كَثُرتْ تصريحاته الداعمة للقضية الجنوبية ؛ فبرز مدافعاً شجاعاً عن هذه القضية ، حيث طالب الزعيم القبلي والقيادي بحزب الإصلاح الشيخ حميد الأحمر .. طالب نظام الرئيس صالح الاعتراف بـ"القضية الجنوبية" ودعا إلى انتخاب رئيس جنوبي كردّ اعتبار للجنوبيين وللحد من الأصوات الداعية إلى "فك الارتباط" على حد وصف الشيخ حميد في كثير من تصريحاته ومقابلاته الصحفية.
الشيخ حميد الأحمر قال أيضا إن الحراك الجنوبي تلاشي أو انتهى مع ظهور الثورة الشبابية المطالبة بإسقاط النظام واعتبر _أخيرا_ الأصوات الجنوبية المتمسكة بفك الارتباط أنها من بقايا النظام البائد وسيتعامل معها كذلك إذما سقط هذا النظام ، والمتابع لتصريحات ومواقف الرجل الذي يعد رأس الإصلاح والمشترك والمحرك والداعم الأول لثورة التغيير في الشمال سيلاحظ تباينا واضحا وتحبطا ملحوظا يتأرجحان بتأرجح ثورة الشباب ؛ فكلما قطعت الثورة خطوات نحو الحسم وأوشكت منه تراجع الرجل وحزبه عن مواقفهم حيال القضية الجنوبية وتأنّوا في تصريحاتهم وأفكارهم الداعمة للجنوبيين ، وكلما تأخرت الثورة أو تعثرت عاودوا وقوفهم وتضامنهم مع الجنوب .
هذه العلاقة العكسيّة بين تقدم قوى التغيير نحو تحقيق هدف ثورتهم إلى إسقاط النظام وبين مواقفهم إزاء قضية الجنوب والجنوبيين.. كان من الطبيعي أن تجعل للجنوبيين وقادة الحراك مواقفَ متباينةً ومتفاوتة من هذه الثورة قياسا بهدف "الحراك" الذي تمثّل بـ"تصحيح مسار الوحدة" ثم ارتفع بسكوت "قوى التغيير" وتحالفها مع النظام ضد الجنوب إلى المطالبة بفك الارتباط واستعادة دولة الجنوب ، لكن الحاصل اليوم هو العكس تماما إذ لم تزددْ فصائل الحراك الجنوبي كافة سوى تمسكاً وتأكيداً لمطلب "فك الارتباط" ، وعلى الرغم من تأييد وتعاطف "الحراك الجنوبي" مع ثورة التغيير إلا إنه لا يفرّق بين نظام صالح وبين حميد وحزبه ومناصري ثورته ، فالجميع في نظر "الحراك" عدو اغتصب أرضه واحتلّ دولته ولا يزال هذا العدو حتى اليوم يتعمّد إقصاءه من المعترك السياسي ويتحايل على ثورته السلمية التي بدأها قبل ثورة التغيير بسنوات بيد إنها لم تلقَ تأييد الإصلاح والمشترك أو دعم حميد وحاشد كما لاقته الأخيرة .
إذن ما مستقبل "الحراك الجنوبي" بعد نجاح ثورة الشمال وإسقاط النظام ؟ وكيف سيتعامل حزب الإصلاح وزعيم تياره القبلي الشيخ الأحمر مع الحراك والثورة السلمية في الجنوب بعد وصول هولاء إلى القصر الرئاسي .. ؟! سؤالان لا أعتقد أن الشيخ حميد عاجزٌ عن إجابة لهما بل لا أستبعد أن يكون حميد وحزبه وقبيلته قد أعدوا مخططات الإجابة قبل إعدادهم مخططات الثورة نفسها بيد إنهم لا يريدون الإفصاح بهذه الإجابة الآن خشية من انكشاف مخططاتهم التي رسموها للجنوب والجنوبيين عقب ووصولهم القصر الجمهوري.
ما أريد قوله _بصراحة_ إن لا جديد أو مقنع يطمئن الشعب في الجنوب على مستقبل ثورتهم أو على الأقل استعادة حقوق مطلبية سلبها منهم النظام وبمساندة هذه الأطراف نفسها .. بل لم تقدم هذه الأحزاب حتى اعتذار أو رد اعتبار للجنوبيين _أو حتى تلميحا لذلك_ على ما اقترفته في حق الجنوب من جرائم نهب واغتيالات وعنصرية "وتكفير" عندما كانت هذه الأحزاب الذراع الأيمن التي بطش بها صالح ونظامه في الجنوب منذ حرب احتلال الجنوب حتى الأيام التي سبقت اندلاع ثورة شباب التغيير في الشمال ، فلم يلمس الجنوبيون من هذه الثورة حتى الآن سوى التحايل على قضيتهم وثورتهم في الجنوب ومحاولة ضمها وإلحاق تضحياتها لثورة التغيير تأكيدا لمبدأ (ضم الفرع إلى الأصل) الذي سار عليه أسلافهم ، كما لم ترَ القوى السياسية في الحراك الجنوبي من ثورة التغيير ورموزها إلا إقصاء ورفض كل ما هو جنوبي ؛ فالشيخ حميد الذي دعا قبل أمس إلى انتخاب رئيس جنوبي خرج أمس هو وحزبه ومناصروه يطالبون بمجلس انتقالي ورفض عبدربه منصور هادي من القيام بأعمال رئيس الجمهورية رغم إيمانهم بأن "عبدربه" لن يظفر حتى بعشر الصلاحيات لتسيير أمور البلاد لكن (جنوبية) منصور هي التي أثارت الحساسية والغيرة والخوف لدي (ثوار التغيير) ودعاة المناصرة لانتخاب رئيس جنوبي . هذا فقط مثل صغير وملموس من السياسات المزدوجة التي تتعامل بها أحزاب المشترك لاسيما الإصلاح مع القضية الجنوبية ووعائها السياسي (الحراك الجنوبي) بل ومع كل من ينتسب للجنوب وإن كان مواليا لسياسات هذه الأحزاب .
كل ذلك جعل "الحراك الجنوبي" الذي كانت _يوما_ ثورته هي السباقة إلى التغيير لبناء الدولة اليمنية الموحدة بدعائم الدستور والقانون وحكم المؤسسات ونبذ القبلية والعنصرية من مؤسسات الدولة.. جعله اليوم _أي الحراك_ غير قادر على تصديق ، أو بالأحرى ، غير واثق بالعمل مع الإصلاح والمشترك عامة لتحقيق هذا الهدف وبناء هذه الدولة ؛ ذلك بسبب ازدواجية سياسات أحزاب المشترك وعدم وضوحها أو تحديدها مواقفَ صريحةً من القضية الجنوبية والحراك الشعبي في محافظات الجنوب كافة .
أعتقد أن الإصلاح ، المهيمن على المشترك والداعم للثورة ، ارتكب خطأً استراتيجياً فادحاً عندما حاول احتواء "الحراك الجنوبي" بطمسه وضمّه إلى ثورة التغيير معتقدا سهولة ذلك دون النظر ولو بعين الاعتبار للإرث التاريخي وتراكم النغمة الشعبية التي يحضى بها الإصلاح لدى شعب الجنوب ونخبته المثقفة لاسيما في محافظة عدن ، ولا أدل على ذلك من ازدحام ساحات عدن بمطلب "التغيير" خلال الأيام الأولى للثورة لكن الأمر لم يدم إلا أياما حتى عاد شباب الساحات لرفع "علم الجنوب وأغاني عبود وبرع برع ياستعمار" بعد إن اكتشف الشباب تحركات واسعة لأنصار الإصلاح بينهم ولمسوا دعما سخيا من الشيخ حميد وصل إلى حد التسليح لأعضاء الإصلاح ؛ الأمر الذي ولّد لدى الشباب شعورا بأن عدن والجنوب عامة ستصبح بعد ثورة التغيير خاضعة "لرحمة حميد" ومليشيات الإصلاح وليس لنظام وقانون كانوا يأملون منه تغيير نمط الحياة ويرتقي بها . !
في الختام لا أعتقد أو أتوقّع أن تقارباً سيبرز في المرحلة القادمة بين الحراك الجنوبي الداعي إلى فك الارتباط وبين أحزاب المعارضة والداعين للتغير لأسباب يتحمل مسئوليتها الأخير ؛لكن هذا الأخير مايزال مطالبا بإثبات نواياه تجاه الحراك الشعبي الجنوبي باتخاذ خطوات عملية تتجاوز التصريحات واستمالة العواطف لعل هذه الخطوات تمهّد لعلاج آلام الجنوبيين وتتودد لمكونات "حراكهم" لمحاورتها وإرضائها .. وعلى الرغم من إيماني مسبقا بأن نسبة "شفاء الآلام" ستكون ضئيلة جدا إلا إنني أرى أولا أن تبادر أحزاب اللقاء المشترك ومكونات ثورة التغيير في الشمال إلى الاعتراف رسميا بالحراك الجنوبي _بأهدافه ومطالبه_ كقوة سياسية فاعلة وشريك رئيس في صنع ثورة التغيير وتأجيل الحوار معه إلى ما بعد إسقاط النظام ونجاح الثورة ، ويكون ذلك في وثيقة رسمية تصدرها أحزاب المشترك وتعلن عنها رسميا ، أما ثانيا فعلى حزب الإصلاح الاعتراف بأخطائه التي اقترفها في حق الجنوب والجنوبيين والرد على دعاوي الجنوبيين (بفتوى التكفير) ضدهم في حرب 94م أو تبريرها والاعتراف بها شريطة أن يتضمّنَ الاعتراف اعتذارا صريحا يعلن رسميا وتشهده أحزاب المشترك كافة .. عدا ذلك فلتبشر اليمن بثورة في كل محافظة ..!!
hajebpress@hotmail.com