تقرير بريطاني خطير حول الحراك الجنوبي : زلزال الجنوب وقرن الشيطان في عدن
الجمعة, 06 أغسطس 2010 02:18 سرو حمير
إرسال إلى صديق طباعة PDF
سرو حمير - خاص - لندن
انتفاضـة حجـارة في عـدن - الحراك الجنـوبي وأزمـة النظـام السيـاسـي
ظلـت مـدينـة عـدن تشـكل قلقـا دائمـا لنظـام الحكـم في اليمـن وسببا من أسباب رعبـه وفـزعـه. فعـدن تمثـل لحكام اليمـن شيطانا رجيما لايـعلمـون كيـف الخلاص منـه ومن شـره. ولعل التعبير الأبرز عن هذا القلق والرعب والفـزع هو قـول الشيخ عبدالله الأحمر في مذكراته إن الناس كانوا في أمن وأمان حتى برز قرن الشيطان من عـدن.
والحقيقـة التي لامراء فيها هي أن سبـب القـلق الذي يسيطر على حكام اليمـن وولاة أمره إنما هو الظلم والطغيان والتسلط الذي يسومونه شعبهم المسكين الذي صفـدوه بالجهـل حتى لايـدرك مصالحه ولا يعلم شيئا عن حقـه في اختيار شكل حياته وتقريرنظام حكمه ورسـم مستقبـل أجياله . وحقيقة مايخشـاه حكام الشمال إنما هو رياح عـدن المشبعـة بأفكـار العصـر وحضارته وثقافتـه، أفكار العصر المبشرة بحق الشعوب في الحرية والتخلص من الطغيان والجبروت. هذه الأفكار التي لامست عقول الرعيل الأول من شباب اليمن وجعلتهم يحلقـون في حـلم جميل يستيقظـون فيه فيجـدون أنفسهم أحررا من العبودية المطلقة للإمام ومن سلطة عامل الإمام وعكفي الإمام، أحررا من حكم الشيخ وطغيان الشيخ والحبس الخاص بالشيخ.. أفكار العصر هذه التي اقتلعـت نظـام الإمام يحي حميد الدين ثم قـذفـت نظام ابنه أحمد من بعـده الى مزبلة التاريخ، هي مايخشاه طغاة اليمن من حكـام ومشائخ.
وخلافا لزمن العهـد الملكي الذي كان يقاوم رياح عـدن القادمـة عبـر الحـدود ويعمل على سـد المنافـذ في وجهـها، فإن الوضع اليـوم مختلـف كل الإختـلاف حيث أصبحـت عـدن جـزءا داخـل النظـام، كما أن خطـورتها لم تعـد تتمثـل في تسريب كتاب فكـري أو منشـور سياسـي أو قصيـدة ثـوريـة، بل أصبح هناك زلـزال في الجنـوب يهـزّ عـرش النظام ويلهـم كافـة مناطق البلاد بالتمرد عليـه، ويهـدد أركـانه وينـذره بسقـوط عـاجل . إن مالاجدال فيه هو أن هـذا الزلـزال اليومي العظيـم الذي تحـدثـه الأقـدام الحافيـة للآلاف المؤلفـة من أهل الجنـوب أصبح مهـددا رئيسـيا لنظام الحكم في اليمن.
وحينما نقـول نظـام الحكـم فلا نقصـد رئيسـه أو حكومتـه فحسـب، وإنما كافـة أركانه من مشائخ وجنـرالات وأصحاب نفـوذ مع مايقـوم عليه تسلطهـم من منظـومة أعـراف قبليـة متخلـفـة بعيـدة كل البعـد عن معاني العـدالة والحقـوق والحـريات. لقـد حقـق الحـراك الجنـوبي مكاسـب عظيمـة حيـث لفـت انتبـاه العـالم الخارجي الى الطريقة الديكتاتورية التي تدار بها الشئون العامة في هذه البلاد مادفعـه الى ممارسة ضغوط جـدية على النظـام جعلتـه يقـدم على تنازلات هامـة مثـل تنازل الرئيس عن رئاسة مجلس القضاء الأعلى والقبـول بنظـام انتخـابات للمحافظـين في عمـوم المحافظات وهو مالم يحصل منذ أن شيـد النظام اليمني المستقل عام 1918. والأهـم من كل هـذا هو أن النظام الحاكم أصبح واقعا في بؤرة الإهتمام الدولي فالوفـود تــُبعـث تلو الوفـود لتراقب حركاته كما تـُعقـد المؤتمرات لتحصي عليه أنفاسـه ماجعـل النظـام يتخبـط في سلوكـه على غيرهـدى من حرب صعـده الى شن اعتداءات مكشـوفة على الحراك السلمي في الجنوب الى اخراج مسرحيات هزلية ممجوجـة تحت يافطة "القـاعدة" وهلمجرا.
وحـدة الصـف الجنـوبي وتآمرات النظام للحيلولة دون تحقيقها
لاتجمـع الأوسـاط الجنـوبيـة كافـة بمختلف مشاربها الفكـرية وأصولها القبليـة وانتماءاتها المناطقيـة على شـيء قـدر اجماعهـا على ضـرورة وحـدة الصـف الجنـوبي باعتبارها أداة هامة جـدا لوصـول الشعب الجنوبي الى هـدفه المنشـود في السيادة على أرضـه والتمتـع بثروات وطنـه وامتـلاك قـراره السيادي. والحـال أن ضـرب وحـدة الصـف الجنـوبي هـذه والحيلولـة دون تحقـــّـقهـا أصبحـا هـدفا عـزيزا على نظـام صنعـاء. ولكن إذ فشـل النظـام فشـلا ذريعـا في إحـداث اختـراقات ذات شأن في أوساط القيادة الجنوبيـة وكبـح تصاعـد حراك الشـارع الجنـوبي، فإن أدوات النظام في أوسـاط المعارضة الشمالية قـد قامـت بـدور ملموس على هـذا الصعيـد. فمنـذ أن ارتفـعت أمـواج الحـراك الجنوبي انطلقـت قيادات مايسمى باللقاء المشتـرك لنسـج عـلاقات حـوار مع القيـادات الجنوبية في الخارج. كان اللقـاء المشـترك يـدرك أن محاورة قيادات الحراك في الداخـل أمرٌ مستحيـل خاصـة بعـد أن تصـاعـدت مطالب الحراك وغـدت ترتـدي طابعـا سياسيا صرفا غايتــه فـك الارتباط مع النظام في الشمال واستعادة الدولة الوطنية. ولهـذا فقـد يمـّـم اللقاء المشترك وجهه صـوب قيادات الخارج متسلحا برغـبة القيادات الجنوبية في الحفاظ على الوحـدة باعتبارها مكسبا تاريخيا للشعب اليمني من جهـة، ومقــدِّمـا ً من جهة أخرى وعـودا بتحـرك ميداني لمحاصـرة النظام وإجبـاره على الـرضـوخ لمطالب الجنوبيـين وحـلّ مشاكلهم المعيشـية وترتيــب الوضع السياسي في البلاد . وقـد استجـابـت قيـادات جنـوبية كبيـرة ورئيسـية لهـذا العـرض تقـديرا منها لما يكتسـبه الحفاظ على الوحـدة اليمنية من أهمية تاريخية. وظـل الحـواربيـن الطرفيـن: القيادات الجنوبية واللقاء المشترك، مستمرا منذ ذلك الحيـن ولكـن دون أن يفي اللقاء المشترك بوعوده بإحداث حـراك سلمي على الساحة الشمالية. وإذا ماتفحصنـا بعمـق المضمـون الحقيقي لمايسمـى باللقـاء المشـترك نجـده وجـها خـادعا للتجمـع اليمني للإصـلاح، والإصـلاح هـو الوجـه الآخـرلنظام صنعاء وشـريكه في الحرب على الجـنوب وذبـح الوحـدة من الوريد الى الوريد. ولهـذا لا غـرابـة إن كان اللقاء المشـترك لايـُـقــْـدم على خطوة ميـدانيـة ضاغطـة على النظـام وداعمة للحقـوق المشـروعة لأبناء الجنـوب. الجميـع يعلم أن حزب الإصلاح يُخـْـر ِجُ مسيـرات بعشـرات الآلاف في صنعـاء ومثلها مسيرات نسـائية في تعـز تضامنـا مع شعب غـزة، لكنه لا يُخـْـر ِج بضع عشـرات لمناصرة شعـب الجنـوب والتضامن معـه. ولم يكـن الشيخ سلطـان البركاني رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر مجافـيا للحقيقـة حيـن قال إن قيادات الإصلاح تطالب وتلـحّ في الإفراج عن المعتقـل الاصلاحي فهـد القـرني بينما لاتنـبس ببنـت شفـه بشـأن العشـرات من القيادات الجنـوبيـة القابعـة في زنازن صنعـاء. نعـم، مضمون المشـترك هو التجمع اليمني للإصلاح، وقـد ظـل هـذا الحزب منـذ أن تأسـس برغبـة رئاسية، محافظـا على أداء دوره كـرديـف للمؤتمـر الشعـبي العـام، أي بكلمـة أخـرى اليـد الأخرى للرئيس صالح التي يمسك بواسطتها أزمـّة القرار في المعارضة ويتحكم في دورها.
اللجنـة التحضـيرية للحـوار الوطنـي
لقـد أفضـى الخـط السيـاسي الذي اختطه علي عبدالله صالح بهدف الاستمرار في الحكـم ثم ّ توريـثه لنجله أحمد من بعـده، أفضى الى تصـدعات كبيـرة وجـديـّة في أوسـاط أطـراف السلطة. وشهـدت مسـيرة التوريـث حتى الآن تساقط شـركاء حقيـقيـين للرئيس في نظام حكمه، بل يمكـن القـول تسـاقط كـل الشـركاء إما بالمـوت أو الإزاحـة. وقـد رضخـت كثـير من تلك الأطراف أو من خـَـلـَـفــَـها من أبنائها للمصيـر الذي آلت إليه. فلم يعـد هناك محمد اسماعيل او احمد فرج أوالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أو مجاهـد أبو شوارب أو عبـدالاله القاضي أو غيرهم من القيـادات القبلية والعسكرية التي كانت تــُـعـَــد ّ عن حـق ّ شريكة في السلطة نظرا للدورالكبيـر الذي اضطلعت به في تثبـيت النظام والحفاظ عليه. أما أبنـاؤهم فقـد تـم ّ احتـواؤهـم وأصبـحـوا مجـرد موظفيـن لايتمتعـون بحـق من حقـوق الشـراكـة في الحكـم سـواء كبـُـرَت مناصبهـم أو صغـُـرَت واكتـفـوا بما منـح لهـم من مناصـب وهبات ولم يـُـبـْــدُ وا مقـاومـة ً تــُـذكـر. لكن الأمـرَ اختـلف فيما يخـصّ بيـت الشـيخ عبدالله الأحمـر، فأبنـاؤه لم يقبـلوا بالانقـلاب الذي حصـل في توازنات السلطـة، ومازالـوا يبـدون مقـاومـة مستميـتة للمآل الذي آل اليه الحـال، ويرفضـون القبـول بإسـقاط حقهـم في الشـراكـة في الحكـم والثـروة. هـذه الأسـرة بالتحـديد ترى أنها هي الوصيـة على عرش اليمـن وأنها هي من تنصّـب حكـامـه فكيـف لعلي عبدالله صالح أن يأتـي اليـوم ويسلبهـا ملكـا متـوارثـا عبـر أجيـال ويركلها خـارج الحلبـة. ويعلم أنجال الشيخ الأحمرحق العلم أن الخروج من عقـد الشراكـة في الحكـم والسلطة إنما يعنـي القضـاء على المكانـة القبلية والدور السيـاسي للعائلة وتهـديد المصالح التجارية والاستثمارية التي بنـيت أساسا باستخـدام النفـوذ والسيطرة. هـذا هـو الأسـاس لظهـور وانطلاق مبادرة الشيخ حميـد الأحمـر ودعـوته لحـوار وطنـي عـريـض يضـم كافـة الأطـراف السياسيـة يجعـل منـه أداة ضغـط على الرئيـس للإعتـراف بحـق أسـرته في الشـراكـة في الحـكم والثـروة. ويمكن أن يلاحـظ بوضوح أن حميـد الأحمـر منـذ أن وعـى هـذه الحقيقـة واصطـدم بهذا الكابـوس المخيـف، يمّـم وجهـه صـوب البحـث عن شـريك جنـوبي. لقـد حـاول بـداية ً التمسـك بالمرشح الرئاسي الراحـل فيصل بن شمـلان ثم حيـن قضـى بن شملان لجـأ الى السيد محمـد سالم باسنـدوة كشخصية جنـوبية تقـود له لجنـته التحضيرية للحوار الوطني .
لكـن هـذا لم يكـن كافيـا إذ هـو بحاجة الى شخصيات جنـوبية ذات تأثيـرميـداني كبيـرفاتجه صوب القيادات الجنوبية في الخارج. والسـؤال هو : ماالذي دفـع الشيـخ حميـد الأحمـر الى البحـث عن شخصيات جنـوبيـة ؟ ولماذا يصرّ على التمسـك بالجنوب والإبقـاء عليه في وحـدة مع الشمـال ؟ قـد نسمـع ردا إيجابيـا يقـول لنا إن الرجـل َ حـريصٌ على الوحـدة اليمنـية ويسعـى للحفـاظ عليهـا ويعـتبـر أن وجـود شخصية جنـوبيـة لاسيما في كرسـي الرئاسـة يمثـــّـل عامـل طمأنيـنة لأبنـاء الجنـوب وعامـل إقنـاع لهم باستمرار الوحـدة. وقـد نسمع جوابا سلبيـا يشــكـك في نوايا الشيـخ ويقـول إن حميـد هـدفـه الحفـاظ على ما نهبـته أسرتـه في الجنـوب من أراض ٍ وثـروات وممتلكـات. وفي كلا الحالتيـن فإن الإجابـة لاتكشـف لنا الأسبـاب العميقـة التي تجعـل حميـد الأحمـريحرص على إبقاء الجنوب في المعادلة ويبحـث عن شـريك جنوبي. إن الوضـع الذي يعيـشـه حميـد الأحمـر اليـوم مماثـل ٌ تمـاما للوضـع الذي عاشـه قبلـه الشيـخ سنـان أبو لحـوم إبـّـان الأزمـة السيـاسيـة قبيـل حرب 1994.
الكـل يـذكـر الرحـلات المكـوكيـة التي كان يقـوم بها أبو لحـوم بين صنعاء وعـدن والمحـاولات الكثيـرة التي بـذلها للوصـول الى وفاق بيـن الطرفيـن الشمالي والجنوبي. قـد يفسـّر البعـض ذلك العمـل بأنه نابـع عن حرص الرجـل على الوحـدة وعـدم التفـريط بهـا ، ولكـن الحقيقـة هي أن سنان أبولحـوم لم يفعـل ذلك لاحبـّـا في اليمـن ولا حرصـا على الوحـدة ولا إشـفاقـا على الجنـوب. أبو لحـوم المطلع على ترتيبات قادة الشمال واستعداداتهم العسكرية ومايضمرونه من شرّ تجاه الجنوب، كان يعلـم أن الحـرب إذا انـدلعـت فسيـكون الجانـب الشمـالي هو المنتصـر فيها، وانتصـار الطرف الشمالي في نظـره يعنـي سقـوط السلطة في البلاد بكاملهـا في يـد قبيـلـة حاشـد وإذا تحـقـق ذلك فإنـه لن يجـد بعـد ذلك لنفسـه ولا لمصالحه موطئ قـدم في اليمـن. هـذا ماكـان يخشـاه سنان أبو لحـوم ويخـاف منـه، وهـذا ماحصـل فعـلا، فبعـد الحـرب لم يعـد لسـنان أبو لحوم ولا لأحـد من أبنـائـه أو أفراد أسـرته ذكـرٌ يُـذكـر. لقـد كـان الجنـوب في نظـر أبي لحوم يمثـل عنصـر تـوازن في المعادلـة السياسيـة يمكـّـنـه من الحفاظ على مصالحه ومكانتـه القبليـة والسياسيـة . هـذا الوضـع بالضبـط هـو مايعيشـه حميـد الأحمـر اليوم. حميـد يعلـم أن استمـرار سلطـة علي عبدالله صالح ثم توريثهـا من بعـده لنجلـه أحمـد إنما يعنـي القضـاء على المكـانـة القبليـة لأسـرته وضـرب مصالحها التجـاريـة ودورها السياسي. وهـذا هـو مايجعـل حسـين الأحمـر يصـرخ مطالبـا بالمواطنـة المتسـاويـة، وهـو إذ يطالب بالمواطنـة المتسـاويـة فلا يقصـد طبعـا المساواة مع مواطنـي عـدن أو تعـز أو تهـامـة أو حضـرمـوت، وإنما المواطنـة المتسـاوية مع احمـد علي عبدالله صالح ويحي وعمـار وطارق أنجال محمد عبدالله صالح شقيق الرئيس. تلك هي "المواطنـة المتسـاويـة" التي ينشـدها حسـين الأحمر وأخوتـه وبـدأوا يحـسّـون أنـهم فقـدوها منـذ الآن ويخشــون أن يكـون ذلك الى الأبـد.
صراعـات حـزب الإصلاح الداخليـة ومأزق الشيـخ حميـد الأحمـر
وقـد يقـول قـائـل: إن حميـد لـديه الى جانب ثروته المالية الهائلة حـزبه السياسي التجـمع اليمني للإصـلاح ذو القاعدة الشعبيـة الواسـعـة والتأثيـرالكبيـ، ويستطـيـع أن يوظـف هـذين العنصـرين في إلجـام النظـام وفـرض نفـوذه دون الحاجـة الى شـريك جنـوبي. إن مثـل هـذا القـول يعني ببساطـة أن صاحبـه غيـرُ ملــمّ ٍ بطيبعـة الصـراعات الداخلية في التجمع اليمني للإصـلاح . حميـد لـديه أموال طائلة يستطيـع أن يوظفهـا في معركته السياسيـة وهـو يفعـل ذلك الآن، هـذا صحيح. ولكـن جـُـل ّ ماتفعـلـه لـه هـذه الأموال هـو أن تجلـب المئـات من الشخصيـات بل حتـى الآلاف الى قـاعـة " أبوللـو" للإجتمـاع وتنـاول المشروبات البارده والإستمـاع الى الخطـابات. لكـن أخـراج هـذه الآلاف من الناس الى الشـارع أمرٌ آخـر تمـاما. النظام يعلـم أن تجمـّع معارضيه في قاعـة " أبوللو" أو حتى في ملعب رياضي في أحسن الحالات ، ليـس فيه شـيء من الخطـورة، لكـن إخـراج الناس الى الشـارع لزلزلة الأرض تحـت أقـدام النظـام هو مكمـن الخطـورة. والحـال أن هـذا بالذات، أي تحـريك الشـارع، ليس بيـد حميـد. هنا تكمـن مشكـلة حميـد، وهنـا يكمـن مأزق حميـد. أمواله تجمـع له الناس في قاعتـه ليستمعـوا لخطابـه ولكن هذه الأموال لاتستطيـع أن تخـرج له ألف متظاهر الى الشـارع . إن قـرار إخـراج الناس الى الشـارع إنما هـو بيـد القيـادة الفعلية للتجمع اليمني للإصـلاح، وقيـادة الإصـلاح تتكون من ثلاث شخصيات رئيسية هي عبدالمجيـد الزنداني ومحمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسـي.
ومن سوء حـظ حميد الأحمر أن هـؤلاء الثلاثـه هـم أيـادي علي عبدالله صالح في الإصلاح وليسـوا أدوات حميـد، وولاؤهم مبـذولٌ لعلي عبدالله صالح وليس لعائلة الشيخ عبدالله الأحمر. هـذه هي المعضلـة التي يواجهها حميـد الأحمر مع الحزب الذي أسسـه والـده وبسـط عليه ظله وحمـاه. قيـادة الإصـلاح مصالحها مرتبـطة ارتبـاطا عضـويا بنظام علي عبدالله صالح وليس ثمة مايجمعها مع مطالب حميـد أوحقـوق أســرته. والطرفان، حميد وقيادة الإصلاح، ينطلقان في تعاملهما مع نظام صالح من نقطتيـن مختلفتـين كل الإختـلاف: حميـد يـرى أن على صالح يسلب أسرته ملكا متوارثا ويمثـل خطـرا ماحقـا على حقـها في الحكم والثـروة والمكانـة القبليـة والسياسيـة، بينمـا يرى أولئـك الثلاثة في قيادة الإصلاح أن نظام صالح قـد منحهـم ثـروات لم تخطـرعلى بالهـم حتى في الأحـلام وجعـل منهـم قـادة يشـار إليها بالبنـان . ونستطيـع أن نكشـف هذا التصادم في المصالح بين حميد وبين قيادة حـزبه من خلال وضع مطلب حميـد المعلـن ألا وهـو إسنـاد السلطـة الى رئيس جنـوبي وتأثيـره على مصالح الطـرفيـن، في صيغـة معادلـة رياضيـة بسيطـة : رئيس جنوبي بالنسبة لحميـد =إنقاذ ٌ من سقـوط محتـّم وحفاظ ٌعلى مكانة أسـرته ومصالحه التجارية رئيس جنـوبي بالنسبـة لقيادة الإصلاح = ضـرب مصالحها غير المشـروعة القائمة على الفسـاد إذن هذه المعادلة البسيطة لاتتـرك مجـالا للشـك بأن حميـد وقيادة حـزبه يقعـان على طـرفي نقيـض، وأن قيادة الإصـلاح لاتلبـي مصالحها خطـط حميـد ومطالبه وبالتالي فهـو لايحظـى بـدعمهـا.
وقـد أظهـرت الفترة الماضيـة التي ارتفـع فيهـا صـوت حميـد أن قيادة الإصلاح تبرمـت منه وعبرت بوضوح عن عـدم قبـولها بآرائـه، فحيـن شـن ّ حملتـه العنيفـة على الرئيس عبر قناة الجـزيرة ظهـر نائب رئيس الإصلاح السعـدي ليقول إن كلام حميـد يعـبر عن رأيـه وليس عن رأي الإصـلاح. ثم حين أخذت الصحيفة الإصلاحية "العاصمة" تفسـح المجال أمام انتقادات تطال النظام من قبل كتاب محسـوبين على حميـد قامت قيـادة الإصلاح بإغلاق الصحيفة. أليس ذلك كافيـا لنعـرف حجـم الخـلاف داخـل الإصـلاح وتأثيـر حميـد الفعلي داخل حزبـه. نعـم، هـذا هو الوضـع البائس الذي يعيشـه حميـد وإخوته، إنه يشعـر بعـزلـة شـديدة، ويشعـر بمخـاطـرالسقـوط تحت حوافر خيـل لايرحـم . ألا يـذكـرهـذا بما كتبـه باحـث أمريكي غداة وفاة الشيخ عبدالله الأحمـر من أن القـوى التي طـوت مظلـة القبيلـة في اليمـن لن تسمـح لشخـص آخـرأن يحـل ّ محلـه أو يقـوم بـدوره . إذا ً حميـد بعـد أن فقـد على السـاحـة الشمـالية عنصـر التوازن السياسي الذي يبحـث عنـه أخـذ يبحـث عنـه على الساحة الجنوبيـة. الجنـوب أصبـح بالنسبـة له طـرفا مهـما جـدا في المعـادلـة السياسيـة، وبقـدر ماتقلقـه شعـارات الحـراك الجنـوبي الداعيـة الى الإنفصـال فإن الحراك قـد مثـل بالنسبـة له عاملا مهما يأمل من خلاله إدخال قيادات جنوبية كبيـرة في المعادلة السياسية.
دور قيـادات الإصـلاح في الحـوار مع القيـادات الجنـوبيـة
وقـد يخطـر سـؤال: إذا كانت قيـادة الإصـلاح على خـلاف مع حميـد فلمـاذا تبـارك عملـه في لجنـة الحوار الوطنـي والحـوار مع القيادة الجنوبيـة ؟ والجـواب هـو أن قيـادة الإصـلاح والمشـترك عمـوما تعيِـش واقـع أزمـة خانقـة تسبـب فيه الحراك الجنوبي. لقـد سبـّـب الحـراك خـللا كبيـرا على الساحة السياسـية كان من آثارها أن المنظومـة السياسيـة أخفقـت في اكتسـاب شـرعيـة برلمـانيـة عام 2009، ماجعـل الإصـلاح يقـود أحزاب اللقاء المشترك للقبـول بالموافقـة على تمـديد فتـرة مجلـس النواب الحالية لمـدة عاميـن. وبقـاء الحـراك بعنفـوانه وقـوتـه يسحـب البسـاط من تحـت أقـدام المنظومـة السياسية في السلطة والمعارضـة ويفقـدها الشرعيـة ويحرم الاصلاح كثيرا من شعبيته خاصـة في المحافظـات الجنـوبيـة ويجعـل أحزاب المعارضـة في وضـع لاتحسـد عليه .
إزاء هـذا الوضـع يـرى الإصـلاح أن الإنخـراط في مشـاريع حميـد بشأن الحوار الوطنـي إنما هـو كسب وقـت ليس أكثـر وعمليـة إلهـاء للشـارع قـدر الإمكـان حتـى تحين اللحظة المناسبة فينسلون من ذلك الحوار ويرمونه خلف ظهورهم وكأن شيئا لم يكن. بيـد أن ما يفعـل فعـل السحـْـربالنسبـة لقيـادات الإصلاح في تخديـر جماهيـرالشعـب إنما هـو موافقـة وقبول قيـادات جنـوبيـة في الخـارج على الإنخـراط في مثـل هذا الحوار. هـذا مكسـب ٌ كبيـر لحسـاب الإصلاح والقـوى التقليـدية في الشمال، وربـح ٌ صـاف ٍ لم تـدفـع مقابله أي ثمـن للطـرف الجنـوبي. ولهـذا فهـم يشجـّعـون حميـد على المضـي قـدما فيـه وهـم يعلمـون أن هـذا الحـوار لـن يقـود الى شيء ولكنـه يمثـل بالنسبة لهم عنصـرا فاعلا جدا في المعركة السياسية. فالحـوار مع القيـادات الجنوبيـة في الخـارج يعنـي في حسـابـاتهـم وحسـابات الواقـع أيضـا مايلي : * إدانـة ضمنيـة لقـوى الحـراك في الداخل وإظهارها بأنها متطـرفـة وعلى غيـرحـق بـدليـل أن قيـاداتها في الخارج تنخـرط في الحـواربينمـا هي تمتـنـع عن ذلـك. * خلخلة الوحدة الداخلية لأبناء الجنوب وبـث الشقـاق والخلاف فيما بينهم خاصة مع تسـريب أخبار اللقاءات دون الإتفاق على ذلك.
هـذه الخلخلـة للجبهـة الداخليـة الجنـوبيـة وتسـريب أخبـار ملفقـة في كثـير من الآحيان تؤدي الى إحـراق القيـادات الجنـوبيـة في أوسـاط شعبهـا من ناحيـة، وحـرمـان شعـب الجنـوب من قيـاداته ذات المكانـة الكبيـرة والمؤثـرة إقليميـا ودوليـا وجعلـه شعـبا بلا قيـاده . * كسـب ٌ للوقـت خاصـة أن ماتنـص عليـه الاتفـاقـات فيما يخـصّ الطرف الشمالي من خطـوات غيـر محـددة بتوقيت مـعيـن يلزمهـا فيـه تنفيـذه. على سبيـل المثال نصّ إتفـاق القاهـرة الأخير ( 13 يونيو 2010 )على ضـرورة تفعيـل حراك سلمي في الشمال يكون داعمـا للحـراك الجنـوبي لكن لم تحـدد فتـرة زمنيـة للقيـام بهـذا الحـراك لاختبـار جـديـة ومصـداقيـة الطـرف الشمالي . والخلاصـة أن قبـول قيـادات الإصلاح وانخراطها في مشـروع حميـد للحوارالوطنـي ، وتشجيـعـه على المضـي ّ قـدما في الحـوار مع القيادات الجنـوبية في الخـارج، إنما هـو جـزء ٌ من مؤامـرة محبـوكـة بـدقـة كبيرة تخـدم نظـام صالح.
وقيـادات الإصـلاح تستفيـد أيما استفادة من حركة حميد وجهوده الدؤوبة وحـواره خاصة مع القيادات الجنوبية وتعمـل على تجميـد الحراك السياسي في البـلاد دون أن تـترك مجـالا لأن ينسـب لها تقاعسها عن القيام بدورها، أو تكون عرضة للإتهام بأيّ دور تآمـري لصالح النظـام . ذلك هو مايجـري على ساحـة الحـوارالسياسي في اليمن الآن، وما المراهنـة على هذا الحوار إلا مراهنـة خاسـرة فحميـد يبحث عن شريك جنـوبي بهـدف إيجـاد تـوازن سيـاسي مع النظــام ولكـن لا قـدرة لـديه على تنصـيب رئيـس جنـوبي ولا قـوة لـديه لزلزلـة الأوضـاع تحـت أقـدام النظـام، ولو كان ذلك بمستطـاعـه لما بحـث أو لجـأ الى قيـادات جنـوبيـة.
ومن ناحيـة أخـرى لو كان تعـاون القيـادات الجنـوبيـة معـه سيثـمـر شيـئا نافعـا على الأرض لكـان له مايبـرره، ولكـن الحقيقــة أن المستفيـد من إنخـراط القيـادات الجنـوبية في الحـوار هـو نظـام صالح الذي يهمـه تمـزيق الصف الجنـوبي و كسـب الوقـت حتى يـروّض جماهيـر الحـراك الغاضبـة ويطفـئ الشمعـة المضيئـة التي تضيء أرجـاء الجنـوب وتبـث الدفء في روحـه وتجـدد الأمـل في نفـوس أبنائه.
انتفاضة حجـارة في عـدنقبل أن تضع حرب 1994 أوزارها كانت المقاومة الجنوبية للهيمنة الشمالية تطل برأسها في أشكال متنوعة من أشكال التمرد والمقاومة. واستمرت كذلك عـددا من السنين حتى اتخذت صورتها المنظمة مع انطلاقة مسيرة التصالح والتسامح عام 2006 ثم حركة المتقاعدين العسكريين عام 2007. ومع اكتسابه هذه الصورة المنظمة أضحى الحراك يتمدد يوما بعد يوم حتى شمل كافة محافظات الجنوب. والى جانب القادة العسكريين والمدنيين الذين حملوا مشعل الحراك وشقوا دروبه الصعبة، اكتسب الحراك قيادات ميدانية كبيرة من أمثال شيخ الكرامة الجنوبية عبدالرب النقيب في يافع والشيخ المفعم بالاقدام والعنفوان طارق الفضلي في أبين وغيرهما الكثير.
وقد أبلت القيادات الجنوبية بلاءً حسنـا في قيادة الحراك وجعلت قضيته القضية المركزية للشعب الجنوبي وغرست مفاهيم الحرية والسيادة الوطنية في قلوب الأجيال الشابة. والآن وبعد أن انتشر الحراك في كافة أرجاء الجنوب، وأمام الهجمة الدموية الشرسة التي تشنها قوى النظام ضد الحراك السلمي، بات على قيادات الحراك أن تعمل بدأب على تطويرعملها ونقل الاحتجاجات الشعبية الى مستوى يشل مقاومة النظام ويحبط ردود فعله العدوانية وينشـرأخبار الحراك ويجعل منه مادة يومية تفرض نفسها على وسائل الإعلام الدولية. تلك هي اللحظة التي ستسقط فيها ورقة التوت التي يتستر بها النظام حاجبا الحراك الجنوبي المتعاظم عن وسائل الإعلام الدولية.
إن قيادة الحراك ستفلح في الوصول الى هذه النقطة إذا ماأدركت أنه آن أوان عـودة الحراك الى نقطة انطلاقه في العاصمة عـدن لكن ليس في صورة إحياء مناسبات متفرقة وإنما في هيئة انتفاضة حجارة يومية عفـوية متفـرقـة في كافة أحياء وحوافي وساحات وأسواق عـدن. إن شباب وطلبة عـدن وعمالها ونساءها يشكلون مادة بشـرية رائعـة تستلهم صفحات رائعة من تاريخ نضال شعبهم، وقد كشفوا خلال السنوات القليلة الماضية عن استعدادهم للبـذل السخي وتسجيل أسمى آيات البطولة والتضحية في سبيل حريتهم ومستقبلهم. وسيكـون من الواجـب على قيادات الحراك أن تدفـع بالمئات والآلاف من أبناء المحافظات الأخرى بصورة يومية الى عـدن لـدعم انتفاضة الحجـارة.
إن اشعال انتفاضة حجارة في مدينة عـدن سيمثـل تحـديا رهيـبا لنظام صنعاء يشل حركة أجهزته الأمنية ويضعه في مأزق حرج أمام المجتمع الدولي. ومما لاشك فيه أن النظام سيواجه مثل هذه الحركة بعنف شـديد لكن التركيز الدولي والتغطية الإعلامية المتوقع أن ترافق هذه الانتفاضة سيعطلان فعـل آلة قـمعه. ومن المؤكـد أن انتفاضـة حجـارة في عـدن ستحقـق في غضـون بضعـة أشهر أضعاف ماحققه الحراك في المحافظات خلال السنوات الماضية، كما أن وقع الحجر من يد صبي أو صبية من أبناء عـدن ستكـون مفاعيلـه أقسـى على نظام صنعاء من طلقات الرصاص في المناطق النائية. وكلما تراكمـت انتصارات الانتفاضة وازداد رصيدها السياسي والاعلامي والشعبي كلما جـذبت اليها المزيد من الاهتمام وأصبحت بذاتها عامل رص ٍ للصفوف وتوحيـد لقيادات الحراك من حولها
.