حكم تارك الصّلاة :
- لتارك الصّلاة حالتان : إمّا أن يتركها جحوداً لفرضيّتها ، أو تهاوناً وكسلاً لا جحوداً . فأمّا الحالة الأولى : فقد أجمع العلماء على أنّ تارك الصّلاة جحوداً لفرضيّتها كافر مرتدّ يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل كفراً كجاحد كلّ معلوم من الدّين بالضّرورة ، ومثل ذلك ما لو جحد ركناً أو شرطاً مجمعاً عليه .
واستثنى الشّافعيّة والحنابلة من ذلك من أنكرها جاهلاً لقرب عهده بالإسلام أو نحوه فليس مرتدّاً ، بل يعرف الوجوب ، فإن عاد بعد ذلك صار مرتدّاً .
وأمّا الحالة الثّانية : فقد اختلف الفقهاء فيها - وهي : ترك الصّلاة تهاوناً وكسلاً لا جحوداً- فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يقتل حدّاً أي أنّ حكمه بعد الموت حكم المسلم فيغسّل ، ويصلّى عليه ، ويدفن مع المسلمين ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة ، فإن فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّ الإسلام وحسابهم على اللّه » ولأنّه تعالى أمر بقتل المشركين ثمّ قال : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } وقال صلى الله عليه وسلم : « خمس صلوات كتبهنّ اللّه على العباد فمن جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ شيئاً استخفافاً بحقّهنّ كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة ، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة » فلو كفر لم يدخل تحت المشيئة . وذهب الحنفيّة إلى أنّ تارك الصّلاة تكاسلاً عمداً فاسق لا يقتل بل يعزّر ويحبس حتّى يموت أو يتوب .
وذهب الحنابلة : إلى أنّ تارك الصّلاة تكاسلاً يدعى إلى فعلها ويقال له : إن صلّيت وإلاّ قتلناك ، فإن صلّى وإلاّ وجب قتله ولا يقتل حتّى يحبس ثلاثاً ويدعى في وقت كلّ صلاة ، فإن صلّى وإلاّ قتل حدّاً ، وقيل كفراً ، أي لا يغسّل ولا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين . لكن لا يرقّ ولا يسبى له أهل ولا ولد كسائر المرتدّين . لما روى جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « إنّ بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة » وروى بريدة « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : من تركها فقد كفر » وروى عبادة مرفوعاً « من ترك الصّلاة متعمّداً فقد خرج من الملّة » وكلّ شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء .
ولأنّه يدخل بفعلها في الإسلام ، فيخرج بتركها منه كالشّهادتين .
وقال عمر رضي الله عنه : " لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة " ، وكذا عندهم لو ترك ركناً أو شرطاً مجمعاً عليه كالطّهارة والرّكوع والسّجود ، ولا يقتل بترك صلاة فائتة .
كما اختلف القائلون بالقتل في محلّه .
فمحلّه عند المالكيّة هو بقاء ركعة بسجدتيها من الوقت الضّروريّ إن كان عليه فرض واحد فقط . قال مالك : إن قال : أصلّي ولم يفعل قتل بقدر ركعة قبل طلوع الشّمس للصّبح ، وغروبها للعصر ، وطلوع الفجر للعشاء ، فلو كان عليه فرضان مشتركان أخّر لخمس ركعات في الظّهرين ، ولأربع في العشاءين .
وهذا في الحضر ، أمّا في السّفر فيؤخّر لثلاث في الظّهرين وأربع في العشاءين .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ محلّ القتل هو إخراجها عن وقتها الضّروريّ فيما له وقت ضرورة - بأن يجمع مع الثّانية في وقتها - فلا يقتل بترك الظّهر حتّى تغرب الشّمس ، ولا بترك المغرب حتّى يطلع الفجر ، ويقتل في الصّبح بطلوع الشّمس ، وفي العصر بغروبها ، وفي العشاء بطلوع الفجر ، فيطالب بأدائها إذا ضاق الوقت ويتوعّد بالقتل إن أخّرها عن الوقت ، فإن أخّر وخرج الوقت استوجب القتل ، وصرّحوا بأنّه يقتل بعد الاستتابة ، لأنّه ليس أسوأ حالاً من المرتدّ .
والاستتابة تكون في الحال ، لأنّ تأخيرها يفوّت صلوات ، وقيل : يمهل ثلاثة أيّام . والقولان في النّدب ، وقيل في الوجوب .
الموسوعة الفقهية – مجلد 27