عقب اندلاع الثورات العربية التي مازال الكثيرون حائرين في مدى تأثيرها على المشروع الغربي في الشرق الأوسط، بدأ الانتشار الأوسع للقوة البحرية الإيرانية بعيدا عن شواطئها.
في الوقت، الذي قال فيه حبيب الله سياري، قائد القوات البحرية الإيرانية لقناة (PRESS TV) الإخبارية الإيرانية، أن هذه الخطوة هي بمثابة "رسالة سلام وصداقة لكل الدول"، أفادت وكالة (FARS) الايرانية شبه الرسمية، أن الهدف من إرسال الغواصات الإيرانية إلى البحر الأحمر هو "جمع المعلومات وتحديد القطع البحرية القتالية لمختلف دول العالم" ... وهو ما قد يعد نوعا من استعداد ايران لهجوم محتمل من جانب إسرائيل أو القوى الغربية على منشآتها النووية.
الغواصات الإيرانية دخلت إلى خليج عدن منذ أيار الماضي، مع البارجة (بندر عباس) والمدمرة (شهيد نقدي) ثم إلى البحر الأحمر هذا الاسبوع. ورغم تأكيد وزارتي الدفاع الامريكية والاسرائيلية على عدم قلقهما من التحرك الإيراني، إلا أن تل أبيب أرسلت إلى خليج عمان 3 غواصات نووية من الفيلق السابع للبحرية الاسرائيلية هي (Dolphin, Tekuma, Leviathan) قابعة قبالة الساحل الإيراني في الخليج العربي.
البحر الأحمر من الطبيعي أن يكون مسرحا للمناوشات البحرية بين القوى المختلقة. فهو خط النقل الرئيس للتجارة من الشرق الأدنى والأقصى إلى الغرب. ويمتد من ممر العالم القديم (باب المندب) إلى ممر العالم الجديد (قناة السويس). ويزود أوروبا بـ60% من احتياجاتها من النفط..
ولذا، خصصت له قوة مهام مشتركة ثابتة (CTF 151)، بالإضافة إلى قوة بحرية دولية لمحاربة أعمال القرصنة.. في محاولة لتدويله.. وذلك تجنبا لأن يكون سلاحا في يد الدول المطلة عليه لفرض إرادتها. وقلق ترجم في العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس في عام 1956، وتأكد لدى الغرب خلال حرب أكتوبر وحصار باب المندب عام 1973.
الأمر الذي دفع إسرائيل إلى التقرب إلى إريتريا، لإقامة قاعدة لها في ميناء مصوع والاستفادة من الجزر الاريترية الممتدة على طول1000 كم من ساحل البحر الأحمر، وأهمها قاعدتي (رواجيات ومكهلاوي) على حدود السودان، وقواعد (حالب ودهلك وجزيرة فاطمة) عند مضيق باب المندب ، وتعد الجزر الأخيرة مراكزا لرصد ومراقبة حركة ناقلات النفط قرب سواحل السعودية واليمن والسودان والصومال.
إيران ترى إن التمركز الإسرائيلي في جنوب البحر الأحمر يقع ضمن خطة تقسيم الشرق الأوسط الجديد. إذ يسمح لإسرائيل بإيصال السلاح إلى الجماعات المنشقة وتقسيم الدول الإفريقية والعربية مثل السودان، والصومال، واليمن.
إلا ان إيران تمكنت هي الأخرى من بناء قاعدة عسكرية بحرية في ميناء عصب الإريتري، بالقرب من حدود جيبوتي. ما أثار حفيظة الغرب وإسرائيل، خوفا من أن يستخدم الإيرانيون الميناء الإريتري لتهريب السلاح إلى الأراضي الفلسطينية ولبنان واليمن.. أو إغلاق المضائق وشل حركة التجارة الدولية والتشويش على النشاط البحري الاسرائيلي.
فالتواجد الإيراني في باب المندب يعزز سلاحها الذي طالما لوحت به مع صدور كل قرار لمجلس الأمن أو اندلاع مواجهة بين إيران ومناوئيها الغربيين، ألا وهو إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله ما يقرب من 40 ٪ من امدادات النفط الخام، من بين ذلك 88 ٪ من النفط السعودي و 98 ٪ من النفط العراقي.
ما تخشاه إسرائيل كذلك هو أن تنصب إيران هناك منظومة لإطلاق صواريخ بعيدة المدى، خاصة وأن المسافة بين ميناء عصب وإسرائيل أقل من 2300 كيلومتر، وهو مدى الصواريخ التي تطورها إيران. وهذا ما دفع الدولة العبرية الى توجيه منظومة دفاعها الصاروخي باتجاه القرن الأفريقي في المقابل.
البحر الأحمر لا يعد شريان حياة للتجارة الدولية وحسب، ولا يسهل منه ضرب الامن الاسرائيلي فقط .. بل هو وثاق المنطقة بأسرها. لجام يستطيع من يمسك به أن يشد أوصال المنطقة من جهاتها المتعددة. ولذا كان دوما ينظر إلى السودان قبل تقسيمه على انه عمق الأمن لمصر والوطن العربي.
تمركز إسرائيل في هذه المنطقة، أعطاها فرصة أكبر كذلك لتوطيد علاقتها مع دول نهر النيل، ما ساعد في شد اللجام أكثر على المنطقة وجذب مصر بعيدا عنها بتهديد حصتها من المياه.
والان إيران تنافس إسرائيل بقوه على النفوذ عبر إفريقيا .. وتساعدها في ذلك الجالية اللبنانية المتفرقة في العواصم الافريقية المختلقة. .. ولكن لهذا الحديث مقاما آخر.
سلوى عبد التواب - روسيا اليوم