الحراك الجنوبي بالمغرب!
نورالدين لشهب
Saturday, October 02, 2010
من يطالع معالجة الصحف المغربية لملف الصحراء يعتقد أن كل الصحراويين مع أطروحة البوليساريو، فهذه الصحيفة تتحدث عن أخبار ما تسميهم بـ"بوليساريو الداخل" وعودتهم من رحلتهم للجزائر ولقاءاتهم الماراطونية مع أعداء الوحدة الترابية بالشقيقة الجزائر، والصحيفة الأخرى تتحدث عن النشطاء الإسبان المساندين للصوت الانفصالي، وصحف تخصص حيزا لممثل إسباني مغمور أراد أن يدخل باب الشهرة من جنوب المغرب، وصحيفة أخرى تتحدث عن الجارة الشرقية الجزائر وتخلط بين النظام السياسي والشعب الجزائري المسالم والمغلوب على أمره الذي هو أيضا متضرر من هذا النزاع المفتعل.. وصحيفة صفراء تنقل من المنتديات والمواقع الالكترونية ما يحلو لها ليقول صاحبها: ها أنا ذا أدافع ..انظروني واحسدوني يا سكان المخيمات وقصر المرادية ..(..).. صحف مغربية أخرى لما تتحدث عن حقوق الإنسان في الصحراء لا نقرأ إلا عن حرية التعبير والتنظيم للانفصاليين بالصحراء وكأن جميع الجمعيات الحقوقية بالجنوب كلها مخترقة ومهيمن عليها من لدن دعاة الانفصال، ولم نقرأ أو نسمع مثلا عن جمعية اسمها" الجمعية المغربية للوحدة الترابية" التي أصدرت بيانات لمساندة حق مصطفى ولد سلمة في التعبير عن رأيه بكل حرية، ومطالبتها المنظمات والهيآت الدولية وكذا الرأي العام الوطني والدولي إلى حماية سلامة وحرية السيد ولد سيدي مولود، كما اعتبرت هذه الجمعية في إحدى بياناتها بأن ولد مولود لم يكن "اعتقاله لا لشيء سوى أنه عبر عن رأيه ومساندته للمقترح المغربي حول منح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة " كما طالبت هذه الجمعية الحقوقية هيئة الأمم المتحدة وباقي المنظمات بالتدخل العاجل والفوري لدى السلطات الجزائرية التي ترتكب على أراضيها هذه الانتهاكات ومن خلالها مما أسمته بـ "عصابات البوليساريو" لإطلاق سراح ولد سيدي مولود.
أكيد أننا لم نسمع بهذه الجمعية في الصحافة المغربية، ولم نطالع بيانها، والحقيقة أن قارئ هذي الصحف يخرج بانطباع مغلوط وكأننا بالمغرب نعيش فوضى خلاقة، بتعبير الأسمراني الأمريكاني، أشبه ما تكون باليمن السعيد قبل أن يصبح حزينا لأسباب سياسية واجتماعية يتواطأ فيها العامل القبلي والطائفي والأطماع الخارجية، عوامل أفرزت جماعات وفصائل متعددة الأسماء ومتنوعة الهوى أصبحت تنازع الدولة في وجودها، وتنزع نحو التجزئة والتشرذم مثل جماعة الحراك الجنوبي التي انطلقت عام 2006 بمطالب حقوقية أسفرت عن عودة 70 ألف من المتضررين من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994 وانتهت بمطالب سياسية تطالب بالانفصال والعودة إلى دولة " اليمن الجنوبي" كما كان العهد إلى حدود 1990.... يُخيل للقارئ لصحفنا المغربية ، خاصة لو كان أجنبيا، أن بالمغرب حراكا جنوبيا انفصاليا كما في اليمن تحول من سعيه لتحقيق مطالب حقوقية إلى مطلب الانفصال... الله يحفظ!
ليس في نيتي أن أتهكم على الشعب اليمني الشقيق، ولا أن أتشفى فيما يقع له من مشاكل وأزمات، معاذ الله، فأهل عدن أدرى بشؤونها، ولكن قصدي أن الإعلام المغربي للأسف الشديد يركز فقط على الصوت الانفصالي لا سيما هذه الأيام وكأننا مستهدفين من خلال فصيل اسمه " الحراك الجنوبي" كما في اليمن ينخر قيمة الوحدة التي تتعالى على جميع الاختلافات والحساسيات السياسية كما هو الشأن في اليمن السعيد، والسبب برأيي أن إعلامنا المغربي لم يأل جهدا النظرَ إلى الحراك الجنوبي الرافض للانفصال والمتشبث بالوحدة الترابية للمغرب من طنجة إلى الكويرة. فخلال هذي الأيام الأخيرة شهدت الصحراء حراكا وصحوة لبعض القبائل في سبيل اتخاذ خطوات إجرائية وشجاعة في سبيل تعزيز الوحدة الترابية للمغرب، هذا الحراك لم نطالعه في صحافتنا المكتوبة كما كان منتظرا، فقبيلة ثكنة على سبيل المثال، وهي قبيلة يعتبرها سكان الصحراء الذراع السياسي للمغرب الرسمي على مر التاريخ، كونها لعبت أدوارا سياسية واجتماعية مشهود لها بالوطنية الحقة في مقاومة الاستعمار ورص الصفوف في عمليات البناء لوطن حر وموحد، رفضت مؤخرا صياغة حزب الأصالة والمعاصرة المغربي لمقترحه حول الجهوية الموسعة وتأكيد هذا الحزب على مصطلح "الصحراء الغربية"، هذا المصطلح الذي ظل محرما من التداول السياسي ردحا من الزمن خلال السنوات الماضية، بل كان يُقذف في غياهب السجون والمعتقلات من كان يجرؤ مجرد النطق به، سبحان مبدل الأحوال !!
فقبيلة تكنة انتفضت ومجموعة من سكان الأقاليم الجنوبية ضد هذا التقسيم واعتبروه إقصاء ممنهجا لبعض القبائل المعروفة والمشهورة بالصحراء المغربية، وفى هذا الإطار عقدت مجموعة من شباب قبائل ثكنة الغيورة على سمعة ومكانة هذه القبائل اجتماعا موسعا تمخض عنه تأسيس حركة إحياء تحالف قبائل ثكنة، وسطروا مجموعة من التحركات والأنشطة تتمحور أولها عقد اجتماع طارئ في القريب العاجل بمختلف الأقاليم الصحراوية للتعريف بالحركة وأهدافها والعمل على رفع الحيف الذي تتعرض له هذه القبيلة على من يصفون أنفسهم بمهندسي الصحراء الجدد، في إشارة مباشرة إلى مجموعة الشيخ بيد الله عراب حزب الأصالة والمعاصرة بالصحراء، كما أصدروا بيانا إعلاميا أكدوا من خلاله أن المخططات الجديدة القديمة التي تحاك ضد قبائل ثكنة والتي أصبحت في الآونة الأخيرة واضحة المعالم بعد الحديث عن جهة الصحراء وتحديدا جهة الساقية الحمراء بوجدور وجهة واد الذهب الكويرة، حيث فوجئ شباب قبائل ثكنة ، كما يذكر بيانهم الإعلامي، بمصطلح الصحراء الغربية الذي يراد منه إقصاء قبائل ثكنة من أي موقع لها في مشروع الجهوية الموسعة المرتقبة في الصحراء المغربية .
كما أضاف البيان نفسه بأن هناك ضغوطا من بعض اللوبيات التي تسيطر على ملف الصحراء والتي تسعى جاهدة من أجل إقصاء أبناء الصحراء الحقيقيين من معادلة ملف الصحراء وإعادة صياغة تاريخ المنطقة من جديد حسب هواهم ومصالحهم، كما اعتبروا حسب البيان " أن قبائل ثكنة هي المكون الرئيسي لساكنة الصحراء بدليل الظهائر الملكية الممنوحة لقياداتها تاريخيا من طرف سلاطين المغرب وخاصة الملوك العلويين والمستعمرين الاسباني والفرنسي، والتي اعتمد عليها المغرب أمام محكمة العدل الدولية في تدعيم وجوده في المنطقة" كما طالبوا برد الاعتبار لقبائل تكنة والاعتراف بالحدود التاريخية لجهة الصحراء التي تمتد من سيدي إفني إلى الكويرة، ورفضهم القاطع لأي حل لقضية الصحراء على حساب قبائل تكنة وإعلانهم التضامن والمساندة لإخوانهم في قبيلة إزركيين.
وقد قام بتوقيع هذا التحالف كل من محمد بيب عن قبيلة إزركيين ، والكرش خليهن عن قبيلة آيت موسى وعلي، وخالد بوي عن يكوت ومصطفى فوزي ممثلا لقبيلة آيت باعمران، وماء العينين عبروق عن آيت أوسي وسيدي أحمد صالا ‘ن قبيلة آيت لحسن.
السؤال: واضح أن هذا التحالف القبلي يسعى إلى سحب البساط من تحت "الوافد الجديد" أي حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من مصادر القرار بالمغرب، فهل صحافتنا المغربية تختزل الوطن في حزب وحيد كما كان عليه العهد في الأنظمة التوتاليتارية، أم أن صحافتنا المغربية تختزل المغرب في الرباط والدار البيضاء وما تبقى يدخل في مجال المغرب غير النافع؟؟ أتمنى صادقا أن يكون سؤالي مغلوطا. وليس مغالطا لأن حب الأوطان من الإيمان، ولا يحق لأحدنا أن يكفر أحدا من حيث إيمانه بحبه الوطنَ....عتاب الأحباب ليس إلا!
وفي سياق الحراك الجنوبي بالمغرب، والذي لا نجد له أثرا في صحافتنا المغربية للأسف الشديد التي يعتاش أغلبها من الدعم الرسمي للدولة والسيولة الإشهارية، قررت قبيلة تجكانت، وهي قبيلة صحراوية مشهود لها بحفظ العلم وتخريج العلماء، إلى أن قيل في حقها : العلم جاكاني !! .. فهذه القبيلة تسعى هي أيضا لتعزيز الوحدة الترابية للمغرب من خلال تنظيم لقائها التواصلي الثالث بالعيون يومي فاتح وثاني أكتوبر 2010. وحسب بلاغ موقع من قبل رئاسة مجلس أعيان قبيلة تجكانت بالمغرب فان هذا اللقاء السنوى يهدف إلى مد جسور التواصل والتعارف ومناقشة كل القضايا التي تهم أبناء تجكانت. وسيشهد هذا اللقاء التواصلي الأول للقبيلة استضافة أعيان قبائل الصحراء وفق الأعراف الجاري بها العمل في المنطقة، وقد لبت جل حساسيات الصحراء من شيوخ ومنتخبين، نداء القبيلة، بالإضافة إلى حضور رجال السلطة بالعيون، كما ركز الجمع على تنفيذ برنامج حافل، سيتم من خلاله تكرم أعلام القبيلة. هذا اللقاء المزمع تنظيمه في خاتمة هذا الأسبوع سيؤكد على علاقات البيعة التي ربطت سلاطين المغرب في الماضي مع شيوخ وقياد هذه القبيلة، سواء في وادنون، أوتيندوف أو السمارة، أومحاميد الغزلان..
كما ستنظم القبيلة نفسها قافلة لصلة الرحم من العيون إلى مراكش مرورا بعدة مناطق لها علاقة بوجود أفراد وقيادات تاريخية للقبيلة خلدوا اسم القبيلة بها، ومن بين هذه الرموز القائد عبد الله السنهورى الذي يوجد قبره بمدينة طانطان بجانب الإقامة الملكية بنفس المدينة، ويعتبر هذا القائد آخر قياد قبيلة تجكانت بعد خروج الاستعمار الفرنسي من المنطقة وتسليم مدينة تيندوف المغربية للدولة الجزائرية ما لقي رفضا مباشرا من طرف القائد عبد الله السنهورى رحمه الله الذي قاوم مقاومة شديدة الجيش الجزائرى مع ثلة من أبنائه وثلة من أتباعه، حيث عينه الملك الحسن الثاني رحمه الله قائدا شرفيا على مدينة طانطان.
وحسب بعض المصادر الخاصة فقد تم تأجيل تأسيس الرابطة العالمية لتجكانت التى كان مقررا لها أن تنعقد بمدينة مراكش، وكان من المنتظر أن تعرف حضور العديد من تمثيليات القبيلة بمختلف المناطق والدول المجاورة، كما تم تشكيل قيادة جديدة بعد إلغاء العمل بما يسمى بمجلس أعيان القبيلة الذي كان يتشكل من الرئيس والأعضاء.
ويأتي هذا اللقاء الثالث في وقت تعرف فيه قضية الصحراء منعطفا حاسما أبرز عناوينه مشروع مقترح المغربي للحكم الذاتي، كحل سياسي لنزاع الصحراء،والعديد من المستجدات المرتبطة بحقوق الإنسان والتدخل الجزائرى الواضح في كل المبادرات التي يبذلها المغرب لإيجاد حل لهذا النزاع المفتعل.
إن الصحراء المغربية كما هو معلوم لا يهيمن عليها الصوت الانفصالي كما يعتقد القارئ المغربي لأول وهلة لصحفنا الوطنية، من خلال الحيز الذي تمنحه الصحف المغربية للصوت الانفصالي ولو من باب انتقاده، لأن كما هو معروف أن كل ممنوع مرغوب فيه ولو من باب الفضول، كان حري بالصحافة المغربية أن تنتبه للصوت الوحدوي الذي تقوده نظيمة القبيلة بالصحراء باعتبارها أعرق وأقوى نفوذا في التاريخ والحاضر وكذلك المستقبل، لأن القبيلة لها امتدادات داخل الوطن كله من جنوبه إلى شماله وكذلك خارج المغرب، كما أن انتماء الصحراوي للقبيلة يعلو ويتسامى عن بعض الانتماءات الأخرى.
على سبيل الختم
أتمنى صادقا من القبائل المغربية في الجنوب المغربي والتي لها امتداد في الشمال المغربي كقبائل تكنة وأولاد الدليم وآيت لحسن وغيرها من القبائل ألا يقتصر نشاطها في الجنوب المغربي وحسب، بل أن تشرك السكان المغاربة في الشمال الذين ينحدرون من تخوم الصحراء بالجنوب في حراكها ونشاطها في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية، فقبيلة تكنة موجودة بهذا الاسم بنواحي سيدي قاسم كما قبيلة أولاد دليم وآيت لحسن في نواحي سيدي سليمان ومشروع بلقصيري وفاس والخنيفرة وكثير من المناطق بالمغرب .. وهذي ليست دعوة للانتصار لنظيمة القبيلة على حساب النسيج الوطني الخلاق، وإنما لأجل تعزيز اللحمة الوطنية ما بين الشمال والجنوب فحسب....
تصبحون على وطن...!
n.lechhab@gmail.com
