رائد الجحافي
مؤسس الملتقى
عدد المساهمات : 2797 تاريخ التسجيل : 30/06/2008 العمر : 45 الموقع : الجنوب العربي - عدن
| | رئيس اللجنة الرئاسية المكلفة الحوار جنوب اليمن لـ الجريدة: لا أحد يمثل الجنوب والوحدة ملك الشعب… والحلّ في الحوار الوطني | |
لا بد من الإصلاح السياسي الشامل... واعتماد النسبية كنظام انتخابي ووجود سلطة محلية كاملة الصلاحيات
عدن - محمد الأسعدي
[url=mailto://][/url]
عند زيارة بعض مناطق جنوب اليمن، يستطيع المرء أن يتلمس تذمر الناس وشعورهم بالانتقاص أمام إخوانهم 'الشماليين'، لكن معظم الناس استشعروا الخطر بعد أن أدركوا أن من يمثلونهم أو حتى من يشاطرونهم الهدف من مناطق أخرى، يدفعون بهم نحو الفتنة، كما يستشعر الكثير من الناس أن هناك من يتاجر بمعاناتهم وقضاياهم لمصالح شخصية، سواء بالضغط على الدولة أو على أطراف تمول ما يعرف بـ'الحراك الجنوبي'.
كلف الرئيس علي عبد الله صالح وزير الإدارة المحلية السابق عبدالقادر هلال رئاسة 'لجنة رئاسية' تضمّ عدداً من الوزراء والشخصيات لمحاورة الأطراف التي تقود الشغب في الجنوب، خاصة في محافظة لحج. 'الجريدة' التقت هلال وأجرت معه حواراً، تحدث فيه عن طبيعة الأزمة وما توصلت إليه اللجنة الرئاسية في الجنوب، فضلاً عن العوائق التي تواجهها.
'هناك مشكلة حقيقية في ردفان ومناطق أخرى من الجنوب اليمني، حيث يطالب البعض بمواطنة متساوية وشراكة حقيقة، ويبالغ آخرون بالمطالبة بالانفصال وعودة اليمن إلى ما قبل 22 مايو 1990'... هذا ما يقوله عبدالقادر هلال، رئيس اللجنة الرئاسية المكلفة احتواء الأحداث في ردفان في محافظة لحج، جنوب اليمن.
يتحدث هلال، في حوار خص به 'الجريدة'، بتفاؤل قائلاً: إن 'مساعيه واللجنة المكونة من شخصيات رفيعة في الدولة، استطاعت أن تتوصل إلى تهدئة يمكن أن يبنى عليها حوار بناء مع كل الأطراف الفاعلة' في ما يعرف بـ 'الحراك الجنوبي' في منطقة ردفان والحبيلين من محافظة لحج تحديداً.
لكن أحد أعضاء اللجنة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ 'الجريدة': إن 'هناك أطرافا داخلية وخارجية في الخليج ولندن وغيرهما تدفع بالشارع نحو الفتنة، ما يمكن أن يضاعف من حدة الأزمة، مما قد يتسبب في إشعال نار الفتنة التي قد تمتد آثارها إلى المنطقة عموماً'.
رأس الحربة
وقال هلال: إن 'منطقة ردفان في لحج (337 كم جنوب صنعاء) تمثل رأس الحربة والمحرك الأساسي' في ما يعرف بـ 'الحراك الجنوبي'، مشيراً إلى 'الدور النضالي الذي لعبه أبناء المنطقة في ثورة سبتمبر 1962 في الشمال– سابقاً– حين قدموا بقرابة 400 شهيد حسب إحصائيات رسمية، إضاقة الى إسهامهم في ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب'، واضاف: 'يتمتعون برصيد نضالي وطني كبير، وأن أبناء المنطقة يتمتعون بنفس ثوري'.
يذكر أن عبدالقادر هلال شخصية وطنية مقبولة لدى كل الأطراف، وشغل مناصب هامة كمحافظ لمحافظتي حضرموت وإب قبل أن يصبح وزيراً للإدارة المحلية، ليستقيل من وزارته بسبب اتهامه من أطراف استخباراتية عسكرية بالتعاطف مع الحوثيين، فكلفه الرئيس علي عبدالله صالح بالتحاور معهم، قبل أن يكلف أخيراً رئاسة 'لجنة رئاسية' تضمّ عدداً من الوزراء والشخصيات لمحاورة الأطراف التي تقود الشغب في الجنوب، خصوصا في محافظة لحج.
معاناة مستمرة
ردفان، منطقة جبلية تمتاز بطبيعة جغرافية صعبة وقاسية، انعكست على أهلها الذين يصل عددهم إلى 45 ألف نسمة، ولا يملكون أيا من مصادر الرزق الا الوظيفة العسكرية تحديداً، وبما أن سكان المنطقة كانوا يعتمدون على معاشاتهم من الدولة–الجيش، لكن بعد حرب صيف 1994، حدث تسريح وإحالة للتقاعد لعشرات من كوادر الجيش والأمن والمدنيين من أبناء المنطقة، فكان عليهم وأسرهم التي تتكاثر، أن يعانوا قسوة الجغرافيا وقسوة السلطة المركزية، التي لم تولهم أي اهتمام بهم وبمنطقتهم، الأمر الذي دفعهم قبل سنوات إلى التوحد من أجل المطالبة بحقوقهم المشروعة وإنصافهم، لكنهم لم يجدوا أذناً صاغية أو التفاتة جادة تجاه مطالبهم، فلم تثنهم مرارة الواقع عن النزول إلى الشارع ومواجهة قوات الأمن، والانخراط في أعمال عنف أحياناً تجاه مواطنين وتجار وجنود.
بداية الأزمة
وصل الأمر الى ذروته في مايو 2007، حينما بدأت دعوات الانفصال تلاقي من يستمع لها في بعض المحافظات الأخرى كالضالع وأبين ومدينة عدن ذاتها، ومن هنا بدأت تتشكل الأزمة بشكلها الذي وصلت إليه اليوم، ودخل لاعبون جدد وأطراف من مختلف الأطياف لأسباب عدة من أبرزها السياسات الخاطئة تجاه مطالب المواطنين، وغياب الرؤية لدى الدولة، ومركزية القرار وعدم الثقة بالسلطة المحلية الممثلة في المجالس المحلية، إلى جانب نتائج الحرب الأهلية بين الشطرين في سبعينيات القرن الماضي والآثار المترتبة على الحروب والنزوح بين المناطق، وعلى خط التماس.
إن ما يحدث اليوم في الجنوب جاء نتيجة تراكمات لسياسات خاطئة في مختلف النواحي، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ومن أبرزها إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني عن السلطة، ومحاربة الحزب ذاته من معارضيه الجنوبيين، فضلا عن التحولات الاستراتيجية التي رافقت الوحدة، من تعددية سياسية وحزبية وحرية رأي وتنظيم، كما برزت مشكلات جوهرية بعد قيام الوحدة وبعد حرب صيف 1994، من بطالة وتدهور الأحوال المعيشية مع ارتفاع الأسعار، واستمرار ثالوث الرعب من جهل وفقر ومرض في البلاد عموماً وفي هذه المناطق القاسية على وجه الخصوص، كما تهدف غالبية الأطراف الجديدة اللاعبة في الميدان إلى طمس هوية الحزب الاشتراكي بسبب إرث من العداء والصراع على السلطة.
فرق وفصائل
وأكد عبدالقادر هلال أنه من خلال جولات المفاوضات التي قامت بها لجنته خلال الأيام الماضية، 'اتضح أن هناك فرقا وجماعات مختلفة كل منها لها مطالبها الخاصة وتهدد بالعنف أو اللجوء الى الشارع'.
ولاحظ رئيس اللجنة الرئاسية أن 'معظم الفرقاء يتحدثون عن نضال سلمي ويعبرون عنه بالعنف'، ويقول: 'هناك من يدعون تمثيلهم لقضايا الناس، فتجد من يستظل تحت المسميات الثورية التي قامت عليها ثورة الجنوب مثل جبهة التحرير والجبهة القومية وحزبيين وقبليين، حتى أخيراً ظهرت جماعة أصولية تدعي أحقيتها في حكم البلاد–الجنوب بعد تحريره حسب زعمهم–كمحاكاة لنموذج المحاكم الإسلامية في الصومال وغيرها من البلدان العربية، وهذا يزيد الأمر تعقيداً، ويفكك جهود كل الفرقاء، التي ينبغي أن يكون هدفها خدمة المواطن'.
ويبدو جلياً حسب هلال، أنه 'لا أحد يمثل الجنوب ولا أحد يمتلك الوحدة، التي هي ملك للشعب اليمني عموماً'.
لا يستسهل هلال المهمة، فيقول إنه واجه كثيرا من 'محاولات إفشال مهمة اللجنة والاتفاق الذي يتم التوصل إليه'، ويضيف 'يتم الاتفاق مع جماعة أو جماعات ما، ثم يظهر فريق جديد يتنصل منه وهكذا…'، وأكبر دليل على ذلك، هو مقتل ضابط من الجيش بعد يوم من اتفاق التهدئة، واختطاف جندي، لكن ذلك لم يؤثر في مساعي التهدئة.
خيارات المعالجة
وبما أن خيار المواجهة والعنف وانتشار الجيش والنقاط الأمنية في المناطق لا يقدم حلاً بل يزيد من حدة التوتر، فإن الحوار والمشاركة على أساس من التوازن والتكافؤ هو المدخل للحل.
تستطيع أن تلامس تذمر الناس، في تلك المناطق وتكاد تلمس بيديك شعورهم بالانتقاص أمام إخوانهم الشماليين، لكن معظم الناس استشعروا الخطر بعد أن أدركوا أن من يمثلونهم أو حتى من يشاطرونهم الهدف من مناطق أخرى يدفعون بهم نحو الفتنة، كما يستشعر الكثير من الناس أن هناك من يتاجر بمعاناتهم وقضاياهم لمصالح شخصية سواء بالضغط على الدولة أو على أطراف تمول هذا الحراك، بالإضافة إلى الشهرة التي تلحق بمثل تلك القيادات من خلال وسائل الإعلام.
سرعة المبادرة
لا يزال هلال يؤمن بأن التقرير الذي أعده مع أربعة وزراء آخرين قبل أكثر من عام، بتكليف من الرئيس صالح، حول مشكلات الأراضي في الجنوب، ويعرف بتقرير 'هلال باصرة' لا يزال صالحاً لأن يكون أرضية لحلول إستراتيجية تساعد في إخماد المشكلات المتفاقمة في الجنوب.
ويشار الى ان التقرير المذكور يعد واحدا من أسباب غضب بعض القيادات الفاسدة، على هلال، والتي دفعته أخيراً الى الاستقالة.
هلال يرى أن 'الحل ينبغي أن يبدأ الآن، وعلى الدولة أن تنحاز للناس وقضاياهم واحتياجاتهم، وأن يتم بالتوازي دراسة الأسباب الأصلية الجوهرية لهذه المشاكل وقيام أي حلول على أساس شراكة المستفيدين وبمفهوم السلطة المحلية'، ومن أهم الحلول العاجلة والملحة، حسب هلال، 'الإصلاح السياسي الشامل، واعتماد القائمة النسبية كنظام انتخابي، والسلطة المحلية كاملة الصلاحيات'، علماً بأنه أحد أبرز مهندسي وداعمي اللامركزية في البلاد.
وفي حين يدعو أحد أعضاء اللجنة الرئاسية الى إيقاف التدهور السياسي والمعيشي وإيجاد معالجات عملية لتحديات النمو السكاني والأزمة الاقتصادية وما إلى ذلك، يضيف هلال ردا على ذلك بالقول إنه 'لابد من إعادة التوزيع الإداري، لتسهل إدارة المصالح الاقتصادية، وخلق فرص متكافئة، وتعزيز مفاهيم الثقافة الوطنية'.
ويؤكد هلال 'أهمية الحوار مع كل الأطراف والشركاء من أحزاب المعارضة'، والتي يرى انها 'لم تقدم حتى الآن مشروعا سياسيا بديلا من دون إقصاء أحد'. كما يدعو الى 'سرعة المبادرة في تنفيذ الحلول، وعدم الركون إلى التهدئة التي توصلت إليها اللجنة أخيراً على أنها الحل'.
ويؤكد عبدالقادر هلال أن 'الحل ممكن وإن كان أكثر كلفة مما لو تم تدارك الأمر مبكراً'. يبتسم كعادته وهو يتحدث عن واحدة من أشد الأزمات تعقيداً في تاريخ اليمن المعاصر، ولا ينظر إلى ساعته وإن كان مثل هذا الحوار يجري عند منتصف الليل، بعد يوم شاق وطويل من الجهد المقسم بين المفاوضات ومحاولة الإرضاء والضغط والإقناع وغير ذلك، في حين ينتظره يوم آخر بعد ساعات. |
|
| |
| |
|