حول فرض الحصار على الجنوب اليمني.. وأمور أخرى
الكاتب احمد عمر بن فريد
كمقدمة ضرورية لعملية الحصار والقتل والقمع التي اعد عدتها نظام
صنعاء ضد أبناء الجنوب العربي، لقتل حراكهم التحرري السلمي، اصدر نائب
وزير الاتصالات في الجمهورية اليمنية تعميما إداريا 'نافذا' لجميع شركات
الهاتف المحمول في الجمهورية قضى بضرورة عمل الإجراءات اللازمة لقطع كافة
الاتصالات عن محافظات الجنوب وخاصة محافظات لحج وأبين والضالع. وفي نفس
الوقت كان وزير الإعلام اللوزي قد دشن حملة عدائية عنيفة تجاه قناة
'الجزيرة' مستخدما فيها جميع ما في جعبته القديمة من مصطلحات مكررة بالية
.. كمسألة الإضرار بالوحدة الوطنية. وإثارة ثقافة الكراهية. وخلق أجواء
البلبلة بين صفوف المواطنين. وتسميم أجواء السلم الاجتماعي والسكينة
العامة.
وما إن انتهت هذه الترتيبات الأمنية والإدارية، حتى كانت قوات
النظام في صنعاء قد بدأت حملة شعواء غير مسبوقة في مختلف مناطق الجنوب، لم
تــــتردد فيهــــا عن القيام بعمليات عسكرية دموية ومدمرة، وكانت '
الأنفس البشرية ' هي المستهدف الرئيسي الأول، باعتبارها الأرخص قيمة
والأقل كلفة والأكثر تأثيرا على مسيرة الحراك بحسب التوجيهات والخطط
الأمنية التي اشرف على تنفيذها - للأسف الشديد - وزير الدفاع محمد ناصر
المنحدر من محافظة أبين الجنوبية الأبية.
اكتب هذا المقال .. ودماء
أحرار الجنوب تروي تربة الوطن في الضالع والصبيحة والحوطة، في مشهد متكرر
أسفر في يوم واحد عن استشهاد ثلاثة متظاهرين وجرح أكثر من 13 آخرين ...
وبينما كانت ساحات النضال السلمي في مختلف مناطق الجنوب تعج بالمتظاهرين
الثائرين لكرامة الجنوب وتاريخه وسيادته، بروح يملؤها التحدي والتصميم
والإرادة، كان سعادة الوزير المحدود الصلاحية في الأمور الإستراتيجية
الخاصة بوزارته، والمطــــلق الصلاحية في قمع إخوانه الأحرار من أبناء
الجنوب، يتجول في عدن ولحج وأبين بمعية 'أصحاب السيادة الفعليين' كوزير
الداخلية مطهر رشاد المصري وغيره من ضباط الأمن القومي والأمن السياسي،
دافعين الوزير 'الغلبان' وأمثاله تجاه جملة غير محسوبة العواقب من الأفعال
والأقوال الداعية إلى إبادة قوى الحراك الجنوبي أينما كانت.
وفي
حقيقة الأمر ان موقف وزير الدفاع وغيره من الوزراء والمسؤولين الجنوبيين
الذين يستخدمهم نظام الرئيس صالح في تسويق وحدة احتلال الجنوب إقليميا
ودوليا، وفي الإشراف على تنفيذ عمليات قتل وقمع أهلهم وإخوانهم وأبنائهم
الجنوبيين، تطرح مأزقا جدليا في صفوف قوى الحراك بشكل عام، جهة الكيفية
التي ينبغي بمقتضاها التعامل مع هؤلاء في إطار العملية النضالية برمتها،
إضافة إلى نوعية المرتبة او الخانة التي يمكن تصنيفهم بموجبها وطنيا
بحسابات التحرر الوطني المحضة. وربما ان هذا المأزق يتمثل في جوهره بحقيقة
ارتكاز الحركة الجنوبية السلمية على قيم ومبادئ أخلاقية، وهي قيم التسامح
والتصالح التي تعتبرها القوى الجنوبية مجتمعة الأساس الصلب الذي تقف على
مداميكه ومن على أرضيته كانت الانطلاقة الجسورة وكانت والوحدة الوطنية
المتماسكة.
لكن الأمر الأكثر مدعاة للأسف، انه وبالقدر الذي تبدي فيه
قوى الحراك الجنوبي موقفا متسامحا إلى أقصى حدود التسامح، والى ابعد درجات
التحمل تجاه الأقوال والأفعال الموجعة والمؤلمة، من قبل الشخصيات الجنوبية
الرسمية المنخرطة في نظام صنعاء، إلا أنها - في معظمها - تضرب عرض الحائط
بجميع تلك المواقف النبيلة ولا تتردد في مختلف المناسبات عن فعل ما يمكن
ان يظهرها الرئيس (الملكي الجمهوري) كملكية أكثر من الملك نفسه.
وفي
رأيي الشخصي .. وعطفا على ما تتم ممارسته من أعمال إجرامية 'قذرة' في حق
أبناء الجنوب، فان موقف هؤلاء القوم يتجاوز كثيرا الموقف المخزي - الذي
تراجع عن خزيه خوفا من العار ليس إلا- عندما حاول تمرير 'تقرير غولدستون'
الشهير بصمت في جنيف أواخر العام الماضي. على اعتبار ان ممثلي السلطة
الفلسطينية في مؤتمر حقوق الإنسان فضلوا السكوت والتغاضي عن جرائم الإبادة
التي تمت في حق الفلسطينيين في غزة وفقا لتعليمات جاءت من خارج الحقل
الفلسطيني، في حين ان إخواننا الجنوبيين في السلطة تجاوزوا مرحلة السكوت
وغض الطرف عن الجرائم المرتكبة إلى مرحلة المشاركة والتخطيط لها وتقديم
المبررات والغطاء الجنوبي اللازم كي تبدو في جوهرها نوعا من الحزم
والإجراءات الأمنية التي يمكن ان تقوم بها اي حكومة تجاه من تسميهم السلطة
بـ'الخارجين على القانون'.
والحقيقة الواضحة التي يعلمها نائب الرئيس
ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، تحكي بشكل قاطع ومانع ان صفة ' الخارجين على
القانون ' عادة ما تطلق على جماعات صغيرة متمردة، وان تاريخ هذا المصطلح
لم يسجل عملية سحبه على شعب بأكمله وهو ينتفض لكرامته وحريته إلا في قاموس
نظام الجمهورية اليمنية (الجمهورية العربية اليمنية) في مواجهته الحالية
ضد ثورة الجنوب الخضراء. كما ان السؤال المنطقي الذي يمكن ان يواجه
إخواننا الجنوبيين في السلطة في هذه الحالة يمكن ان يكون كما يلي: ترى ما
هي المبررات التي يمكن ان يتحدث عنها هذا النظام أمام العالم عقب اقترافه
لأي جريمة إنسانية في الجنوب في حال خلت مقاعدكم الرسمية من تمثيلكم
الشكلي لها ... هل يمكن ان يقول او يدعي انه بما يفعل إنما يحافظ على
الوحدة التي لم يعد فيها للجنوب ككل اي مكان سوى أماكنكم التي تحتلونها
على حساب قضيتنا وعلى حساب دماء الشهداء.. أولا يمكن القول بطريقة أخرى
إنكم في هذه الحالة التي تصرون على البقاء فيها - إنما تمثلون الغطاء
الشرعي الذي يتخفى خلفه هذا النظام ' القمعي - الاحتلالي - حينما يقرر في
كل مرة ضرب الجنوب لإسكاته وإخضاعه إلى الأبد؟ .. وهل تعتقدون ان مثل هذا
الموقف 'المخزي' سوف يشفع لكم غدا عندما يستعيد أحرار الجنوب أرضهم
ودولتهم وسيادتهم وهويتهم.
كما أن بعض الشخصيات الجنوبية، التي لم تجد
لها مكانا في الصفوف الأمامية العسكرية لضرب الحراك الجنوبي، لا تتردد عن
ممارسة ادوار أخرى لا تقل قباحة عن الفعل العسكري، ألا وهي ادوار (السمسرة
السياسية) لدى النظام الحاكم حينما يستخدمهم الرئيس أو أجهزته المتعددة
لحمل رسائل الترهيب والترغيب لقيادات الحراك الجنوبي في محاولة لثنيهم عن
شرف النضال الذي يخوضون غماره جنبا إلى جنب مع شعبهم الثائر، مفضلين
القيام بمثل هذه الأعمال الوضيعة مقابل دنس المال الذي يحصلون عليه مقابل
تلك الخدمات غير المشرفة لهم أو لتاريخ آبائهم وقبائلهم ... نقول لهؤلاء
جميعا .. قليلا من الخجل .. قليلا من الشعور بالعار.