رغم انشغال العالم بالأوضاع المتصاعدة بسوريا وكذا بالانتخابات الرئاسية المصرية نظرا لما تمثله مصر من مركز ثقل للامتين العربية والاسلامية , الا ان هناك بدأ يلوح في الافق تحريك للمياه الراكدة ازاء ملف القضية الجنوبية , ففي عمان قبل اسابيع جرت مشاورات برعاية المانية , وفي قاهرة المعز اجريت لقاءات برعاية مجموعة الـ 14 دولة بينها اعضاء مجلس الامن تقودها بريطانيا وهو اول لقاء جنوبي _جنوبي برعاية دولية واسعة .
وهناك سلاح العقوبات الدولية الذي بداء إشهاره في وجه كل من يعرقل الجهود الدولية ,وهناك تحذير بن عمر من خروج الاوضاع بالجنوب عن السيطرة , وهناك احتمالية دعوة الرئيس البيض من قبل الكرملين الروسي بحسب اسبوعية الامناء , واخيرا دعوة الرئيس البيض للخليجين الى تبنيهم مبادرة عربية للجنوبيين على غرار مبادرة الشمال وهي رساله واضحة ومفهومة , كل هذا الجهود والتطورات بخلاف ما يجري في دهاليز السياسة وما وراء الكواليس السياسية والذي قد يتمخض عنة في الاخير عن ولادة مبادرة عربية او دولية لحل القضية الجنوبية .
وهنا قد يمثل الاعلان عن مبادرة عربية في نظر الجنوبيين انجازا سياسيا كبيرا على الصعيد الدولي , وربما يهرولون مسرعين وراء هذا المبادرة بعاطفة جياشة تغلب على العقل والمنطق ظنا منهم بانها سوف تعيد لهم الدولة الجنوبية السابقة ..دون ادراكهمبالعواقب الوخيمة التي قد يجنوها من وراء هذا المبادرة التي قد تأخذنا الى نفق مظلم لا نستطيع الخروج منهكما هو حالنا اليوم مع الوحدة .
شخصيا وكشاب جنوبي لست متفائلا لأي مبادرة عربية او دولية لحل القضية الجنوبية وذلك يعود لجملة من الاسباب اولها : معروف مسبقا ان اي مبادرة عربية او دولية قادمة سوف تراعي في المقام الاول مصالح القوى بالمنطقة ما يعني انها سوف تأتي منقوصة, وبالتالي تصطدم برفض قوي من الشارع الجنوبي , اضافة الى انها ستاتي في الوقت الذي فشل فيه الجنوبيين كقيادة في توحيد صفها وكذلك رؤيتها ومشروعها , وهذا ببساطة يعنيتأزيم الوضع اكثر واكثر وربما تقسيم الشارع الجنوبي بين مؤيد ومعارض للمبادرة , وهذا بدورة يؤدي الى خلط الكثير من الاوراق على الساحة الجنوبية وبالتالي الالتفاف على ثورة الحراك الجنوبي كما فعلت المبادرة الخليجية عند ما نجحت في الالتفاف على ثورة الشباب في الشمال .
اضافة الى ان اي مبادرة قد تهيئ الارضية لظهور تكتلات او شخصيات قيادية جديدة " وقت ظهور لصوص الثورات " وستكون مدعومة ومزروعة من جهات خارجية تريد منها فرض نفسها على الشارع وبالتالي قبول اي حلول منقوصةللقضية الجنوبية من خلال المبادرة.. السبب الاخر هو ان لدينا اكثر من مثال على فشل اي مبادرة عربية او عدم جديتها في حل اي قضية او ازمة سياسية تتبناها , واخشى من ان تكون اي مبادرة قادمة للجنوبيين مصيرها كسابقاتها من المبادرات العربية التي ما ان تولد حتى تموت في الخفاء دون ان يعلن عنها .
او انها تتحول الى مبادرة سياسية باهته اي مبادرة لا تعرف لها بدايتها من نهايتها ولا تسعى بجدية الى حل القضية او الازمة التي تتبناها .. اليكم مثال مبادرة السلام العربية مع اسرائيل اصبح اليوم عمرها اكثر من عشر سنوات وها لا زالت مرمية على الطاولة فلم تجد حلا للقضية الفلسطينية فالقتل والاستيطان مستمران والدولة الفلسطينية الموعودة لم تولد بعد , ولم تلمس جدية من المتبنيين لها وهي العربية السعودية قدمتها باسم العرب , بل ان شارون قد احتقرها ووصفها بانها لا تساوي الحبر الذي دونت به , ومع ذلك لا يزال العرب متمسكين بها والفلسطينيين معاناتهم مستمرة فهل هذا يشكل دفع للقضية الفلسطينية بالطبع لا انما يمثل كذبة من العرب على اساس انهم غير متجاهلين القضية الفلسطينية , والقضية الجنوبية لا تمثل اكبر حجما واهمية من القضية الفلسطينية لهذا اخشى من اي مبادرة قادمة للجنوبيين في حالة قبلوا بها قد تمييع بقضيتهم او تجعلها تغرق في بحر من الحوارات واللقاءات والمتاهات المتعارف عليها بعالم السياسة كما هو الحال مع القضية الفلسطينية منذ ستة عقود .
ما اريد ايصاله هنا للجنوبيين هو في حالة قبولنا لأي مبادرة قد تجعلنا نغوص في متاهات ولف ودوران مع الخارج ومع ذاتنا في الداخل, بل انهاستجعل القضية الجنوبية تتوه في بحر من التجاذبات المحلية والاقليمية وهذا ما معناه ببساطة التأخير في حسم الثورة الجنوبية المتمثل في استعادة لدولة ..اي مبادرة عربية قادمة برايي الشخصي اعتبرها مؤامرة على القضية الجنوبية ليس الا .. بل انها تمثل خطر كبير لأنها كما ذكرت سوف تأتي تلك المبادرة بناء على اهوى ومصالح القوى العظماء بالمنطقة دون مراعاتها لمصالح الشعوب رغم ادعاها بذلك.
فأي مبادرة دولية في زمنا هذا لا تساوي بين طرفي الازمة بل انها تميل لطرف الاقوى اليكم المبادرة الخليجية فقد حرفت اكثر من الانجيل انظروا كم مرة حرفت وكل هذا بناء على اهوى الطرف الاقوى " صالح " لتصل في النهاية الى حل غير مرضي لطرف الاخر "شباب الثورة " الغاضبون من المبادرة الخليجية التي راوا انها سرقة منهم ثورتهم , والمبادرة الخليجية لا يزال العمل مستمر بها ولا يمكننا القول انها ناجحة لأنها توقفت تماما امام عملية تسليم وتسلم اللواء الثالث وبوادر الحرب لازالت تلوح في الافق , اضافة الى الحوار الوطني الذي قد يخفق في نجاحة نظرا لتوسع فجوة التنافر والتناحر بين القوى السياسية في الشمال .وكذلك المبادرة العربية الدولية بشان سوريا ماذا قدمت تلك المبادرة للشعب السوري فالشعب يقتل ويذبح من الوريد الى الوريد ومجلس الامن وجامعة العرب لم يستطيعوا ايقاف حمام الدم .
غير اضافة او حذف او تعديل بند من بنود مبادرتهم فلا هي اوقفت اعمال العنف ولا هي اجبرت النظام بالقبول ببنود المبادرة , وبهذا يمكننا القول ان المبادرة بشان سوريا قد توفيت من غير الاعلان عن وفاتها .. كما يمكننا القول ان قبول الجنوبيين بأي مبادرة عربية للقضية الجنوبية وهم بتشتتهم وضعفهم هذا فانه اشبه بالذي يمشي برجلية الى حبل المشنقة .. " انتحار سياسي " ..واخيرا اذا كان العالم يرى بانه معني بحل الوضع في الجنوب فعلية ان يعود ويتذكر قراراته الصادرة سنة 94 م وان يعيد تفعيلها وتنفيذها بل عليه ان يحترم قرارته .
واذا كان الاقليم هو الاخر يرى بأنه معني بالوضع بالجنوب فعلية ان يتذكر بيانة الصادر عن مجلس التعاون في يوليو 94 م , غير هذا يمكن للجنوبيين قبول اي رعاية اقليمية او دولية لأي مفاوضات مستقبلية مع الشمال لكن ليس عبر مبادرة بل الدخول مباشرة في مفاوضات خلال فترة زمنية محددة .
الخــــــــــتام :
نحن وبشدة سنكون مع اي مبادرة عربية او دولية تتبنى للجنوبيين مشروع فك الارتباط مع الشمال وتضع لنا ألية زمنية نستعيد من خلالها وطننا ودولتنا, هذا اذا ما اراد رعاة المبادرة التي لا تزال بعالم الغيب اثارة اي صدام مع الشارع الجنوبي الثائر منذ خمس سنوات .. وعلى رعاة المبادرة ان يتأكدوا من ان ابناء الجنوب الثائرون لن يقبلوا بأنصاف الحلول اوالقبول بالحوافز المالية مقابل بيع الثورة والتخلي عن اهدافها كما فعل ابناء الشمال للأسف ,,, وانهم لن يرضخوا لأي ضغوطات او ابتزاز سياسي من اي قوة كانت وعليها ان تتأكد من انها ستتعامل مع جيل ثائر لا يمكن ان يقبل بالمساومة في قضية وطنة او الارتهان للخارج .. وكجيل صاعد ومقبلا على الحياة نتمنى على العالم وخاصة دول الجوار ان يتفهم لمطالبنا المشروعة المتمثلة باستعادة دولتنا ووطننا وان يحترم العالم تطلعاتنا نحو بناء دولتنا في المستقبل الموعود ..فحفظ الله العزيز الحكيم الجبار كبريائنا..!!