بقلم المحلل الامريكي المختص بشؤن اليمن بريان أونيل
في أعقاب محاولات تفجير يوم عيد الميلاد ، أدرك الكثيرون في أمريكا أن هناك تواجد كبير للقاعدة في اليمن ، الذي كان يعتبر حتى ذلك الحين البلد الوحيد الذي يكتنف الغموض ذكره.
الأخبار الواردة بدأت تصف الفقر المؤلم و الكابوس الديموغرافي و البيئي الذي يواجه اليمن و الذي أخد يلوح في الأفق. كما تواردت قصص كثيرة عن التمرد المستمر في شمال البلاد ، والذي شهد في الآونة الأخيرة فقط وقفا لاطلاق النار.
والآن ، تذكر التقارير الاخبارية من اليمن تزايد التعامل العنيف مع حركة الانفصال في الجنوب. و القراء معذورون حين يعتقدون أن حكم اليمن عبارة عن دوامة من إدراة الأزمات التي لا نهاية لها ، و في الحقيقة هذا الوصف دقيق تماما.
و في حين أن هذه السلسلة من المشاكل لا يمكن مواجهتها بالتجاهل، لأنها تكاد تكون هزلية في تكرارها ، فإن حركة التمرد في الجنوب ذات طبيعة مختلفة تماما عن غيرها من حركات التمرد. فهي أكثر من أي شيء آخر ، لديها القدرة على تمزيق هذا البلد الهش إربا.
عرض تاريخي موجز : شمال وجنوب اليمن (هذا التقسيم غير دقيق جغرافيا ولكنه ملائم سياسيا) لم يتوحدا سوى منذ عام 1990 ، و كان هناك قبل ذلك جمهورية في الشمال و دولة ماركسية في الجنوب و التي كان داعمها الإقتصادي الرئيسي الاتحاد السوفييتي. في أعقاب نهاية الحرب الباردة توحدت اثننين من الدول الفقيرة ، ولكن في وضع غير مريح. و قادت المناورات السياسية والعنف ، الذي كان يقف وراء الكثير منه الرئيس علي عبد الله صالح ، إلى الحرب في عام 1994.
إنتصر الشمال ، و من وجهة نظر الجنوب ، كان ذلك في الأساس إحتلالا لوطنهم. في القتال إعتمد صالح على المجاهدين الذين عادوا مؤخرا من قتال السوفييت في أفغانستان ، ورأى في ذلك فرصة لاستخدام مهاراتهم ضد العدو "الملحد". في المقابل ، فإن الأصوليون تمكنوا من فرض سيطرتهم على الشعب الأكثر حرية و علمانية (كما دمرت مصنع البيرة الوحيد في اليمن ، وهو الحدث الذي حتى يومنا هذا ذو دلالة عميقة).أُخذت الأرض و إنزلق الجنوب إلى فقر أعمق.
و غني عن القول إن هذا لم يروق للجنوبيين.
ما هو معروف الآن باسم الحراك الجنوبي بدأ بالتشكل في عام 2007 ، عندما طالب ضباط الجيش بحقوق التقاعد ، و إحتج الجنود الأصغر سنا من التمييز المناطقي في الترقيات -- و الجيش يعتبر إحدى الطرق القليلة لتحسين الوضع الاجتماعي. و لكن و نتيجة لإجراءات صالح الصارمة تحول ما بدأ كدعوة سلمية لمزيد من الحقوق وقدر أقل من القمع الاقتصادي الى دعوة للحصول على الإنفصال.
و هذا أكثر أهمية من التهديد الحالي لتنظيم القاعدة. تنظيم القاعدة يشكل خطرا ، على حد سواء لليمن والغرب ، ولكن في النهاية القاعدة لا تشكل تهديدا وجوديا لليمن. ما يمكن أن يعملوه هو حرف إنتباه الحكومة من التعامل مع المشكلة و الإستفادة من هذا الإنحراف. طالما أن قضية الجنوب تتفاقم فسوف لن يكون اليمن قادرا على التعامل مع ما نراه أنه الأهم. و ينبغى عدم الإشارة إلى أن الضغط لصالح التركيز كليا على القاعدة هو بمثابة هزيمة ذاتية.
ولكن هذا التحرك يضع الولايات المتحدة في موقف معقد. صالح هو حليفنا المزعوم ، و القاطرة التي ربطنا بها عربتنا. لقد فعلنا ذلك مبدئيا ، متخوفين من حساباته و مكائده و دسائسه التي لا نهاية لها ، ولكن في النهاية نحن في حاجة إليه. ومع ذلك ، فإنه ليس في مصلحتنا ، أخلاقيا أو استراتيجيا ،لكونه حليفا لنا , السماح له بسحق الحركة المطالبة بحقوق المرأة ، و محاربة الجهل و الأمية، و البحث عن الفرص الاقتصادية و الإبتعاد عن التطرف الديني - و هو الأمر الذي سيكون الأكثر رعونة.
تقسيم البلاد من شأنه كسر اليمن وترك القاعدة تزدهر. مناورات الرئيس صالح الفظة يمكن أن تسرع هذا الانقسام. رغبتنا في أن نرى تنظيم القاعدة يُسحق قد تفسر بالضوء الأخضر لوحشيته, انه لأمر يسبب الصداع. ما يجب على الولايات المتحدة القيام به هو تجميد الدعم المالي لمكافحة الإرهاب إلا إذا جلس صالح الى طاولة المفاوضات مع زعماء الحركة ، ونجح في التوصل إلى اتفاق سلام (الذي من شأنه ، من وجهة نظري، أن يتضمن قدرا كبيرا من الحكم الذاتي ، على الأقل لبناء جدار لإعادة الثقة). فمن الصعب في الوقت الحالي تجاهل ما هو اهتمامنا الرئيسي في اليمن ، ولكن المساعدة على حل الدوامة التي لا تنتهي من الأزمات هو السبيل الوحيد لضمان أن القاعدة المهزومة لن تعيد إحياء نفسها من النار.
* بريان أونيل ، الكاتب والمحرر السابق في "The Yemen Observer"، يعمل حاليا كمحلل مستقل و خبير أمني عن اليمن في شيكاغو. نشر مقالات عن اليمن في عدد من المجلات و المواقع الإليكترونية في دائما يحكم عليه ، وهو إلى حد كبير ، ولكن بعيدا عن كليا ، عن اليمن.