ثورتا تونس ومصر
هل تشكلان فاتحة مرحلة التحرر العربي من الاستعمار الوطني ؟ بقلم الكاتب محمد علي شايف
ترقى العار من بيع الى بيع بلا ثمن
ومن مستعمر غاز إلى مستعمر وطني
( الشاعر الراحل : عبدالله البردوني )
دعونا أيها الأخوة نحتفي ونحتفل بانتصار الثورتين الشعبيتين التاريخيتين للشعبين الشقيقين التونسي والمصري بطريقتنا ، كشعب يخضع لإحتلال عسكري بدائي قادم من كهوف واحراش ثقافة الغزو من أجل السبي والغنيمة السبئية ، منذ 7/7/1994 م الأسود .
إحتلال لم يستهدف شطب شعب الجنوب من خريطة الحقوق والمصالح وحسب ، بل طمس هويته ومحو وجوده ، ليغدوا شعبا بلا أرض .
دعونا نتوج فرحتنا الإحتفالية بإنتصار إرادة شعب مصر العظيم الذي وقف خلف شباب ثورة 25 يناير الماضي ليطيح بالنظام الاستبدادي ، القمع الفاسد ، الذي تحول إلى سلطة لصوص (كلبتوقراطيه ) أي حكومات لصوص باللصوص للصوص ، ومثله كل الانظمة والسلطات الجاثمة على صدور الشعوب العربية بمختلف أشكالها وأنواعها ومسمياتها ..
نقول فلنتوج احتفالنا – في منتدى تنمية الوعي الوطني الجنوبي – في مدينة الضالع الباسلة المحاصرة بأكثر من عشرين موقعا عسكريا وقاعدة وثكنة عسكرية مثلها مثل مدن الجنوب الأخرى المطوقة بألوية عسكرية وفرق أمنية مدربة على القتل والسفك والإرهاب المنظم وذلك بقراءة أولية لتأثير الثورتين على محيطهما العربي ، ولا سيما على الثورة الشعبية الجنوبية السلمية ، التي سبقت الثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية بيد انها حوصرت إعلاميا وظلمت سياسيا من قبل محيطها العربي ، لأسباب سنأتي الى ذكرها لا حقا .
لقد آثرنا أن تكون قضية المنتدى لهذا الأسبوع ، القضية التي تعلقت بها قلوبنا وضمائرنا ووجداتنا قبل أبصارنا ونحن نسهر مع المعتصمين الثائرين في ميدان التحرير وكل ميادين الحرية في أرض الكنانة لينتشر ضؤئها.. في مصر التاريخ والحضارة وإبداع العجائب ..
فهل بزغت شمس الحرية العربية من المغرب – هذه المرة – واستكملت شروقها من أرض الكنانة ، لينشر ضوؤها المضرح بالإرادة الشعبية المنتصرة ، الزاهر بالأمل ودنو أجل الإنعتاق من الإستعمار الوطني الأسوء من الإحتلال الأجنبي ؟؟
إن كل الشعوب العربية بأحرارها ومنتجيها ، بسطائها ومثقفيها ، بكل شرائحها الإجتماعية المخضعة للذل والهوان – عدى اوغادها – لصوصها ونخاسيها – تتطلع إلى إنبلاج نجر مرحلة جديدة ، يشرق على أفق ليل عربي طال أمده ولتكن ثورتي تونس ومصر العظيمتين أولى حلقات تشكل هذا التاريخ الجديد .-
بوسائلة وأساليبه وماهيات تشكله وبأهدافه التي تجسد تطلعات الإنسان العربي في حياة إنسانية حرة كريمة ، بديلا مجيدا لتاريخ الإستبداد والهوان ، والعيش في حالة إغتراب وأستلاب ماحقين ، يغيب في ظلمها الشعور الإنساني بالإنتماء إلى وطن تملكه الطغاه وخذله المنافقون وزماروا البلاط ، وزيفه الدجالون المضللون من مثقفى وكتبة الحاكم بأمره ... اولئك الذين وصفهم – محقا – المفكر الراحل : د. محمد قايد الجابري ب ( المثقفين الرحل) وهو وصف يجسد سلوك وعقل البداوة الساعي وراء الماء والكلأ وهم – لاريب – كثر في مجتمعات النفاق المخضعة تاريخيا للإستبداد السياسي والديني.
- دروس أولية : -
1- لقد اثبتت ثورتا شباب تونس ومصر الرائدتين ، واللتين نحلم ان تكونا قائدتين للمرحلة التاريخية الجديدة في منطقتنا ، كم هي هشة ومتهالكة الأنظمة الأمنية البوليسية أمام إرادة الشعوب ، طالما نهضت ، بوعي قوتها وإدراك مكانتها ، لإسترداد حقها المغتصب من قبل طغاتها ، بإعتبارها صاحبة الحق في إختيار حكامها وتقرير طريق تقدمها وقادرة على إزالة الأنظمة اللاشرعية ، إذ لا شرعية لنظام سياسي إلا عبر شرعية الرضا والقبول ، ووفق عقد إجتماعي يجسد إرادة الشعب وتطلعاته وليس إرادة الحاكم الذي يشرع لهيمنته وتأبيد حكمه .. والقيام بمسرحيات إنتخابية تزور إرادة الشعوب وتمتهن كرامتها .
2- ان ثورتي تونس ومصر الشعبيتين السلميتين الحضاريتين ، قد هدتا حاجز الخوف التاريخي المسلح بإرهاب الدولة البوليسية الممنهج ، وبانتصارها على الخوف الذي زرعه ووطده الإستبداد والطغيان ، انتصرا على مصدرة وهدمتا عروشه .. المؤمل ان يؤدي ذلك إلى انهيار اعمدة ثقافة الخنوع والإستكانة وفتاوى طاعة الحاكم وإن ظلم في نفوس ووعي باقي الشعوب العربية ، التي عانت ولم تزل مماعاني منه شعبا تونس ومصر ، إن لم يكن أقسى وأدهى ,احط .. ولعل أكثر الشعوب العربية معاناة هو شعب الجنوب الخاضع لإحتلال همجي ، أوصل معاناته إلى مرتبة الفاجعة الإنسانية بإسم وحدة سياسية ، سقط مشروعها قبل أن تبدأ .
3- إن المثابرة خلف الهدف – وهذا هو الدرس المهم – وعدم التراجع امام القمع وأساليب الإرهاب والإستهانة بفزاعات التخويف من الفوضى والأقنعة والصوملة ، التي يستلغها الطغاة العرب لوضع شعوبهم امام خيارين لا ثالث لهما : الموت قهرا وذلا وجوعا وو.... تحت هيمنتهم وإما الفوضى فالصوملة والأقنعة ، أي ان الحاكم العربي – اللص المستبد يقول ضمنا وصراحة ( انا أو الطوفان ) . زد إلى عدم تفاني المسكنات والمخدرات التي كادت الشعوب العربية ان تدمنها التي لم تكن قد ادمنتها ... الخ . إن كل ذلك – كما علمتنا تجريد الثورتين الماثلتين – عنصر أساسي في تحقيق ابرز انتصار لهما ( الإطاحة بالنظامين السابقين ) .
وستأتي الأيام بالجديد – لا شك – لأننا إزاء عملية تاريخية ، لن تستكمل عناصرها دفعة واحدة .
4- كما تعلمنا الثورتين المذكورتين ، إن القانون الثابت في الحياة ، هو قانون التغيير ، التغيير والتطور وعن شرعيات الإستبداد الجامدة المهدرة للعقل والقاتلة للإبداع الإنساني ، التي يحاول الطغاة التلويح بها بوجوه الشعب هي شرعيات زائفة .. اذ لا شرعية تعلو على شرعية الإرادة الشعبية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم .. فلا شرعية لثورة تحولت إلى النقيض 180 درجة ، ولا شرعية دستورية فوق الشرعية الشعبية ... ( إن الشرعية هي ما تجسد إرادة وتطلعات الشعوب .
5- إن الطابع الشعبي للثورتين المنتصرين – بإذن الله وإرادة شعبي تونس ومصر الحرتين . تعطي مؤشرا جديدا ، لانتقال جديد ، ينقل الثقافة العربية من زمن الأبطال إلى زمن الشعوب ... فثورتي مصر وتونس ليس لهما بطل – فارس بعينه ، إن الشعبين خلف شبابهما هو البطل في التجربتين ... اننا بحاجة ماسة ليس إلى ثورات سياسية بل وإلى ثورات تغييرية تعيد بنينةوعينا وتهز جذور ثقافتنا ( محاولة مبارك مخاطبة عاطفة الشعب المصري ، باستحقاق تمثيل مكانة البطل المصري الذي شارك في حرب العبور اكتوبر 1973 م قوبلت بالإستهجان الشعبي والسخرية وكثيرون ردوا عليه واركانه المنافقين : كل الشعب المصري كان بطل العبور وحسني واحد من ضباط قواته المسلحة ) ان هذا معطى حسي يضاف إلى رصيد وثورة التحرر من الإستعمار الوطني .. التحرر من الإستبداد والطغيان وو... الخ والتحرر من زمن الأبطال ، الذي غدا في حكم التاريخ ، ولا يعيش إلا في الوطن العربي ، وبعض بلدان من أسيا وافريقيا ( أما صنعاء فتمثل – بامتياز – متحفا لكل الأزمنة من العبودية مرورا بالأقطاعية والقبيلة وصولا إلى الراسمال الطفيلي التجاري)
6- إن عفوية الثورتين ليستا وليدتا لحظة اشتعالهما ، وانما ما بدا كطفرة ، هو في الأساس نتاج تراكم يتفاعل في النفسية الإجتماعية لفترة زمنية طويلة ، نضجت اللحظة لإنفجاره ، وما كان اشعال البوعزيزي لنفسه في تونس وخروج مدينته للإحتجاج ، إلا عود الثقاب الذي اشعل فتيل الثورة المكبوت الجاهز بالفعل .. دليل ذلك أن في جزائريين احرقوا انفسهم ومثلهم في مصر واخر في موريتانيا وفي اليمن ولم يفجروا ثورة اما الثورة الشعبية المصرية فقد بدأت من احدث وسيلة عصرية وهي الشبكة العنكبوتية واذ بدت ثورة شعبية عفوية فإن توحد مطلبها السياسي ، كان القائد والمنظم الأول ، اي ان الشعب يتحرك تحت ووراء هدف واضح هو إسقاط النظام ، وهنا يسقط مفهوم العفوية عنها فضلا عن ان الشباب اثبتوا كفاءة قيادية وتنظيمية اربكت مخطط السلطة في احداث صدمة من خوف من الفوضى والعنف المنظم الذي قادته وزارة الأمن الداخلي كما تابعنا ذلك وهذه ماكان لها ان تتم وتنتصر لو لم تكن جاهزة في نفسية المجتمع الجاهز للثورة ، الذي ما ان اشعل الشباب شرارتها حتى التف الشعب حولها بالملايين .. ولا شك بأن ثورة تونس كان لها تأثير المنتج للاسئلة والمحرك للفعل في مصر .
( بالنسبة لثورتنا ، السملية الجنوبية أو حركتنا الشعبية الجنوبية ، فإن العفوية كانت ولما تزل تسم مسيرتها في البدء كان الزخم الشعبي المفاجئ يسير وراء مطالب حقوقية رفعتها جمعيات المسرحين العسكريين والأمنيين - دعك من الأشكال النضالية السابقة لها - ثم تعددت الخطابات والمطالب .. ولا زلنا كشعب بمختلف شرائحه وفئاته وأطيافه السياسية غير موحد في الهدف ، بتعبير أخر : لم يلتف حول هدف سياسي استراتيجي واضح .
لأن وحدة الهدف ستقود إلى وحدة الرؤية السياسية - البرنامجية - بالضرورة - وطالما هنا لكم اجماع على اسلوب النضال السلمي مفتوح الخيارات ، فليس عسيرا ، بعد توفر الأركان الثلاثة أن يتم إستكمال بناء الركن الرابع الأساسي المتمثل بوحدة الإرادة الشعبية الجنوبية في اي شكل توحيدي كفاحي قادر على أداء الوظيفة النضالية المرحلية المنوطة به ، من منطلق الوعي أن مطلب توحيد الحركة الشعبية ليس غاية بذاته ، وانما وسيلة - اداة لإنجاز مهمة التحرر التي بهاأولى تطلعات الشعب الغائبة ( البعيدة ) لكن الأمر ليس كما نتمنى ان يكون - ما اردناه هنا هو محاولة مقاربة للتمييز بين فاعلية وسرعة حركة من يسير في طريق واضح المعالم ونقطة النهاية ، وبين من يتحرك في درب تتقاطع فيه الطرق وتتداخل وثمه أفق غير واضح كذلك - ليغدو السير أشبه بالتحرك وسط خطوط متاهة متحركة لا وضوح لبدايتها ولا نهايتها)
7- لصوص الثورات وقطاع طرق التاريخ : تابعنا - باهتمام لاشك - ما حدث ويحدث في تونس ومصر وقد لمسنا كيف جاء اللصوص ليسرقوا الثورتين - لا زال الخوف على ثورة مصر قائما من اللصوص بالكلام العسلي والوعود المخدرة .... الخ من قبل اركان النظام المصري ... ثم حاولت احزاب المعارضة بالتعاون مع السلطة ، ليقطعا الطريق على الثورة لكن تصميم الشعبين على مطالبهم الواضحة حال دون نجاح لصوص الثورات وقطاع طرق التاريخ - على الأقل إلى الآن - والأيام ستكشف إلى أي مدى ستحافظ الثورتان على اهدافهما .
8- إن تمكن الثورتين الشعبيتين في تونس ومصر الشقيقتين ، بزمن قياسي 27 يوما للأولى و(18) يوما للثانية ، وبفارق أقل من شهر بين رحيل رأس النظام التونسي (14) يناير ورأس النظام المصري 11 فبراير ما كان لذلك أن يتم وبهذا المستوى من التضحيات لولا العوامل الأساسية - بتقديرنا وتواضع اطلاعنا - المتمثلة في :
أ- استنفاذ النظامين لكل عوامل الترهيب والترغيب ، والترضيات واستفحال حالة الفساد والإستبداد ، واتكائهما على القبضة الأمنية ، والقيود المقننة ( وعلى قانون للطوارئ كما في الحالة المصرية ) وهذا ينطبق على كل الأنظمة العربية ، إن لم تكن الحالة أشد سوءا .
ب-فقدان الشعبين الثقة تماما بالنظامين وأركانهما .. وبلوغ حالة الغضب والرفض في النفسية الجماعية حالة الثورة - كما أسلفنا قبلا - حيث لم يعد الشعبان قادران على تحمل المعاناة أكثر بينما النظامان قد وصلا إلى حالة من الفساد والإستكبار قادتهما إلى العجز في ادارة الأمور بطريقتهما القديمة .
جـ - إن الشباب كان محرك ووقود الثورتين ، وقد ثار بعقلية عصرية ، لقى مساندة الشعبين بقوة .
د- الموقف الوطني النبيل الذي التزمه الجيشان إزاء الثورتين .. فلولا حيادية الجيشين ما تحقق النصر بهذا الزمن القياسي وبأقل كلفة من التضحيات ( لا بد من الإقرار بأن موقف الجيش التونسي كان الأفضل في تعامله مع ثورة شعبه من الجيش المصري ، الذي ظل يمالي النظام إلى جمعة الرحيل 11 /2 الحالي وحتى نقل السلطة إلى مجلس الجيش عد الأعلى ، وإبقائه على الحكومة المكلفة من راس النظام المخلوع لتسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة ، يسدل ستارا من الغموض على حقيقة موقفه .
وفي الإجمالي : كان للجيشين الوطنيين في الدولتين دورا أساسيا في انتصار الثورتين لاشك .
9- اتضح ان أجهزة الأمن السرية والظاهرة ( الأمن المركزي والأمن العام ) تمثل ركيزة أساسية للأنظمة الأمنية .. بحيث برز انفصالها عن الشعبين والتحامهما بالنظامين بصورة تجعل من سلوك هذه الأجهزة ظاهرة إجتماعية ( سياسية ونفسية ) تحتاج إلى دراسة نفسية أكثر منها سياسية . اذ ما الفرق بين جندي في الجيش وجندي في الأمن ، أو قائد في الأول وقائد في الثاني ، يرفض الأول أن يوجه السلاح على أهله وذويه ، بينما يقبل الثاني ذلك وبقسوة وحقد عدائي ؟
10 - واخيرا وليس آخرا : إن موقف أصدقاء النظامين الحميمين في أمريكا والغرب عامة ، من أصدقائهما الطغاة .. النخاسين لقضايا ومصالح شعوبهم ، الخادمين لمصالح أسيادهم ، إن موقف أولئك من نظامي ورأسي النظامين المصري ، والتونسي يقرر بقسوة ومرارة الحقيقة أن المصالح هي التي تقرر مواقف الدول وتحدد سياساتها ( ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة ) إنما هناك مصالح دائمة ، دزرائيلي - فقد لا حظنا معا حجم التناقض والأرتباك في مواقف الإدارة الأمريكية بين التشديد على أنتقال السلطة في مصر سريعا ، والنزول عند رغبة وتطلعات الشعب المصري ...الخ وبين التأكيد على بقاء مبارك لانجاز الانتقال حتى تنتهي ولايته في سبتمبر القادم ، لكن في النهاية ، فليذهب صديق أمريكا واسرائيل الى الجحيم ، والمهم أن يأتي نظام يؤمن مصالحها ، ويؤمن لإسرائيل اتفاق الإستسلام .. وزين الهاربين بن علي الذي ظل يطير فوق البحر الأبيض ولم يجد إذنا بالهبوط في فرنسا ولا غيرها حتى انقذته السعودية بحق اللجوء .
إذا .. هي المصلحة التي تحرك المواقف السياسية وليس العلاقات ولا الصداقات الشخصية او بين الأنظمة . وهذا ما ينبغي أن تستوعبه ثورتنا في الجنوب المحتل .. إذ أن القيم الإنسانية وحقوق الإنسان وحرياته التي ينصب الغرب نفسه مسؤولا عليها ، وكذلك قيم الإسلام العليا التي يحمل رايتها محيطنا العربي والإسلامي ... الخ . إن كل ذلك يسقط عند اقدام المصالح ، فلن يلتفت إلى الفاجعة الإنسانية التي يعيشها شعب الجنوب المغدور ، مالم تتآزر وتعمل بإخلاص كل قواه وأطيافه السياسية والشعبية على إستعادة الوعي بالذات المستقلة ، ومراجعة مسيرة الثورة السلمية وتقييمها بواقعية للوقوف على مواطن ازمة حركتها الشعبية وأسباب وخلفيات هذه الأزمة التي أضعفت الثورة ، ومزقت جهوده وفعل الإرادة الشعبية التواقة للحرية والإستقلال .
إذ ان توحيد إرادة شعب الجنوب ، تستلزم بالضرورة مكاشفة للذات أولا ثم البحث عن مخارج تفضي الى توحيد قوى الثورة ، لفرض معادلة سياسية على الأرض ، تجعل الأخر الإقليمي والدولي يشعر بأن شعبنا قادر على إنتزاع حقه ، الأمر الذي يجعل المصالح الأجنبية في خطر ، حال استمر أصحاب المصالح في مساندة الإحتلال . عندئذ - فقط - وبهذا وحده .. سيتعرف العالم بحقنا الشرعي والعادل في استعادة دولتنا ، الوطنية المستقلة وسيادتهاعلى كامل ترابها الوطني .
التطورات الإقليمية وتأثيرها على مسار ثورة الجنوب التحررية .
أولا : ينبغي الإشارة إلى أن ابداع هذا الأسلوب النضالي السلمي والشعبي ،يعود قصب السبق فيه إلى شعب الجنوب ، ابتداء من التحرك الإحتجاجي السلمي في حضرموت 1997- ابريل 1998م ، ثم التظاهرات السلمية والإحتجاجية التي قادتها اللجان الشعبية التضامنية في كل مدن الجنوب 1999-2001 م ، مرورا بملتقيات وفعاليات التصالح والتسامح وبلوغ حالة الرفض والغليان ، مرحلة الأنتقال النوعي الواسع ، على جسور التصالح والتسامح ، الذي قادت جمعيات المسرحين العسكريين والمدنيين ، لتنتقل التعبيرات السلمية من وضع الإحتجاجات بطابعها المطلبي الحقوقي إلى رفع مطلب الحق السياسي الجنوبي ، تحمل رايته ثورة شعبية لم تتوقف منذ 4 سنوات ، قدم فيها شعب الجنوب مئات الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين وتعرض مدن الجنوب وقراه للقصف بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ، كمدينة الضالع والحبيلين وحوطة شبوه وغيرها .. بما هي حروب من طرف واحد تشن ضد شعب الجنوب كتجل فادح للحرب المستمرة من قبل الإحتلال على كافة الأصعدة ، حرب ترقى إلى مصاف أرهاب الدولة المنظم .
بيد أن ثورة شعب الجنوب المكافح الذائد عن حقه في الوجود ، قبل حقه الشرعي العادل في الحرية والإستقلال والعيش على أرضه بعزة وكرامة ، كباقي شعوب العالم ، عانت ولما تزل من الظلم من خلال التعتيم الإعلامي وضعف الإهتمام من قبل المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته ، برغم ان الإحتلال لا يرتكب جرائم ضد إنسانية بحق شعبنا وحسب ، بل ويقترف جرائم حرب بحق شعب الجنوب ، لعل أكثرها بشاعة هي جريمة قصف قرية المعجلة في م / أبين حيث راح ضحيتها حوالي (60) شهيدا اكثر من 40ل منهم نساء وأطفالا وقد استخدمت فيها أسلحة محرمة دوليا .
وهنا يبرز السؤال - لاشك - أن لماذا لم تحظ ثورتنا الشعبية السلمية بنسبة 1% من التغطية التي حظيت بها ثورتا تونس ومصر الشعبيتان عربيا ودوليا ؟!!
إن لدى كل منا - في هذا المنتدى - وخارجه إجابة على السؤال ، كل بقدر إطلاعه وقدراته الاستقرائية وسنحاول أن نجيب - هنا - ثم نشترك معا في إغناء الإجابة ، بتشخيص الأسباب والعوامل الذاتية منها والموضوعية .. والتى نرى أبرزها بالآتي :
1- إنحصار شبكة المراسلين الإعلاميين للإعلام الخارجي المقروء والمرئي والمسموع ، وحتى الالكتروني على صحافي وإعلامي الجمهورية العربية اليمنية ، وذلك ضمن عملية الإقصاء الممنهج لابناء الجنوب بفرض الحرمان القسري لكل الشعب الجنوبي من حقوقه السياسية والإقتصادية والثقافية ... الخ
الأمر الذي يجري تجاهل كلما يحدث في الجنوب ، والإكتفاء بخبر صحفي عند الحاجة ...
2- فرض القيود على الإعلام ، وممارسة الضغط على المراسلين من قبل سلطة الإحتلال وكذلك على الصحافة المحلية ، وصولا إلى إغلاق الصحف ، لا سيما الصحف الجنوبية : الأيام والوطني مثلا . ومهاجمة مكتب قناة الجزيرة في صنعاء ، الذي تم فتحه بعد أتفاق مع أدارة القناة التي زارات صنعاء حينئذ .. والمنع الصريح من حضور تظاهرات ومهرجانات وفعاليات ثورة الجنوب ، لكل وسائل الإعلام ، لان سلطة الإحتلال اكثر مما تعمل من اجله هو حجب جرائمها في الجنوب بمواجهة الثورة الشعبية السلمية
3-قومنة الاعلام العربي الرسمي والمستقل .. فالاعلام الرسمي خاضع للسلطات سياسيا فالانظمة العربية تحافظ على بعضها البعض ، ولم تعمل على تحقيق أية مصلحة عربية عامة منذ تأسيس الجامعة العربية ، باستثناء تطبيقها للاتفاقية الامنية لحماية عرشها ، كما تتوهم وتحت ذريعة -وحدة الأمة العربية ، كأيدلوجيا زائفة اثبتت فشلها ، منذ خمسين عاما - بما في ذلك اتفاقية الدفاع المشترك عن انظمة الاستبداد والحفاظ على طابعها العربي الموحد ، تتجاهل - رغم معرفتها- مايحدث في جنوبنا المكافح سياسيا واعلاميا ويسرى ذلك على الاعلام المستقل اي القيد -القومي-حيث يتخلي عن حرية الاعلام لصالح الايدلوجيا القومية ، او بضغط من السلطات الرسمية ..
يجري تسويق فكرة ان اي مساندة شعب الجنوب في ثورتهم ، يعني الدعوة الى التفريق والتجزئة ، بإعادة تقسيم نواة الوحدة العربية الأكذوبة التاريخية وما موقف قمة ليبيا العربية الاخيرة ببعيد عنا ، حيث اتخذت موقفا خارج سياق العملية السياسية والتاريخية السارية في السودان ، بالوقوف مع وحدة الصف السوداني موقف تاخر عقودا ثم نصف عقد عما اختاره السودانيون في الشمال والجنوب للخروج من الصراع بين الطرفين .
4- الخوف العربي من انتقال النموذج الكفاحي السلمي لشعب الجنوب إلى محيطه فيلقى استجابة شعبية ، كما حدث بعد ثورة تونس وتأثيرات ثورة شعب مصر الماثلة اليوم .
5- التعقيد العميق الذي يحيط بقضيتنا لاسيما تعقد فهمها من قبل الخارج ( الشعبي طبعا ) حيث تبدو حالة جزئية لا وضعا خاصا مستقلا بمواجهة ما يعتقد انه عاما ، يسهم في ذلك التعتيم والحصار الاعلاميين وتقصير حركتنا الشعبية ، ان لم نقل عجزها في ايصال مضمون قضيتنا الى المنظمات غير الحكومية العربية والدولية .... الخ
6- استمرار هيمنة الطابع العفوي لثورتنا الشعبية ، التي طال أمد تعدد مطالبها ، فتعددت تعبيراتها السياسية – الشعبية ، محدثة أزمة تتفاقم يوما عن يوم لتعمق الإنقسام في الرؤى والأدوات مما ينعكس سلبا عند المراقب السياسي الخارجي عن صورة ثورتنا الشعبية ، التي عجزت حتى الآن لأسباب ذاتية صرفا – عن فعل شعبي ثوري خلف هدف واضح قائد ورائد ، استراتيجيا تؤمر وتنظم وتوجه الثورة فتنقلها من نجاح إلى آخر . وعلينا ان نعترف بأننا نتحرك منذ 4 سنوات في دائرة واحده لم تنفتح بعد على دوائر اخرى أوسع وأعمق .
وهذا ما يستلزم بالضرورة المصارحة والمكاشفة للخروج من شرنقة صناعة الذات ، بما هو رضا نفسي – مرضي عند البعض لا يستطيع التحرر منه إلا بوعي كفاحي جماعي لمخاطر البقاء في أسر الذاتية المفرطة ونزوع الزعاماتية التي تشربن بركة الماضي السياسية والثقافية وباسم الثورة تحرم الثورة من عوامل قوتها وانتصارها ( لنتصور حجم الأزمة من عدم حسم المفهوم السياسي لما يحدث في الجنوب : هل هو ثورة شعبية / حركة شعبية تحررية أم حراك سياسي ) .
7- ضعف ان لم تقل عجز ثورتنا ، ولا سيما كل من اعلن مساندته لها او انظم اليها من الجنوبيين في الخارج .. النازحون السياسيون منهم , قبل المهاجرين , في فتح قنوات اتصال مع المنظمات غير الحكومية ومع قنوات رسمية عربية وغربية . وابداع اشكال شعبية او ثقافية تنتهي بايصال صوت ومضمون ثورتنا الى الرأي العام في الدول التي يقيم فيها الجنوبيين , بدل الجهد المبذول لعملية الاستقطابات في الداخل التي أصبحت جزءأً من المشكلة , ان لم نقل كابحاً وفد الى الطريق ثورة الشعب السلمية .
ولعل الاخ / صالح شائف في ورقة استفساراته المتظمنة اجاباتها , كان السباق في الاعتراف والمصارحة بشأن ما اسلفنا حينما تساءل في في النقطة (
متسائلاً : هل نتجرأ ونعترف بعدم قدرتنا على التخلص من اساليب وارث الماضي ونترك قيادة السفينة لأجيال الجديدة ونمنع انفسنا عن تغذيتها بما في نفوسنا من عيوب ونواقص وتجارب مريرة قاتله , لم تعد مفيدة للأجيال الجديدة بل مقيدة لحركتها , وان تقف الى جانبها بما نعتقد بان مشرف وجدير بها وغير معيب لنا ؟ ! ))
تساؤل موجه لقيادات الجنوب السابقة – لأن المتسائل منهم – فهل يفعلون ويسخرون علاقاتهم وخبراتهم لأيصال قضيتنا الى المحافل الدولية , والعربية على وجه الخصوص , مستفدين من الاوضاع الجديدة التي خلقتها ثورة تونس ومصر ؟ .
8- اذا كانت ثورة شباب 25 يناير الماضي في مصر , مرت عبر شبكة الانترنت عندما أحسن الشباب استغلاله ... فاننا – للأسف - في الجنوب لم نستغل الشبكة العالمية بما يخدم قضية ثورتنا ولا من في الخارج ولا من في الداخل بل على العكس تماماً , استخدمت استخداماً اساء الى نضال شعبنا والى قضيتنا وعدالتها . اذا غدت المواقع والمنتديات مسرحاً للبيانات والتصريحات التي تنشر الغسيل وتكشف الى أي مدى تحولت الحرب الاعلامية بينيه ولا سيما منذ اعلام زنجبار في 9 مايو 2009م - وما حدث منذ نهاية نوفمبر الماضي الى مطلع يناير 2011م . من تصريحات وبيانات ... بطابعها الانقسامي الاستحواذي بين أخواننا في المجلس الاعلى للحراك السلمي , الذين انقسموا الى ثلاثة تيارات كل تيار يحتكر الشرعية له وحدة . ودعك من شطحات نائب رئيس مجلس الحراك الاعلى ! الشيخ طارق الفضلي الذي رفع العلم الامريكي ثم قرر احراقه مع علم دولة الجنوب ووو.... الخ ) من مواقف افعال مفارقه , ان كل ذلك يصيب صورة قضيتنا بمقتل ليس الا .
أما المصداقية فخذ خطة قطع المنافذ بين الجنوب والـ ج .ع.م . ي في الحدود المعروفه + المسيرة المليونية في عدن اثناء اقامة خليجي 20 هناك . . بهكذا انفعالات وشطحات يتم النيل من مصداقية حركتنا الشعبية وهو ما ينعكس في موقف وسائل الاعلام من التعاطي مع ما يصدر من جانب كل الحركة الشعبية .... الممارس لهكذا سلوك . من اطراف الحركة الشعبية الجنوبية وغير المشارك في ذلك السلوك النضالي .
9- نتأمل ان تحدث ثورة الشعبين المصري والتونسي تطوراً في بذية وسياسات الاعلام العربي فيحظى اضافة الى ((قناة الجزيرة)) القناة الرائدة المساندة لتطلعات الشعوب العربية والمنحازة الى قضايا الشعوب فنالت العقاب من طغاة ومستبدي شعوبهم , نامل ان تظهر قنوات فضائية تحذو حذو الجزيرة, لتجد ثورة شعب الجنوب العادله مكانتها في الاعلام العربي , وصولاً الى انصافها كثورة شعبية سلمية سبقت ثورتي تونس ومصر لولا الظلم الذي تعرضت له . وهذا مرهون - بالضرورة وبقدر حركتنا الشعبية على تجاوز ازمتها وفهم وادرة ما تطلبه رالمرحلة الجديدة منها
ثانياً : - كيف تفهم تأثبر ثورتي مصر وتونس على ثورتنا ؟
في المستهل , نود التنوية الى سطحية , ان لم نقل خطر اسقاط تجربة الثورتين المذكورتين على واقع المجتمعات العربية الاخرى اسقاطاً استاتيكياً ( جامداً) برغم التشابه الكبير بين كل المجتمعات العربية , والمعاناة من وحدة انظمة الاستبداد و الفساد المتطابقة الى درجة التوأمة السياسية , اذا ما استثنينا غياب الدولة ف يالجمهو-كهنوتية القبلية في صنعاء , حيث يعيش مجتمعها مرحلة ما قبل الدولة , ولا يقبل ببناء دولته , فصنعاء لم تعرف الدوله طوال تاريخها – باجماع كل مورخيها , وتلك خصوصيتها ذلك من منظور عام , اما من منظور استشراف تأثير التطورات الاقليمية المرتبطة بالثورتين المذكورتين وتداعياتهما , القضية الوطنيةالجنوبية وثورتها الشعبية السلمية , بطابعها التحرري , فلا بد اولاً وقبل كل شيء - من وجهة نظر خصوصية قضيتنا - ان تنطلق اية قرائة استشرافية من حقيقة ان ثمة خصوصية ما ئزة لقضيتنا , وطابع مختلف لثورتها هو النضال من اجل الاستقلال مع اسوأ واقسى واعصى من احتلال استعماري خارجي . أي ينبغي علينا ان نميز بين امرين :
الأول : ان ثورتنا الشعبية السلمية ثورة تحررية ضد احتلال عسكري وليست ثورة من أجل اصلاح او تغيير النظام السياسي القائم .
الثاني : ان ثورة الجنوب لا تواجه جيشاً ولا أمناً وطنيين وانما جهازين قمعيين غازيين لا يحمان سلطة الطاغية وحسب بل ويدافعان عن الغنيمة - الدولة المستباحة (( غنيمة بحجم دوله )) حسب المفكر د. ابو بكر السقاف وهي غنيمة لم تدر في خلد وخيال الغزاة - الفاتحين السبأيين الجدد .. وهذه الحقيقة مكتوبة بدماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا برصاص اجهزة القمع ومدافعة وقد غدو بالمئات وقصف الجييش للمدن والقرى دون تمييز .. وفرض الحصار وو.. وهلم شراً من الجرائم لعل الجريمة المقترفة بحق نساء واطفال قرية المعجلة بابين , تمثل عنواناً لحرب الابادة , سيما وقد استخدمت فيها اسلحة محرمة دولياً حسب تاكيد منظمة العدل والدولية , وبمشاركة امريكية مباشرة ذلكم هو ما يتعلق بالخصوصية الجوهرية لقضيتنا . التي تتسم بالتعقيد فعلاً , داخل المشهد العربي سواء ما قبل ثورتي مصر وتونس او ما في المشهد السياسي العربي الراهن المتفاعل وشعبياُ مع انتصار ارادة الشعبين التونسي والمصري
ومن تلك الخصوصية لقضيتنا وثورتنا , تتكشف لنا وكذلك حالة التميز والتعقيدات التي تتكالب عليهما من حولهما , كعلاقة موضوعية فاعلة ومؤثرة في مظمار جدلية التقاطع بين الخاص والعام , بما هي - في الاساس – علاقة قهرية قسرية , تتوسل – بالقوة - اعادة انتاج مسلمات مؤدلجة وشرعيات فانية , ماتت في النفوس وسقطت من الذاكرة (( = الوحدة القومية + اعلان 22 / 5 المشئوم بمستوى الكارثة الانسانية التي يعيشها الانسان الجنوبي في الواقع وفي عيشته وكرامته وكل حقوق انسانية .
وتعني بذلك ما يلي :
1) تقاطع / تعارض مصلحة شعب الجنوب ( الغارم ) مع مصلحة شعب وسلطة ( الغانم ) لـ ( ج . ع . ي) , تقاطعاً حد الصراع من أجل البقاء بالنسبة للأول , وتمسك عدواني ولا اخلاقي بالغنيمة دون اعتبار لحق شعب الجنوب صاحب الارض والثروة بالنسبة الثاني
2) التناقض أعلاه يعني - بالظرورة – تعارض مطالب الشعبين السياسية والاقتصادية.. الخ .
وهذا ما يجمع بين سلطة الاستبداد والفساد الكهنوقراطية وشعبها تجاه القضية الوطنية الجنوبية (= المجال الحيوي للمصلحة - الغنيمة ) . فيؤثر البقاء تحت نير القهر والاذلال والحرمان والتخلف .. الخ . طالما بقيت فزاعة الجنوب - الغنيمة في خطر , ترفعها السلطة الظالمة الاكثر من مستبدة لشعبها ولشعب الجنوب المحتل
3- ان المعارضة السياسية لسلطة صنعاء - للسببن أعلاه – لا تسعى ولن تعمل مع الشعب هناك لتغيير واسقاط النظام , وانما تعمل على احداث اصلاح او تغيير في اطار النظام السياسي القائم ذاته , كي لا يفضي ذلك الى استعادة شعب الجنوب الثائر لدولته المستقله وذلك الخوف هو نقطة الالتقاء المركزية بين المعارضة وسلطة صنعاء تستغله الثانية استغلالاً ماهراً يجعل من المعارضة اداة تشريع لاستمرارها .
وبما ان المشترك قد قبل بمبادرة رأس السلطة في صنعاء وسيعود الى طاولة الحوار , بغية الحصول على مكسب سياسي معين لا يرقى الى مصاف شعار التغيير المرفوع , وهذا ما عودتنا عليه المعارضة منذ احتلال الجنوب عسكرياً عام 1994م .فكل حوار يسبق مسرحية الانتخابات يتحول الى مساومة او صفقة , تخرج منها المعارضة بخفي حنين , على غرار صفقة انتخابات الرئاسة عام 2006 م على سبيل المثال لا الحصر . وبالمناسبة فان احزاب المشترك وقد قدمت رؤيتها للحوار فان ثمت نقطتين ملفتتين الاولى . مطلب تنحية كل اقرباء رأس النظام الى الدرجة الرابعة كل المؤسسات والثانية الدولة اللامركزية فهل ستتمسك بها ؟.
ستقولون ان ذلك امر معروف وان ثورة الجنوب قد استطاعت ان تؤكد حضور القضية الوطنية الجنوبية على المستويين الاقليمي والدولي , برغم التكالب المسعور للغانمين .. وهو قول صحيح الى درجة كبيرة لكن العقدة – هنا – تتمثل في :
أ ) علاقة التأثير المرجوة من ثورتي تونس ومصر على ثورتنا ضعيفه طالما ضلت صنعاء خارج هذا التاثير , بتعاضد السلطة هناك والمعارضة .. والسلطة كقوة قمع والمعارضة كاداة تهدئة .
ب) مستوى قناعة ومصداقية الحركة الشعبية الجنوبية بكل مكوناتها واطيافها بهدف الاستقلال واستعادة دولة الجنوب المرفوع كشعار , وغير المحسوم على الصعيد النظري والتنظيمي (( أي الوثائق البرنامجية والانضباطية )) من جهة , ومن جهة اخرى حالة تسييد العفوية والفوضى السياقية التي اصابت الأنتظام بحالة ارتباك واضطراب في الوعي وفي الممارسة , لا سيما لدى الشارع السياسي المشحون بالحماس والانفعال العاطفي واظهر دليل على ذلك: * السباق لحجز مناسبات عام كامل بصورة نمطية تكشف غياب البعد السياسي بين الاستراتيجي والتكتيكي .
* تمييع واحراق المراحل باخراجها من سياقاتها الشرطية والتكتيكية لتغدوحركة نمطية على غرار حركة الارجوحة , تنطلق من نقطة الصفر الى الذروة وتعو د الى نقطة الصفر بالسرعة ذاتها اعتصام – عصيان – اعتصام – مسيرة – مهرجان – اضراب وهكذا دواليك ..
* تملك ساحة النظال الوطني الجنوبي بعقلية شمولية إقصائية وإلغائية مكابرة فاقمت الأزمة حتى داخل المكون الإقصائي ذاته مما حال دون إنجاز وحدة الحركة الشعبية ويزيدها تمزقا كما لاحظنا في نهاية العام المنصرم وبما قام به مؤخرا الشيخ طارق الفضلي نائب رئيس مجلس الحراك السلمي ودعوته الإجتثاثية للإشتراكي الموازية لبعض الأصوات المنتجة لخطاب الماضي المعادي لشريحة السلاطين والامراء ومشائخ - بمعزل عن شذوذها عن العام – الآ ان كلاهما يمثلان هدما لأعمدة التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي الجنوبي بما هي الرافعة التي جسدت وحدة إرادة شعب الجنوب .. أو ليس الخطر على قضيتنا يأتي أولا من أصحابها ؟
* إن الأمور أعلاه تؤشر إلى فعل واعي ومدروس يعيق مسيرة ثورتنا ويمنحنا حق التساؤل عن ذلك وبصوت عالي إن لماذا ولمصلحة من ؟
وجدير بهذا الصدد ان نتسائل عن ما تطلقه عليها احزاب المشترك اللجنة ( لجنة التواصل ) التي تضمنها بيان المشترك الأخير ، وشدد على أن تستكمل ( لجنة التواصل مع الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية اعمالها خلال مدة محددة بهدف ضمان مشاركتهم الفاعلة في الحوار الوطني) وتأكيدا لذلك تحدث امين عام حزب الإصلاح في المؤتمر الصحفي للمشترك عبدالوهاب الآنسي كاشفا عن تواصل المشترك بإستمرار – لاحظ الدلالة – مع الحراك السلمي منذ فترة طويلة والتوصل إلى بعض الإتفاقات ، مؤكدا أن التواصل مازال مستمر للتفاهم حسب وسائل الإعلام .
إن هذا المعطى يكشف حالة التأرجح بالأحرى يفسر إلى درجة معينة وجها من وجوه صنع الأزمة للحركة الشعبية وتغذيتها من داخل الحركة الشعبية ذاتها .
والسؤال هو مع من تعمل لجنة التواصل التابعة لأحزاب المشترك وبأي مكون أو طرف سياسي شعبي جنوبي تواصلت ووصلت إلى إتفاق حسب الآنسي ؟
ليست جريمة في نظرنا ان يتبنى مكون أو طرف سياسي رؤية المشترك السياسية للحل ، فذلك حق له لكن الجريمة أن يخادع الجماهير ويجاري ارادتها وتطلعاتها وفي السر يرتب لمشروع سياسي أخر ،...
يرى صوابه ، ولكي يجد قبولا في الشارع السياسي الجنوبي بنظره – لابد من (تدويخ) الجماهير وسط عاصفة من الخلافات والأزمات ، حتى تصل ثورة الشعب إلى حالة انسداد الأفق عندئذ فقط – يظهر المستور ، فيكون مقبولا .. وهذا في تقديرنا ، ليس جرما بحق شعب يقدم وما زال التضحيات العالية وحسب ، بل ووهما ابتلعه من ارتضى خداع نفسه قبل اهله وناسه (شعبه المقهور ) .
ولذلك نعتقد جازمين بل وبالضرورة ، ان تحدد كل مكونات الثورة السلمية الجنوبية موقفها من ما ورد في بيان احزاب المشترك الأخير بالنفي أو الإيجاب ، ومطالبة احزاب المشترك بالشفافية والوضوح ، في حال نفت كل المكونات ، كي لا يظهر المشترك بنظر الشارع الجنوبي غير صادق ، إن لم تقل أنه يريد دق اسفين وسط الحركة الشعبية ليخلق الشكوك والريب وعدم الثقة فيزيد الأزمة اشتعالا ... الخ
4- كما أن ثمة عناصر مهمة تدخل كعناصر تميز لحالة التعقيدات التي تلازم قضيتنا وثورتنا أهمها :
أ- التركيبه / البنية الديمغرافيه ( السكانية ) الجنوبية التي تجري عملية تغييرها لصالح الإحتلال من خلال التوطين
ب- إن جزءا مهما من موظفي الجهاز الإداري للسلطة هم من الوافدين ، وكذلك عمال المؤسسات والمصالح والشركات النفطية ... الخ ناهيك هن المؤسستين العسكرية والأمنية ، كما سلفت الإشارة –
جـ - تم ضرب النقابات العمالية والمهنية الجنوبية ، وما يوجد ليس سوى أشكال موالية لسلطة الإحتلال ، لا سيما القيادات والشيء نفسه ينطبق على جامعة عدن )
د- إن ثمة تغيرات مهمة حدثت في بنية المجتمع الجنوبي منذ إعلان مشروع الخراب الوحدوي عام 1990 م ولا سيما ما بعد الإحتلال فإذ همشت واقصيت الغالبية العظمى من كل شرائح وفئات المجتمع ، هنالكم جماعات مصالح ارتبطت بالإحتلال بمعزلة عن حجمها وبطبيعة المصلحة ، تجار ومقاولون صغار ، الحاصلون على مواقع قيادية ومدنية وعسكرية ، القابلون ببيع خدماتهم أو صمتهم مقابل عطاء سياسي يعوض عليهم فقدان الإمتيازات التي كانوا يحظون بها قبل الإحتلال .... الخ .
إن غايتنا من تشخيص تعقيدات قضيتنا هي الوقوف على الحقائق التي تقتضي – بالضرورة – أن تتدرج في حسابات الثورة الشعبية السلمية سواء الذاتية او الموضوعية ، إذ أن معرفة الذات سابقة على معرفة الأخر – العدو .. زد إلى هذه البديهة البسيطة : إن سائقا لسيارة هو في الأصل مهندس ميكانيكي واخر سائق سيارة لايعرف غير القيادة كل منهما اتجه طريقا في منتصف الطريق – والوقت ليلا – حدث عطل مع كل منهما . السائق العارف تركيبة السيارة – المهندس عرف الخلل واصلحة ومشى والثاني باقي في سيارته لانه لا يعرف سبب الخلل الأصل هنا – معرفي – وشتان بين من يعرف ومن لايعرف بين من يعلم ومن يجهل في انجاز مهمة ما وفي القيادة عمل سياسي بمعزل عن مهمته يحتاج إلى أركان ثلاثة رئيسية هي : ( الحق العادل والمعرفة والإدارة ( كفاءة ادراة الصراع )
ولا خوف من تلك التعقيدات الآن فقضيتنا قضية حق غير قابل للتقادم والحق دائما يصنع قوته بينما القوة حسب روسو لا تصنع حقا هذا أولا أما ثانيا هي دعوة للثورة الجنوبية ( لقواها ) ان تعيد صياغة نفسها وفقا لتغيرات وعلى أساس حقائق الواقعة القائمة وليس الإستعلاء عليها إستلهاما لخلاصات تجربة مسيرة أربع سنوات مضت ولم نتجاوز المرحلة .
وثالثا : كي نستوعب لماذا انجز الشعبان التونسي والمصري انتصاريهما في غضون 27 يوما و18 يوما للأول والثاني على التوالي بينما ثورتنا قد سبقتهما بسنوات منذ هبتها الأولى ومنذ اربع سنوات متواصلة ( لو افترضنا أن ثورة شعب الجنوب خرجت لإسقاط نظام دولتة المستقلة كما في تونس ومصر هل كانت ستستغرق كل هذا الوقت وكل هذه التضحيات ؟ )
وإنطلاقا من كل ما سلف يمكننا النظر إلى مسألة التأثير والتأثر ، من وجهة نظر العلاقة بين العام والخاص في جدلية التلاقح بين الذاتي والموضوعي والتكامل بين الداخلي والخارجي على النحو الآتي :
1- لا شك أن مرحلة تاريخية عربية جديدة قد بدأت تتشكل : هي مرحلة الثورات الشعبية ، تبشر بدخول عصر الشعوب إلى منطقتنا ، بدلا عن عصر الأبطال – الأفراد الذي ولى زمنه منذ قرون وحافظ على التاريخ الإستبدادي محولا الثورات إلى إحتلالات استعمارية داخلية .
2- إن نجاح وتحقيق أهداف ثورتي تونس ومصر السلميتين الحضاريتين غير المسبوقيتين وليس مجرد اسقاط رئسي النظامين سوف يؤثران تأثيرا مباشرا وغير مباشر على حالة الركود والجمود في الوطن العربي إذ إن فعليهما حتى الآن على الأقل أشبه بمقذوف بركاني ضخم ملتهب سقط وسط مستنقع واسع فهز أعماقه وماوج أطرافه بعنف مقضيا إلى إنحسار جزئي لمحيط المستنقع الذي تدفق جزء منه إلى الحفرة العميقة التي فتحها المقذوف في قلبه وهو مايعني أن تجفيف المستنقع يحتاج إلى أكثر من مقذوف بركاني ثائر .
3- إن نهوض بقية الشعوب العربية – الذي تؤمل حدوثه وإن بطرق مختلفه سوف يسهم في :
أ- تغيير خارطة النظم السياسية العربية الداخلية الخارجية .
ب- تغيير المفاهيم البالية التي وظفتها سلطات الإستبداد العربي لتكريس الجمود والخضوع بمافهيم جديدة تعيد تشكيل أشكال ومضامين العلاقات العربية – العربية بما يتوائم والتغيرات الحاصلة .
جـ - اسقاط الإتفاقية الأمنية بين الأنظمة العربية التي وظفت ضد الشعوب العربية لحماية انظمة الحكم وليس الأمن العربي من الأخطار الخارجية ولذلك غدت إتفاقية الأمن إلى طوق محكم يحاصر تطلعات الشعوب العربية ويطارد احرارها من المحيط الى الخليج .
4- ان انتقال السلطات إلى القوى العربية الثائرة الديمقراطية الفكر والقناعات سيساعد ثورتنا وقضيتنا – كما نؤمل – على كسر طوق الحصار الإعلامي والتجاهل القصدي لمجمل الجرائم والمظالم التي اقترفها الاحتلال بحق شعبنا منذ عقد ونيف .
5- ان أزمة سطلة الأحتلال الشاملة على كل الأصعدة وتصلب شرايين سياساتها لاستحالة تسييل دم الحلول فيها- وحتى لو ملأتها أحزاب المعارضة - نتوقع تشكل الوعي بقدرة الكتلة الشعبية الأهم على أحداث التغيير – وإن استنساخ ومحاكاة ماحدث في تونس ومصر – لتظهر قوة شعبية ثالثة تتوسط السلطة والمعارضة لتجد الأخيرة نفسها مضطرة لمساندة الثورة وليس قائدتها .. إذ من لا شك فيه بأن ثمة أراء داخل المشترك لا ترى صواب الدخول في حوار عقيم مع سلطة ادمنت الكذب والخداع لا سيما في هذه الظروف الجديدة.
( تحية من منتدانا لشباب تعز وصنعاء والحديدة اللذين خرجوا قائلين لسنا أقل شأنا من شعبا تونس ومصر )
6- الأهم في الأمر كله أولا هو أن نركز على الذات الوطنية الكفاحية الجنوبية . إذ لا بد من المراجعة والتقييم الصادق والمخلص لإعادة صياغة أساليب ووسائل نظال حركتنا الشعبية وفق التطورات الحاصلة وبناء على الحقائق الموضوعية التي تساعد او تعيق ثورتنا الشعبية والعمل الجاد والحثيث من قبل كل قوى ومكونات الثورة على إيصال الغالبية المطلقة إن لم يكن كل شعب الجنوب إلى قناعة واعية بهدف إستعادة دولته المستقلة كخيار وحيد به تؤكد حريته وعزته وكرامته ، وفي الوقت نفسه محاججة الرؤى المختلفة التي تعتقد أن حلا لقضيتنا يمكن ان يتم بمشروع سياسي آخر كالفيدرالية على غرار ما يطرحه حزب الرابطة هذا الذي رأى أمينه العام بن فريد في ندوة نظمها الحزب في عدن قائلا ( إن الإنفصال – لاحظوا المفهوم عنده – إذا كان مبررا لدى أنصاره من الناحية السياسية فإنه غير ممكن من الناحية العملية ) إن المتحدث جنوبي وحزبه منشأه جنوبي – وكان حزبه قد رفع مطلب الحل من الحكم المحلي كامل الصلاحيات على الفيدرالية الثنائية ، قبل أن يتبنى المشترك . لكن المسافة بين الممكن واللاممكن التي اقامها بن فريد ليست واقعية بمقياس البذل في وقت حزبه الذي غير بفعل ثورة شعب الجنوب وتضحياته كما أسلفنا وما هو مرفوض اليوم أي حق شعب الجنوب في استعادة دولته ، من جهة نظرة سياسية يؤزرها حق عادل لن يكون غدا مستحيلا .
أتمنى ان اكون قد وفقت إلى مستوى معين بمقدار قدرتي المتواضعة في قراءة حدث بما يكتمل ملامحة وعليكم إغناء المداخلة بما يجعل منها مادة أولية مفيدة للقارئ .
اتنهى
الكاتب محمد علي شايف