قرأت البيان الذي اصدره علماء اليمن في الاسبوع الماضي ( يوم الثلاثاء 29-5-2012) عند لقائهم برئيس الجمهوريه اليمني فقلقت لما احتوته الفقره الخامسه فيه واستناول في هذا المقال الفقره الخامسه من هذا البيان تحديداً لاهميتها وخطورتها وهي نفس الفقره التي علق عليها كثير من الجنوبيين بتعليقات تفيد –في مجملها- برفضهم الراي الذي احتوته هذه الفقره والوجل منه.
والفقره تقول انهم –أي علماء اليمن يدعون الى " الحفاظ على الوحدة اليمنية باعتبارها فريضة شرعية وخطوة في طريق الوحدة العربية والإسلامية الشاملة، ورفض أي تفريط أو انتقاص منها تحت أي مبرر أو مسمى كان من فيدرالية وغيرها من مظاهر الانقسام وخطواته؛ علماً بأن العالم اليوم يتجه إلى التوحد وتشكيل التكتلات لا إلى التفتت والانقسام".ولهذه المقوله ابعاد مهمه سياسيه ودينيه بل فيها مخاطر وملابسات يجب الانتباه لها وحصرها وتبيانها
ومنها ما يلي:
1. ان كثير من العلماء الذين اصدروا هذا البيان ليسوا فقط علماء دين بل ان منهم ايضاً سياسيون ذو علاقه وطيده بحزب الاصلاح الذي هو مكٌون اساسي وطرف مهم في مؤتمر الحوار الوطني المنتظر والذي سيناقش –في ما سيناقشه- الحاله الجنوبيه. اذاً هناك احتمال وجود تضارب مصالحي لديهم والانسان مهما بلغ من الورع ليس محصن من تصادم في المصالح يعتري قراراته ويضعفها.
2.ومقوله كالتي وردت في الفقره الخامسه (وقد اتت من علماء ينتمون لحزب الاصلاح) توحي- بل انها تصٌرح- مسبقاً ان هناك خطوطاً حمراء شرعيه ( حسب ما يقولون -وساعود الى ذلك لاحقاً) تجعل حتى الخوض في امكانيه الفدراليه (فما بالك الحديث عن الانفصال) عمل لا يجوز شرعا بل هو حرام بناءاً على ما احتوته الفقره فالفريضه الزاميه شرعاً (وساتوسع في ذلك لاحقاً). وما دام الامر هكذا يكون سقف ما يمكن ان يحققه الجنوبيون –ان حضروا هذا المؤتمر- وضيعاً منخفضأ ولعل ذلك ما يروموا اليه العلماء الاجلاء.
3.حتى وان كان البيان قد اشير اليه كببيان مناصحه الا انني اجزم انه سيُقراء ويُعتبر من قبل كثيرين من اتباع العلماء ومريديهم كانه فتوى شرعيه للاسباب التاليه:
a. لانه بيان نبع من علماء دين اجلاء في منزله من العلم الديني ودرجه تؤهلهم للافتاء –حسب الاركان المطلوبه في من افتى- ولو انني ارى-وبكل ما اوتيت من تواضع- انهم جانبوا الصواب في فتواهم هذه (وساناقش هذه النقطه لاحقاً).
b.انهم استدعوا واستحضروا وصفاً شرعيا واضح المعنى والمعالم في مقولتهم حين اعتبروا ان الحفاظ على الوحده اليمنيه بمثابه " فريضة شرعيه" ولم يستعملوا مفردات اخرى اقل وقعا والزاما مثل ان يقولوا ان ذلك "مستحب" او "فيه فائده" او "مندوب" او انه "يؤتي بمصلحه عامه" او حتى انه "واجب" ( واسعود الى الفرق بين الفرض والواجب لاحقاً).
4.وقد كتب بعض من الجنوبيين ان محتوى هذه المقوله و الشخص الذي قرأها في حضور الرئيس اليمني اعاد اليهم ذكريات فتوى سبقت حرب 1994 وقالوا في ذلك " ليس مصادفة ان يتلى هذا البيان من قبل نفس الشخص الذي أدلى بفتوى حرب عام 1994م. وهو الدكتور عبد الوهاب الديلمي" .
وبعد ان قرات الفقره الخامسه قلت لنفسي لعلي ابحث في معنى " فريضة شرعيه" ومايترتب على ذلك من امور ثم ماهي المسوغات الشرعيه للقول بان الحفاظ على الوحده اليمنيه " فريضة شرعيه"فتبين لي ان "الفريضه" هي الاسم "للفرض" وقد قال ابن منظور في لسان العرب "الفرض مصدر كل شيء تفرضه فتوجبه على إنسان بقدر معلوم والاسم الفريضة". والفرض -في اللغة- الإلزام .
ونقلاً عن اسلام وب " الفرض في الاصطلاح الشرعي: هو اسم لمقدر شرعاً لا يحتمل الزيادة والنقصان، وهو مقطوع به لكونه ثابتاً بدليل موجب للعلم قطعاً من الكتاب أو السنة المتواترة أو بالإجماع، وفي الاسم ما يدل على ذلك كله"
وفقهاً-الفرض ما أوجبه الله على عباده من حدوده التي بيَّنها بما أمر به وما نهى عنه .
وقد قال فضيله العلامه بن باز رحمه الله "الفرض والواجب شيء واحد، وهو الذي يستحق الثواب فاعله ويستحق العقاب تاركه يقال له فرض ويقال له واجب، ولكن بعض أهل العلم يستعمل الفرض فيما قامت الأدلة القوية على وجوبه، وما كانت أدلته أضعف من ذلك يسمونه واجب.. وهو الشيء الذي قام الدليل على أنه لازم، يستحق العقاب تاركه، ويستحق الثواب فاعله".
ما احاول الوصول اليه هو ان القول بان الوحده اليمنيه فريضه شرعيه يترتب عليه اشياء خطيره ومن ذلك ان يؤوله البعض على اساس ان من حافظ عليها يُثاب ويُجزى ومن دعا الى فكها يستحق العقاب وهذا تاويل فيه من الخطوره الشئ الكثير في الجو العام المشحون حالياً ثم ان الصاق صفه الفريضه الشرعيه بها يُفهم منه ان العلماء الاجلا يرون انه امر "مقطوع به لكونه ثابتاً بدليل موجب للعلم قطعاً من الكتاب أو السنة المتواترة أو بالإجماع" .
اذا يتوجب-والامر كذلك - ان يكون هناك اسبابا ومسوغات متينه وعميقه ورصينه للوصول الى راي يقول ان من لم يرى وجوب الحفاظ على الوحده اليمنيه مستحقاً للعقاب ويحق لنا السؤال هل "قويت أدلتهم فصارت واضحة جلية معلومة من الدين بالضرورة" كما ذكر الشيخ بن باز في تعريفه لمعنى ومتطلبات الفريضه"؟
هم في رسالتهم لايذكرون الاسباب والم.
سوغات الشرعيه لقولهم هذا عدى انهم يذكرون سببين غير مقنعين" وارى ان الادله التي ساقوها واهيه
اولهما ان الوحده اليمنيه "خطوة في طريق الوحدة العربية والإسلامية الشاملة" وواقع الامر ومجريات الاحداث لا يثبت ذلك بل بالعكس اذ يرى كثيرون ان استمرار الوحده بالارغام والاكراه من شانه-بل هو بدا فعلاً –ان يولد كماً كبيرا من الكراهيه المتبادله مما قد يؤدي الى العنف المتبادل لا سمح الله ولعل الانفصال-والحال كذلك- يؤدي الى تواصل وتلاحم اكبر مما نراه ثم من أي زاويه او منطلق يرى فيه العلماء الاجلاء ان الوحده اليمنيه تؤسس لوحدة عربية اسلامية شامله؟.
وثانيهما – واجزم ان العلماء الاجلاء استحضروا ضعف موقفهم الشرعي عندما اضافوها-هي "..ان العالم اليوم يتجه إلى التوحد وتشكيل التكتلات لا إلى التفتت والانقسام" فهم –اذاً- اضافوا حالاً وضعياً لتعزيز ودعم رايا شرعياً وحتى في هذه الجزئيه فلم ياتوا بشئ مقنع فشتى بين مخرجات تكتلات مفيده ترتقى بكل مكوناتها (كالاتحاد الاوربي او دول مجلس التعاون الخليجي) وبين مخرجات الوحده اليمنيه.
بقيت نقطه غايه في الاهميه وهي ان كثيرا من علماء الامه يرون –على الاجمال -ضروره دينيه ودنويه لوحده الامه الاسلاميه وهذا الراي غايه في السمو الا انه لايمكن استحضار الوحده اليمنيه مثلا لاثبات ذلك بما فيها من شوائب وما يعتريها من اكراه للجنوبيين على ابقائها
وعندما يقال ان الايه الكريمه : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103) تفيد بالامر بالوحده فهنا استذكر ما قاله الشيخ الجليل سفر الحوالي:
"....وإنما يدعوها-الامه- إلى ما أمر الله سبحانه به حين قال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] فلم يقل واتحدوا، ولم يقل ولا تفرقوا -فقط- بل قال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] أي تمسكوا بصراطه المستقيم ولا تفرقوا عنه، فليس الأمر مجرد اجتماع، فهل يرضى أي مسلم أن تجتمع الأمة على الشرك والبدع؟"