صالح يرفض المبادرة الخليجية... صالح يقبل بالمبادرة.. صالح يرفض ثم يقبل بشروط... صالح يناور إلى آخر مدى... هذا هو التوصيف الدقيق للوضع في اليمن. وفيما تستمر المواجهات يخشى الجميع توقف جهود الحل السلمي للأزمة، وهو الامر الذي ينذر بحرب اهلية أو نحو ذلك، كما يشكك كثيرون في إمكانية قبول الرئيس اليمني ببند الرحيل. وفي الجنوب كما في الشمال هواجس عديدة وتطلعات كثيرة لمرحلة ما بعد الرحيل... من هنا كانت أهمية الحوار مع القيادي اليمني التاريخي حيدر أبو بكر العطاس.
* كيف تقيم الوضع الحالي؟
** المرء يحتار في تصرفات الرئيس صالح، وأفاجأ كما يفاجأ الكثيرون من المراقبين برئيس دولة يتحدى شعبه ويتحدى القوى التي خرجت تقول له “كفى” بعد 30 سنة من الحكم. لقد كان الأجدر بالرئيس صالح أن يقبل بما يريده الشعب، أما أن يتحدى الرئيس الشعب فهذا يعني فقدانه للحكم الشرعي، وبالتالي فإن الرئيس صالح يضيع الآن الفرصة للخروج بصورة سلمية تحفظ له بعض الشيء، كما انه يضع البلاد والعباد في مأزق خطير. ولنفترض أن هذه الجماهير التي خرجت للساحات في الشوارع وتلك التي استدعاها للخروج بطريقته الخاصة تصادمتا، لنتفترض أن هناك قوتين في الشارع إحداهما الاكبر بالتأكيد وتريده أن يتنحى، أليس من الاجدى أن يتنحى حفاظًا على السلم الاجتماعي؟
* أليس واردًا أن تصطدم القوتان حال تنحي الرئيس؟
** أبدًا إذا خرج صالح ستنصرف القوتان لمعالجة الفتن والخلل الذي خلفه الرئيس... أما تعميق هذه الخلافات بين افراد الشعب فهذا لعمري لم يحصل في تاريخ الشعوب.
قيادة مؤقتة
* وما الذي تقوله للرئيس في هذه اللحظة؟
** أنصح الرئيس صالح بأن يتنحي فورًا وأن يسلم السلطة لنائبه، ثم توجد قيادة مؤقتة تشرع في بحث كل القضايا وترتيب الوضع لما بعد الرئيس.
* وما الضامن أن يتم ذلك بهدوء وحكمة؟
** المؤجج لهذه الفتنة هو بقاء الرئيس صالح ونحن نعرف كيف يستدعي الجماهير التابعة له للحضور، والكل يعرف ولا نريد أن ندخل في التفاصيل ليس اليوم ولكن من سنوات... وانا على اتصال بكثير من العناصر والقيادات حول صالح، وكلها ترفض أن تضع البلاد في مأزق وان يقودها لتصرف هي لا تريده ويعتقد كثيرون من المقربين منه أنه بالفعل يضيع الفرصة تلو الفرصة لإنقاذ البلاد... إن كل الناس حول صالح ليسوا سيئيين فمنهم اليمنيون الاوفياء الشرفاء سواء في المؤتمر الشعبي العام أو غيره... لكن أن يعتقد الرئيس صالح أن البلاد ملكه وملك اسرته، وبالتالي يتصرف كما يشاء فهذا أمر خطير.. والحاصل أن تصرف صالح الحالي لن يضره ويضر أسرته فقط، وانما تمتد خطورته لتشمل السلم الاجتماعي ليس في اليمن فقط، وانما سيضر الأمن الاقليمي والدولي، ومن ثم أدعو الاشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي والاصدقاء في الاتحاد الاروبي والإدارة الامريكية لأن يقولوا لصالح “كفى”، حيث لا يمكن أن يظل شخص في قيادة البلاد إلى مأزق خطير وأن يسمح له بهذا الشيء فالجميع متضررون بالتأكيد.
قبول ثم رفض
* ما الذي يجعله يقبل بالمبادرة الخليجية ثم يعود فيرفضها ثم يعلن قبوله وهكذا؟
** صالح يشتهر بالمناورة، وقد قال لأحد المقربين منه: إنه لن يترك السلطة لاحد مهما كان قريبًا منه وأنه يستطيع الخروج من هذا المأزق... والحاصل أنه يصور المشكلة الآن وكأنها بينه وبين المعارضة وهي ليست كذلك، فالمشكلة بينه وبين فئات الشعب التي خرجت تقول “ارحل”... لقد واجه الشباب اليمني في ساحات التحرير بصنعاء وتعز والمكلا وعدن بالاعتقال. وفي تصورى أنه إذا كان هناك 10% من أفراد الشعب يقولون للرئيس “لا نريدك” فينبغي أن يستجيب ويحفظ كرامته... ليس من أجل الـ 10% ولكن من أجل 90% الأخرى. لقد ضرب صالح مشروع الوحدة في الصميم. ومن ثم أطالب ببحث هذا المشروع بشكل شفاف وصريح ومستقل. فالجنوب بدأ يخرج للمطالبة باستعادة حقوقه بعد أن خدعهم صالح وضرب مشروع الوحدة... لقد أراد صالح أن يلحق أبناء الجنوب به باعتبارهم غنيمة أو ثروة وليس من منطلق وحدوي حقيقي.
توحيد المعارضة
* لكن رأيكم كقيادات جنوبية تاريخية لم يكن موحدًقا، وعلى سبيل المثال فقد وافقت مجموعة منكم على مساعي الصلح وحل الأزمة فيما رفضت أخرى؟
** عندما انطلقت الثورة كان يحركها الحراك الجنوبي السلمي، وكثير من القيادات غضت الطرف عن هذا الحراك وهذا الأمر راكم العديد من المشكلات... وعندما بحت الأصوات نزل الشباب للشارع وسقط أكثر من 700 قتيل وأكثر من 5 آلاف جريح ومئات المعتقلين وبينهم الأخ حسن باعوم.
وهذا الحراك الجنوبي بالتأكيد حرك من في الشمال فأصبح هناك حراك شمالي بموازاة الحراك الجنوبي، وأصبح هناك تنسيق ومداولات بين الأطراف المشتركة ضد النظام الذي هو السبب في كل المشاكل.. ثم جاءت ثورة تونس ومصر وشجعت من في صنعاء بشكل أوضح فخرجت الجماهير في صنعاء وتعز لتقول لهذا النظام " كفى". لقد كان الخروج قويًا ومن ثم التحم الحراك مع ثورة الشباب.
* ولماذا تأخر الحسم؟
** الخطأ التكتيكي أن صالح نجح في جر المعارضة للحوار وكان من المفترض ألا يدخلوا معه في مثل هذا الحوار... وهذا الأمر بدوره في النهاية أدى إلى ظهور المبادرات وأبرزها المبادرة الخليجية الأولى وهي الأفضل في مسيرة المبادرات. وانني أنصح بالتمسك بالمبادرة الخليجية الأولي، وأناشد الأشقاء في دول مجلس التعاون كذلك بالتمسك بها حيث لابد من رحيل صالح ليس كرها فيه وفيمن حوله، لكن حبا في أن يعيش اليمن بسلام ووئام... وأيضا من أجل الأمن الاستقرار في الداخل والخارج.
* ولكن لماذا كان القبول ثم الرفض؟
** صالح كما ذكرت مناور كبير، وقد استغل تصريحا لرئيس وزراء قطر وعمل منه مشكلة للهروب من المبادرة وهو أسلوب لايجوز لكنه يصر على أنه يستطيع بهذه المناورة أن يتجاوز أزمته وأنه سينتصر في النهاية على الشعب، كما أود أن أوضح أنه يفسر الحرص الاقليمي وتحديدا الخليجي على حل الأزمة بأنه تعاطف معه. وحسب اطلاعي الشخصي فإن الكل يجمع على أن حكم صالح قد انتهى... وكما صرح أحد الشخصيات فإن الحاكم عندما يتعامل مع الآخرين على أنه ديكتاتور فلا حل سوى الخلع.
* وهل من فرصة أخرى أمام الرئيس؟
** نعم ولكنها ضعيفه وتضيق كل يوم.. بل كل ساعة.
قضية الجنوب
* وهل أنتم جاهزون في حالة رحيل صالح؟
** لا بد أن تتوحد الجهود لتعيين قيادة موحدة مؤقتة أمامها مهمة واضحة، وتشرع مباشرة لحل القضيه الجنوبية. لقد اعتقد الرئيس صالح ومعه مجموعه معروفة أن فرع الجنوب عاد للأصل.. وهذه كانت نقطة خلافي مع الشيخ عبدالله الأحمر -حمه الله- فعندما قلت له إن النظام في صنعاء وضع لافتة تدعو لمحاربة الحزب الاشتراكي ولكن الأفعال والممارسات ليست موجهة ضد الحزب، وإنما ضد شعب الجنوب فقال كلمته الشهيرة إن الجنوب فرع لابد أن يعود للأصل فقلت له توقف! ومن ثم أقول إن أى إعادة للوحدة ينبغي أن تراعي السيادة الجنوبية... لقد أدت سياسات صالح لانفصال الجنوب.. ومن ثم لكي تعيد صياغة الوحدة لابد من مراعاة الشخصية الجنوبية. لقد كنا ندرك أن سياسات صالح ستقود لانفصال الجنوب... وجاءت الثورة لتعيد التوازن للموضوع كله ولليمن كله، فالشباب ينظر للمستقبل بشكل مختلف.
معارضتان وقضيتان
* الآن وبعد أن وحد الشباب الشارع، نعود نتساءل هل هناك معارضتان في اليمن شمالية وجنوبية وإذا كان ذلك كذلك فهل من جهود لتوحيد المعارضين؟
** لدينا قضيتان.. قضية في الشمال وأخرى في الجنوب.. في الشمال قضية كبرى منذ انتصار ثورة سبتمر 1962 لم يتم تحقيق هدف بناء الدولة المدنية، وفي الجنوب وعندما تمت الوحدة عام 1994 كان الجنوب يسعي لتحقيق هذه الغاية.. وعندما أخفقت الوحدة في تحقيق هذا الهدف وفشل نظام صالح عادت القضية الجنوبية للظهور... وباختصار أقول إن ما فقده اليمنيون في الجنوب بل وفي الشمال أيضا هو الدولة.... النظام.....الاستقرار. ورغم كل المشاكل التي واجهت ثورة 14 أكتوبر كان الجنوب مشروع دولة مدنية حضارية.... ومن ثم فإن المعارضة تتوحد إلى حد ما، لكن هناك أطراف لا تريد أن تميز بين القضايا، فهناك قضية شمالية لكن هناك قضية جنوبية هي أساس الأزمة... لذا ارتأينا لحل هذه المعضلة أن نعيد صياغة شكل الوحدة. وبمعنى آخر فإن أولوياتنا تكون على النحو التالى: نتوحد في الشمال والجنوب على هدف واحد هو إزاحة النظام القديم باعتباره سبب المشكلة، ثم نجلس لإعادة صياغة الوحدة بشخصياتها التي توحدت. وأي معالجة تعتبر أن القضية الجنوبية ستذوب في ثورة الشباب هي معالجة خاطئة.
* وماذا عن شكل الدولة الذي تراه في حالة تغيير النظام الحالي؟
** أرى أن تكون دولة فيدرالية اتحادية باقليمين شمالي وجنوبي.
* هل بدأتم في إعداد هذا التصور لتقديمه للمجتمع الدولي ولأصحاب مبادرة الحل؟
** لقد عقدنا اجتماعًا الأسبوع الماضي حضره الرئيس الأسبق علي ناصر، ووصلنا إلى رؤية موحدة تدعو لاقامة الدولة الاتحادية الفدرالية، ونعتبر أن هذا هو الحل الأمثل للأزمة الراهنة حيث سيتيح للجنوبيين المشاركة الفاعلة في بناء دولة ويتيح الفرصة المماثلة للأخوة في الشمال. إن دولة اتحادية برلمانية ذات حكومات في الإقليم تدير حكمها بنفسها هو الأمل في بناء دولة يمنية قوية وهذا نظام عالمي معروف والنظم الفيدرالية هي الناجحة أما الوحدات الهشة فتنهي بسرعة... وحتى في إطار الإقليم الموحد الموحد لابد من احترام خصوصية كل إقليم.
حضرموت كيان كبير
* وماذا عن وضع حضرموت؟
** قال حضرموت واحدة من تلك الكيانات الكبيرة شأنها في ذلك شأن تضر وكذلك في اب والحديدة.... ولو بنيت الدولة المدنية لما ظهرت مشكلة في تلك الكيانات الكبيرة بما فيها صنعاء نفسها. إنه النظام الذي يعطي كل ذى حق حقة بحيث تصب كل الحقوق في صالح المجموع... ومن يعمل بشكل جيد لصالح الناس وصالح المجموع هو الذي يحترم....إن ما ننشده نظام فيدرالى في إطار كل إقليم.
* وهل صارحتم الأخوة في الخليج بهذة الرؤية؟
** نعم، أصدرنا بيانا بهذا الشأن وبدأنا نتواصل خليجيا وعربيا.... إن الوحدة هي عقد شراكة ولابد من الشفافية والمصارحة. وإذا تجاهلنا مصلحة أي طرف فلن تكون هناك شراكة وهنا لابد أن نشير إلى أن حزب الرابطة اليمنية تبني أيضا هذة الفكرة وأعلنها باعتبار الرابطة نشأت في الجنوب قبل الحزب الأشتراكي... وقد طرحنا الأمر في الإمارات في شهر فبراير 2010 علي هامش مناسبة السفراء في أحد القيادات الإماراتية، كما التقى الرئيس السابق علي ناصر مع الشيخ عبدالرحمن الجفري حول ورقة خاصة بالقضية الجنوبية وبعد حوار بناء وشفاف دام نحو ساعتين توصلا إلى أن الفيدرالية هي الأفضل، وعلى هذا الأساس غيرت الرابطة فكرتها من خمس أقاليم إلى إقليمين. عمومًا لا توجد لدينا أي مشكلة في هذا الجانب فالموضوع هنا ليس ملكية فكرية ومن الجميل أن تقول الرابطة: إن هذا المشروع مشروعهم وليس لدينا أى حساسية من ذلك والمهم أن نسعي جميعا لدعم هذه الفكرة، وعمومًا لسنا أنانيين في الجنوب لأننا نريد حل المشكلة في الجنوب، وحل المشكلة في الشمال.... والأهم أن يكون الإنسان اليمني هو الهدف وهو الوسيلة لتنمية بشرية فعالة وإذا حدث ذلك سيتطور اليمن.
الفراغ
* ألا تخشى من الفراغ في اليمن بعد رحيل صالح خاصة، وقد لوحظ عدم وجود عقل أو رأس تدير الثورات العربية؟
** الوضع في اليمن مختلف.... غايتنا في الشمال والجنوب بناء دولة تعطي كل ذي حق حقه وما أراه تحديدا في الشارع الجنوبي أن قوى الشباب ضاغطة وعاقلة وتقود الثورة لإسقاط النظام وإعادة صياغة مشروع الوحدة على قاعدة الشراكة، وإعطاء الفرصة للوحدة 4 أو 5 سنوات لبناء وحدة ودولة قوية فإذا لم يقتنع الأخوة في الشمال بذلك فليكن الحل الآخر والمهم أن يتكامل الطرفان. لقد أعطي الشباب مؤشرا جيدا، حيث خرج الشباب في الشمال بغير سلاح على عكس ما كان يردد النظام... لقد نزل الجميع في ساحات التغير بدون حمل أسلحة.
* إذن أنت لست متخوفا من ظهور السلاح بعد رحيل صالح؟
** لا لن يستخدم السلاح.... صحيح أن صالح ينفق أمولا في هذا الاتجاه.. المهم ألا تطول فترة بقاء النظام حتي لا تضخ مزيد من الأموال في سبيل تأجيج الفتن بعد السقوط.
رسائل وبرقيات
للشعب اليمني: اثبتوا واصبروا وصابروا وانبذوا محاولات الفرقة والفتنة.
للدكتور نبيل العربي: أهنئكم باختياركم أمينًا لجامعة الدول العربية ومن الجميل أن تتبوأ هذا المنصب بناءً على رغبة مصرية وعربية.
للجيش اليمني: انضموا إلى الشباب ولا تكونوا أداة لضرب أبنائكم وأمهاتكم وأخواتكم في ساحات التغير.