تعريف / بمعلقة زهير
نظمت معلقة زهير، كما ذكر التبريزي، في ظروف حرب البسوس التي احتدم أوراها بين عبس وذبيان، استهلها زهير بالغزل ووصف الديار والأطلال الدارسة، ثم تحوّل إلى مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف، وحمدهما على فضلهما في حقن الدماء وتحمل تبعات الصلح بين الفريقين المتنازعين. وأردف زهير هذا المديح بحكمه التي محض بها المتحاربين النصح ودعاهم إلى السلم وحملهم على أن يرهبوا عواقب الحرب ممثلاً لهم أهوالها التي عاشوا في أتونها: وما الحرب إلا ما علمتُم وذقتُم- وما هو عنها بالحديثِ المرجّمِ. واستتبع زهير وصف ويلات الحرب بالكلام على حصين بن ضمضم، الذي لم يلتزم بعهد الصلح بل خانه وغدر برجل من بني عبس إمعاناً في الثأر والانتقام.
وأفضل ما نذيل به الكلام على شعر زهير التنويه بحولياته، وهي قصائده التي دأب فيها مهذّباً جاهداً في التشذيب والإحكام، فقد كان ينظم الواحدة من هذه القصائد في أربعة أشهر، ثم يعمد إليها مصوّباً ومنقحاً في أربعة ثانية، وفي الأربعة الثالثة يعرضها على أخصّائه، ليعلنها على النّاس خلال الربع الأخير من السنة أو الحول. هكذا تأتّى لزهير أن يكون من شعراء المدرسة الأوسية التي تزعّمها أوس بن حجر، فجاء شعره مضرب المثل في الجودة والإتقان.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات محاولين التعرف على الظروف الاجتماعية المحيطة بهم، والأسباب التي دفعتهم لنظمهم هذه المعلقات وعن أي موضوع تتحدث، فقد قال دبليو إى كلوستون عن معلقة زهير، في كتاب من تحريره وتقديمه عن الشعر العربي: نظمت معلقته لما آلت إليه حرب داحس والغبراء، وفي مديح الحارث بن عوف والحارم بن سنان، صانعي السلام. وقالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن معلقة زهير في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: ورد سبب نظم القصيدة في كتاب الأغاني على النحو التالي: قال الحار أوس بن حارثة بن لأم الطائي. فقال الحارث لغلامه: ارحل بنا، ففعل. فركبا حتى أتيا أوس بن حارثة في بلاده فوجداه في منزله. فلما رأى الحارث بن عوفٍ قال: مرحباً بك يا حار. قال: وبك. قال: ما جاء بك يا حار? قال: جئتك خاطباً. قال: لست هناك. فانصرف ولم يكلمه. ودخل أوسٌ على امرأته مغضباً وكانث بن عوف بن أبي حارثة: أتراني أخطب إلى أحد فيردني? قال نعم. قال: ومن ذاك. قال: ت من عبس فقالت: من رجلٌ وقف عليك فلم يطل ولم تكلمه? قال: ذاك سيد العرب الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري. قالت: فما لك لم تستنزله? قال: إنه استحمق. قالت: وكيف? قال: جاءني خاطباً. قالت: أفتريد أن تزوجك بناتك? قال: نعم. قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن? قال: قد كان ذلك. قالت: فتدارك ما كان منك. قال: بماذا? قالت: تلحقه فترده. قال: وكيف وقد فرط مني ما فرط إليه? قالت: تقول له: إنك لقيتني مغضباً بأمرٍ لم تقدم فيه قولاً، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ما سمعت، فانصرف ولك عندي كل ما أحببت فإنه سيفعل. فركب في أثرهما. قال خارجة بن سنان: فو الله إني لأسير إذ حانت مني التفاتةٌ فرأيته، فأقبلت على الحارث وما يكلمني غماً فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا. قال: وما نصنع به ! امض !. فلما رآنا لا نقف عليه صاح: يا حار اربع علي ساعةً. فوقفنا له فكلمه بذلك الكلام فرجع مسروراً. فبلغني أن أوساً لما دخل منزله قال لزوجته أدعي لي فلانة " لأكبر بناته " فأتته، فقال: يا بنية، هذا الحارث بن عوف سيدٌ من سادات العرب، قد جاءني طالباً خاطباً، وقد أردت أن أزوجك منه فما تقولين? قالت: لا تفعل. قال: ولم? قالت: لأني امرأة في وجهي ردة ، وفي خلقي بعض العهدة ، ولست بابنة عمه فيرعى رحمي، وليس بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي في ذلك ما فيه. قال: قومي بارك الله عليك. ادعي لي فلانة " لابنته الوسطى "؛ فدعتها، ثم قال لها مثل قوله لأختها؛ فأجابته بمثل جوابها وقالت: إني خرقاء وليست بيدي صناعة، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي في ذلك ما تعلم، وليس بابن عمي فيرعى حقي، ولا جارك في بلدك فيستحييك. قال: قومي بارك الله عليك. أدعي لي بهيسة " يعني الصغرى "، فأتي بها فقال لها كما قال لهما. فقالت: أنت وذاك. فقال لها: إني قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه. فقالت - ولم يذكر لها مقالتيهما - لكني والله الجميلة وجهاً، الصناع يداً، الرفيعة خلقاً، الحسيبة أباً، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه بخير. فقال: بارك الله عليك. ثم خرج إلينا فقال: قد زوجتك يا حارث بهيسة بنت أوس. قال: قد قبلت. فأمر أمها أن تهيئها وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إياه. فلما هيئت بعث بها إليه. فلما أدخلت إليه لبث هنيهةً ثم خرج إلي. فقلت: أفرغت من شأنك? قال: لا والله. قلت: وكيف ذاك? قال: لما مددت يدي إليها قالت: مه ! أعند أبي وإخوتي !! هذا والله ما لا يكون. قال: فأمر بالرحلة فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله. ثم قال لي: تقدم فتقدمت، وعدل بها عن الطريق، فلما لبث أن لحق بي. فقلت: أفرغت? قال: لا والله. قلت: ولم? قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة ! لا والله حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي. قلت: والله إني لأرى همةً وعقلاً، وأرجو أن تكون المرأة منجبةً إن شاء الله. فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إلي. فقلت: أفرغت? قال: لا. قلت: ولم? قال: دخلت عليها أريدها، وقلت لها قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف ما لا أراه فيك. قلت: وكيف? قالت: أتفرغ لنكاح النساء والعرب تقتل بعضها ! " وذلك في أيام حرب عبس وذبيان ". قلت: فيكون ماذا? قالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك. فقلت: والله إني لأرى همةً وعقلاً، ولقد قالت قولاً. قال: فاخرج بنا. فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى؛ فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الديات، فكانت ثلاثة الآف بعير في ثلاث سنين، فانصرفنا بأجمل الذكر. قال محمد بن عبد العزيز: فمدحوا بذلك، وقال فيه زهير بن أبي سلمى قصيدته. نظم زهير معلقته في مأثرة صانعي السلام هذين. يبدو أنها نظمت في فترة متأخرة من حياته، إذ أنها تلخص كل حكمة بدو الناضجة، التي ما تزال موجودة في الصحراء حتى يومنا هذا.
اعتمدنا في ذلك على: ابن الخطيب التبريزي، شرح المعلقات العشر المذهبات، تحقيق وتعليق د. عمر فاروق الطباع، بيروت: دار الأرقم، د. ت، ص 118. وأنظر أيضاً ما ترجمه صلاح صلاح في ما يلي:
Blunt, Lady Anne (Translated from the original Arabic) & Blunt, Wilfred Scawen (done into English Verse). The seven golden Odes of Pagan Arabia, known also as the Mo-Allakat. London: The Chiswick press, 1903, PP.18-19. Clouston, W A (edited with introduction and notes). Arabian Poetry and English Readers. London: Darf Publishers Limited,1986, PP. xli- xliii
المصدر : موقع الوراق