعة أن الحل الوحيد هو أن نستعيد دولتنا، لدينا هنا مسؤولون إذا قام أحد المواطنين بإبلاغهم بأي جريمة يقومون بسجنه ولا يفرج عنه إلا بـ10 آلاف ريال وهي رسالة بأن لا يتكلم أي شخص إذا شاهد أي شيء، الناس يقتلون في الأسواق ولا يوجد أي رد فعل حكومي، لكن لو خرجت مظاهرة للحراك تخرج لها الأطقم والمصفحات والدبابات ويتم قمعها، وإذا كانت هذه القوة كلها لديكم، لماذا لم تأتوا لحمايتنا؟ يا أخي، المراقص في عدن تحمى ولا أحد يستطيع أن يقترب منها، ونحن في جعار تسفك دماؤنا جهارا نهارا، حتى عندما طالبنا بإخراج حملة على الكلاب الضالة والمشردة طلب منا المأمور (مدير المديرية) مبلغ 120 ألف ريال للقيام بها، وأيام الحكم الاشتراكي كانت البلدية من تلقاء نفسها تسمم لحوما وترميها للكلاب وعندما تموت تأخذها إلى خارج المدينة وتحرقها، وباختصار هذا النظام لا يمكن أن يقوم بأي إصلاحات لأنه بذر مليارات الريالات في بناء ملعب الوحدة (في أبين) لبطولة «خليجي 20» ولو كان صرفها لما فيه فائدة للناس، لكان استطاع التهدئة، ولو قليلا، من الغليان الذي يسود الشارع في الجنوب".