الشــــــــــــــــــــــــــــــذوذ الفــــــــيــدرالي
عندما يُعجب المرء بشيءٍ قبيح ,, فهو يعمل على تجميله بكل الوسائل المتاحة ,, و قصة المتنبي و كافور أفضل الترجمات لعمليات التجميل المعنوي ,,, فعندما أقبل المتنبي على كافور ملك مصر حينها , جمَّله بقصيدة عصماء , مما قال فيها : (قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ - وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا /// أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقاً - إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه - وَكلَّ سَحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا /// غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ - سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا /// وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً - وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا /// فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ - وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا).
لكنَّ الشعر سيفٌ ذو حدين , فكما يُجمَّلُ به الشيء يُقبَّح ,,, فقد يأتي شاعرٌ آخر و يُعيدُ القبيح إلى قبحه , وهذا ما حلَّ بكافور , فقد هجاه المتنبي و أعاده إلى أسوأ مما كان عليه . لكنَّ العالم تطوَّر و لم يعد الشعر الوسيلة الوحيدة للتجميل المعنوي , و النظام العالمي الجديد قدَّم أفضل طريقةٍ لتجميل القبيح وذلك بتغيير أسمه , و ليس معاني الأسماء كما قال المتنبي في كافور بل التسميات نفسها تتغير ,,,, فمثلاً ؛ تم تطوير مُسمَّى الخمور و المسكرات إلى مُسمَّى المشروبات الروحية ,,, وتم تطوير اللواط إلى الشذوذ الجنسي , لكنه ظل أسماً قبيحاً , و أُعيد تطويره ليصبح أسمه المثلية , و لا يستطيع أن ينكر أحد أنَّ هذا الاسم جميل جداً .
و على الصعيد السياسي , تم تطوير مُسمَّى الوحدة اليمنية الاستعمارية , إلى مسمَّى الوحدة الوطنية بحكم محلي واسع الصلاحيات , فمازال قبحها !!فطوَّروها إلى حكم كامل الصلاحيات , فمازال قبحها !! ثمَّ فدرالية , فمازال قبحها !! ثمَّ إتحاد فدرالي ,,, و هنا مكمن الخطورة , فكما يفهم البسطاء مُسمَّى المثلية أنه التشابه أو التقليد ,,, فهم يفهمون الإتحاد الفدرالي على أنه استقلال ,,,, كما يفسره لهم الفدراليون .لكنَّ الاسم الذي لا يتوافق مع المُسمَّى , يسميه خبراء اللغة ( لفظ شاذ ) ,,, و هذه حقيقة مسمَّى الفدرالية بالنسبة للاستقلال فهو لفظ شاذ على الاستقلال و الحرية و الكرامة و استعادة الدولة ,, لكنَّه بالنسبة للوحدة لفظ أصيل .
و لذلك كل من يستخدم لفظ الفدرالية في غير محله , نستطيع تسميتهم (بإتحاد الشذوذ الفدرالي)السؤال الذي يجب أن يجيب عليه العقلاء : هو كيف يكتشف البسطاء , أنَّ المشروبات الروحية لا تغذي الروح , بل تدمر الجسد و تُذهب العقل و الوقار , و قد تذهب بالشرف و العرض و الكرامة ,,, و قبل كل ذلك هي معصية للرب في كل الأديان السماوية ؟؟؟ و كيف يكتشفون أنَّ المثلية هي من كبائر الذنوب في كل الأديان السماوية , و تُجرِد الرجل من رجولته و شرفه ؟؟؟ و كيف يكتشف بسطاء الجنوبيين أنَّ الفدرالية هي من مرادفات الوحدة , و ليست من مرادفات الاستقلال و الحرية و الكرامة ؟؟؟الأكيد أنهم بحاجة للتجربة حتى يتأكد لهم ذلك !! لكنَّ المخيف في هذه التجربة أنها تجر صاحبها إلى الإدمان .
ولذلك على العقلاء أنَّ يبقوا هنا ليمنعوا هذه التجارب القاتلة , و ليكونوا بالمرصاد لمنع الشاذين سياسياً التلاعب بالألفاظ , و التآمر على الشعب الجنوبي الصادق الصدوق مرةً أخرى . لن نجرِّب الفدرالية ,, فقد جرَّبنا الوحدة و كنَّا حينها أُولو قوةٍ و أُولو بأسٍ شديد ,, فخُدعنا و ضاع الوطن .
و لا يوجد حل سياسي لوطن محتل يُسمَّى الفدرالية ,, فأمَّا أنَّ الجنوب ليس محتلاً , و الوضع القائم سوء إدارة و فساد إداري , و علاج ذلك تعديل نظام الحكم , من حكم محلي واسع الصلاحيات إلى حكم فدرالي . و أمَّا أن يكون الجنوب واقعاً تحت الاحتلال ,,, بشهادة المحتل بشقية السلطة و المعارضة ,,, و بقناعة الأغلبية الجنوبية الساحقة شعب ,, نخبة سياسية ,, أكاديميون ,, رجال أعمال ,, علماء دين ,, رجال ,, نساء ,, أطفال ,, شيوخ ,, أحياء وأموات . قناعةٌ كتبها الأبطال بالدماء , و عمَّدها الأحياء بالعرق و الدموع و الألم . و ليس للاحتلال من علاج إلاَّ الاستقلال أو الموت .