كتبت: جين نوفاك – فبراير/ 2009
عقد الرئيس اليمني علي عبدا لله صالح مؤخرا صفقة مع أيمن الظواهري، حيث أن اليمن بصدد إفراغ سجونها من جهاديين معروفين. تقوم الحكومة اليمنية بتجنيد مجاهدين مؤسسين لمهاجمة أعداءها المحليين بينما تحجم عن تدابير جدية لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة الذي تم تشكيله مؤخراً في شبه الجزيرة العربية. حيث مكنت العلاقة ثلاثية الأطراف بين النظام اليمني وتنظيم القاعدة، جميع المشاركين على مواصلة تحقيق أهدافهم على حساب الأمن الوطني والإقليمي، و العالمي.
اليمن تفرج عن 95 جهادياًَ
ذكرت تقارير أخبارية واردة من اليمن تفاصيل لقاء جرى في صنعاء بين الرئيس صالح وعدد مما يسمى بالجهاديين المصلحين في أواخر يناير. طالب فيه المجاهدون بالإفراج عن زملاء لهم مسجونين. و حددت لجنة رئاسية 170 جهادياً مؤهلاً لإطلاق السراح، أطلق سراح 95 منهم يوم السبت (7/ فبراير). وتشير تقارير أخرى إلى أن السلطات قد أجازت إطلاق سراح جماعة قوامها 300 من مجموع 400 سجين مشتبه بانتمائهم للقاعدة.
وحد ما يقال، فإن صالح في آخر جولة من المفاوضات طلب من المسلحين الانخراط في أعمال عنف ضد حركة الاحتشاد الجنوبية. حيث أن الانتفاضة الجنوبية عازمة على تحقيق استقلال جنوب اليمن وتشكل تهديدا كبيرا لسيطرة صالح على السلطة. وكان طارق الفضلي حاضراً في ذلك الاجتماع، واجتماع آخر تلاه في أبين ، ولوح المجاهدون بأمر رسمي يوجه القوات المسلحة بتزويد مجموعة المرتزقة بالأسلحة والذخائر. حيث قاتل الفضلي بجانب بن لادن في أفغانستان، وقد اتهم بالتواطؤ في تفجير فندق عدن عام 1992، وهو أول هجوم لتنظيم القاعدة استهدف القوات الأميركية. يشار إلى أن شقيقة الفضلي متزوجة من العميد علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس صالح ومتطوع لصالح بن لادن في ثمانينيات القرن المنصرم.
جند الرئيس صالح الفضلي وعرباً أفغاناً آخرين ضد الاشتراكيين في جنوب اليمن في الحرب الأهلية عام 1994. وتم مكافأة بعض الموالين لأسامة بن لادن بمناصب رفيعة في الحكومة والقوات المسلحة بعد الحرب الأهلية عام 1994. وفي الآونة الأخيرة، ضم العميد علي محسن الأحمر متطرفين سنيين إلى صفوف الجيش خلال حرب صعدة (2004- 2008) للقتال ضد متمردي “الحوثي” الشيعة. ويجيز المتطرفون التجنيد للحرب في معركتي 1994 وصعدة استناداً على خلفية العدو “المرتد”. وما أنجز هذه المهمة بشكل أسهل هو توصبف وسائل الإعلام الرسمية لكل من الاشتراكيين والشيعيين بالشيطانية.
يمنح تجنيد متطرفي تنظيم القاعدة، كتجنيد شبه عسكري حكومي، الجهاديين تدريباً، وخبرة ، وصلات، وربحاً مالياً، وقدرة للإملاء على النظام لتلقين أتباعه. ويتم منح العديد منهم رواتب عسكرية ومناصب رسمية. فقد كسب متطرفون وضعيات في الدولة بعد مضي سنوات من دمج متطرفين في قوات الأمن والبيروقراطية اليمنيتين.
انبثقت مفاوضات مباشرة بين الرئيس اليمني و مشاركون في تنظيم القاعدة من “برنامج حوار” يمني أسس في عام 2002. سعى البرنامج من خلال مناقشة من القرآن إلى الحصول على ضمانات بأن المجاهدين لن يشنوا هجمات داخل اليمن لكنه لم يقل شيئا عن الشرعية الإسلامية بخصوص هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق. جرى هذا البرنامج حتى عام 2005، و وصفه بعض المشاركين أنه برنامج إفراج معجل.
بدأ الرئيس صالح بالتفاوض علناً مع الجهاديين في عام 2005. وأجريت واحدة من هذه المفاوضات بواسطة صالح ورئيس جهاز الأمن السياسي في اليمن في عام 2006. كان فيها رشاد محمد سعيد (أبو الفداء) ممثلاً للجهاديين، وهو شخصية كبيرة سابقاً في تنظيم القاعدة وحركة طالبان الذي كان يظهر في شرائط الفيديو بالقرب من أسامة بن لادن.
ووصف سعيد في وقت لاحق نتائج الاجتماع مع صالح. حيث قال: “كما تم الاتفاق على إلغاء التدابير المفروضة على أولئك المطلق سراحهم، مثل الإقامة الجبرية، والتوقيع الشهري على السجل الرسمي وأخذ إذن فيما إذا كنت ترغب في الذهاب إلى محافظة أخرى في اليمن”. أشاد سعيد باليمن في عام 2006 على أنها “أفضل دولة” في التعامل مع المجاهدين، وأشار إلى أن “الحكومة اليمنية لن تدخل في مواجهات مفتوحة مع المجاهدين”.
وقد رتب الرئيس صالح أيضاً وظائف حكومية، وسيارات، ودفعات نقدية، وحتى حفلات زفاف للمتشددين الذين عاهدوا على إتباع إملاءات النظام. ويلفق مسئولون أن هذه المفاوضات تعتبر بمثابة تربية إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع.
في يناير 2008 قال متحدث باسم خلية للقاعدة في اليمن أن الحكومة قد قامت بتجنيد بعض أعضائها للقتال في حرب صعدة. في المقابل ، فإن قوات الأمن وافقت على “التخفيف من اضطهاد عناصر (القاعدة).” وقال أحمد منصور أن المجموعة كانت على اتصال مع الحكومة من خلال وسطاء ، وأضاف بن لادن بأمر حظر على الهجمات ضد النظام ، وأن تظل الولايات المتحدة العدو رقم واحد. و كان ناصر البحري (أبو جندل)، الحارس الشخصي لابن لادن لفترة طويلة، ورشاد سعيد من ضمن المطلعين الآخرين في تنظيم القاعدة الذين أشاروا إلى منع بن لادن الاعتداءات ضد حكومة صالح.
القاعدة المركزية
إن الشق الآخر من العلاقة الثلاثية للرئيس صالح مع تنظيم القاعدة هي علاقته بالقيادة المركزية للجماعة، التي يعتقد حاليا أن تكون في أفغانستان أو باكستان. قدمت اليمن الآلاف من المجندين للجهاد الأفغاني في ثمانينيات القرن المنصرم، وكان اليمنيون بين الصفوف الأولى في التنظيم، إضافة إلى أنهم كانوا يشكلون نواة الأفراد الذين تولوا حراسة، وتغذية، ونقل بن لادن. رحب صالح بالآلف من المجاهدين اليمنيين وغير اليمنيين في أفغانستان بعد انسحاب السوفيت. وكثيرا ما زار اليمن أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وخطبا فيها في تسعينيات القرن المنصرم، ولديهما كثير من الموالين في صفوف الحكومة اليمنية.
منذ زمن طويل ونمط التفاوض قائماً. حيث تواصل بن لادن بمسئول يمني وساومه بغرض الإفراج عن مشارك في القاعدة يدعى خلاد بن عطاش بعد اعتقاله في اليمن في عام 1999. أفرج النظام اليمني عن عطاش ووعد بعدم مواجهة تنظيم القاعدة. في المقابل، تعهد بن لادن بعدم مهاجمة الحكومة. وذهب عطاش في وقت لاحق ليلعب دوراً رئيساً في تفجير المدمرة الأمريكية (كول). وعلى ما يبدو فإن جولة أخرى من المفاوضات قد تم توقيعها في 2003 تم فيها تقديم النظام اليمني تنازلات مقابل حصانته من الهجوم.
هناك اتفاق راهن بين الرئيس اليمني صالح وتنظيم القاعدة الإرهابي تم الإشارة إليه في تقرير هنا في (اللونج وار جورنال) يفصل الاتصال الذي جرى بين أيمن الظواهري والرئيس صالح بعد الهجوم على السفارة الأمريكية في سبتمبر. وقال مسئول عسكري في الولايات المتحدة أن “صالح خاف أن حكومته ستكون الهدف القادم، لكن الظواهري أراد إطلاق سجناء القاعدة من السجون اليمنية وتعهد بأن يحارب جنود تنظيم القاعدة متمردي الحوثي.”
مجاهدون نشطاء
ورغم أن اليمن انضمت رسميا للحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن النظام اليمني قد سهل جهود الجهاديين خارجياً، وآوى المقاتلين داخلياً، و ضلل مراراً الولايات المتحدة عن أماكن تواجدهم ووضعياتهم. سجلت صحيفة يمنية في أوائل عام 2007 ألف وثمانمائة يمنياً سافروا إلى العراق للجهاد؛ قالت أسرهم أنه قد تم تدريب شبانهم من قبل قادة عسكريين يمنيين رفيعي المستوى.
تفشل محاكم يمنية في تجريم هجمات على قوات أو مدنيي الولايات المتحدة في الخارج. ففي محاكمة جرت عام 2006 لثلاثة عشر جهادياً قاتلوا في العراق، وجدت المحكمة أن ذلك ليس مخالفاً للقانون اليمني الذي لا يجرم قتل مواطنين أجانب في دول إسلامية ” مستعمرة”. على الرغم من أن المتهمين اعترفوا بقتال قوات الولايات المتحدة والعراق، ولم يواجهوا أي عقوبة قضائية و أدينوا فقط بتزوير وثائق.
ترفض اليمن تسليم أو سجن نشطاء القاعدة المدانين بالهجوم الإرهابي على المدمرة الأمريكية كول. وعلى حد سواء فقد كان الرئيس صالح متساهلاً مع المدانين في الهجمات على السياح والمنشآت النفطية. وقد تم منح العديد “الإقامة الجبرية” بعد فرارهم من السجن. للعلم أن النظام المصرفي في اليمن يفتقر إلى إطار قانوني لتجريم تمويل الإرهاب.
ويؤكد بعض المحللين أن بعض الهجمات الإرهابية التي وقعت منذ عام 2006 كانت وراءها قوى الأمن اليمنية في محاولة للتحايل على التصورات الدولية أو للتضليل على الأزمات السياسية الداخلية. حيث قال واحد من أبرز المطلوبين الإرهابيين اليمنيين يدعى حمزة علي صالح: “أنا مستعد لإثبات حقيقة أن بعض الهجمات تم التخطيط لها بتنسيق وموافقة الأمن السياسي وعملائه للحصول على دعم خارجي”.
نشرت صحيفة (القدس العربي) في نوفمبر 2008 مقابلة مع إرهابي سابق في اليمن كان قد وصف بأنه “قريب جدا من القاعدة”. ذكر فيها القيادي الجهادي أن التنظيم الإرهابي قد دخل “مرحلة ايجابية” في التخطيط لهجوم على الولايات المتحدة وأنه سوف “يفوق إلى حد بعيد” هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ونشرت (القدس العربي) من قبل فتوى لابن لادن ضد الولايات المتحدة عام 1998. وقال الناشط اليمني السابق انه على اتصال مع القيادات الحالية للتنظيم في اليمن، الذي بدوره يتلقى رسائل من بن لادن.
وحدت مجاميع القاعدة في اليمن والمملكة العربية السعودية رسميا عملياتها في يناير تحت اسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. حيث أعلنت جماعة الاندماج في مؤتمر صحفي حضره صحفي واحد يدعى عبدالإله شائع، وهو باحث موظف في وكالة أنباء الدولة (سبأ). وتم الاعتراف بالجماعة عبر بيان لأيمن الظواهري. تم تأسيس تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن. وكان زعيمه يمنياً يدعى ناصر الوحيشي، الذي كان احد الحلفاء المقربين من أسامة بن لادن في أفغانستان. وتعهد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بضرب المصالح الغربية وتجهيز طرق عبر المنطقة. ويبدو أن إنشاء تلك الجماعة الجديدة مع أهدافها الواسعة تطور استراتيجي من ناحية القاعدة المركزية في تحقيق إستراتيجيتها العالمية.
عكس تصريح لقيادة القاعدة المركزية الأهداف المعلنة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ابريل 2008، حيث قال إن إنشاء خلايا إرهابية بحرية والسيطرة على البحار المحيطة باليمن يشكل “خطوة حيوية” في تحقيق خلافة عالمية. ووصف الممر المائي لباب المندب وخليج عدن بأنهما ” ذوا أهمية إستراتيجية عالية” في خطة تنظيم القاعدة طويلة المدى. كما سلط بيان أبريل الضوء على الهجمات ضد المدمرة الأمريكية (كول) في عام 2001 والناقلة الفرنسية (ليمبورغ) في عام 2002 في ميناء عدن.
وردا على تشكيل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أثار نظام صالح عدة إعلانات عن عزمه العثور على مخبأ الجماعة. ودعا صالح زعماء القبائل والمواطنين لتسليم المسلحين. واتهم مسئولون أحزاب المعارضة بدعم تنظيم القاعدة في محاولة منهم للإطاحة بالحكومة. أقامت قوات الأمن نقاط تفتيش ، متعهدة بأنشطة ملاحقات، وضربت رجلاً يدعى الزاهري لأن اسمه مماثل لزعيم في تنظيم القاعدة.
نشر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بلاغاً صحفياً يشرح فيه الترتيب الفريد لأعضائه المحليين وشرع لهم القتال لصالح الدولة بالإشارة إلى حرب 1994. وحصلت (نيوز يمن) على نسخة من الرسالة. أعادت الذاكرة إلى الاتفاق السابق بين صالح والظواهري في أواخر عام 2008، وأوضح تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لأتباعه أن الرئيس صالح يريد جهاديين للقتال لصالح الدولة، خاصة أولئك الذين سبق وإن شاركوا في عام 1994 ضد أعداء الوحدة، المعارضون الجنوبيون. وبالمقابل سيحصل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على إفراجات من السجون و سفر دون عوائق إلى مسارح خارجية للجهاد، كما أوضحت الرسالة.
———————————-
عن صحيفة (اللونج وار جورنال)
multifaceted.php