نشر السيد العزيز فيليب هولسأبفيل نائب السفير الألماني في صنعاء موضوعا في صحيفة 14 أكتوبر العدد 15521 بتاريخ 17 يوليو 2012م تحت عنوان " تقرير المصير بين الحمى والموت " ... وأبناء الجنوب لن ينسوا أبدا الجهود السياسية التي قدمها السيد فيليب , وقاعات فندق ميركيور في عدن شاهدة على لقاءاته القيمة مع الجنوبيين .وليس لدينا ما نضيفه إلى الأسباب التي يستند إليه الموقف الجنوبي الواسع الرافض للمشاركة في ما يسمى " بالحوار الوطني " في ظل الاحتلال اليمني .ولكن لا بأس من مناقشة التبريرات التي نجاهر بها الأطراف الداعية للحوار , وتسخْر لها كل إعلامها , مستهدفة من وراء ذلك تغطية السموات بالقبوات , وصرف أذهان الجنوبيين عن حقيقة ما يحضْر لهم ولوطنهم , عبر " الحوار الوطني " كما يريده المحتل . أن تعارض الأطراف القبلية والعسكرية والحزبية الحاكمة في صنعاء التفاوض بين الشمال والجنوب تحت الرعاية الدولية وفي بلد خارج عدن وصنعاء في فهم خاطئ لمعنى الحوار نفسه والتفاوض , ومغرض لمعطيات قرارات مجلس الأمن 924 , 931 لسنة 1994م وللمواثيق الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الأنسان .وفي كل حال فأن شرعية الأمم المتحدة وقراراتها الخاص بالقضية الجنوبية وقرار مجلس التعاون الخليجي في أبها في 4-5 يونيو 1994م تؤكد بشكل عام على حق الشعب الجنوبي باستعادة دولته واستقلاله , وهناك شعوب تعرضت للاحتلال من قبل دول متحضرة وأجمعت دول العالم على طرده فكيف إذا كان هذا الاحتلال على النحو الذي رأيناه في الاجتياح الشمالي ( عشرين مليون مقابل أربعة مليون) الذي لا يزال جاثما في قلب العاصمة الجنوبية عدن ومناطق النفط والغاز وفي بعض المديريات غير المحررة , والذي يشعر أبناء الجنوب بآثاره المدمرة إنسانيا واجتماعيا وكيانيا واقتصاديا , ولو كانت الدول الراعية " للحوار الوطني " المجتمعة اليوم في صنعاء ستطبق المواثيق والقرارات الدولية حول حق الشعوب المقدس في تحرير أرضها من العدوان والاحتلال , أو كانت ستنفذ ما جاء في القرارين (924,931 لسنة 1994م) أو كان سفراء البلدان المعنية بالشأن اليمني منطقيين مع ما اطلقوه من شعارات ومواقف عن ضرورة حل القضية الجنوبية , فأنه يفترض فيهم على الأقل , في هذه الحالة , أن يدعموا الحراك الجنوبي السلمي في تضحياته لتحرير أرضه من الاحتلال اليمني بتلك الصورة الحضارية التي قامت ثورة الربيع العربي على أساسه . والخطورة المتمثلة في الاحتلال اليمني للجنوب لا تقتصر على حدود الجنوب وحده , وهذا بات معروفا ومكررا , لكن أخطر ما في الأمر هو أن مؤسسة الحكم القبلية والعسكرية والتجارية والحزبية في صنعاء نفسها تعلن عبر الزنداني والديلمي بأنها ستحاور " القاعدة " ولا تحاور الحراك الجنوبي السلمي , بعد هذا التصريح بأسبوع خرجت القاعدة من أبين , وكذلك ما قاله الأخ القاضي حمود الهتار وزير عدل الرئيس المخلوع صالح بأن "الرئيس هو الراعي الأول للإرهاب في اليمن" . كما تعلن مؤسسة الحكم في صنعاء التقليدية أن على الحراك الجنوبي أن يشارك ب"الحوار الوطني" مهما يكن الأمر, ومهما يكن الثمن , وإلا فأنها ستعرقل "الحوار الوطني" وتقوم , بتدابير عسكرية وأمنية انتقامية لا حصر لها ستتخذ بالتنسيق مع بعض البلدان الراعية "للحوار الوطني" حتى ينصاع الحراك الجنوبي " للحوار الوطني". وأن الجنوبيين بعد كل ما ذكرناه ما يزالون وسيظلون يتساءلون عما إذا كانت التصريحات التي ما فتئ الساسة الراعيين لمعالجة الوضع في الجنوب والشمال يعلنونها كل يوم لا يعنى بها إلا فريق من حكام صنعاء دون شعب يعيش حياة الفقر والهوان بينما أرضه وثرواته يستثمرها المحتل ... وهل يقبل السيد فيليب أن صوت شعب بأسره يخفت بينما أرجاء العالم وأروقة الأمم المتحدة تدوي بأصوات الشعوب المطالبة بما لها من الحقوق وفي حرية التصرف في مستقبلها ؟؟ .
وللإجابة على ما جاء في مقال السيد فيليب نتشرف نحن في قيادة المجلس الأعلى للحراك أن نقدم هذا الرد الأولي ببيان الأسباب التي أوجبت رفضنا " للحوار الوطني " , وليس رفضنا لأي حوار أن أستقام على أسس طبيعية . إلا أن هذا الموقف لا يثنينا عن أقدس واجباتنا الوطنية والإنسانية بأن نساعد المجتمع الدولي في الوقوف على أسباب هذا الرفض ونرجو أن يزيلها بحكمته لتزول أسباب الرفض .
فهل أمة ألمانيا العظيمة وهي تعيش حاملة أكاليل الحياة المدنية من بعد حروب لم تخض غمارها إلا دفاعا عن حرية الأنسان وكرامته تقبل اليوم أن يغرس باسمها سهم ينفذ في قلب شعب الجنوب المحتل ؟؟؟ ...إن شعب الجنوب وهو عارف بحقوقه وواجباته رأى أن يوقف بنفسه الرأي العام الألماني والدولي على حقيقة حاله وأن تطلعاته الوطنية مؤمل في تحقيقها من قبل المجتمع الدولي .
ثم أن أحزاب المشترك الحاكمة تريد أن تجعل من "الحوار الوطني" سدا منيعا بيننا وبين الرأي العام الدولي ودفنا لقضيتنا , فيصبح عسيرا أن يقف على الحقائق من مصادرها الطبيعية .ثم أن " الحوار الوطني " لم يذكر ولا في أي قرار دولي خاص باليمن ؟؟؟ , كون " الحوار الوطني " ضرورة استدعتها الأوضاع في الشمال فقط . إلا أن الحراك الجنوبي السلمي لم يلبث أن لاقى من تصرف مؤسسة الحكم في صنعاء في أمر المشاركة بالحوار من عدمه , من الإهانات والتهديدات ما انحرفت به نفوسنا , وظهرت آثار هذه التهديدات في حوادث المنصورة عندما أنزل المحتل قواته العسكرية للقتل والسلب والنهب بطريقة بربرية همجية .والمجتمع الدولي لم يأبه لتلك الجرائم كونه" مشغول" بمتاريس الحصبة وحدة .
أنك أيه السيد فيليب تعلم وكل علماء القانون الدولي يقرون إن الحوار لا ينتج إلا من اتفاق بين طرفين , وحتى الآن لم يحصل مثل هذا الاتفاق بين الشمال والجنوب ؟؟؟ . وفي هذا العام أعلنت لجنة الحوار دون أن يعرف شعب الجنوب ولا أشترك فيها الحراك الجنوبي السلمي .وبالتالي فهي لجنة خاصة غير معنية بمعالجة القضية الجنوبية ولا وجود لمن يمثل الحراك فيها قانونيا .بل هي ضرورة من ضرورات الحرب التي اندلعت في صنعاء منذ فبراير 2011م . على هذه الاعتبارات يصعب علينا أن نفهم مبررا لهذا "الحوار الوطني" الذي جرى عليه نظام صنعاء تحت ثوب الأحكام العسكرية في الجنوب .تلك الأحكام التي لا ندري ما يسوغ وجودها إلى الآن بعد أن أصبح الشمال تحت الوصاية الدولية . وبعد أن أمتحن الحراك الجنوبي السلمي في أشد ظروف القتل والتدمير , فلم يكن من شعب الجنوب المدني إلا التمسك بوسائل التحرر السلمي . وأعتقد نظام الاحتلال بقيادة نصف المخلوع صالح واللصاق تهمت " القاعدة " بالحراك الجنوبي " الحراك القاعدي" في عهده , وكذلك إتهام الحراك بحمل السلاح " الحراك المسلح " من قبل الحكومة الجديدة يكبت الحراك الجنوبي السلمي , لكن الأمر كان على عكس ما أعتقد المحتل , فما كادت هذه الاتهامات التي راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى والمعتقلين حتى أنفجر الإحساس العام , وقامت مظاهرات واحتجاجات صاخبة وعارمة , وتحررت 70% من مناطق الجنوب , ولم تبق إلا عدن عاصمة الجنوب وبعض المديريات التي تحتوي على النفط والغاز والتي يحرسها أكثر من 80 ألف عسكري . وبالجملة فقد اضطربت الأحوال في كافة أنحاء الجنوب اضطرابا شديدا أدى إلى استشهاد المئات من الأطفال والنساء والمواطنين العزل على يد قوات الحكومة الجديدة .
إن هذا الرفض ل "الحوار الوطني " ليس مصدره في نفوس الجنوبيين إحساس عداوة للشعب الشمالي بشكل عام .كما قد يفهم من عبارات أحزاب المشترك الحاكمة , بل هو الإحساس الطبيعي لكل شعب أن يستقل بقراره , مختلطا بالرجاء في موقف المجتمع الدولي أن يساعدنا على استعادة دولتنا التي دخلت بشراكة عبر الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان تحت حماية الاتحاد السوفييتي سابقا , ولم يدخل فيها الشعب الجنوبي لا كشريك ولا مستفتي عليها . وقع كل ذلك والحراك مقتنع بأنه لم يأت شيئا غير مشروع . لا أمام القانون الدولي ولا أمام ما رسمته قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة ( 924 , 931 لسنة 1994م و 2014 لعام 2011م و2051 لعام 2012م ).
والواقع الذي نؤكده للسيد فيليب بالصراحة التامة هو أن رفض الحراك الجنوبي السلمي " للحوار الوطني " مسبب عن عدم مساواة قضيته بقضايا الشعوب التي تنشد الحرية والاستقلال . وعلى المجتمع الدولي أن يقتنع بما لا يدع مجالا للشك أن كل الجنوبيين رجالا ونساء هم في هذا الاستياء سواء . دفعهم اليأس إلى إظهار ما في نفوسهم كل يترجمه على شاكلته .
وإذا كانت الأحكام العسكرية والأمنية والحصار الإعلامي الذي نحن تحت سلطانها الآن تجعلنا عاجزين عن إسماع الرأي العام العالمي صوت شعبنا على حقيقته , فلا بد لنا من أن تسمعه حكومات الدول المتمدنة حتى لا يتعلق بأذهانها الحراك الجنوبي السلمي خطأ أو عمدا بما يذاع عنه في صحف المحتل . فحتى الآن الأوساط الدولية لا تسمع إلا صوتا واحدا بفضل الحصار الإعلامي الذي يقوده مراسلي الفضائيات الشماليين ( لا يوجد مراسل إعلامي جنوبي واحد ) . وتسمع عبارات تدل على أن الجنوبيين غير متحدين في هدفهم رغم أن شهادة السفراء الأوروبيين توضح أن أغلبية الجنوبيين يطالبون بفك الارتباط , و هذا ما أكده السيد فيليب في مقالته " ومع مرور 22 عاما بعد اتفاق الوحدة ما زالت المشكلة قائمة وتواجه الحكومة اليمنية الجديدة وكذلك المجتمع الدولي تيارا انفصاليا متزايدا في الجنوب " .
المجتمع الدولي يعلم أن هدف الجنوبيين ليس شيئا أقل من الاستقلال واستعادة الدولة . هدف شريف طاهر لا يشوبه تعصب ولا بغض بأي وجه من الوجوه . وهو مشروع محمي من قبل القانون الدولي , ومؤيد بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الأنسان والمواثيق الدولية التي أقرتها جميع أمم الأرض .
أما من حيث أجماع شرائح المجتمع الجنوبي على استعادة الدولة , فذلك أمر لا يحتاج إلى دليل بعد أن فكت المنظمات العمالية والمهنية والاجتماعية وهيئة المهندسين وهيئة الأطباء والمحاميين الجنوبية ارتباطاتها بصنعاء , وصرحت قياداتها بأنهم يطلبون الاستقلال , كما صرح بعض قضاه الاستئناف والمحاكم والنيابات وموظفو فروع الوزارات في الجنوب بأنهم يطلبون الاستقلال , وبعد المظاهرات السلمية التي تعم الجنوب كله من المهرة إلى باب المندب وهتاف شباب الجنوب في المدن والقرى في طلب الاستقلال . فمن هو إذن ذلك الجنوبي الذي أظهر أنه غير راض بالاستقلال . بل الذي لم يبد منه ما يدل على التشبث بالاستقلال . ذلك هدف الجنوبيين , فأما وسائلهم إليه فليست إلا التمسك بالحراك السلمي . ومهما يكن من القتل والتعذيب الذي تستخدمه قوات المحتل للقضاء على فكرة الاستقلال لدى الجنوبيين فأنه لن يستطاع أرضا الشعب الجنوبي بما دون الاستقلال ... لذلك يحق لنا أن ننتظر موقف المجتمع الدولي من شعب ما فعل أكثر من أن يناشد العالم أن يعيش بحريته وسيادته واستقلاله كما كان عليها قبل حكم الحزب الاشتراكي له , كما هو حال بلدان الاتحاد السوفييتي والبلقان ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا التي عادت إلى أوضاعها السابقة بعد سقوط الأحزاب الشيوعية التي كانت تحكمها قبل تدمير سور برلين والثورة البرتقالية .
تلك هي حقيقة الوضع الذي فيه الجنوب الآن بسطناها إلى السيد فيليب بالاختصار وبالحق . نأمل أن يسير من أجل تحقيقها . والرجاء معقود بعدلكم أن تزيلوا هذا الاستياء بالقضاء على أسبابه فأن الأخذ بناصر شعب بأسره أقدس واجب على رجال المجتمع الدولي .
*المستشار القانوني والسياسي لرئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب