بتلقائية، كانت إجابته على أسئلتنا المتعلقة بنشأته وأخيه إبراهيم محمد الحمدي الذي لا يزال ساكنا في قلب كل يمني حتى الآن، وعلى الرغم من مضي ما ينوف عن أربعة وثلاثين عاما على رحيله..
في منزله المتواضع الذي يسكنه بالإيجار في حي الكويت بصنعاء كانت هذه الزيارة وهذه الدردشة العابرة التي باح بها لأول مرة بعد طول صمت وكتمان خلال الفترة الماضية، وهي معلومات لا نشكك بصحتها كما لا نستطيع أن نعتبرها قطعية، فعامل الوقت لا يسمح حتى الآن باستقراء القضية من جميع جوانبها وعسى الأيام القادمة أن تأتي بما لم يكن في حسبان الكثير.. الوالد محمد بن محمد الحمدي الشقيق الأكبر للرئيس اليمني الأسبق المقدم إبراهيم الحمدي تحدث لصحيفة الناس في هذا الحوار الذي يعيد المصدر أونلاين نشره بالاتفاق مع الصحيفة:
حــاوره: ثابت الأحمـدي
* بداية.. حبذا لو تحدثنا عن نشأة الرئيس الحمدي؟
- نشأتنا كلنا أولاد بيت الحمدي متعددة بحسب وظيفة والدنا حيث كان يعمل قاضيا متنقلا بين أكثر من منطقة أيام الإمام، وبالنسبة لأخي إبراهيم الذي يصغرني بثلاثة عشر عاما فهو من مواليد قعطبة (الضالع حاليا) عام 1362هـ، وأمه أيضا من هناك من بيت الخطيب، عدنا من قعطبة بعد ولادته بسنة وقليل، وتعين الوالد عاملا لقضاء آنس لسنوات، ودرس الأخ إبراهيم على يد العلامة علي الزبيدي والد رئيس مصلحة الجماهير حاليا، وقد كان إبراهيم نابغة إذ أتم حفظ القرآن الكريم وعمره ثمان سنين في الطويلة، التي عمل فيها لفترة وجيزة، وقد أعجب بذكائه ومواهبه القاضي حسين الحلالي ما جعله محل اهتمام عنده في صنعاء، وقرأ على يد القاضي حسين الويسي مادة التاريخ، بعدها انتقل الوالد إلى ذمار، فدخل إبراهيم المدرسة الشمسية وقرأ علوم الفقه واللغة والحديث على يد علماء كبار أبرزهم العلامة أحمد بن أحمد سلامة، إلى جانب دراسته الفقه على يد والده، انتقل بعدها إلى المدرسة التحضيرية في صنعاء، وكان من زملائه في المدرسة التحضيرية حسين المسوري وعلي قاسم المؤيد ويحيي المتوكل وعبدالله السحولي وآخرين، وكان في عمر يقارب العشرين عاما، انتقل بعدها إلى مدرسة الطيران وفيها ظل سنة ونصف غادرها إثر خلاف نشب بينه وبين عبدالله السلال رحمه الله، عاد بعدها إلى ذمار، وظل الخلاف كامنا بينهما غير معلن، وعندما نزل ولي العهد البدر حينها إلى ذمار ليجتمع بالقبائل هناك قابل الناس والأعيان إلا الوالد لم يستقبله، والتقيا مؤخرا في الحكومة وتفاجأ الوالد بالبدر وخلفه أربعة ضباط منهم السلال والدفعي والغفاري ورابع لا أذكره..
وعقب ثورة 26 سبتمبر دخل إبراهيم السجن مع آخرين بدلا عن أبيه الذي لم يكن موجودا في عمله أثناء قيام الثورة، وخرج بعدها بفترة وجيزة.. وقد التحق بعد ذلك بالقوات المسلحة في القيادة العامة بالعرضي، واستلم قيادة المنطقة الشرقية الغربية وكافح الملكيين، ثم عمل في سكرتارية العمري نهاية الستينات..
* ما هو طموحه الوطني آنذاك الذي كان يسعى إليه؟
- كان لديه طموح وطني عال، وأعد برنامج الضباط الأحرار للإصلاح المالي والإداري لكل مرافق الدولة، وقد عرضه على القاضي عبدالرحمن الإرياني فقال له الإرياني: ما دام وأنت تحمل هذا البرنامج فنفذه. ومن ثم عينه نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الداخلية من عام 71ـ 73م، وكان من ضمنها برنامج التشجير، فزرع مناطق صنعاء كاملة حينها ولا تزال أشجار الكافور إلى الآن في صنعاء من ضمن مشروعه، كما أشرف بنفسه على مشروع التشجير بتعز، ولا زلت أتذكر له موقفا في تعز حين خرج قبل الساعة السادسة صباحا بعد أن أصبح رئيسا لمجلس القيادة، في موسم التشجير، حيث خرج إلى الكمب حيث كان يجلس دائما، وجلس تحت ظل شجرة وحينها وجد امرأة عجوزا فسألها: إلى أين أنت ذاهبة؟ فقالت: أذهب لأحضر الماء من مشروع "كندي" ولما عرف أنها بلا مشروع ماء وجه مدير المشروع بسرعة توصيل مشروع المياه إلى بيتها بأمر عاجل سلمها إياه ولم تعرف أنه الرئيس الحمدي إلا بعد أن سلمت مدير المشروع الأمر، الذي تفاجأ بدوره بهذا التوجيه وقد سألها بدهشة: أين وجدت الرئيس؟! فتفاجأت من جهتها بذلك، ولم يأت وقت الظهر إلا وقد تم توصيل مشروع المياه لهذه المرأة إلى بيتها!!
* كيف ترأس ابراهيم الحمدي البلاد؟
- ما عندكم هذه المعلومة؟! (قالها باندهاش)!!
* أنا أريد أسمعها منك؟
- بعد الخلاف الحاصل بين الإرياني وبعض المشايخ قدم القاضي الإرياني استقالته وقد قرر البعض منهم قتله، فكانت الاستقالة، وقد نزل إبراهيم معه إلى تعز وودعه هناك وحرر رسالة رسمية إلى الرئيس الأسد.
* ما هي أولى خطوات الرئيس إبراهيم الحمدي بعد أن ترأس؟
- قد أنتم عارفين كل شيء، لمه عاد بتسأل؟ إبراهيم عمل أولا مشروع التصحيح فقطع الفساد وما عاد واحد كان يقدر يسرق، حد من سلطة المشايخ وعزل الكثير منهم من مناصبهم، ومن بساطته أنه حتى بعد أن عزلهم من مناصبهم كان يروح يخزن عندهم، فكان البعض يراجعه بأن في زيارته لهؤلاء خطرا على حياته، فيرد دائما: الصحبة لحالها والوظيفة لحالها..
* لماذا عزل المشايخ؟
- أنت تشوف ما بيسووا ذا الحين!! (قالها بصوت مرتفع)!! كان يشتي يعمل دولة مدنية، دولة النظام والقانون، بدون تأثير لا للمشايخ ولا لأحد..
* طيب.. ألم يوظف أقاربه وأصدقاءه؟
- ولا واحد توظف من إخوته كلهم، وقد كنت أنا موظفا من قبله، وكنت تاجرا في تعز من قبل الثورة، وبعد الثورة عملت في القصر الجمهوري وفي رئاسة الوزراء وفي الإدارة المحلية، أنا من بنى مصنع الغزل والنسيج وترأسته لفترة، وذهبت إلى سوريا للدراسة وعدت أول حرب السبعين، واشتغلت في ميناء الحديدة ثم دخلت عضوا في مجلس الشورى، حتى قامت حركة 13 يونيو استقلت من العمل الرسمي ولم أتقاض ريالا واحدا من يوم ثورة التصحيح حتى يومنا هذا والله شاهد على ما أقوله!
* حتى الآن أنت غير موظف؟!
- حتى الآن أنا غير موظف، لم يأت يوم 20 يونيو بعد ثورة التصحيح التي قادها إبراهيم إلا وقد وقفوا كل مستحقاتي وقررت من حينها العمل التجاري، نحن لسنا طلاب مال.
* طيب وبقية الأسرة، ألم يكن إبراهيم يساعدهم وهو رئيس البلاد؟
- كنت أتوسط لبعض إخوتي عند إبراهيم في مساعدتهم إذا مروا بظروف صعبة فيحول إبراهيم إلى الصندوق قائلا: لا مانع من صرف خمسمائة ريـال وتخصم من مرتبي. وأتذكر أن ابن صهري حين زوجه أبوه مر بظروف صعبة، فطلبت الأسرة مني التوسط عند إبراهيم لمساعدتهم، فكلمته، فكتب: تصرف عشرة ألف ريـال وتخصم من ميراث أختي، وهذا نسبنا. وأذكر أنه بعد عودته من المغرب العربي عقب إحدى القمم العربية هناك أهداه الملك المغربي حينها هدية عبارة عن صحن فاخر وفيه عدة كاسات وكتلي فاخر، وعندما دخل البيت فتشنا في حقائبه فأعجبنا بهذا "الكتلي والصحن الفاخر" وأخرجناه من الحقيبة فصاح علينا: خلوه.. خلوه.. شلوه المتحف، لا يمكن يجلس في بيتي، راجعه البعض منا بأن هذا مجرد "كتلي ومجموعة كاسات مع صحن" لا يستحق، فرفض تماما وأخذه إلى المتحف. لم يعمل لأحد من الأسرة شيئا. قصة ثانية: عبدالرزاق ابن أخي عبدالوهاب كان في لواء العمالقة في ذمار اشترى أرضية وبناها بثلاثة عشر ألف ريـال، استغرقها من عهدة كانت عنده، فقامت قيامة إبراهيم وأشعل عليه الدنيا، فذهبت أراجع إبراهيم للتوسط بخصمها من راتبه، وكانت تساوي ألفي دولار حينها، ولم يهدأ له بال إلا بعد أن تعهدنا بتسليمها خصما من راتبه، كان يحرص على المال العام ويهتم به، أما هذا الرئيس فقد أبعد (الزلومة) التي كانت معه في حنجرته باثنين مليون دولار، من ميزانية الدولة بعد أن طلع رئيسا في أول سفر له إلى إيطاليا، بعدها قالوا له لازم عملية تجميل لوجهه، وكلفت أربعة مليون دولار وقد قرأت هذا الخبر في الصحف المصرية في الثمانينات وأنا في القاهرة ولا زلت أحتفظ بهن إلى اليوم..
* هذه معلومة صحيحة أم مجرد وشاية؟
- هذه معلومة أكيدة ليست سرا ويعرفها الطاقم حق الرئيس كله وقد كتبت عنه الصحف.
* ماذا عن قضية مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي التي لا تزال غامضة حتى الآن؟
- مقتله واضح.. في بيت الغشمي وفي وليمة خصصت لعبدالسلام مقبل بعد تعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل، ودعوا إليها عبدالعزيز عبدالغني وآخرين، وكانت هذه الخطة ضمن ثلاث خطط للقضاء عليه: إما يقتلوه وهو في الطائرة أثناء ذهابه إلى عدن للتوقيع على الوحدة اليمنية، وإما يقصفوا البيت في الليلة السابقة لسفره، وإما عن طريق استدراجه إلى بيت الغشمي وكانت الثالثة أقرب الطرق، وقد جاءني العميد علي حمود الجايفي مع اثنين من الضباط إلى البيت وقت الظهر تماما مسرعين قائلين لي: أبلغ إبراهيم لا يذهب للغداء في بيت الغشمي فإنهم سيقتلونه هناك، والخبر كيت وكيت، المؤامرة جاهزة، انزعجت من الخبر وقمت اتصلت به إلى بيته فأجابتني زوجته وقالت خرج قبل قليل. فصحت بصوت عال: قد قتلوه؟! وصاح أولاده أيضا في البيت وبدأ العويل والبكاء مباشرة، وطلب مني هؤلاء الذين جاءوا إلى عندي كتمان الخبر، وقد هرعت مسرعا إلى بيت إبراهيم وقد انقضى الأمر وقتل إبراهيم..
* طيب وأخوه عبدالله؟
- عبدالله كان ذاهبا إلى ذمار، وصدفة بينما كان في عصر في سيارته لقي الغشمي هناك فقال له الغشمي: معكم أربع سيارات للواء خذ مفاتيحهن من الآنسي، فسار عبدالله يبحث عنه فقالوا له: هو في بيت الغشمي، وصل إلى بيت الغشمي فقالوا له عندنا عبدالعزيز عبدالغني وعبدالسلام مقبل تعال نتغدى جميعا وبعدها تأخذ المفاتيح وتمشي، فقال: تمام، فقالوا له: خلاص العساكر حقك يمشوا ويرجعوا بعدين. وجه المرافقين الذين معه بالانصراف ودخل منفردا، ودخل وكان يتكلم مع الحاضرين في الديوان، فجاء إليه الشيخ محمد الغشمي وقال له: تعال أكلمك، فخرج معه إلى الديوان الخارجي المنفصل عن البيت فلقوا محسن دحابة، فسأله دحابة إلى أين تذهب؟ وتمازحا معا لحظات، وروى لي محسن دحابة قائلا: بعدها بدقائق سمعت إطلاق نار، وبعدها بقليل أيضا رجع هؤلاء وصورهم مقلوبة، وأصر الغشمي على حضور إبراهيم، وحضر إبراهيم ومعه محمد الجنيد فاستقبله الغشمي بتحية عسكرية حتى "طلع الغبار" وبينما هما داخلان انفرد الغشمي ومن كان معه بالرئيس وأدخلوا محمد الجنيد عند عبدالعزيز عبدالغني وانصرف الغشمي وإبراهيم باتجاه الديوان الخارجي، وقد كان القتلة موجودين وجاهزين، ودخل الحمدي الديوان الخارجي ليتفاجأ بأخيه مقتولا أمامه ومضرجا بدمه، فقال له الحمدي: هذا آخر الوفاء يا غشمي بيننا؟! وكان الغشمي يذكر ذلك كثيرا لمقربيه ويتفاخر بذلك أمامهم، فعرض عليهم إبراهيم التنازل عن الرئاسة، وقالوا سأغادر الآن هاتوا لي طائرة وأنطلق الآن. فكان الغشمي قد وافق في البداية إلا أن علي عبدالله صالح استدرك الأمر قائلا للغشمي: "ها.. عادك بتخرجه من هانا، والله لا يقلب علينا اليمن" وسارع إلى إطلاق النار على إبراهيم بنفسه..
* طيب.. كيف استقبلتم الخبر بعد ذلك؟
- كما قلت لك.. كنا قد علمنا بالحادثة قبل وقوعها بقليل ولم نستطع استدراك الأمر، ولما طالت عودته عن المنزل أرسلنا بعده إلى منزل الغشمي نسأل عنه: فأفادوا هناك في بيت الغشمي بأن الرئيس قد خرج، وذهبوا إلى أكثر من مكان، فلم يجدوه.
* من الذي كن حاضرا أيضا إلى جانب من ذكرتهم سابقا؟
- والله لا ندري على وجه الدقة، ولكن حسبما نسمع كان موجوداً واحد اسمه الكود وقد قتل نفسه في الفرقة الأولى مدرع، والحاوري ومحمد يحيى الآنسي، وقد تغدوا جميعا بعد قتله وذهبوا.. وأنا أريد أن أضيف لك معلومة مهمة أن علي عبدالله صالح عندما أصيب بمرض "التيتانوس" في ظهره في حرب السبعين وأرسله إبراهيم الحمدي والفريق العمري إلى أسمرة للعلاج وكانوا يرسلون معه أسبوعيا ضابطين لمرافقته، أفاد أحدهم أن علي عبدالله صالح كان من ضمن اثنين رافقا الحمدي فالتقطته المخابرات الإسرائيلية من حينها وأصبح من عملائهم من يومها، ولم يرجع إلى تعز إلا وقد أصبح "تيس الضباط" بحكم الدعم المعنوي والمادي له، وتخيل خلال 33 عاما وهو مدعوم منهم.. محمد عبدالملك سافر مع علي صالح إلى زبيد ورجع كتب في صحيفة الشورى عن دقة حراسة الرئيس وكان من ضمن حراسته أربعة ضباط أردنيين.
* ماذا ترى فيما يحدث اليوم من المشاهد الثورية التي نعيشها؟
- أنا من زمان كنت أتساءل كيف كانت ثلاث إلى أربع مدارس في اليمن كله تقلق الإمام وتشكل له مصدر ازعاج كبير، واليوم مع انتشار التعليم والجامعات كيف يستقر هؤلاء؟ كيف جلسنا ثلاثين سنة بلا وعي، كنت أقول: متى يعي هؤلاء ويصلوا إلى مرحلة غير هذه المرحلة؟ كنت أستغرب كثيرا. وكانوا يقولون إن في الجامعة طالب وخلفه جاسوس، والحمد لله بدأت الصحوة وزال حاجز الخوف، أهم شيء زال حاجز الخوف وأصبحنا نتكلم عن علي صالح بما لم نكن نستطع أن نتكلم به. والحمد لله أن إسرائيل اليوم في أسوأ حالاتها من هذه الثورات.
* مستقبلا.. هل بنيتكم فتح ملف قضية إبراهيم الحمدي؟
- والله قد قلت الكلام من قبل أن إبراهيم الحمدي هو ملك اليمن أجمع ولم يعد ملك أحد، والمفروض أن اليمنيين ومن يهمهم أمره يفتحوا هذا الملف ونحن سندخل بالطبع مع الناس، بل في مقدمتهم.