في حضرموت الجنوب... شاهدت حقول النفط المنهوب !؟. "1-1" الاثنين , 18 يوليو, 2011, 08:23
بقلم د. حسين مثنى العاقل
توطئة لزيارة وصفية:-
يكتبها في حلقات الدكتور/ حسين مثنى العاقل
عند بزوغ فجر يوم الأربعاء الموافق 6 يوليو 2011م كان الشوق المتدفق بخلجات الروح يسابق موجات الأثير، ويرسم بخيال الوعي المتحفز لزيارة مدينة المكلا وعواصم بعض مديريات محافظة حضرموت صور ولوحات من الإبداع الطبيعي التي وهبها الله الخالق العظيم لمعالم الأرض المترامية وما تحتويه من تنوع وتميز في تكويناتها البيئية، وفي نفس الوقت ما لحضرموت المجد والتاريخ من وقعا في النفس والضمير من قيم الفخر والاعتزاز التي تأصلت في وجدان كل جنوبي حظه القدر أن ينتمي إلى خارطة مساحة الوطن الممتد من حبروت شرقا إلى باب المندب غربا، ومن جنوب الربع الخالي عند دائرة العرض 20 درجة شمال خط الاستواء وحتى دائرة العرض 12,5 درجة جنوب أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي.
كان صباح ذلك اليوم في مدينة عدن مشحون بحالة التوجس والحيرة.. وتسوده مشاعر نفسية قلقة ومترقبة بحذر شديد مظاهر الركود والشلل التام للنشاط الاجتماعي والاقتصادي في شوارع مدينة الشيخ عثمان ومحطة النقل الجماعي (الفرزة) الواقعة بجوار جولة القاهرة، وكنتُ ورفيقي المناضل السفير قاسم عسكر، نراقب حالة اليأس والإحباط لدى عامة المشتغلين بالنقل البري بين المحافظات وخصوصا مع تصاعد الأزمة المفتعلة للتموينات النفطية ومشتقاتها. وبرغم من المشاكل والصعوبات التي يعاني منها الركاب المسافرون إلى مناطقهم في المحافظات الجنوبية البعيدة كحضرموت، إلا أننا قد حشرنا عنوة مع عدد من الركاب يتجاوز العدد المسموح به تحت مبرر ارتفاع أسعار البترول وانعدامه، وبالتالي فما على الراكب إلا أن يدفع مبلغ مضاعف لأجرة النقل ويقبل بوضعه المتعب وعوارضه المؤلمة.
الطريق إلى المكلا.
يقدر طول مسافة الطريق بين عاصمة الجنوب السياسية (عدن) وعاصمته الاقتصادية (المكلا) حوالي 620 كيلو مترا تقريبا، وتسير بمحاذاة الشريط الساحلي لمياه خليج عدن والبحر العربي، تقترب من سيف البحر وأمواجه المتكسرة حينا، وتبتعد بين سلاسل التلال الهضبية والرؤوس الصخرية حينا آخر. وعلى طول الطريق المرهق تنتشر نقاط التفتيش العسكرية المستفزة لمشاعر المسافرين، والتي لا تبتعد عن بعضها البعض سوى مسافة قصيرة تتراوح ما بين (2-3 كيلو متر) وتتخذ من المنعطفات الخطيرة والمضايق الجبلية مواقع للتفتيش العبثي والتهديد القمعي إلى درجة أن المواطن الجنوبي المسالم يعيش لحظات عصيبة من الرعب داخل وطنه ويتوقع كلما توقفت سيارة (البيجو) أمام نقطة التفتيش ونظرات الجنود المتوحشة والمتفحصة وجوه الركاب وجيوبهم !؟. أن يتم اعتقاله والقبض عليه بتهمة ما يشأ ذلك الجندي أن يلقيها جزافا من التهم الكيدية بما فيها وانسبها تهمة الإرهاب والانتماء لعناصر القاعدة !؟. وبالذات في النقاط المستحدثة في المنطقة التي تمر فيها أنابيب نقل النفط المنهوب من محافظة شبوة ، وأيضا في النقاط المتعددة والمحيطة بميناء (بلحاف) لتصدير النفط الخام والمحصن بمتاريس عسكرية تتخذ منها الدبابات وراجمات الصواريخ وأنواع كثيرة من الأسلحة الثقيلة مواقع دفاعية لحماية أكبر وأضخم مشروع اقتصادي لنهب ثروة الغاز الطبيعي (المسال) من حقول شبوة قطاع 5 جنة/هنت، والذي منه يصدر يوميا حوالي 9,3 مليون طن متري من الغاز إلى الأسواق العالمية، حيث تشاهد الترسانة العسكرية وهي في حالة استعداد قتالي عالي مصوبة فوهات مدافعها باتجاه الطريق الإسفلتي وكأنها ستلقي بحمم نيران قذائفها إلى صدور الركاب المسافرين، أن هم حاولوا التأمل واستطلاع ما وراء تلك التحصينات القتالية!؟.
استغرقت الرحلة أكثر من عشر ساعات هي المدة الزمنية التي تكون فيها مشاعر الخوف والهلع مسيطرة على نفوس الركاب، وجميعهم في حالة مواجهة مع القهر والاستبداد تسمع أصواتهم الهامسة والمتمتمة وهم يرتلون سور الآيات القرآنية وكأنهم ذاهبون إلى المجهول الذي ينتظرهم فيه الموت والهلاك، حتى رمال الكثبان الرملية المتحركة على جانبي الطريق في بعض المناطق الجافة تهاجم الوجوه والعيون تحديدا وكأنها تعبر عن غضبها واستنكارها لما يحدث من ممارسات إجرامية يتجاهلها أبنا تلك المناطق، بل ويغضون الطرف عن اتخاذ موقف وطني وإنساني لحماية أنفسهم وأبنائهم من عمليات التهريب والتي تمارس من قبل شخصيات متنفذة في سلطة نظام صنعاء، ويمكن معرفة ما يمارسوه عبر منافذهم الخاصة والسرية من محرمات من خلال اللوحات الاستعراضية الكاذبة المنصوبة على جانبي الطريق في منطقة (فوة) وعند مدخل مدينة المكلا ومناطق أخرى ومنها (لا للإرهاب.. لا لتهريب الأطفال.. لا لتهريب المخدرات و....؟؟)، بينما واقع الحال حسب تأكيدات المناضلين الشرفاء من أبناء حضرموت تشير إلى أن هناك العديد من الحصون المشيدة والمجهزة بوسائل الرصد والمراقبة تنتشر على امتداد السواحل الجنوبية وعلى طول الطرق والمنافذ البرية يمكن مشاهدتها ومعرفة نشاطها أثناء ساعات الليل عندما تدب فيها حيوية الحركة والتواصل في عمليات التهريب والتجارة الخسيسة، في حين تتوقف وتنعدم فيها الحياة أثناء ساعات النهار!؟. وبفعل ذلك تجد الكثير من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية في المجتمع الحضرمي يعبرون بكل وضوح عن سخطهم ورفضهم القاطع لتلك الأعمال الدنيئة، والتي يدركون مخاطرها وأبعادها المستقبلية على حياة وصحة الأجيال القادمة، أن هم تمادوا في تجاهل عواقبها المأساوية.
حضرموت أرض الخير والعطاء.
تعد محافظة حضرموت أكبر المحافظات الجنوبية مساحتا وأكثرها سكانا، حيت تقدر مساحة حضرموت نحو 193,032 كم2، وهي بذلك تمثل نسبة 36% من مساحة الجمهورية اليمنية ونسبة 57,1% من مساحة محافظات الجنوب البالغة حوالي 338,000 كم2 . كما يقدر عدد سكانها عام 2005 بحوالي 2,028,556 نسمة مليون نسمة(1). وهي بذلك تتألف من 30 مديرية. ولحضرموت تاريخا مجيدا في الحضارة الإنسانية، فقد كان سكانها منذ مهد البشرية قبل الآلاف السنين وما زالوا حتى العصر الحديث من أكثر السكان على مستوى مناطق دول العالم رغبة للهجرة الخارجية وهواية في الترحال والاغتراب، ولهم مميزات خاصة في سرعة التكيف والاندماج مع مختلف المجتمعات البشرية ولهم أيضا صفات نادرة من البساطة والتواضع والأخلاق الحميدة، التي مكنتهم من سهولة الاستيطان وممارسة النشاط الاقتصادي وعلى وجه الخصوص امتهان حرفة التجارة في معظم عواصم ومواني دول العالم، حيث تشير بعض المراجع ومنها الموسوعة الحرة ويكيبيديا إلى أن هناك أكثر من 14 مليون نسمة من أبناء حضرموت مغتربين في دول الخليج العربي وشرق آسيا ومناطق أخرى من العالم. وبحكم الشهرة المكتسبة والمتوارثة للحضارم في الأمانة والعفة والكسب الحلال وأعمال البَر والإحسان، فقد كان حضهم الصدق والقناعة والثقة في النشاط التجاري بدليل أن معظم رجال المال والأعمال والمستثمرين في دول شرق آسيا وشرق أفريقيا وفي دول الخليج العربي هم من أصول حضرمية، منهم في المملكة العربية السعودية نحو مليون وربع المليون مشهورين بالنشاط التجاري الواسع ولهم رأسمال مشارك في التنمية الاقتصادية والنهضة المعمارية في دول مجلس الخليج العربي.
وعلى الرغم من هذه الصفات والمميزات المذكورة والمشهودة لرجال المال والأعمال الحضارم ودورهم الكبير في تنمية بلدان العالم المهاجرين فيها، إلا أن السؤال المطروح عليهم والمطلوب منهم الإجابة عليه هو: أين دوركم أيها الطيبون في تنمية وطنكم الجنوبي بصورة عامة وفي موطنكم الأصلي حضرموت بصورة خاصة ؟؟ ولماذا تتجاهلون حقوقكم وواجباتكم تجاه أرضكم وشعبكم وانتم تدركون وتتابعون عمليات التسابق للسماسرة والمتطفلين من غزاة النصب والاحتيال وهم يعبثون بخيرات وثروات النفط والذهب والثروة السمكية، فيشيدون المدن الصناعية والتجارية في مدنهم المزدهرة؟؟؟، بينما واحدا منكم فقط يمكنه أن يدك تحصينات اللصوص والعصابات الماصة لحوالي 572,000 برميل من النفط الخام يوميا من حقول حضرموت، ويهربون كميات كبيرة من الذهب المنتج من وادي مدن والمحمدين والمقدر حجم الاحتياطي من الذهب بحوالي 3 مليون طن.
في الحلقة القادمة سنحاول الإجابة بما لدينا من حقائق وأرقام مدعومة بالصور والخرائط