ابو فراس الحود -
الحرب السادسة في صعده هي أشد الحروب الستة التي خاضتها الحكومة اليمنية ضد الحوثيين ، فقد أخذت اتجاهات من التوسع والقوة أدهشت نظام علي عبدالله صالح قبل غيره من المتابعين .
تدور حرب صعده والجنوب يشتعل في ثورة شعبية سلمية ، ومنذ يوليو 2007 والاحتجاجات شبه يومية في كل المحافظات ، توجها الظهور المفاجئ للرئيس/ علي سالم البيض ، ليضيف زخما أكبر وصدى أوسع على المستويين الداخلي والخارجي ، وكانت ردة فعل النظام مزيدا من الارتباك والتخبط الذي أصاب الرئيس علي عبدالله صالح ونظامه بحالة من الهستيريا ، دفع به لتجنيد كل مرتزقته السياسيين وأبواق السلطة والمأجورين والمنافقين من رجال منابر المساجد ومفتيي السلطة ، كل أولائك تحولوا الى جنود تحت أمرة المال الملوث، لشن حملة ضد الحراك والقضية الجنوبية وإثارة الرأي العام في الشمال ضد الجنوب .
وبالرغم من هذا الهياج الشعبي الجنوبي ووصوله إلى مؤسسات الإعلام المحلي والدولي باسم قضية الجنوب ، إلا إن الإخوة في المحيط الخليجي والعربي وبالذات مصر وقفوا في موقف المؤازر والمساند لنظام علي عبدالله صالح ، والتأكيد على دعم ما يسمى ( وحدة واستقرار اليمن) !!
فهل هم فعلا حريصون على وحدة اليمن واستقرار نظام علي عبدالله صالح ، وهو النظام الذي لديهم عليه الكثير من التحفظات المعروفة للجميع ، ولديهم الكثير من التجارب المخيبة للآمال ، والسعودية بالذات خبرت علي عبدالله صالح بأساليبه الماكرة والمخادعة . وما غزو العراق للكويت ببعيد !
وهل تخشى هذه الدول فعلا من عودة الجنوب تحت حكم النظام الاشتراكي ؟ أو أن يكون الجنوب مرتعا خصبا للقاعدة ؟
هل هذه الهواجس هي التي جعلت دول الجوار تتجاهل الحراك الجنوبي وتمارس ضده التهميش وتميل إلى الوقوف مع نظام علي عبدالله صالح ؟
أعتقد ، لا .. ليس الأمر كذلك ، وأن حسابات هذه الدول ترتكز على تر تيب القضايا ، بمدى تماسها بمصالحها وأمنها القومي هي ، وليس مصلحة أي طرف آخر .
فهم ينظرون إلى المشهد اليمني من خلال ثلاثة عناوين محورية هامة ،
العنوان الأول ، قضية الحوثيين
العنوان الثاني ، قضية القاعدة
العنوان الثالث : الحراك الجنوبي
من واقع الصورة التي امامنا ، نجد ان دول الخليج تتحدد مواقفها وفق الترتيب التالي :
اولا : ضرورة الوقوف مع علي عبدالله صالح لمواجهة الحوثيين باعتبارهم اليد الطولى للنظام الإيراني والذي أخذ يلتف على خاصرة الجزيرة العربية ، واعتباره تهديدا مباشرا لامن المنطقة كلها ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن ، وأن الموقف الحاسم والعاجل هو القضاء على شوكة الحوثي وقطع دابر المد الإيراني مهما كلف ذلك ، حتى ولو اضطرت المملكة بتدخل عسكري مباشر ، وهو ما يحدث فعلا الآن .
ثانيا : يأتي موضوع عناصر القاعدة في الترتيب الثاني لعد الحوثيين ، كما إن هذا التحدي ليست مختصا باليمن وحدها ، بل ان آثاره يمتد بل يستهدف أمن المملكة السعودية ، وخير دليل ما ثبت مؤخرا من وقوف عناصر للقاعدة المتورطين بمحاولة اغتيال الأمير السعودي نائب وزير الداخلية ، كما أن الأسلحة التي عثر عليها مؤخرا في أماكن متفرقة في المملكة تبين أنها جلبت من اليمن .
ولذلك فإن المملكة ترى إن محاربة القاعدة وإرهابها يبدأ من داخل اليمن ، ولن يتم ذلك أبدا إلا بالتعاون مع نظام علي عبدالله صالح سيء الصيت حتى للسعودية نفسها ، ولكن مجبر أخاك لا بطل .
ثالثا : الحراك الجنوبي
ما هو الموقف الحقيقي لدول الخليج من الحراك الجنوبي ؟
كما ذكرنا في سياق حديثنا سابقا أن هناك تجاهل للحراك الجنوبي من هذه الدول ، بعكس ما كان عليه الحال عام 1994 م ، ولكن حقيقة الموقف إن هذه الدول قد رتبت أجندتها وفق الصورة كاملة التي ووضعت أولوياتها باتخاذ مواقفها حسب أهمية وخطورة القضايا الثلاث التي ذكرناها ، وبالتالي فإن دعمها للحراك في هذا الوقت بالذات سوف يتسبب في إنهاك وإضعاف نظام علي عبدالله صالح وهو يخوض حربا نيابة عن الكل لمواجهة الحوثيين والقاعدة ، كما أن تأييدها للجنوبيين سيكون موقفا يناقض حسابات هذه الدول ، ويجعل مواقفها تبدو في معادلة غير سوية ولا منطقية ، من ناحية مؤيد للنظام ضد الحوثيين ، وآخر مؤيد للحراك ضد النظام !!
ولذلك فإن الحراك يأتي في المرتبة الأخيرة في أولويات السعودية ودول الخليج من حيث مصالح أمنها القومي والاستراتيجي ،
و ما إذا ما سارت الأوضاع باتجاه يؤدي بعد حين إلى القضاء على الحوثيين والقاعدة ، في هذه الحالة سنكون أمام أوضاع جديدة ، يترتب عليها حسابات وأولويات أخرى مختلفة، يسمح لدول الجوار بالذات باتخاذ مواقف لصالح القضية الجنوبية ، بشرط أن تكون التطورات في الحراك قد وصلت إلى حد من النضج السياسي والرؤى الواضحة التي تترك انطباع بالطمأنينة لدى هذه الدول ، وعلى مدى قدرة الجنوبيين على بلورة حراكهم باتجاه وحدة القوى والتيارات المختلفة تحت قيادة واحدة تمكن هذه الدول من التعاطي معها والوثوق بها وبقدرتها على إدارة الأوضاع في الجنوب بما يفضي إلى قيام دولة مستقلة ومستقرة .
فهل الجنوبيون قادرون على تهيئة الجنوب للمرحلة التالية ؟
كاتب العدل / نوفمبر2009م