ملتقى جحاف - متابعات
إنترنت ذكوري
نظرة عامة
دخل اليمن منذ سنوات قليلة مرحلة حاسمة في تاريخه تتمثل في تصاعد الأزمة بين الشمال والجنوب على خلفية غياب العدالة في تقسيم ثروات البلاد مما أدى إلى اندلاع المعارك بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين. وأدت الاضطرابات الأمنية إلى ارتفاع غير مسبوق لنسب الفقر والأمية وغياب سبل التنمية وتدهور البنية التحتية، بما فيه مجال تكنولوجيا الاتصالات. ويتزامن هذا المشهد القاتم مع استفحال الانغلاق السياسي. وقد انعكس الوضع العام المتّسم بالهشاشة على مجال الحريات، بما في ذلك الإنترنت. ويبرز ذلك بالخصوص من خلال تفاوت توزيع مقاهي الإنترنت بين المحافظات وحملات استهداف المدونين والناشرين الالكترونيين.
قطاع الاتصالات والإنترنت
رغم أن عام 2009 شهد تطورا كبيرا في مجال الاتصالات في اليمن، حيث وصل عدد خطوط الهاتف إلى 199 ألف و685 خطا هاتفيا بنهاية النصف الأول من 2009، مقابل 3 آلاف و 548 خطا هاتفيا في العام 1999.
كما وصل عدد المشتركين في خدمة الانترنت في منتصف 2009م إلى 369 ألف و643 مشترك ، إلا أن نسبة المستخدمين مازالت ضمن أضعف النسب المسجلة العالم العربي بل وحتى في العالم.
ويعود ذلك في الأساس إلى ارتفاع نسبة الأمية والتي تبلغ، حسب المصادر الرسمية، 39%. كما أنّ أسعار الاتصال بالشبكة مازالت مرتفعة، إذ تتراوح كلفة الاشتراك بالخدمة بين 4 آلاف و6آلاف ريال يمني، أي ما يعادل 19 دولارا و30 دولارا ، وهي أرقام مرتفعة قياسا إلى الدخل الفردي الذي لا يتجاوز 450 دولارا.
ويُفسّر ارتفاع التكلفة إلى مواصلة شركتي شركتا "تيلي يمن" و"يمن نت" احتكار مجال التزويد بخدمات الإنترنت منذ اتّصال اليمن بالشبكة الدولية للمعلومات، رغم أنّ دراسات رسمية تؤكد أنّ بإمكان البلاد أن تحتضن 15 شركة.
ودفع ذلك بعديد المواطنين والمدونين والصحفيين المستقلين وحتى المقربين من الحكومة إلى تأسيس حملة الاحتجاج الوطنية على خدمات الإنترنت .
وهي حملة تستهدف دفع الحكومة اليمنية لتحسين الخدمة ووقف حجب المواقع وجعل أسعار الاتصال بالانترنت أقل ، إلا أن الحكومة اليمنية قامت بحجب موقع الحملة نفسه في شهر فبراير 2009!.
وتشهد اليمن ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل في تراجع عدد مواقع الإنترنت عوضا عن ارتفاعها، خاصة تلك التي تستضيفها البوابة اليمنية للإنترنت "يمن نت"، إذ بلغ عدد المواقع التي تستضيفها البوابة عام 2008 حوالي 460 موقعا، مقابل 915 موقعا عام 2007 . ويعزو البعض ذلك إلى سياسة الحجب التي تنتهجها البوابة والشروط التعجيزية المتعددة التي تفرضها على أصحاب المواقع المتقدمين بطلبات الاستضافة.
وينصّ الدستور اليمني صراحة على "حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال"، ويؤكد أنّه "يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون وبأمر قضائي" .
الحجب "باسم القانون"
الإنترنت في اليمن إلى جانب الصحف المستقلة يعدان من أبرز معاقل قوى الرفض للواقع السياسي والاجتماعي في البلاد ومن أكثر الوسائل فاعلية في مجابهة الانغلاق السياسي. ويبدو ذلك جليّا من خلال بعض الأرقام المثيرة للانتباه، من بينها، على سبيل الذكر لا الحصر، يسجل موقع "مأرب فيديو" أسبوعيا أكثر من 600 عملية تحميل للمواد الفيلمية التي يعرضها على الزائرين، بينما اشترك بقائمته الالكترونية أكثر من 700 عضوا في فترة وجيزة، لا سيما في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها مدن في الجنوب، في عام 2009. من جهة أخرى، بلغ عدد زوار موقع "نيوز يمن" وهو موقع هام يختص جزء منه في تناول شئون الصحافة وحرية التعبير، عام 2008 أكثر من 14 مليون شخص .
وأمام فرض الإنترنت كبديل جديد لمصادر المعلومات التقليدية والتي تسيطر عليها الجهات الرسمية، تحاول السلطات أن تَحدّ من تأثير الشبكة العنكبوتية بشتى الطرق، لا سيما من خلال سنّ قوانين يغلب عليها الطابع العقابي لترهيب المعارضين والمستقلين في البلاد.
ففي مارس 2009، تقدمت الحكومة بمشروع قانون يتعلّق بحقّ الحصول على المعلومات وإنشاء مواقع على شبكة الإنترنت. ويتّسم القانون بالتضليل وعدم الوضوح، إذ يفرض عقوبات يصل بعضها إلى السَّجن ستّ سنوات لكلّ من "يسعى لاستخراج أو نشر معلومات لا يجوز نشرها"، حسب وجهة نظر الحكومة .
وقد أعقبت السلطات هذا القانون بحملة واسعة لحجب مواقع إخبارية واختراقها وتدمير بياناتها، بدعوى الخروج عن القانون وإثارة البلبة والتحريض على العنف والإرهاب. ومن بين المواقع التي استهدفتها السلطات اليمنية: "أبناء الجنوب" و"شبكة الطيف الإخبارية" و"يمن حرّ" و"شمسان نيوز" و"الضالع بوابة الجنوب" و"منتدى أبين" و"حضرموت نيوز".
وقد قام موقع "يمن بورتال" بنشر قائمة المواقع المحجوبة التي إستطاع حصرها وبات ينشر ما تضمنته هي نفسها، ورغم أن يمن بورتال تم حجبه إلا أنه استطاع إنشاء برنامج يكسر الحجب على المواقع وأسماه" الكاسر".
وتعمد السلطات اليمنية إلى حجب أهمّ المواقع الحاضنة للمدونات لحرمان المدونين من نشر مقالاتهم وصورهم وتبادل المعلومات بينهم . وكان موقع مدونات مكتوب الأردني على راس هذه المواقع التي تم حجبها، وهو ما يفسر اسباب استخدام الأغلبية الساحقة من المدونين اليمنيين أسماء مستعارة خوفا من التتبعات القضائية وحملات الترهيب والاختطاف، مثل "ثمود" و"أمل حضرموت" و"صوت حرّ من صنعاء".
وأمام تواتر الهجمات، دشّنت مجموعة من المواقع والمدونات حملة "مقاومة حجب المواقع اليمنية على الإنترنت". ويرصد الموقع الرسمي للحملة صنوف التجاوزات التي تتعرّض لها المواقع. كما يقترح آليات عملية لتصفح المواد المحجوبة .
سجناء الإنترنت
في ظل حالة الطوارئ غير المعلنة التي فرضتها السلطات اليمنية، أصبح من السهل جدّا استهداف الأقلام الحرة على الشبكة العنكبوتية وبطرق عدة، أبرزها تواتر حالات الاختطاف من قبل "أشخاص مدنيين". ففي سبتمبر 2009، قام مجهولون باختطاف محمد المقالح، الصحفي بموقع "الاشتراكي" على خلفية مقالات انتقد فيها الأداء الحكومي في التعامل مع الاضطرابات الأمنية. وتتهم المعارضة جهاز الأمن القومي اليمني بالوقوف وراء الحادث .
وقبلها، وبالتحديد في مايو 2009، اعتقلت أجهزة الأمن اليمنية الصحفي فؤاء رشيد، المسؤول عن موقع "مكلا برس" ويحي بامحفوظ، المدير السابق لموقع "حضرموت نيوز" دون إبداء أي مبررات أو أسباب .
هذا ويتواصل التضييق على الصحفي والمدوّن ورئيس تحرير موقع "الشورى نت"، عبد الكريم الخيواني، الذي قضّى عاما بالسجون اليمنية على خلفية كتاباته الجريئة في نقد النظام، قبل أن يُفرج عنه، عام 2005 بعفو رئاسي. وحُكم على الخيواني، في يونيو 2008، بالسّجن لستّ سنوات بتهمة الإرهاب والتآمر على النظام بالتعاون مع المتمردين الحوثيين في إطار ما يسمى ب"خلية صنعاء الثانية" ، بينما اختطف في عدّة مناسبات عام 2007 ومُنع من السفر. وللخيواني مقالات نقدية عديدة أثارت غضب النظام الحاكم، من بينها "عيد الجلوس" و"علي كاتيوشا".
وفي أكتوبر 2009، شهدت الساحة الالكترونية اليمنية نهجا جديدا في التعرّض للأصوات "المزعجة"، إذ اتهم ناشر ورئيس تحرير موقع "الاتجاه نت"، زبين عائض عطية، "جهات معينة" بمحاولة اغتياله وتلفيق قضايا ضده "بهدف النيل من عمله الصحفي في نشر الحقائق" .
مقاهي الإنترنت ومحاولات "شيطنة" الشبكة العنكبوتية
يبلغ عدد مقاهي الانترنت في اليمن وفقا لوكالة الإنباء اليمنية نحو 984 مقهى حتى نهاية النصف الاول من العام 2009م
وتتعرض المقاهي لما يُعرف بحملات التنظيم، الغاية منها "إلزام المقاهي بتطبيق لائحة تنظيم الأعمال الخاصة بها وتوفير قاعدة بيانات متكاملة عنها لتسهيل التعامل بين المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية ومراكز الاتصالات ومقاهي الإنترنت" .
ومازال الشارع اليمني ينظر لمقاهي الإنترنت بعين الشك والريبة. فحسب بعض المتابعين، "يُعتبر الإنترنت وسيلة للدخول إلى المواقع اللاأخلاقية وهو ما يخشاه البعض على شريحة الشباب" .
كما يتشكّك كثير من اليمنيين في صدق هذه النظرة السيئة التي ترمي السلطات من خلالها لدفع المواطنين إلى صرف النظر عن استخدام الإنترنت بل وإلى اعتبار مستخدمي الإنترنت من "الآثمين". وكانت وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" قد نشرت نتائج استبيان أجرته في أغسطس 2007 أشارت فيه إلى أنّ 70% من المستطلَعة آراؤهم وهم من الشباب يستخدمون الشبكة الدولية للمعلومات للبحث في المواقع الإباحية .
وتُعتبر الحملات المتكررة على الصحف الرسمية ضد المواقع الاجتماعية ك"الفيسبوك" و"تويتر" أو مواقع تبادل المواد الفيلمية ك"يوتيوب" و"ديلي موشيون" دليلا إضافيا على تخوف النظام اليمني من وصول المواطن العادي إلى المعلومة والخبر من مصادر مستقلّة أو بعيدة عن سيطرته المطبقة على وسائل الإعلام في البلاد.
إنترنت ذكوري.. والمرأة خارج المعادلة
تواضع الإمكانيات اللوجستية وضعف أعداد مستخدمي الإنترنت انعكس سلبا على المرأة في اليمن، ما يجعلها الحلقة المفقودة في المشهد برمّته. وتشير الأرقام الرسمية إلى أنّ نسبة الأمية في صفوف المرأة اليمنية يتجاوز 70%، وهو ما يفسّر غيابها من المشهد الالكتروني. ففي مجال التخصص في الكمبيوتر، يبلغ عدد الطالبات 489 مقابل 2915 طالبا. كما أنّ عدد الموظَّفات في القطاع العامّ في مجال الكمبيوتر وتكنولوجيات الاتصال لا يتجاوز 78 موظفة من بين 88 ألف موظفة في مختلف المجالات الآخرى .
وتكاد المدونات النسائية أن تنعدم نظرا لحالة الفقر التي تجعل من الصعب على أغلب الأسر اليمنية امتلاك أجهزة كمبيوتر والاتصال بشبكة الانترنت، كما أن ارتياد الفتيات لمقاهي الإنترنت، يعد ضربا من ضروب التمرّد على تقاليد المجتمع اليمني وعاداته المحافظة. كلّ ذلك يعكس ذكورية المجتمع حتى في العالم الافتراضي.
لكنّ النقطة الإيجابية التي تُحسب للمرأة اليمنية على الشبكة الدولية هي أنّ من أبرز مواقع الإنترنت هو الموقع الرسمي لاتحاد نساء اليمن والذي تعرَّض للحجب وحتى للتخريب في عديد المرّات لنشره موادّ ومواقف أثارت غضب النظام الحاكم.