لم تكن ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م وليدة ألصدفه بل كانت نتاج لعدد من المتغيرات والحراك القومي و الثوري الذي سبقها في المنطقة العربية خلال حقبة الخمسينات حين نفذ عددا" من الضباط الليبيين الأحرار انقلابا" عسكريا"بقيادة القائد معمر ألقذافي الذي لم يتجاوز عمره حينذاك السابعة والعشرين بدعم وإشراف مباشر من الزعيم جمال عبد ناصر والذين اطاحو من خلاله بالنظام الملكي بهدف أقامت نظام جمهوري قومي على غرار ماهو قائم في جمهورية مصرالعربيه التي تبنت إسقاط الانظمه الملكية وأقامت الانظمه الجمهورية بدلا" عنها. حيث عرف الوطن العربي في هذه ألحقبه الزمنية زخما" ثوريا" غير الكثير من المفاهيم والقيم في المنطقة التي تبناها الفكر الناصري لتطغى على أفكار القومين والبعثيين وغيرهم وعجلت بقيام الثورات في عدد من البلدان العربية, ولكن بموت ناصر في بداية السبعينات انطفئة جذوتها وخف بريقها حيث كانت الناصرية وثوراتها في المنطقة مرتبطة بكرازيما ناصر لأغير ولان ألقذافي من القيادات النرجسية التي كانت شديدة الإعجاب بناصر بل تقلده فقد قال عندما رحل ناصر ( إن مصر شعب بدون حاكم وانأ حاكم بدون شعب ) في اشاره منه إلى رغبته بخلافة ناصر ولعب دوره على مستوى الساحة العربية والدولية ولكن لم يستطع ألقذافي إن يغطي الفراغ الذي تركه ناصر فدخلت الناصرية في موت سريري وتحولت الانظمه التي قامت على خطاها إلى نظام الحزب الواحد أو نظام دكتاتورية الفرد التي حرفت تلك الثورات عن مسارها الحقيقي180درجه0
ففي ليبيا عمل الزعيم ألقذافي على تعزيز حكمه والانفراد بالسلطة وتغييب مؤسسات ألدوله أو أي نظام لبناء دوله حقيقية حيث دشن حكمه بإعدام الإلف من معارضيه فألف كتاب اسماه (الكتاب الأخضر) كنظريه ثالثه بديله لنظريات أنظمة الحكم ألقائمه كالاشتراكية والرأسمالية ودعم حركات التحرر في افريقاء وعدد من بلدان امريكاء اللاتينية واورباء واسيا ورفع شعارات ضد الامبريالية والرجعية وشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية وشكل جبهة الصمود والتصدي لمواجهة الامبريالية والصهوينيه في المنطقة إلا مع كل من (سوريا واليمن الجنوبي سابقا" وإثيوبيا) عام 1979م ودعى للوحدة العربية والوحدة الفورية مع مصر مقلدا" ناصر في مقام به مع سوريا ومجد شخصيه ودولته بالكثير من الألقاب وابتدع طريقه فريدة للحكم خارج عن المألوف وغير أنظمة الحكم ألمعروفه فنظامه ليس نظام رئاسي ولأنيابي (برلماني) ولاملكي دستوري أو وراثي رغم انه في الواقع الفعلي قريب إلى النظام الأخير فالقذافي يدعي انه ليس برئيس بل قائد ثوره ويقوم نظامه على النظام الجماهيري أي سلطة الشعب وحكم الشعب لنفسه بنفسه بدون أي تمثيل نيابي الذي استبدله بالمؤتمرات الشعبية كجهات تمثل السلطة التشريعية واللجان الشعبية كجهات تمثل السلطة التنفيذية التي تستمد نظام عملها من الكتاب الأخضر وليس من الدستور الذي ليس له وجود في نظام ألقذافي وقام بتسخير ثروات شعبه لصالح بناء نظام مستبد وترويج أفكاره المجنونة فبني نهر صناعي بمليارات الدولارات دون إن يحقق أي جدوى اقتصاديه لشعبه الذي عاش سنوات في انتظار هذه الكذبة وبني مصانع لانتائج الاسلحه الكيميائية والجرثومية بداخل الجبال على أيدي خبراء وشركات كوريه سرعان ماتخلى عنها وسلم معدات الإنتاج والتخصيب للدول الاوربيه عندما واجه نظامه خطر الضغط الدولي الشديد متعضا" مما لحق بصدام من عقوبات بسبب برنامجه النووي كما رضخ لتعويض ضحايا طائرة بان أمريكان التي أسقطتها مخابراته في صحراء لوكريي فوق اسكتلندا وضحايا إحدى الملاهي من قوات الناتو بألمانيا الغربية سابقا"والمتهم بتفجيرها أيضا"المخابرات الليبية وقدم مئات ملايين الدولارات لتعويض عوائلهم بعد إن عرض بلده بداية التسعينات لعقوبات اقتصاديه دوليه لعدد من السنوات ألحقت بليبيا خسائر ماديه كبيره وأثرة على مستوى معيشة الشعب رغم إن ليبيا تنتج من النفط مايصل إلى مليون وستمائة إلف برميل يوميا"في ضل غياب أي تنميه أو بنيه تحتية حقيقية لشعب لايتجاوز سكانه خمسه مليون نسمه
المتتبع لمسيرة ألقذافي خلال سنوات حكمه الماضية سيراء إن الرجل لم يحقق لشعبه أي شيء يذكر غير سعيه لتحقيق مجده الشخصي وإرضاء نرجسيته حتى انه عرف بغريب الأطوار بين الزعماء فهو يريد إن يكون زعيما" لازعيم بعده وملكا" لأملك فوقه ومنظرا" وفيلسوفا" وداعيا" دينيا" دفع احد الكتاب بتسميته بنبي الصحراء وأحيانا" ينكر عروبته ويدعي الافرقه بل هجر جامعة الدول العربية وشكل الاتحاد الإفريقي وخلع ثياب العرب ولبس ثياب الافارقه المزركشة بالألوان وأطلق على نفسه ملك ملوك افريقياء ودعي اليمنيين يوما" والافارقه ألهجره إلى ليبيا في ضل غياب أي إعمال تستوعبهم ليخلق ازمه بين بلده وتلك البلدان ويجعل أولائك السذج ممن صدقوه يدفعون الثمن ويعانون الأمرين في رحلة ألغربه تلك كما حاول العبث كثيرا" مع الدول المجاورة كالسودان وتشاد والنيجر وغانا لإخضاعهم لسيطرته أو تغيير أنظمة الحكم فيها وتدخل في الشئون الداخلية للكثير من البلدان لسبب أو لأخر كما حارب الجماعات الاسلاميه وقتل الإلف منهم فيما عرف بسجن أبو سليم الذي وصف بتركيبته ونظامه بسجن ابوغريب في العراق وقتل قرابة 6000 ليبي معارض في صحراء تشاد. ولإحكام سيطرته على ليبيا وتحجيم المعارضة من الوصول إليه ترك السيطرة على القوات المسلحة والاجهزه الامنيه لأبنائه (خميس والساعدي والمعتصم) وشكل لهم وحدات عسكريه من المرتزقة لضمان الولاء الشخصي فضم إلى وحدات الجيش ماعرف بالفيلق الإفريقي الذي يظم مقاتلين من تشاد والنيجر والفيلق العربي الذي ضم مقاتلين من السودان والصومال وبعض البلدان العربية ومركز الكثير من الاسلحه والقوى ذات البعد الاستراتيجي والتكتيكي بيد المرتزقة الذين جلبهم من البلقان بعد تفكك يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق وترك الجيش دون عقيدة عسكريه أو تركيبه نظاميه كالجيوش ألحديثه وادخل وحدات أخرى في تركيبته كالكتائب الامنيه وكتائب اللجان الثورية التي تستطيع تنفيذ الكثير من المهام بمافيها الإعدام في الداخل والاغتيال في الخارج0
ولكن كما كان لثورة 23يوليو 1952م تأثيرها على ليبيا وتغير نظامها الملكي فقد كان لثورة شباب 25يناير 2010م المصرية أيضا" تأثيرها البعيد فما إن نجحه هذه الثورة وأسقطت نظام مبارك حتى وجد ألقذافي نفسه محاصرا" بين ثورتي ثورة الياسمين التونسية وثورة شباب مصر كما يحاصره بحر الصحراء لتندلع ثورة شباب ليبيا في 17فبراير2011م في اغلب إرجاء البلاد التي بداءت من مدن شرق ليبيا لتحرر خلال أسبوع العديد من المدن مثل(مصراتا- زليتا- الزنتان- البيضاء- الدرنة- برقه- بنغازي) ومدن أخرى مقتربة في زحفها من العاصمة طرابلس التي حصنها النظام بكل مالديه من أسلحه لمنع الثورة من الوصول إليها لتسقط شرعية ألقذافي الشعبية ويلحقها سقوط شرعيته السياسية والقانونية بسبب الاستقالات المتتالية لعدد من أعضاء حكومته كوزير الداخلية والمغتربين والعدل وغيرهم واستقالات عدد من سفرائه وأعضاء السلك الدبلوماسي كسفراء ليبيا في ( واشنطن – فرنسا- الهند- تونس-) وغيرها من البلدان وكذاء ممثليه في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمات إقليميه ودوليه أخرى التي تلتها الإجراءات التالية:-
1- تعليق جامعة الدول العربية نشاط الدبلوماسيين الليبيين في إعمال ألجامعه 0
2- إدانة الأمم المتحدة لإعمال العنف التي يرتكبها النظام الليبي و مطالبته بالسماح بإدخال مواد أغاثه وإرسال مراقبين في مجال حقوق الإنسان للاطلاع ومراقبة ما يجري في ليبيا0
3- تعليق الاتحاد الأوربي مفاوضاته مع ليبيا حول ألتجاره الخارجية 0
4- علقت عدد من البلدان علاقاتها مع هذا النظام الليبي كالبيرو وغيرها وناشدة بعض الدول مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات حقيقية على نظام ألقذافي بل اتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه وطلب إحالته إلى محكمة الجنايات الدولية
وبذالك أصبح النظام الليبي معزولا" عن المجتمع الدولي0
إلا إن هذا النظام الأرعن بدلا" من إن يقدم التنازلات لجاء إلى استمرار قمع المظاهرات السلمية بكل مالديه من قوه واستخدام الذخيرة الحية ضد المدنيين العزل بلغة حد قصفهم بالطائرات وجلب المرتزقة الافارقه لقتل المتظاهرين سقط خلالها أكثر من (1000) شهيد وآلاف الجرحى بل بلغ الأمر إن احمد قذاف الدم وهو احد المقربين للنظام قد حاول شراء وتأليب عدد من القبائل المصرية للزج بهم في معترك الدفاع عن نظام ألقذافي . كما إن ما أبداه ألقذافي في كلمته التي خاطب بها شعبه الأخير ينم على إن الرجل قد ترك نبوة الصحراء وأصبح مجنونها بعد إن هزمه من وصفهم بالجرذان والمقملين فخطابه الهستيري الذي هدد فيه شعب ليبيا بالاباده الجماعية لا يدل على عقل قائد بل على عقل فاقد نظرا" لان مثل هولا الزعماء يعيشون في وهم حب شعوبهم ونرجسية عظمتهم كونهم مصابين بمرض البر انويا والسيكوباس التي تجعل منهم شخصيات عدوانيه وشكوكيه ولا يدركون إن أرادت الشعوب هي اقوي من سلطانهم وأسلحتهم فرغم توجيهاته للسفن الحربية وعدد من طائرات سلاح الجوي لضرب مدينة بنغازي تنفيذا" لتهديداته إلا إن تلك الطائرات توجهه إلى مالطا وايطاليا والبعض سلمت لقيادة مطار بنغازي التي يسيطر عليه قوى الثورة وأخرى فجرت في الصحراء وأنظمة كتائب اللواء الأخضر للثورة أيضا"بالاضافه إلى عدد من قيادات الجيش والأمن وبذالك فالرجل لايعالج المشكلة بقدر مايزيد من ارتكاب جرائم تتعلق بجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانيه وفقا" لاتفاقيات جنيف الأربع الصادرة في أغسطس 1949م وبرتوكولاتها الملحقة وكذاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو ماقد يؤدي في الأخير إلى مثول هذا الطاغية إمام محكمة الجنايات الدولية مالم يحاكم إمام محكمة الشعب الليبية. مع ان الكثير من علماء النفس والاجتماع يستخلصون إن نهاية ألقذافي ستكون شبيهه بنهاية نيرون أو الزعيم النازي اودولف هتلر
في الأخير نقول إن الفضل في هذه الثورات الشبابية يعود لحركة أتبور الصربية التي قادها طلاب صربيا لمساندة ثورة التغيير في بلدهم في السنوات الماضية والتي تبنت منهج إلا عنف لتغيير النظام حتى أطاحت بالدكتاتور سلودوفان ميلوفتش التي استمدت عقيدتها تلك من عقيدة النضال السلمي للزعيم الهندي الماهاتا غاندي ألمسماه ( بالسانتا جراها )أي قوة الحقيقة و حررت الهند من الاحتلال البريطاني في منتصف الأربعينات من القرن العشرين0
بقلم / محمد الحميدي
