إن الحراك السلمي الشعبي جعل الجنوب عنصر قوة لا يستهان به في معادلة التوازنات السياسية التي اختلت بعد حرب صيف 1994م التي شنها النظام على الجنوب فارضا الوحدة بالقوة" .. هذا ما استهل به الرئيس علي ناصر محمد كلمته الافتتاحية في اللقاء التشاوري الذي عقده قاده جنوبيون في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة (9-11 مايو 2011) ، وأشار الرئيس ناصر في كلمته إلى أن النظام عمد إلى تصفية كل ما حققته ثورة 14 أكتوبر والدولة في الجنوب من منجزات اقتصادية واجتماعية للشعب ففرض نمط حكمه القائم على القبلية والعصبية والأسرية .
أما في كلمته باختتام اللقاء فقد أكد الرئيس على ناصر محمد أن الجنوب شهدت سلسلة صراعات وأخطاء منذ الاستقلال الأول في العام 67م حتى يومنا هذا ، قائلا: "علمتنا صراعاتنا وخلافاتنا في الماضي قيمة التصالح والتسامح وما تعنيه وحدتنا من قوة ومنعة فقد تركت تلك الصراعات والخلافات جرحا عميقا في جسم وحدتنا الوطنية وعلينا مواصلة تضميد تلك الجراح ومعالجة آثارها" مؤكدا بأن طريق التصالح والتسامح الذي بدأ من جمعية ردفان في عدن كان فاتحة الإعتراف بتلك الأخطاء التي قال إننا "دفعنا ثمنها جميعاً وخاصة عامة الشعب في الجنوب وقد مكننا هذا التصالح والتسامح من وضع حد لخلافاتنا السياسية" ووصف ناصر هذا اللقاء بأنه إمتداد لتلك البداية التي انطلقت من جمعية ابناء ردفان كما بدأت ثورة 14اكتوبر عام 1963م من ردفان الابية الشامخة.
الرئيس ناصر تحدث في كلمتيه عن مجمل القضايا التي تتعلق بمصير العشب في الجنوب وقضيته العادلة ، لكنه كان يستخدم "التورية" حينا والإبهام والغموض حينا آخر سيما عندما يتطرق لمطالب الحراك الجنوبي بالاستقلال وفك الارتباط عن نظام صنعاء والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 م .
أولا: الكلمة الافتتاحية
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً أجمل ترحيب، القادمين منكم من داخل الوطن .. ومن جنوبنا الحبيب ... من ساحات الحراك الجنوبي السلمي .. ومن ساحات الحرية والتغيير في سائر أنحاء الوطن .. ومن أي مكان قدمتم منه في الوطن العربي ومن كل أنحاء العالم.
كما اشكر لكم جميعاً تلبية دعوتنا لحضور هذا اللقاء التاريخي التشاوري متجشمين عناء السفر للمشاركة في أعماله ومداولاته، وفي هذا دليل عظيم بأنكم تستشعرون معنا أهمية وخطورة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ شعبنا في اليمن .. ومن تاريخ قضيتنا الجنوبية وشعبنا في الجنوب .. وأيضاً بما تتطلبه منا ومنكم ومن جميع الوطنيين الشرفاء وجماهير شعبنا العظيمة من رص للصفوف ومن بذل للتضحيات، ومن رسمٍ لرؤى جديدة، ولاستشراف الطريق نحو المستقبل.
يحمل لقاؤنا هذا دلالات عظيمة، فهو من ناحية مساهمة في ثورة التغيير لإسقاط النظام ... ومن ناحية أخرى دعم لثورة شباب التغيير في كل أنحاء اليمن .. ومن ناحية ثالثة لتقديم رؤية لمشروع حل شامل لازمة اليمن، وركنها الأساس المتمثل في إيجاد معالجة عادلة للقضية الجنوبية، ومن ناحية أخرى لتعزيز أواصر وحدتنا ولاستكمال مشروعنا للتصالح والتسامح.
أيها الأخوة
ليس صدفة أن نعقد اجتماعنا هذا في القاهرة .. في مصر العروبة بعد انتصار ثورة 25 يناير العظيمة والتاريخية .. فقد كانت مصر وستظل على الدوام حضن العرب الدافئ وقلبهم النابض وقلعتهم الحصينة، وبالنسبة لنا في اليمن شمالاً وجنوباً فقد وقفت مصر مع نضال شعبنا عندما أرسلت مصر عبد الناصر جيشها إلى اليمن لنصرة ثورة 26 سبتمبر 1962م والنظام الجمهوري، وقدمت أفضل الخبرات لتحديث الإدارة ونشر التعليم والخدمات والصحة وتأهيل الكادر وبناء الدولة الجديدة والقوات المسلحة، كما قدمت كل الدعم لثورة 14 أكتوبر في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني حتى تحقيق النصر والاستقلال عام 1967م.
ها هي مصر الثورة والعزة والكرامة تحتضن لقاءنا اليوم، كما احتضنت بالأمس القريب المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس التي جاءت لتلبي لمصلحة الشعب الفلسطيني وتطلعاته، ونحن نؤيد ونبارك هذه المصالحة التي من ستساهم في تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
هذا هو دور مصر التاريخي والطبيعي ... تحتضن ولا تنبذ ... تجمع ولا تفرق.
فشكراً لمصر ولثورة 25 يناير العظيمة التي أعادت الروح لشعب مصر وثورة يوليو ولمصر دورها التاريخي القائد والرائد.
أيها الأخوة
نعقد لقاءنا التشاوري هذا في ظرف تاريخي غير مسبوق، في مرحلة تشهد تحولات هائلة على مستوى الوطن العربي بعد نجاح ثورات التغيير في تونس ومصر التي امتد تأثيرها إلى العديد من البلدان العربية في المشرق والمغرب، ولم تكن بلادنا في منأى عن تلك التأثيرات، فقد كانت أسباب اندلاع ثورة التغيير في صنعاء وعدن وغيرها من مدن البلاد كلها موجودة من فساد واستبداد وتوريث وغياب للديمقراطية الحقيقية لكي تنطلق شرارتها وينضوي فيها الملايين التي تطالب بإسقاط النظام ورحيل علي عبد الله صالح، وكنا كما تذكرون أول من رفع شعار التغيير الذي تلقفه الشباب وتلقفته جماهير شعبنا في كل اليمن.
أيها الأخوة
لست بحاجة لأن أذكركم بان الحراك الجنوبي السلمي الشعبي الذي انطلق قبل أربع سنوات، والتضحيات الغالية لشعبنا في الجنوب كان الجذوة التي أشعلت فيما بعد ثورة شباب التغيير في المدن الشمالية والجنوبية معاً لإسقاط النظام المستبد، وقدم شعبنا في الجنوب قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين والمطاردين من خلال نضاله السلمي الذي فشلت السلطة في وأده بالرغم من كل ما مارسته ضده من قمع وبطش وقتل ... وقد أضحى اليوم قوة لا يستهان بها في تجسيد نضال وآمال شعبنا في الجنوب وفي الدفاع عن القضية الجنوبية كقضية عادلة لا يمكن القفز عليها أو إيجاد حل لأزمة اليمن بدونها، وبديهي القول اليوم بكل ثقة إن الحراك السلمي الشعبي جعل الجنوب عنصر قوة لا يستهان به في معادلة التوازنات السياسية التي اختلت بعد حرب صيف العام 1994م وما عقبها والتي شنها النظام على الجنوب والشريك الجنوبي فارضاً الوحدة بالقوة مما أحدث خللاً استراتيجياً في وحدة 22 مايو 1990م ودولتها بإقصاء الجنوب من الشراكة كشريك كامل الندية في الوحدة الوطنية في السلطة والثروة اعتقاداً منه إن النصر العسكري على الجنوب سيحقق له نصراً سياسياً وانه قد امتلك مقدرات الجنوب وثرواته للأبد.
لقد أكدت مبكراً وتكراراً إن النصر العسكري لا يعني بالضرورة نصراً سياسياً بل هو نصر مؤقت... وقد برهنت التطورات اللاحقة على صحة ذلك، فقد عجز النظام من إزالة آثار حرب 1994م وشرع باب النهب "والفيد" على مصراعيه لثروات الجنوب وأراضيه وسرح موظفيه من الخدمة عسكريين ومدنيين وصفى كل ما حققته ثورة 14 أكتوبر والدولة في الجنوب من منجزات اقتصادية واجتماعية للشعب، وفرض نمط حكمه القائم على القبلية والعصبية والأسرية والمذهبية والعسكرية والقبضة الأمنية على الجنوب كما في الشمال، وأجهض المشروع الحضاري والتنموي المتفق عليه في 22 مايو 1990 لدولة الوحدة المدنية العصرية الديمقراطية، وقد أصاب كل ذلك الوحدة في مقتل ومن هنا نشأت القضية الجنوبية كقضية عادلة، وكان هذا سبباً في إطلاق مشروع التصالح والتسامح بين الجنوبيين بكل مكوناتهم السياسية والاجتماعية ومن ثم انطلاق الحراك الجنوبي كحركة جماهيرية سلمية دفاعاً عن الجنوب وحريته وهويته، وقد غدا هذا الحراك اليوم حركة شعبية جماهيرية واسعة لم يعد تأثيرها يقتصر على الجنوب وحده بل امتد إلى الشمال أيضاً فيما يعرف اليوم بثورة شباب التغيير التي ينضوي تحت لوائها الملايين من أبناء اليمن شمالاً وجنوباً لإسقاط النظام ورحيل علي عبد الله صالح في أوسع ملحمة شعبية لم يشهدها اليمن في تاريخه توحد فيها الشباب والشيوخ الرجال والنساء.
إننا إذ نحيي بحرارة شباب ثورة التغيير في ساحات الحرية في كل مكان في اليمن، نشيد ببطولاتهم وتضحياتهم الغالية في سبيل الأهداف والمبادئ العظيمة التي امنوا بها وخرجوا من اجلها واسترخصوا أرواحهم في سبيل أن تنتصر الثورة ويهزم الطاغية، ونترحم على الشهداء وندعو الله إن يمن على الجرحى بالشفاء العاجل والحرية للمعتقلين الشرفاء وعلى رأسهم المناضل حسن احمد باعوم ونطالب بإنزال أقصى العقاب بكل من سفك دم أبناء شعبنا في الحراك الجنوبي وفي ساحات الحرية والتغيير، ومن أعطى الأمر بذلك.
ونعتبر لقاءنا التشاوري هذا يصب في تحقيق نفس هذا الهدف.. معلنيين تضامننا اللا محدود مع شباب ثورة التغيير، وندعوهم وكل القوى الوطنية في الساحة اليمنية شمالاً وجنوباً إلى مواصلة اعتصامهم في كل ساحات الحرية والتغيير حتى سقوط النظام.
أيها الإخوة
إن هذا اللقاء التشاوري الذي يجمعنا اليوم هو خطوة باتجاه هذا الطريق الذي نأمل أن يكون استكمالاً لتحقيق المصالحة الجنوبية الشاملة ذلك الطريق الذي بدأناه بالتصالح والتسامح عام 2006م من جمعية أبناء ردفان البواسل والذي أثبتت الأيام والأحداث والسنوات بأنه الطريق الصحيح فلولاه لما كان الحراك الجنوبي ولولاه لما كان هناك شيء اسمه القضية الجنوبية ولولاه لما كنا اليوم هنا نتدارس أمور جنوبنا الحبيب ونبحث في مستقبله، وكنا نأمل أن يعم هذا التصالح والتسامح شمال اليمن أيضاً الذي عاني من الحروب والصراعات بنفس القدر الذي عانى منه الجنوب.. إن وحدتنا هي مصدر قوة لنا واهم مصدر لعملنا المستقبلي وبدون ذلك لا مستقبل لنا ولأجيالنا القادمة.
إن اجتماعنا هذا ليس موجهاً ضد أحد ولكنه خطوة على الطريق الصحيح لإرساء دعائم وحدتنا الوطنية ولمواجهة الاستحقاقات القادمة وللبحث عن حل عادل للقضية الجنوبية التي تأتي على رأس أولوياتنا بعد سقوط النظام كما انه بداية للقاءات قادمة على مستوى ساحة اليمن شمالاً وجنوباً لإرساء هذا الحل بإذن الله ... فسقوط النظام لا يعني بأي معنى من المعاني انتهاء القضية الجنوبية أو إطفاء جذوة نضال شعبنا في الجنوب لنيل كافة حقوقه المشروعة.
أيها الأخوة
كونوا واثقين من أن أحداً لن يساعدنا ما لم نساعد أنفسنا أولاً .. وان أحداً لن يقف معنا ما لم نقف مع أنفسنا ومع شعبنا في الجنوب وقضيته العادلة .. وان أحداً لن يأخذ قضيتنا بعين الاعتبار ما لم نكن موحدين ونمتلك رؤية مشتركة لهذه القضية وكيفية حلها ... وهذا ما نتوخاه من هذا اللقاء، والوثائق المقدمة إليه تحاول أن تقدم رؤية جنوبية لمشروع حل شامل للازمة الراهنة في اليمن عبر حل أزمة الوحدة المعلنة في 22 مايو 1990 بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تم إجهاضها بشن حرب صيف العام 1994م العدوانية وما تلاها من ممارسات أخرجت الشريك الجنوبي من معادلة الوحدة وذلك بإيجاد معالجة عادلة للقضية الجنوبية وأترك تفاصيل ذلك للأوراق المقدمة في لقائنا التشاوري هذا وللنقاش والمداولات التي سوف تتفضلون بها للخروج برؤية مشتركة حولها
أتمنى لكم التوفيق والنجاح وأثق بأنكم سوف تكونون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا في هذه اللحظة التاريخية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ثانيا: الكلمة الختامية
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة ونحن نختتم لقاءنا التشاوري هذا، يسعدني أن أتوجه إليكم بوافر الشكر وبالغ التقدير على ما ساده من أجواء المحبة والإخاء وروح التصالح والتسامح وما تميزت به مداخلاتكم ومداولاتكم من صدق وصراحة ووضوح في الرأي والرؤية، وشجاعة في النقد، ومن طرح وملامسة لكل الهموم والقضايا التي عبرت وتعبر عن المعاناة الطويلة لشعبنا في الجنوب والتي دلت على فهم عميق لطبيعة المرحلة التي نمر بها، ولطبيعة المتغيرات من حولنا في المنطقة والعالم.
لقد عبرتم جميعا عن حبكم العظيم للوطن ولجماهير الشعب ولثورة الشباب، ومدى استعدادكم للتضحية من أجل انتصار قضيتنا الجنوبية العادلة .. وقد كان لذلك أبلغ الأثر في نجاح لقائنا التشاوري، وترك في نفوسنا الإنطباع بأن شعباً أنتم أبناؤه حتماً سينتصر ويحقق ما يصبو إليه من عزة وكرامة. لقد أكدتم أيها الأخوة والأخوات بأن الجنوب هو بمنزلة القلب، وبرهنتم بما لايدع مجالاً للشك بأنكم مع شعبكم ومع قضيته الجنوبية العادلة ومع اسقاط النظام برغم كل مايواجه نضال شعبنا من مصاعب.. لكن أكدتم انه مايزال امامنا وامام شعبنا عمل كبير ومصاعب اكبر تتطلب المزيد من النضال والتضحيات ونحن على يقين وثقة كاملتين ايها الاخوة والأخوات بانكم سوف تعكسون كل ما اتفقنا عليه في هذا اللقاء في لقاءاتكم ونشاطاتكم في الداخل والخارج فأنتم تقدمون بهذا خير عون لدعم القضية الجنوبية العادلة ولشعبنا الحر في الجنوب ومن المهم التأكيد بأننا سوف نتواصل مع كل الشخصيات السياسية والاجتماعية التي لم تتمكن من حضور لقاءنا التشاوري هذا ويحدونا الأمل بان نمد سبل الحوار معهم ومع كافة القوى السياسية.
لقد اكد لقاؤنا التشاوري هذا حاجتنا الى وحدتنا الوطنية اكثر من أي وقت مضى التي تشمل كافة أبناء الجنوب بكل مكوناتهم السياسية والاجتماعية بدون استثناء فلقد علمتنا صراعاتنا وخلافاتنا في الماضي منذ1967م وحتى اليوم قيمة التصالح والتسامح وما تعنيه وحدتنا من قوة ومنعة فقد تركت تلك الصراعات والخلافات جرحا عميقا في جسم وحدتنا الوطنية وعلينا مواصلة تضميد تلك الجراح ومعالجة آثارها منذ الاستقلال وحتى اليوم.
لقد شهد جنوبنا الغالي سلسلة صراعات واخطاء في مسيرة تجربته ونملك الشجاعة لأن نعترف بها وبتحمل المسؤولية عنها خاصة نحن الذين كنا في موقع المسؤولية وهي أخطاء كان لها أسبابها الموضوعية والذاتية مثلما هو الحال في شأن أية تجربة انسانية ولعل من أهم الأسباب غياب الديمقراطية وعدم الإعتراف بالآخر وبحقه في الاختلاف والشمولية وانعدام التجربة.
وأحب أن اؤكد لكم بأن طريق التصالح والتسامح الذي بدأناه من جمعية ردفان في عدن كان فاتحة الإعتراف بتلك الأخطاء التي دفعنا ثمنها جميعاً وخاصة
عامة الشعب في الجنوب، وقد مكننا هذا التصالح التسامح من وضع حد لخلافاتنا السياسية ولقاءنا هنا هو إمتداد لتلك البداية التي انطلقت من جمعية ابناء ردفان كما بدأت ثورة 14اكتوبر عام 1963م من ردفان الابية الشامخة.
فنحن اليوم على مركب واحد تحيط به العواصف والأنواء واذا غرقت لن ينجو منه أحد وقد قررنا أن نترك خلافاتنا وصراعاتنا وراء ظهورنا مستفيدين من دروس وعبر الماضي.
وأود بهذا الصدد أن أشير ان الكثير من الصراعات التي مررنا بها في الجنوب كانت تتعلق بالموقف من قضية الوحدة اذ كانت العلاقات مع الشمال دائماً مصدراً للتوترات والحروب وأشير هنا على سبيل المثال لا الحصر الى حربي 72-79م وحروب المنطقة الوسطى وغيرها من الصراعات في الجنوب وبين الشمال والجنوب وهذه التوترات والحروب لم تتوقف حتى بعد أن تحققت الوحدة بل ان حرب صيف العام 1994م اكدت بما لايدع مجالاً للشك بأن النظام في الشمال لم يكن يسعى الى الوحدة بنفس المفهوم الذي كنا ننظر به الى الوحدة كمشروع نهضوي حضاري لبناء دولة حديثة وديمقراطية بقدر ماكان يسعى للإستيلاء على الجنوب وثرواته وهو مابرهنت عليه تلك الحرب ونتائجها المدمرة.
ويطيب لي أن استشهد هنا بما قاله لي حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه عقب تلك الحرب وهو يقارن بين الطريقة التي فرضت بها الوحدة بالقوة في اليمن وبين تجربته في انشاء اتحاد الإمارات العربية المتحدة حيث قال:" إنني لجأت الى الحوار مع اخوتي في بقية الإمارات التي تأخرت في الإنضمام الى الاتحاد لاقناعهم بمشروع الوحدة وفائدته وإنني في سبيل ذلك سخرت المال لكني كسبت الرجال بينما علي عبدالله صالح يخسر الرجال ليكسب المال بشنه الحرب على الجنوب وفرض الوحدة بالقوة ".
وجميعنا نعرف أيها الاخوة ان التجربة الإتحادية التي أقامها الشيخ زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة هي من انجح تجارب الوحدة العربية التي لاتزال مستمرة حتى اليوم .. لأنه أقامها على فكرة بسيطة ولكن عميقة وهي التوزيع العادل للسلطة والثروة وليس كما هو الحال في اليمن حيث فرضت الوحدة بالقوة والحرب والضم والالحاق والفيد.
أيها الاخوة:
نختتم لقاءنا التشاوري هذا الذي نعتبره خطوة أخرى في استكمال الطريق الصحيح الذي نأمل أن يكون استكمالاً لتحقيق المصالحة الجنوبية الشاملة .. ذلك الطريق الذي بدأناه بالتصالح والتسامح عام 2006م والذي أثبتت الأيام والأحداث والسنوات بأنه الطريق الأسلم فلولاه لما كان الحراك الجنوبي، ولولاه لما كان هناك شيء اسمه القضية الجنوبية، ولولاه لما كنا اليوم نتدارس أمور جنوبنا الحبيب ونبحث في مستقبله، وكنا نأمل أن يعم هذا التصالح والتسامح شمال اليمن ايضاً الذي عانى من الصراعات والحروب بنفس القدر الذي عانى منه الجنوب، وللأسف فأن بعض المسؤولين في الشمال لا يتحدثون إلا عن الصراعات في الجنوب كأن لا وجود لصراعات في الشمال والتي حصدت مئات الآلاف من الارواح والضحايا منذ قيام ثورة 26سبتمبر عام 1962م.
ان لقاءنا التشاوري هذا ليس موجهاً ضد احد ولكنه خطوة على الطريق الصحيح لإرساء دعائم وحدتنا الوطنية ولمواجهة الاستحقاقات القادمة وللبحث عن حل عادل للقضية الجنوبية التي تأتي على رأس أولوياتنا بعد سقوط النظام ونعلن من هنا تجديد دعمنا وتأييدنا لشباب ثورة التغيير في كل ساحات الحرية والتغيير وندعوهم الى مواصلة اعتصاماتهم حتى اسقاط النظام. وان لقاءنا هذا بداية للقاءات قادمة على مستوى ساحة اليمن شمالاً وجنوباً لإرساء هذا الحل باذن الله. فسقوط النظام لايعني بأي معنى من المعاني إنتهاء القضية الجنوبية او إطفاء جذوة نضال شعبنا في الجنوب لنيل كافة حقوقه المشروعة. أيها الإخوة والأخوات اسمحوا لي بأسمكم جميعاً أن نعرب عن عميق تقديرنا للدور الكبير الذي قامت به صحيفة (الأيام) الغراء في حمل لواء القضية الجنوبية العادلة ودعم الحراك الجنوبي والدفاع عن المعتقلين وتبني قضايا وهموم المواطنين وهذا الدور ليس بغريب عنها فهو جزء من رسالتها العظيمة ومواقفها الوطنية ومن تقاليدها الاعلامية فقد وقفت الأيام ومؤسسها الأستاذ محمد علي باشراحيل مع ثورة 14اكتوبر والكفاح المسلح من أجل الإستقلال والحرية في الجنوب وهو مايواصله اليوم نجلاه هشام وتمّام باشراحيل في دعم نضال شعبهما في الجنوب في معركته الحالية من اجل استعادة الحرية والكرامة فهم ابناء تلك المدرسة العريقة في حرية الكلمة وفي الوطنية ولهذا يدفعون اليوم ثمن مواقفهم من حريتهم وحياتهم ومعيشتهم حيث تعرضوا للملاحقة والإعتقال والمحاكمة خاصة الإستاذ هشام باشراحيل كما تعرضت حياة اسرتهما لخطر الموت عندما داهمت السلطات الغاشمة منزلهما بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع وفيه نساء واطفال.
وإننا اذ ندين بقوة تلك الأفعال الهمجية نطالب بالتعويض العادل لناشريها عن كل ماتعرضت له صحيفة الأيام من خسائر مادية ومعنوية جراء إغلاقها غير المشروع وماتعرض له الأستاذ هشام باشراحيل رئيس التحرير من إعتقال تعسفي عرض حياته للخطر وهو الذي لا يملك إلا قلمه الحر في مواجهة البندقية والرصاص، كما نعلن تضامننا مع كل حملة الاقلام الشريفة من أصحاب الفكر والثقافة والإعلام في دفاعهم عن الحرية وحقوق الانسان.
والسلام عليكم ورحمة الله