تونس – " الشروق " حوار النوري الصل –حذر الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد في لقاء خاص مع «الشروق» من مغبة الإنجرار إلى دائرة العنف والحرب الأهلية متهما السلطة بمحاولة «توريط» الثورة اليمنية في هذا المربع ، الرئيس اليمني السابق أكد أن مبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية تشكل الفرصة الأخيرة أمام الرئيس علي عبد الله صالح داعيا إياه إلى التنحي فورا. . وفي مايلي هذا الحوار:
رغم التأكيدات والتطمينات المتبادلة بين النظام والمعارضة في اليمن بعدم الانجرار إلى مربع الاقتتال فإن المواجهات الأخيرة بين السلطة والشيخ الأحمر أشعلت «الضوء الأحمر» حيال ما يجري...فما هو تحليلكم لهذا التطور؟
أولا أنا أدين الهجوم الذي قامت به قوات أمن السلطة على منزل الشيخ الأحمر واعتبره محاولة لاجهاض ثورة الشعب السلمية المستمرة منذ حوالي أربعة أشهر وإخراجها عن طريقها السلمي لتغيير وإسقاط نظام علي عبد الله صالح الذي لم يعد أمامه من خيار إلا الرحيل الفوري...أن هذا لم يعد مطلب الشعب اليمني وثورة شباب التغيير فحسب بل بات مطلبا ملحا للقوى الاقليمية والدولية التي ترى في بقائه واستمراره على رأس النظام خطرا ليس على اليمن وأمنه واستقرار بل على أمن الجيران والعالم.
إن هدف تفجير النظام للأوضاع والهجوم المسلح على منزل الشيخ عبد الله الأحمر هو إظهار الأمور وكأنها نزاع شخصي بين الرئيس علي عبد الله صالح وأسرة آل الأحمر... وهو ما لا يمكن أن ينطلي على أحد ورفضه الشيخان صادق الأحمر وشقيقه الشيخ حميد الأحمر الأمين العام للجنة الحوار الوطني مؤكدين تمسكهم بالطابع السلمي للثورة السابقة وعدم انجرارهم إلى مربع العنف والاقتتال الأهلي كما تريد السلطة.
لكن السلطة نفسها تحذر من هذا السيناريو وتقول إنها متمسكة بنهج الحوار والتشاور فكيف ستتكيف الثورة اليمنية مع الحلول التي يقترحها النظام؟
ـ إن هذه الثورة جاءت نتيجة مطالب شعبية عادلة قوامها الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الانسانية وتحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة الاقتصادية...
وإن محاولات النظام الافراط في القوة ضد المعتصمين السلميين أو دفع الأمور نحو العنف والاقتتال الأهلي لن تحرف الثورة عن مسارها السلمي ولن تمنحه فرصة البقاء... وبالتالي فإن على النظام ورأسه الرحيل الفوري والنقل السلمي للسلطة قبل فوات الآوان وضياع الفرصة...
وهل تعتقدون أن هذه الفرصة لا تزال قائمة فعلا في المبادرة الخليجية اليوم بعد أن رفض الرئيس اليمني التوقيع عليها؟
ـ نعم، إن هذه المبادرة هي الفرصة الأخيرة أمام الرئيس لتسليم السلطة وتجنيب البلاد ويلات العنف وتداعيات الأزمة...وقد لا تتكرر أمامه فرصة أخرى مماثلة...وما عليه إذن إلا التنحي والتخلي عن عناده والنزول عند رغبة الشعب... وهو لم يعد ذلك مطلبا لثورة الشباب والشعب السلمية فقط بل هو مطلب القوى الاقليمية والدولية التي تدعوه إلى التنحي... وعليه فإن المعارضة اليمنية وثورة شباب التغيير لا تثق في الرئيس ولا توجد لديها القناعة بأنه سوف يلتزم بالاتفاق حتى إن وافق عليه ولكن تبقى المبادرة مخرجا تحل الأزمة القائمة حاليا والتي استفحلت بتمسك الرئيس صالح بالسلطة وعدم تلبيته لمطالب ثورة شباب التغيير بالتنحي والرحيل.
كيف تقيمون التعاطي الغربي مع الأزمة اليمنية...وبالتحديد مع مسألة بقاء صالح من عدمه...ألا يوحي الأمر بوجود ازدواجية غربية في التعامل مع الثورة اليمنية مقارنة ببعض الثورات الشعبية الأخرى؟
ـ لزم الغرب الصمت المشوب بالحذر إزاء الأوضاع الحالية في اليمن نتيجة الدعاية الاعلامية للرئيس علي عبد الله صالح بأن البديل له هو الفوضى والانقسام وانتشار إرهاب «القاعدة» على الرغم من أن وجوده في السلطة هو ما أوصل اليمن إلى ماهو عليه اليوم من تردّ وأزمات سياسية واقتصادية لكن الموقف الغربي أصبح واضحا بعد أن أيدت كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي جهود حل الأزمة في اليمن والتي من أهم شروطها تنحي صالح عن منصبه وتسليم السلطة سلميا...وهم اليوم يطالبون بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح فورا وبالانتقال السلمي للسلطة أما في ما يخص ازدواجية الغرب عموما وواشنطن خاصة مع ملف الأزمة اليمنية فلا يخفى على أحد أن المصالح الاستراتيجية هي التي تحدد سياسات هذه الدول وليس المبادئ أو العواطف ومصالحها هي التي تحدد طبيعة مواقفها هنا وهناك...والأمر بات معروفا وليس جديدا...
كثيرون يرون بوجود أوجه شبه بين التركيبة الاجتماعية والبيئة السياسية في اليمن وليبيا...السؤال هنا ألا تخشون من احتمال أن يكون مآل الثورة اليمنية نفس مآل الثورة الليبية؟
ثمة فرق بين ما يجري في ليبيا وما يجري في اليمن فثورة شباب التغيير والجماهير في اليمن أخذت منحى سلميا منذ بدايتها ولم تخرج عنه رغم ما جوبهت به من عنف وبطش من قبل الأجهزة الأمنية والبلطجية التابعين للنظام في صنعاء.... فالعنف إذن يمارس من طرف السلطة فقط بينما المعتصمون والمعارضة متمسكون بسلمية ثورتهم حتى تحقيق مطالبهم الحقة ولكن الأمور في ليبيا أخذت منحى عسكريا وحربيا بين الثوار وبين قوات القذافي منذ البداية مما أدى إلى تدخل قوات «الناتو» لحماية المدنيين بطلب من الجامعة العربية.
نحن هنا في اليمن واجهنا حروبا أهلية دامية لم تحصد إلا الخراب والدمار وقتل الأبرياء...حروب على مستوى الشمال وعلى مستوى الجنوب وبين الشمال والجنوب... ولقد أدرك شعبنا من تجاربه الماضية الأليمة أن العنف والسلاح والحرب أمور لا جدوى منها...والمنتصر فيها خاسر بل الوطن والشعب بأكمله هو الخاسر الأكبر...لهذا فإن الشعب اليمني لن ينزلق إلى دوامة العنف التي يحاول النظام جره إليها...والعدوان الذي شنته قوات النظام على منزل الشيخ صادق الأحمر (شيخ مشايخ قبائل حاشد) في صنعاء في الأيام الأخيرة كان يهدف إلى ذلك ولكن الشيخ صادق وشقيقه حميد الأحمر أكدا أنهما في حالة دفاع عن النفس ويتمسكان بالطابع السلمي للثورة.
لقد أثبتت ثورة شباب التغيير والمعارضة ومن ورائهم الشعب اليمني كله أنهم على درجة عالية من الوعي والمسؤولية الوطنية التي جعلتهم يتمسكون بقوة أكثر بخيارهم السلمي على الرغم مما ووجهوا به من عنف النظام وبطشه وهم مدركون تماما أن الخيار السلمي هو الطريق الوحيد لتحقيق مطالب ثورتهم وإسقاط النظام.
كيف تنظرون إلى أحزاب اللقاء المشترك وإلى أي مدى أنتم راضون على أدائها في الثورة اليمنية؟
ـ ننظر إلى أحزاب اللقاء المشترك كقوة معارضة أساسية وهي اليوم جزء من الحراك السياسي والاجتماعي والسلمي الذي يشهده اليمن المطالب بالتغيير والاصلاح وتخلي الرئيس عن الحكم...وأحزاب اللقاء المشترك هي احدى حقائق السياسة في اليمن... ونحن نحكم عليهم ونتعامل معهم على أساس تجسيدهم لطموحات وآمال وتطلعات الشعب اليمني في التغيير والاصلاح.
شاركتم مؤخرا في لقاء تشاوري جنوبي حول الأزمة اليمنية...فما الذي أثمره هذا اللقاء على صعيد حلّ المأزق اليمني الراهن؟
إن هذا اللقاء شكل فرصة تاريخية لاستكمال مشروع التصالح والتسامح بين الجنوبيين وخرج برؤية موحدة حول الأوضاع الجارية في اليمن وبرؤية لحل شامل لأزمته الراهنة ولحل القضية الجنوبية العادلة ...فالحراك السلمي الشعبي الجنوبي هو الحاضن لتلك القضية... والجنوبيون كانت لهم مشاركة إيجابية وبناءة في ثورة شباب التغيير السلمية والجهود المخلصة لانقاذ اليمن من المنزلقات والمخاطر التي يخطط النظام لجرّ البلد إليها...إن هذا اللقاء التشاوري أكد على أن الوحدة ستظل خيارا سياسيا وعقدا للشراكة المتكافئة بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية والشعبية والجمهورية العربية اليمنية كما عبر المجتمعون عن موقفهم الثابت بإعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية بدستور جديد كواحد من أرقى أشكال الوحدة السياسية والوطنية وان ذلك يقدم حلاّ موثقا للقضية الجنوبية بعيدا عن المصالح الذاتية والفئوية ومكونا أساسيا للخروج من الأزمة والحفاظ على الوحدة اليمنية المرتكزة على الشراكة المتكافئة بين شريكي الوحدة.
كنتم دائما تقولون إن مصدر الخطر على وحدة اليمن من الداخل...الآن في ضوء ما يشهده هذا الداخل اليمني من قلاقل واضطرابات ماهي فرص صمود الوحدة اليمنية التي حلت ذكرى توقيعها قبل أسبوع؟
ـ ليس صعبا على أي متابع للشأن اليمني أن يكشف أن الوحدة اليمنية واجهت خطرا حقيقيا فحرب عام 1994 سددت ضربة كبيرة للمشروع الوطني الحضاري الذي مثله تحقيق الوحدة اليمنية في 22 ماي 1990 وأعادت تلك الحرب اليمن إلى الوراء خطوات كبيرة...وقد عدها البعض انقلابا اجتماعيا أعاد صياغة الواقع اليمني كله بذهنية وبرنامج ما قبل الوحدة وتعميم النظام الذي كان قائما في الجمهورية الغربية اليمنية بقوة السلاح في كل أنحاء الدولة الجديدة حيث تنصلت سلطة 7 جويلية 1994 عن واحدة من أساسيات اتفاق الوحدة ألا وهي الأخذ بنموذج حكم يجمع بين ايجابيات النظامين السابقين في الشطرين مما مهدّ لكل الأزمات اللاحقة التي أدت إلى إخراج الشريك الجنوبي والاستئثار بالسلطة ووضع اليد على كل ثروات الوطن وما تبع ذلك من إقصاء للجنوب وأبنائه وتعديل دستور الدولة الواحدة وإفراغه من مضمونه السياسي والاجتماعي والاقتصادي حين سادت فكرة المنتصر والمهزوم وروح الانتقام وقيام النظام بتصفية منجزات دولة الجنوب والاستيلاء على أراضي المواطنين وتسريح الآلاف من وظائفهم مدنيين وعسكريين وعدم المساواة في المواطنة... وتعامل مع الحراك السلمي في الجنوب عبر القوة والعنف...غير أن الوضع المأزوم في اليمن على كافة المستويات أوصل الوطن شماله وجنوبه إلى الانتفاض والثورة التي انطلقت في صنعاء بثورة شباب التغيير وانتشرت بسرعة في بقية المدن اليمنية في وجه النظام وأجمع اليمنيون بكافة أطيافهم على إسقاط هذا النظام ورحيل رئيسه علي عبد الله صالح...
أعتقد أن اليمن سيمرّ بمرحلة انتقالية هامة جدا بعد سقوط نظام الرئيس صالح تكون نواة لبناء دولة اتحادية بدستور جديد....هذه الدولة الديمقراطية الوليدة ستواجه حتما الأزمات والمشاكل التي سيخلفها النظام بعد رحيله وسوف يكون من أولويات الدولة الديمقراطية الجديدة لحل القضية الجنوبية وقضية صعدة بالطرق السلمية والحوار الوطني.